من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : زهير محمد مليباري.
إجمالي القراءات : ﴿2579﴾.
عدد المشــاركات : ﴿15﴾.

العلوم الفنية : فن التجريد وأنواعه.
■ تتعدد الاتجاهات والأساليب في فنون الأمم السابقة أو في الفن الحديث وتتشعب إلى تشعبات كثيرة، وبالرغم من هذا التشعب والتعدد يمكن تقسيمها في الفن عامة، والفن التشكيلي خاصة إلى نوعين أساسين :
● النوع الأول :
تتصل بالمفهوم التمثيلي أو الواقعي، حيث يوظف الشكل الذي يحمل دلالات من الطبيعة، وهو ما نطلق عليه الشكل التمثيلي وهذه النوعية بدورها تنقسم إلى قسمين خاصة في مجال التصوير :
أ. هي الأشكال التي تمثل الطبيعة بطريقة شديدة الوضوح والواقعية، بمعنى لا نخطئ في التعرف على هذه الأشكال.
ب. هي الأشكال التي تمثل الطبيعة ولكنها محورة أو مبسطة أو ملخصة تلخيصاَ شديداَ، ولكن يمكن لنا التعرف عليها رغم هذا التبسيط. ويطلق على هذه الأشكال : أشكال نصف تمثيلية، أو نصف تجريدية ويتضح لنا ذلك في أعمال الفنان بول كلي، وجون ميرو، ومعظم رسوم الأطفال.

● النوع الثاني :
يتعلق بالمفهوم الذي تستثمر فيه طاقات الشكل المجرد والهندسي. حيث يوظف الشكل الذي لا يحمل أي دلالات من الطبيعة، بمعنى أننا لا نتعرف على كنه هذه الأشكال وصلتها بالطبيعة. مثل أعمال مندريان وكندنكسي.
ومن خلال هذا علينا أن نبدأ تفسير المقصود بالتجريد والتعرف عليه، هذا المفهوم الذي يكتنفه الكثير من الغموض لدى الفنانين والجمهور على حد السواء.

● أولاً : تعريف التجريد في الفن.
إذا أخذنا مفهوم التجريد الذي يتصل بالأشكال التي تحمل دلالات واقعية، نجد أن معظم الفنون القديمة والحديثة تتصف بالتجريد. فالفنان مهما بلغت دقته في نقل عناصر الطبيعة لا يستطيع أن يحاكيها بشكل واقعي (باستثناء الصورة الفوتوغرافية) فالفن الذي يحاكي الطبيعة يختلف عن مطابقة الواقع. وعلى هذا الأساس من الابتعاد عن الواقع، يصبح العمل الفني عمل مجرد. وبهذا يصبح كل عمل فني يتصف بالتجريد، فالتصوير في الفن التشكيلي عامة "سواء قديماَ أو حديثاَ" ما هو إلا تعبير وترجمة أو تلخيص أو تبسيط أو تحوير لعناصر الطبيعة ومهما كانت القدرة الفنان على المطابقة الواقعية، فلابد أن يتدخل حسه ومشاعره وذاتيته فالعمل الفني، بهدف الوصول إلى تناسب علاقاتها أو أجزاءها وتمثيل عمومياتها. بهذا فأن التجريد في الفن هو مجرد محاولة لتجريد الطبيعة من عناصرها التفصيلية، والاكتفاء بالتعبير عن الجوهر، أي استبقاء ما هو جوهري وأساسي أو ما هو ثابت وباقي، فالموضوع أو الطبيعة محورة أو مَصُوغَة بصياغة جديدة مجردة من تفصيلاتها الأساسية للوصول إلى التعبيرات الجوهرية للبناء الشكلي، دون أن تفقد الأشكال دلالاتها الطبيعية.
وهذا المفهوم للتجريد في الفن يتحقق بنسب ودرجات متفاوتة في الاتجاهات والأساليب الفنية المختلفة، ويعني ذلك أن العمل الفني هو صورة مختلفة في بعض جوانبها وتفاصيلها عن الأشكال الأصيلة في الطبيعة فالموضوع أو الطبيعة تمثل نقطة البداية عند الفنان وتمثل الانطلاقة، كما تمثل النهاية أيضاَ, غير أن بعض الاتجاهات التشكيلية مثل التكعيبية، قد تلخصت واختزلت الأشكال إلى درجة كبيرة وابتعدت بها عن دلالاتها المعروفة, مما يصعب معه التعرف على صلتها بالطبيعة، فجعل نقاد الفن يطلقون عليه مصطلح (أشكال نصف تمثيلية أو نصف تجريدية).

● ثانياَ : تعريف الفن المجرد.
أن مفهوم التجريد في الفن يختلف كلية عن مفهوم الفن المجرد أو الفن التجريدي فالأخير يستثمر طاقات الشكل المجرد ولا يهدف إلى تصوير الطبيعة سواء كان الشكل هندسي أو انسيابي أو ثلاثي الأبعاد أو مسطح أو مجسم، فهو ذلك الشكل الذي تحرر كلية من تمثيل الواقع ولا يحكي فيه الفنان أي دلالات طبيعية، فالشكل الذي يبدعه الفنان لا يهدف إلى تصوير شيء معين ولا يمثل سوى قيمته الجمالية، التي تنبثق عنها الخطوط والمساحات والألوان كعناصر تشكيلية مَصُوغَة بصياغات جديدة مثلها في ذلك كقطعة موسيقية تمثل أصوات وأنغام ليست لها دلالات واقعية نستدل بها عليها. ولكن نستشعر بمعانيها وأحاسيسها من خلال تركيب الأنغام والإيقاع الموسيقي، أن الفن التجريدي يهدف إلى إحداث تأثير جمالي خالص أو مطلق ينتج عن تنظيم الأشكال الخالصة والبعيدة عن ارتباطها بدلالات واقعية مباشرة ويقوم على إيجاد علاقات إيقاعية في الخط والمساحة والكتلة كقيمة فنية خالصة.