من أحدث المقالات المضافة في القسم.

د. حامد مصطفى المكاوي عدد المشاركات : ﴿25﴾ التسلسل الزمني : 1440/01/25 (06:01 صباحاً) عدد القراءات : ﴿4434﴾

الطلاق والتجديد الفقهي (4).
الحديث الصحيح واضح المعنى، حيث تلفظ عبدالله بن عمر – رضي الله عنه - بلفظ الطلاق في أثناء حيض زوجته، آمنة بنت غفار أو عمار، الملقبة بالنوار، فراجعها كأن لم يكن طلاق، وانتظر حتى تطهر من الحيض، الذي كان فيه التلفظ بالطلاق، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فهذه الثلاثة أشهر، وتلك العدة التي أمر الله، أن تطلق لها النساء، حتى يصح وقوع الطلاق، وهي أن يمر ثلاثة أشهر، من وقت عزم الطلاق، سواء أبلغ المأذون أو لا، والأفضل إبلاغه، وأن يوقعه كتابيا، وفي حضور المأذون وشاهدي عدل، وهذا هو ظاهر الحديث، أما التقسيم لسنة وبدعة، فتأويل بعيد، لا يصح إلا عند وجود أشكال في ظاهر المعنى.

أخرج الحاكم، في المستدرك بسنده، عن حمزة بن عبدالله بن عمر، عن أبيه - رضي الله عنهما - قال : كانت تحتي امرأة أحبها، وكان عمر يكرهها، فقال عمر : طلقها، فأبيت فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : «أطع أباك وطلقها» فطلقتها، والفاء للسرعة، ويبدو أنها هي التي تعجل فطلقها وهي حائض، وبما أن الرسول - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - لا ينطق عن الهوى، وهو مؤيد بالوحي، ولم يقل له كما قال لزيد (أمسك عليك زوجك واتق الله) الأحزاب - فقد صار الأمر بالتطليق استثناء، ينبغي المسارعة إلى الامتثال له بالتطليق، فيأمر النبي - صلى الله عليه وآله وصحبه - عبدالله بن عمر، إن كانت زوجته، التي طلقها في حيض قد طهرت، أن يطلقها الآن، وإن كانت لم تطهر، أن ينتظرها حتى تطهر، ثم يطلقها، ولكن الرسول الكريم - صلوات ربي وتسليماته عليه - غضب مما فعل، وأمره أن ينتظر ثلاثة أشهر، فلو كان الطلاق يصح وقوعه بغير تلك الطريقة، لكان أولى به تلك الحالة، مما يدل على أن الطلاق لا ينقسم إلى بدعة وسنة، وإنما إلى طلاق صحيح الوقوع أو غير صحيح الوقوع، ومثل ذلك الحكم يكون في اللائي يئسن من المحيض، والحامل التي لم تضع حملها، فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "طلقها طاهرا أو حاملا" مقيد بما ورد في الرواية الأخرى من اشتراط مرور 3 أشهر.

ابن عمر - رضي الله عنه - حسبها على نفسه طلقة، فيما قيل وفي رواية عنه قال : فرد علي ولم يرها شيئا وهذا يبين رجوع ابن عمر – رضي الله عنه - إلى الفهم الصائب في أنها ليست بطلقة ؛ لأن الطلاق لو وقع صحيحا، ما أمره الرسول - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - بتطليقها مرة ثانية، إذ لو وقع الطلاق، فما الحاجة لانتظار شهرين آخرين ؟ فطلقة واحدة بائنة كافية، لا سيما وأن الوحي مؤيد لتطليقها، طاعة لأبيه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - فالمبادرة للامتثال توجب الإسراع في التطليق، ويؤيده ما صح عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال في رجل طلق امرأته، وهي حائض : "لا تعتد بذلك" وبهذا قال بعض المالكية، وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد، واختاره بعض الحنابلة، وابن عقيل منهم، وابن تيمية، وابن القيم، ومحمد بن إسماعيل الصنعاني، والشوكاني، وصديق حسن خان، وأحمد شاكر، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد العثيمين.
وينسب هذا القول لابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وطاووس، وعمرو بن خلاس، ولأبي قلابة عبدالله بن زيد الجرمي، والشعبي، والفقهاء السبعة، ومحمد بن إسحاق، والحجاج بن أرطاة. عن أبي الزبير، قال : سألت جابرا عن الرجل يطلق امرأته وهي حائض، فقال : "طلق عبدالله بن عمر امرأته، وهي حائض، فأتى عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليراجعها فإنها امرأته.
ووجه الاستدلال قوله : "فإنها امرأته" لأنها تدل على عدم وقوع الطلاق، كما يحتمل أن معنى قوله : "ليراجعها" يرجعها لبيتها، لاحتمال أنها قد لحقت بأهلها بعد تطليقها، وبلوغها أمر الرسول - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - لعبدالله بن عمر بطاعة أبيه فيما أمره به من تطليقها، وهو ما ينسجم مع قوله - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - : "فإنها امرأته" كما أن مفسدة الطلاق أثناء الحيض، لو كان واقعا، لا يرتفع بالرجعة والطلاق بعدها، بل إنما يرتفع بالرجعة المستمرة التي تلم شعث النكاح وترقع خرقه. فأما رجعة يعقبها طلاق، فلا تزيل مفسدة الطلاق الأول، لو كان واقعا.
والأمر النبوي لعبدالله بن عمر في الحديث الشريف (مره) للوجوب، وتركه فعل لمنهي عنه، يترتب عليه عدم صحة وقوع الطلاق وفساده، فللرجل عدة إذا أراد التطليق وعزم الفراق، كما أن للمرأة عدة إذا أرادت الزواج بغيره، ومجموع العدتين 6 أشهر فإن قيل النهي لا يقتضي الفساد قلت بل يقتضيه لما يترتب على التعجل في التطليق من مفاسد وإضرار بالمجتمعات ولا ضرر ولا ضرار.

والطلاق أشبه باليمين ؛ لما فيه من التعليق، والتشديد على الفعل ولزومه لناطقه بما ألزم به نفسه، ولا يكون اليمين إلا بالله، فلو أقسم بغير الله على فعل شيء، لا يلزمه فعله ؛ لأنه لم يصح يمينا، وليس لأن يمينه يمين بدعة، وليس يمين سنة.
ولعقد النكاح شروط صحة لينعقد أو لا ينعقد، أما أن هناك نكاح بدعي، وآخر سني، فلا، وإنما يوجد نكاح صحيح أو فاسد وباطل ومثله لو تزوج بخامسة أو تزوج وقت الإحرام أو نكحها قبل انقضاء عدتها.
وظاهر قوله تعالى : (فإمساك بمعروف أو تسريح) مع قوله : (فطلقوهن لعدتهن) مشعر بأن الطلاق يقع أو لا يقع، صحيح أو فاسد، لا أنه سني أو بدعي، فالصحيح هو كما قال الناظم :
وضابط الصحيح ما تعلقا • • • به نفوذ واعتداد مطلقا
وأما الفاسد ، فهو كما قال الناظم :
والفاسد الذي به لم تعتدد • • • ولم يكن بنافذ إذا عقد .
فليصح التطليق يشترط مرور فترة تروي ؛ لرأب الصدع والشقاق بين الزوجين، فإن رجع عن عزمه التطليق، فالصلح خير، وإلا فإن الله سميع عليم، بما عزم من الطلاق.
وشرط مضي مدة 3 أشهر من وقت نية التطليق، مثل الوضوء، شرط صحة في الصلاة، فمن أداها بغير وضوء، لم تصح، وهي كلا صلاة ؛ لبطلانها وفسادها.

وقد يقال مرور 3 أشهر سبب لدخول فترة جواز وقوع الطلاق فيكون ذلك سببا لجواز الوقوع، كما دخول وقت الظهر مثلا، سبب لوجوب أدائه، وفقدان السبب يجعل العمل فاسد الوقوع، فمن يصلي الظهر قبل وقته فصلاته باطلة، ومثله من يتلفظ بالطلاق قبل مضي 3 أشهر من وقت النية فطلاقه باطل وفاسد ولا يصح.
■ أو يقال : أسباب وقوع الطلاق ثلاثة :
• أولها : تلفظه به.
• وثانيها : نيته.
• وثالثها : مرور 3 أشهر.
لان الإنسان يتعرض للتعجل وضعف التقدير والتبصر والانخداع والاضطراب النفسي ومرور 3 أشهر، ثم تطليقه بلفظ طلاق صريح، يتبين به شرعا عزمه الطلاق، وإرادته له دون مؤثر خارجي، من أي نوع كان، فإذا لم يتحقق السبب بمرور 3 أشهر، فالتلفظ بلفظ الطلاق كلا طلاق؛ لعدم تحقق الإرادة، بطريق التحقيق منها، عبر مضي مدة 3 أشهر، وهو ما يذكرنا بالإيلاء، قال الله تعالى في سورة البقرة : (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ • وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) فمدة الإيلاء التي اعتبرها بعض الفقهاء طلاقا، تزيد عن الطلاق بشهر. والله - عز وجل - أعلم.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
image الطلاق في الشريعة الإسلامية : قراءة موضوعية.