من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عمر حسين الجفري.
إجمالي القراءات : ﴿3339﴾.
عدد المشــاركات : ﴿23﴾.

إلى المسلمين : تعلّموا قراءة القرآن الكريم.
■ إنّ القرآن الكريم له مكانةً كبيرةً في قلوب المسلمين؛ فهو كلام الله المبين وأساس الحقّ ومنار الهدى وقد استمدّ منه المسلون قوّتهم وأقاموا حضارتهم وتحقّق لهم الاستخلاف في الأرض ونشر العلم والإيمان خلال فترةً وجيزة من الزمان شهد لها أعداؤها منبهرين بها.
يعترينا الحزن اليوم لحال كثير من المسلمين وبالأخص الذين يتحدّثون اللغة العربيّة وينحدرون من أصول عربيّة عندما يتقدّمون في الصلاة المفروضة لإمامة جماعة من النّاس، ويستفتحون بقراءة الفاتحة التي هي ركن من أركان الصلاة ولا تصحّ الصلاة إلا بها، ولكنّهم لا يحسنون قراءتها على الوجه الصحيح.

إنّ الصلاة التي هي أهمّ أركان الإسلام، وهي عمود الدِّين ولا يتمّ قبولها إلا بقراءة سورة الفاتحة قراءة صحيحة، ونحن بهذا الصدد نتساءل : ما الأخطاء الشائعة التي يرتكبها كثير من النّاس في قراءة القرآن الكريم في الصلاة الجهريّة ؟ وهل هذه الأخطاء في فاتحة الكتاب تبطل الصلاة ؟ وهل تقتصر على العامّة من النّاس كالجَهَلَة والأمّيّين ومحدودي التعليم ؟ وما الأسباب التي أدّت إلى أنّ كثير من المسلمين لا يحسنون قراءة القرآن الكريم ؟
إنّ ما نراه اليوم من أخطاء واضحة متكرِّرة أو ما يعرف باللحن الجليّ في القراءة الذي يغيّر المعنى وخصوصاً الفاتحة التي يقع فيها ممّن يتجرّءون ويُقدِّمون أنفسهم لإمامة المصلِّين في الصلوات الجهريّة مخالفين أمر النّبي صلّى الله عليه وسلّم لقوله : (يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله) رواه مسلم؛ فهم يفتقدون إلى أبسط معاني التجويد ولا يراعون أحكامه ولا يقيمون حركاته ولا يهتمّون بمخارج الحروف ويبترونها ويخلّون بها، ومنهم من يقرأ القرآن بصورة عاديّة دون ترتيلٍ يسردُ آياته سرداً سريعاً متعجِّلاً بلا تأنٍّ أو تدبُّرٍ ينثره نثر الدَّقَل لا يقيم حروفه وكلماته وحركاته، وليت الأمر يُقْتصر على كبار السنّ الأمّيين أو الجَّهَلَة الذين لم يتعلّموا ويقرئوا بل يتعدّاهم إلى غيرهم من فئات عمريّة مختلفة سواءً الذين درسوا في المدارس أو الجامعيّين وحتى المتعلِّمين والمثقّفين والمعلِّمين والإعلاميّين بل وصل الحال إلى بعض أئمّة المساجد الرسميّين، وإنّي أتعجّب كثيراً بل وأقف مشدوهاً لما أراه في مساجدنا ومصلّياتنا ونحن نسمع القراءة (المكسّرة) كأنّ أصحابها أعاجم أو لم يتعلّموا القرآن ولو لأبسط السور وقصارها؛ أيُعقل أن تكون قراءتنا لكتاب الله عزّ وجلّ بهذه الطريقة، ونحن أمّة التوحيد ؟ لماذا نتهاون ولا نبالي بعدم تعلُّم كلام الله عزّ وجلّ ؟ أليس القرآن الكريم هو أولى العلوم بالاهتمام والعناية ؟ فكم نقرأ القرآن قراءة خاطئة تغيِّر المعنى من كلماتٍ وآياتٍ منذ زمن دون أن ندرك حجم الخطأ ؟
وأذكر أنّني كنت ذات مرّة مع أحد المشايخ القرّاء وأخبرني أنّه من خلال مشاركاته في لجان التقييم؛ حيث لاحظ أنّ أكثر المتقدّمين الذين يأتون ويطلبون تقييم قراءتهم لديهم إخفاقاً شديداً ولا يحسنون القراءة العادية فضلاً عن التجويد ومنهم فئات على درجة عالية من التعليم.
ولا نعني أن يكون القارئ ملمّاً بقواعد التجويد ولا يشترط أن تكون تلاوته بالتجويد، وإنّما المطلوب أن يراعي قراءة الحروف على ما هي عليه بضبط تشكيلاتها المرسومة وحركاتها سواءً كانت مضمومةً أو منصوبةً أو مكسورةً ويسكن الساكن ويشدّ المشدود دون الإخلال بها أو تغيير معناها ومبناها.
ولعلّنا نقف على بعض الأسباب التي أدّت إلى هذه الأخطاء واللحن غير المقبول في كتاب الله عزّ وجلّ، ونذكر منها أولاً ما نراه في المدارس من تساهل بعض المعلِّمين في تصحيح الأخطاء وتقويم القراءة واللحن، وضعف مهارات التصحيح وإيصال المعلومة وقلّة التركيز على تصحيح الأخطاء الشائعة في التلاوة أو ضعف تلاوة المعلِّم ووقوعه في الأخطاء واللحن وعدم الاهتمام بالتجويد، وعدم الاهتمام بالتكرار لترسيخ الطريقة السليمة في ذهن الطالب، والتساهل في إنجاح الطالب في مقرّر القرآن، وقلّة الحصص الدراسيّة للقرآن الكريم وبالأخص في المراحل المتقدِّمة المتوسّطة والثانوية؛ في حين نجد عدم استشعار الطالب لأهميّة إتقان التلاوة إمّا بسبب البيئة التربويّة أو الاجتماعيّة وتأثير الإعلام من خلال تكثيف البرامج في القنوات الفضائيّة غير المفيدة وإشغاله بها، وندرة البرامج الجاذبة التي تحثّ على تعليم القرآن وإتقانه، وأمّا على مستوى الأفراد فقد يكون ضعف القاعدة الأساسيّة في تعليم القرآن عندما كانوا طلاباً في المدارس إضافة إلى هجر قراءة القرآن، وعدم مراجعته أو تخصيص ورداً يومياً لتلاوته، ونسيان ما كان محفوظاً منه في الذاكرة، وعدم التعوّد على استماعه والإنصات إليه من القرّاء، وعدم الشعور بأهميّة تحسين القراءة والحاجة إليها وبذل الجهد للإتقان، والانشغال بأمور الحياة الدنيا ومتطلّباتها، كما أنّ البعض لا يعرف مستوى الضعف الحقيقي لديه، وممّا يلاحظ ضعف التأسيس في اللغة العربيّة والإملاء إلى غير ذلك من الأسباب.
إنّ تعلُّم القرآن وتعهّده لهو أمرٌ مهم لضبط التلاوة وحسن الترتيل وهو سبيل العلم وطريق الخير والفلاح ورضا الرحمن، ولا يمكن للمرء أن يحصّله بنفسه؛ إذ من المقرّر عند أهل العلم، أنّ القرآن لا يُتلقّى بالقراءة الأحاديّة، بل لا بدّ فيه من المشافهة، والتلقّي على أهل الضبط والإتقان من ذويه وأهله وقرّاءه.

■ لذا، فإنّنا نطرح بعضاً من التوصيات والنّصائح التي نأمل أن يكون لها أثراً محموداً ونفعاً حميداً، وهي كما يلي :
1ـ التوسّع في إنشاء مراكز تحفيظ القرآن الكريم وحلقات المساجد في كل حي من أحياء المدن والمحافظات.
2ـ إلحاق الأبناء منذ الصغر بحلقات التحفيظ، وتعويدهم على تعلُّم وحفظ كتاب الله عزّ وجلّ.
3ـ إقامة البرامج والدورات التدريبيّة الداعمة لمعلِّمي التربية الإسلاميّة ومعلِّمي الصفوف الأوّليّة في مجال أحكام التلاوة والتجويد.
4ـ تخصيص ورداً يوميّاً لتلاوة القرآن وترتيله وتعهّده.
5ـ الحرص على تكرار استماع القرآن بشكلٍ مستمرٍّ مع الترديد ابتداءً بالفاتحة وقصار السور ويُفضّل المتابعة من المصحف، واختيار ما يناسب من القرّاء المعروفين.
6ـ الحرص على تعلُّم أحكام التجويد باستخدام وسائل التقنية الحديثة كالجوّال والكمبيوتر وأجهزة التسجيل، وهناك العديد من التطبيقات الإلكترونية المجّانيّة كتطبيق تعليم تجويد القرآن الكريم، وتطبيق أحكام تجويد القرآن، ومعلِّم التجويد إلى غير ذلك من التطبيقات المتاحة.
7ـ محاولة فهم وتدبّر معاني الكلمات التي تُقرأ أو تُسمع فهي أدعى للحفظ وصحّة النطق.

وقبل أن نختم المقال نوجّه رسالة لكل مسلمٍ ومسلمةٍ أنّ العناية بكتاب الله قراءةً وتلاوةً وترتيلاً وتجويداً بنيّةٍ خالصةٍ لهو دليلٌ على محبّة الله للعبد وتقرُّباً منه سبحانه وتعالى، وسيجد المرء حلاوة الإيمان وسعادةً في حياته، وشعوراً بالراحة والطمأنينة، وحفظاً من شياطين الجنّ والإنس، وجلباً للرزق، وعلاجاً شافياً لسائر الأسقام، وأنّ بذل الجهد والوقت من أجل تعلُّم القرآن فيه الخير الكثير والأجر العظيم والبركة في المال والأهل والولد، واجْعَلْ همّك مرضاة الله، واعلمْ أنّ الحرف بعشر حسنات؛ كما قال عليه الصلاة والسلام : (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) رواه الترمذي، ولْنَجْعَلَه حاضراً معنا نعيش في ظلّه وتحت رايته عامراً في قلوبنا على الدوام حتى إذا ما حانت ساعة الموت سيكون بإذن الله رفيقاً لنا ومدافعاً عنّا وشفيعاً لنا عند ملك الملوك.
■ هذا والله من وراء القصد.