من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

مثلث الكوتش ﴿4489﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عمر حسين الجفري.
إجمالي القراءات : ﴿5638﴾.
عدد المشــاركات : ﴿23﴾.

استقطاب الكفاءات الوطنيّة المؤهلة في الجامعات والتعليم.
■ يبدو أن الإدارات التعليميّة لا تريد الاستفادة من الكوادر الوطنيّة المؤهّلة والمتوفِّرة في الميدان التربوي، ولا تبالي بها كذلك جامعاتنا هي الأخرى لا ترغب وربّما لا تثق بهذه الكفاءات وتكتفي باستقدام كوادر من دول أخرى رغم العجز الكبير في الأكاديميّين السعوديّين في أغلب الجامعات وخصوصاً العلميّة منها.
ولكنّنا في مقالنا هذا سنسلِّط الضوء على الكفاءات العلميّة المؤهّلة الحاصلين على درجات الماجستير والدكتوراه من شاغلي الوظائف التعليميّة في التعليم العام، ونحن هنا نتساءل : ما هو حال المعلِّمين الذين يسعون لإكمال دراساتهم العليا ؟ ولماذا لا يتمّ استقطاب الكوادر الوطنيّة في الجامعات من ذوي المؤهّلات العليا من حاملي الماجستير والدكتوراه ؟ وأين الخرِّيجين من برنامج الابتعاث ؟ وما مدى الاستفادة منهم في مجالاتهم التخصُّصيّة في التعليم ؟
إنّ ما نراه اليوم من المعلِّمين الذين بذلوا جهوداً مضنية وضحّوا بوقتهم رغم مشقّة عملهم؛ وبالأخص الذين لم يفرَّغوا منهم وهم على رأس العمل وواصلوا وصبروا وكابدوا على طول المشوار وكافحوا وثابروا يشحذون هممهم ويبحثون عن ذاتهم ويسعون لتطوير أنفسهم وينهلون من معين العلم والمعرفة بعزيمةٍ وإصرارٍ؛ فمنهم من التحق بجامعات بعيدة عن مقر إقامتهم، ويتحمّلون بُعْد المسافة وعناء التدريس والدراسة سواءً كانت في جامعاتٍ داخليّة أو السفر إلى جامعات أخرى خارج البلاد، فلم تفتأ عزيمتهم ولا ينتظرون انتدابات ومزايا ماليّة أو تكريماً بل يتكفّلون بجميع مصروفاتهم الدراسيّة وعلى حسابهم الخاص، ويضحّون بالغالي والنفيس من أجل تحقيق أهدافهم وأمنياتهم وطموحاتهم بالرغم من الصعوبات التي يواجهونها من وزارتهم التي وضعت لهم الشروط والعوائق من إثبات الإقامة في مقر الدراسة، وموافقة جهة العمل وغيرها من تلك الصعوبات التي حطّمت معنويّاتهم، وكسّرت أحلامهم وآمالهم على صخرة قراراتهم التعجيزيّة؛ بل لاحقتهم حتى خارج وقت دوامهم، ولا ندري ما الداعي لهذه الشروط، ولماذا طلب الموافقة على الدراسة طالما هو من وقتهم وليس أثناء الدوام الرّسمي.
والغريب في الأمر أنّ الذين تمّت الموافقة على دراستهم أو الذين فُرِّغوا داخليّاً أو خارجيّاً ؛ فقد أُلْزِموا من قبل الوزارة بالدراسة في مجالات وتخصُّصات معيّنة وبعد الانتهاء والتخرٌّج والحصول على المؤهّل يعودون إلى سابق عملهم الأساسي وهو التدريس ولا ضير في ذلك، ولكن لماذا لا يستفاد منهم في تلك التخصٌّصات التي أُجْبروا عليها في التعليم ؛ لماذا لم يكلّفوا بمهام وأعمال ترتقي بالتعليم وتنهض به في تخصُّصاتهم التي ابْتعِثوا من أجلها ؛ ألا يُعَدُّ ذلك هدراً اقتصاديّاً وعلميّاً ووطنيّاً وفاقداً للقدرات والطاقات البشريّة المؤهّلة ؛ فكم رأينا من معلِّمين رُشِّحوا في أعمالٍ إداريّةٍ وإشرافيّةٍ لا تناسب طبيعة مؤهّلاتهم العلميّة العليا، وهناك كوادر في تخصُّصات تربويّة نادرة في مجال القياس والتقويم والإحصاء والبحوث وتكنولوجيا التعليم والجودة والتخطيط وغيرها لم يجدوا مكانهم، ولم تستغلّ إمكاناتهم، ولم تتاح لهم الفرصة للإنتاج والإبداع.
في حين نجد أنّ الجامعات لا تستقطب أولئك المعلِّمين المؤهّلين في التعليم العام وقد أصبح التعليم الجامعي ينضوي مع التعليم العام جنباً إلى جنبٍ في وزارة واحدة، ولم تستفد من سد النقص في الشواغر الأكاديميّة، وتغطية العجز لديها من أعضاء هيئة التدريس أو إحلالهم مكان غير السعوديّين؛ فهم يشكِّلون نسبة كبيرة ربّما تتجاوز 50%. وما قيل آنفا عن المعلِّمين ينطبق تماما على المعلِّمات.
فعندما يتقدّم المعلِّم المؤهّل إلى الجامعة تطبّق عليه شروطاً صارمة لا تسري على غير السعودي تبدأ بمجلس القسم، وتمرّ بمجلس الكليّة ثمّ المجلس العلمي وبعدها مجلس الجامعة وتجرى في هذه المجالس مقابلات واختبارات للمتقدِّم حتى يكاد يفقد الأمل وربّما ينفر مُحْبَطاً، وقد لا يُقبل بحججٍ واهية، وما يدعو للغرابة والحنق نجد أنّ الأجنبي لا يمرّ بهذه السلسلة من الإجراءات المعقّدة بل تكون من خلال لجنة خاصة تستقطب مباشرة ما تراه مناسباً دون معرفة المعايير التي اتّخَذَتْها للتّعيين، ولا ندري عن مصداقيّة شهاداتهم وجامعاتهم، والعجيب أنّ المعلِّم المبتعث يأتي بشهادة من جامعة متقدِّمة في التعليم على حساب الدولة وعودلت شهاداته ورغم ذلك لا يُعيّن، ولعلّ أسباب ذلك هو الاستفادة من الأجانب في تنفيذ المشاريع العلميّة وكتابة وعمل البحوث، وأداء مهام شخصيّة لبعض أعضاء هيئة التدريس من السعوديّين، وخوفاً من أن يؤدّي توظيف المواطن إلى تهديد المناصب القياديّة والمراكز الإداريّة لأعضاء هيئة التدريس السعوديّين بأن يزاحموهم وينافسوهم في كراسيهم الكبيرة أو حرمانهم من مزايا ماديّة كبدل الندرة الذي ألغي حاليّاً وغير ذلك ممّا لا نعلم.
■ لذا، فانطلاقاً من مبدأ العدالة والإنصاف وتغليب المصلحة العليا والارتقاء بالوطن وحفظاً لمقدِّراته وطاقاته المتمثِّل في أبنائه وشبابه؛ فإنّه يحدونا الأمل في أن يعاد النظر في واقع المعلِّم المسلَّح بالتأهيل العلمي من حملة الماجستير والدكتوراه في الميدان التربوي والاستفادة من خبراته العلميّة والعمليّة، ونرجو أن تكون التوصيات التالية محل اهتمام مسؤولي وزارة التعليم :
1ـ حث وزارة التعليم الجامعات الحكوميّة والأهليّة على استقطاب المعلِّمين والمعلِّمات من ذوي المؤهّلات العليا وبالأخص حملة الدكتوراه، وتمكينهم للعمل في الوظائف الأكاديميّة في كليّات التربية بجميع تخصُّصاتها أو الكلِّيات العلميّة الأخرى لسد العجز وإحلالهم بديلاً لغير السعوديّين وخصوصاً الذين أمضوا سنوات طويلة في الجامعات.
2ـ حث وزارة التعليم عموم الإدارات التعليميّة في جميع مناطق المملكة ومحافظاتها على استقطاب المعلِّمين والمعلِّمات من ذوي المؤهّلات العليا وبالأخص حملة الدكتوراه، والاستفادة منهم في المجالات الإشرافيّة والإداريّة بما يناسب تخصُّصاتهم العلميّة والتربويّة.
3ـ حث وزارة التعليم المعلِّمين والمعلِّمات من ذوي المؤهّلات العليا وحملة الدكتوراه على وجه الخصوص في الإدارات التعليميّة للعمل في جهاز الوزارة وتشجيعهم على العمل في مرافق تربويّة وتعليميّة في تأليف المناهج وطرائق التدريس والاستراتيجيّات والجودة ومراكز التدريب والبحوث والدراسات وغيرها.
4ـ تمكين المعلِّمين والمعلِّمات ذوي المؤهّلات العليا وبالأخصّ حملة الدكتوراه من الترشيح في المناصب القياديّة والمراكز الإداريّة سواءً في المدارس أو الإدارات التعليميّة أو جهاز الوزارة.
إنّ كثيراً من المعلِّمين الوطنيّين اليوم يتطلّعون إلى تطوير مهاراتهم وتحسين مستوياتهم العلميّة، ولديهم طموحات عليا يسعون إلى تحقيقها والوصول إليها بكل جدٍ واجتهاد، ويبذلون كل ما يملكون من تضحيات لبلوغ أحلامهم وأهدافهم وآمالهم؛ فَبِهِم تُبنى الأوطان وتنهض الأمم، ولْيَعلمْ أصحاب القرار في التعليم أنّ هذه الفئة من المعلِّمين المؤهّلين هي فئة قادرة على العطاء والإنجاز لخدمة مجتمعهم ووطنهم، ولابد من منحهم الثقة، وإيلائهم مزيداً من الاهتمام، ورفع همّتهم، وتعزيز قدراتهم وإمكاناتهم، وإتاحة الفرصة أمامهم للإبداع والإنتاج في تخصُّصاتهم التي درسوها وقضوا سنين طويلة لنيلها، وتذليل كافّة الصعوبات التي تعترض مسيرتهم التعليميّة، ودعمهم معنويّاً وماديّاً ليكونوا سواعد يفخر بها الوطن ويعلو بهم مجد أمّتهم وبلادهم.
■ هذا والله من وراء القصد.