من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. محمد صالح رشيد الحافظ.
إجمالي القراءات : ﴿7874﴾.
عدد المشــاركات : ﴿2﴾.

منذ القدم برزت في حياة الإنسانية ظاهرة النظام العائلي القائمة على القاعدة الثلاثية : (الأب والأم والطفل)، فكانت الطفولة الرمز الثالث بين الرمزين الكبيرين (الأب والأم)، وحتى الأساطير السومرية والعربية القديمة كانت تشير إلى أصل الكون من القمر (الأب) والشمس (الابن) والزهرة (البنت) !.
والنظام العائلي القديم كان نظاماً صارماً يحتاج إلى القوة والشجاعة للحصول على القوت وبناء المسكن والدفاع والغزو ولذا كان الطفل الذكر مقدماً على الأنثى، وقد أشار القرآن الكريم في مواضع عدة إلى أسباب وأد البنات قوله تعالى : (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ۝ يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (النحل 58 ـ 59)، وقوله تعالى : (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) (الإسراء : آية 31).
وكان الطفل (ذكر أو أنثى) في العصر الجاهلي يمثل عبئاً مادياً أحياناً، أو وسيلة من وسائل التأثير في جوانب حياتية معينة (الخطف والقتل أو رهينة لتواصل العهود والوعود بعد الصلح)، ونذكر لأجل هذا حادثتين :
1. كان أحد رجال ذبيان قد أخذ رهائن أطفال من قبيلة عبس لكي لا يعودوا إلى الغزو والحرب، فلما مات الذبياني جاء حذيفة الذبياني وقتل الرهائن، فاشتغلت نار الحرب مرة أخرى.
2. حادثة زرارة بن عدس حين دفع بأطفال أخيه إلى الملك الذي قتل أبوهم ابن الملك، فتعلق الأطفال بثوب عمهم، فكان يدفعهم مغالباً دمعه : يا بعضي سرح بعضي !
وفي المعلقات الشعرية وغيرها من تراث العرب الأدبية ورد ذكر الطفل والطفولة سواءً في حياة الإنسان وحتى الكائنات، كما في معلقة زهير بن أبي سلمى ولبيد بن ربيعة والنابغة الذبياني.

■ وقد اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده جملة من الإجراءات لدعم رعاية الطفل والطفولة، نذكر منها :
1. أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بحسن تربية الأطفال وتعليمهم كما جاء في قوله الكريم : (أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم )، ولضرورة تعليم الطفل أوصى رسول الله الوالدين : (مروا أولادكم بطلب العلم) وجعل تعليم الطفل باباً من أبواب الرحمة الإلهية للأب فقال : (رحم الله عبداً أعان ولده على برّه بالإحسان إليه، والتآلف له وتعليمه وتأديبه) ثم أنه أول من انتبه إلى ضرورة تعليم الطفل القراءة والكتابة حين جعل فدية فك أسر المشركين - بعد غزوة أحد - تعليم عشرة أطفال من قبل أسير يعرف القراءة والكتابة، فقال : (من حقِّ الولد على والده ثلاثة : يحسّن اسمه ويعلّمه الكتابة، ويزوّجه إذا بلغ).
وكان يأمر أصحابه بالإشراف على تدريب شباب المسلمين على فنون الدفاع عن النفس والسباحة وركوب الخيل، فضلاً عن تثقفيهم بالثقافة الإسلامية الإنسانية.

2. في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) شهد توسعاً في التعليم والتدريب، وعرف عن الخليفة الفاروق اهتماماته بشؤون المسلمين، ومنها حماية الأطفال والصغار من سوء معاملة الكبار، ودعم الأسرة المسلمة بالمال ورعاية الأيتام والأرامل.

3. وفي عهد الخلفاء الراشدين شهدت الدولة الإسلامية رعاية كافية في التعليم والرعاية الاجتماعية للصغار والكبار، حيث اتخذت المساجد مدارس للتعليم إلى جانب صرف الإعانات والرواتب، كما كان الصغار يسمعون في بيوتهم والمساجد من الكبار قصصاً وحكايات عن سيرة النبي والمسلمين الأوائل، وعرف المجتمع الإسلامي قصاصين ورواة عن المغازي والبطولات والمواقف الأخلاقية، ولابد أن تكون لهذه البدايات آثارها في العهود الإسلامية التالية (الدولة الأموية والعباسية والأندلسية).
• ففي العصر الأموي :
نشط القصص وحلقات المسامرة ومعرفة أخبار الماضين، واشتهر من القصاصين في عهد معاوية (عبيدبن شربة الجرهمي اليمني)، وكذلك نشط القصص الديني في البيوت والمساجد وبيوت الخلفاء والأشراف ومن أقدم مصادر هذا النوع من القصص هو (وهب بن منبه)، ثم بدأ عصر تدوين القصص والأخبار والسير، واتخذت الفرق الدينية والسياسية القصص والروايات وسيلة لتأييد اتجاهاتها ودعم أهدافها، المهم أن هذا النشاط ترك آثارا في شحذ أذهان الكبار والصغار، فظهرت فيما بعد مؤلفات في كل هذه الاتجاهات بأسلوب يلائم أعمارهم وقدراتهم الإدراكية.

• وفي العصر العباسي :
الذين دونوا التراث العربي في أواخر العصر الأموي والعباسي اتجهوا نحو (أدب الكبار) ولم يهتموا بأدب الأطفال مما كان يروى أويحكى للكبار من قصص وحكايات، مما تركوا الباحثين المتأخرين في ظلمات الظن والتخمين والاستنتاج، ولم يسترع انتباه الدارسين والمدونين إلا الأغنيات التي كان الكبار يرقصون بها الصغار.
وكنا نتوقع أن يشهد العصر العباسي اهتماما من شعرائها وكتابها المعروفين بهذا النوع من الأدب ؟ أمثال الجاحظ وإبن المقفع والمتنبي والمعري وغيرهم، ومع ذلك لقد وردت إشارات في بعض كتب الجاحظ إلى تصرفات وسلوك وما يدور حول الطفل والطفولة كما في كتابيه : (الحيوان) و (البخلاء)، ولكن العصر لم يخل من بعض الكتابات التعليمية والوعظية عند بعض المربين والمفكرين والأدباء، أمثال : سليمان الكلبي وخلف الأحمر والإمام الغزلي.

● ونذكر هنا بعض المؤلفات التي ظهرت في العصور العباسية والعصور التالية لها والتي نعدها الممهدات لظهور بعض فنون أدب الأطفال :
1. قصص ألف ليلة وليلة.
2. مختصر العجائب والغرائب ـ للمؤرخ المسعودي (ت 956م).
3. كتاب الوزراء والكتاب ـ لابن عبدوس الجهشياري.
4. كليلة ودمنة ـ لابن المقفع.
5. النمر والثعلب ـ لعلي بن داود.
6. الصادح والباغم ـ لابن الهبارية.
هذه المؤلفات وغيرها حوت على الحكايات والأسمار والمأثورات الشعبية والأساطير وأحداث دينية وتاريخية التي وظفها بعض الكتاب والأدباء فيما بعد في نتاجاتهم العامة، و(آبن الهبارية ـ ت 504 / 509هـ) أحد هؤلاء الذين استغلوا الحكايات والمأثورات والقصص العربية والأجنبية (الفارسية والهندية والتركية) فنظمها في قصائد شعرية تعليمية وعظية حواها كتابه (الصادح والباغم)، ومن نماذج كتاباته القصصية الشعرية.

|| (الطفل) في تاريخ العرب والإسلام.
|| الطفل والطفولة في الإسلام.