من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عمر حسين الجفري.
إجمالي القراءات : ﴿3585﴾.
عدد المشــاركات : ﴿23﴾.

الدراجات الناريّة خطرٌ داهم.
■ تعدّ الدراجة النارية (الدبّابات) أحد أنواع العربات وتكون إما من عجلتين أو ثلاث عجلات وتختلف عن الدراجة العادية من حيث متانة هيكلها ولها محرِّك وقود صغير مثبّت في منتصف المسافة بين العجلتين ولها مقعد أو مقعدين وعادة نجدها تستخدم في شوارعنا كوسيلة نقل خفيفة وتكثر في المدن المزدحمة وهي من أكثر وسائل المواصلات خطورة كما تستخدم في دوريات الشرطة والأمن العام لسهولة حركتها بين المركبات وتنظيم المرور.
انتشرت في الآونة الأخيرة في كثير من مدننا وشوارعنا ومياديننا لدى فئات الشباب بغرض اللعب والتسلية والسباق والتجمّعات الليلية والسطو والإجرام، ونحن إزاء ذلك نتساءل : لماذا كثرت بين الشباب في الآونة الأخيرة ؟ وما الغرض الحقيقي منها ؟ وما مدى التزام قائديها بأنظمة وتعليمات المرور ؟ وما مخاطرها ؟ وأين تكثر ؟ وسنقتصر في طرحنا على تلك الممارسات الخاطئة التي تتسبب في إزهاق الأرواح وتعرِّض حياة الناس للخطر.
لعل الدراجات النارية أمست اليوم موضة طفت على السطح وركبها شبابنا وحلّقوا بها في فضاءات مدننا مزاحمة السيارات ومتخطية حدود الأنظمة المرورية متجاوزة الآداب العامة ومسيئة للذوق العام وباتت تسيطر على عقول الشباب، وتستهويهم بدرجة ملفتة للنظر، وأخذت تزداد حتى بين الأطفال وربما يعود السبب في تنامي هذه الظاهرة بين الشباب إلى سهولة الحصول عليها بالإيجار من محلات صيانة الدراجات النارية أو شراءها بطرق غير نظامية ورُخْص قيمتها مقارنة بسعر المركبات والتأثر بعالم السباقات والسطو في الألعاب الإلكترونية (حرامي السيارات) والأفلام الأجنبية (fast and furious) وتقليد ما يشاهدونه فيها أضف إلى هذا أوقات الفراغ غير المستغلة لدى الشباب إلى غير ذلك في ظل غياب الجهات المختصة وعدم توفر مساحات خالية أو أندية رياضية لممارسة سباقات السيارات أو الدراجات وإهمال الرقابة المنزلية ضاربين عرض الحائط نظام السن القانوني لقيادة الدراجات النارية وهذا ما نراه في الشوارع الفرعية والأحياء خاصة القديمة أو الشعبية والممرات وأرصفة المشاة من تهوّر وعدم توفر شروط الأمن والسلامة، وتجاوز السرعات غير المسموح بها في الطرقات السريعة التي أدّت إلى ارتفاع عدد الحوادث والإصابات أو الوفيات المترتِّبة عليها فأصبحت تشكِّل مصدر خوف وقلق للناس لما تسبِّبه من تشويه للمنظر العام في المدن وما تبثه من عوادم ضارة وملوِّثة للبيئة وما تحدثه من ضوضاء وصخب وإزعاج للآمنين في الأحياء السكنية وخطورتها على أصحابها وكذلك سائقي السيارات وتعرّض الأطفال للدهس ومرتادي الطرق لحوادث الاصطدام المروِّعة عند استعراض (تفحيط) بعض المراهقين وممارسة بعض الحركات البهلوانية الخطرة في الطرق الرئيسة والأماكن العامة للفت الأنظار وإرواء الذات وأحياناً يستهدفون مضايقة مواقع تجمُّع العائلات والأطفال إما في الحدائق العامة أو أماكن الترفيه والنزهة كما تستخدم في قطع الإشارات وتخطي الأرصفة والسرعة الجنونية وإعاقة الحركة المرورية إلى جانب حالات التحرّش والمعاكسات أو الإيذاء المتعمَّد للمارة وعابري السبيل وارتكاب بعض الأعمال المخلّة للآداب والخادشة للحياء وفئة أخرى يتخذوها للتظاهر والتباهي الحضاري والتفاخر والتقليد الأعمى للثقافات الأجنبية والدخيلة.
ومما يؤلم حقاً عندما تجد استخدامها في تنفيذ العديد من الجرائم المخالفة كونها وسيلة سهلة وسريعة من قبل عصابات السرقة والنشل والتي تخصَّصت في اختطاف حقائب النساء والجوالات بسرعة البرق في الأسواق وبعض الشوارع التي تكثر بها المحال التجارية كما أنّ الدراجات أصبحت وسيلة مفضّلة لترويج المخدِّرات والخمور والأعمال المحرَّمة المنافية لقيم المجتمع.
وأما الفئة الأخطر هي تلك التي تجوب شوارعنا في أوقات متأخّرة من الليل على الأغلب ويسيرون في تجمّعاتٍ منظّمة من الشباب المنفلت والمراهقين المتهورين وأصحاب السوابق وجلّهم من متخلِّفي الإقامة غير النظامية وبأعداد كبيرة وليس لديهم رخص قيادة ومنهم فاقدي الوعي وفاقدي السيطرة بسبب تأثير المسكر عليهم فينطلقون في مسيرات جماعية كأسراب الجراد المنتشر معرقلين الحركة المرورية ويتسلّلون بدراجاتهم مخترقين صفوف السيارات العابرة بسرعة جنونية معرضين أنفسهم والآخرين للخطر يتخلّلون الطرقات غير آبهين بضوابط المرور ولا يلتزمون بالإشارات الضوئية ولا يبالون بعكس اتجاه الخطوط عابثين بالممتلكات والأنفس دون اعتبار لمستخدمي الطريق أو مراعاة لحدود الآمنين في حين نجد أنّ معظم هذه الدراجات إمّا مسروقة أو مهرّبة من دول أخرى أو مستأجرة من محلات غير مرخّصة ولا يوجد بها لوحات رقمية وتزداد هذه الظاهرة في أيام العطل ونهاية الأسبوع رغم ما يبذل من جهود من قبل رجال المرور للحد والتقليل منها.

إنّ الدراجات النارية لا يمكن التقليل من شأنها وإنكار فوائدها وإيجابياتها فهي تعد وسيلة مناسبة للتنقّل من مكان لآخر في المناطق المزدحمة وقضاء مصالح الأفراد وتلبية احتياجاتهم وخدمات توصيل الطلبات ولا بأس في ذلك، ولكننا نعني تلك التي تسئ للمجتمع وتؤذي المواطنين والمقيمين وتشكِّل خطراً أمنياً واجتماعياً وضياعاً لمكتسبات الأمة المتمثل في شبابها؛ لذا كان لزاماً على المسؤولين في الجهات الرقابية التصدّي لهذه الظاهرة والقضاء عليها، ونود أن نقدِّم بعضاً من المقترحات التي نرجو الأخذ بها وتكون ذات جدوى وفائدة :
1ـ المسارعة في تكثيف حملات ميدانية من قبل الشرطة والمرور والجهات الأخرى ذات العلاقة في المحافظات والمدن التي تنتشر بها الدراجات النارية المخالفة وغير المصرّح لها لرصدها وإحكام السيطرة عليها قبل خروجها عن الطوق وضبطها ومصادرتها وإيقاع العقوبات المناسبة على مرتكبيها.
2ـ نشر الوعي المجتمعي في المدارس والجامعات والمساجد والميادين العامة وجميع وسائل الأعلام المختلفة بمخاطر الدراجات النارية وبيان آثارها السلبية على المجتمع.
3ـ إقامة نوادٍ رياضية تعنى بالمسابقات الماراثونية للدراجات النارية في المحافظات والمدن تستقطب الشباب لإشباع حاجاتهم وتفريغ طاقاتهم وتلبية رغباتهم وممارسة هواياتهم وتنمية مواهبهم والاستفادة منها في المشاركات الدولية والإقليمية.
4ـ تكثيف الرقابة على محلات بيع وصيانة الدراجات النارية لمتابعة تطبيق قوانين الشراء والبيع والتراخيص الخاصة بها.
5ـ متابعة الوالدين لأبنائهم وحسن تربيتهم ومراقبة تحركاتهم وتفقّد أحوالهم ومعرفة المواقع التي يرتادونها ويذهبون إليها وملاحظة رفقاءهم وإسداء النصائح والتوجيهات لهم وبيان أخطار ركوب الدراجات النارية مدعومة برسائل تحتوي على مقاطع فيديو لاطّلاعهم على الإصابات الخطرة والحوادث المميتة التي يتعرض لها الشباب عن طريق اللعب أو العبث بها في الشوارع والطرقات العامة، والقيام معهم بزيارات للمستشفيات والمصحّات لمشاهدة ما تخلّفه من جروح عميقة وإصابات بليغة وإعاقات دائمة وكسور عنيفة.
إنّ الأسرة هي نقطة البداية ومعقل الإصلاح لتربية الأبناء وهي الأساس في رعايتهم نفسياً وعاطفياً واجتماعياً، وهي المسؤولة بالدرجة الأولى عن حمايتهم من خطورة ممارسة الدراجات النارية وعليهم أن يدركوا جسامة الأمانة الملقاة على عاتقهم وأن يستوعبوا متغيرات وظروف العصر ووسائل التأثير الأخرى المنافسة لهم والمشاركة معهم في صناعة الأجيال ودورها الكبير في تشكيل قيمهم ومبادئهم وسلوكاتهم التي أصبحت هي المحضن الراعي والبديل المهيمن لفلذات أكبادنا في ظل تقصيرنا وإهمالنا المريب تجاههم لأننا في نهاية الأمر سنتحمّل النتائج ونجني العواقب.
إنّ حوادث الدراجات وفواجعها أصبحت بعبعاً مخيفاً وشبحاً مفزعاً وكابوساً مؤرقاً أقضّت مضاجع الأسر فكم من شباب في سن الزهور طويت صفحتهم وانتهت قصتهم واختطفهم الموت من بين أهليهم في لحظة طيش عابرة ومنهم من بقي معاقاً طوال عمره لا يتحرك فيه إلا رأسه ويداه وقد يكون جسداً بلا حراك ومنهم في غيبوبة تامّة بين الحياة والموت فكم هي خسارة مؤلمة في الأنفس والممتلكات والأموال تجنيها الأمة في ضياع أبناءها وشبابها الذين هم عدتها وثروتها ومصدر عزتها وقوتها وأمل المستقبل وبناة الأوطان وصمّام الأمان وحماتها.
هذا والله من وراء القصد.