من أحدث المقالات المضافة في القسم.

عبدالله علي الخريف.
عدد المشاركات : 28
1443/12/01 (06:01 صباحاً).
عدد المشاهدات :: ﴿﴿7325﴾﴾

توقف أن تكون قطعة في عجلة أو عوداً ضمن تيار جارف.
عنوان المقال طويل نسبياً, لكنه يكفي للذين لا نفس لديهم في القراءة فهو بحق يلخص فكرة المقال وفق قاعدة علم النانوتكنولوجي, وإن كان التوقف سيحرمني من جميل نقدهم ونقاشهم.

ما أكثر ما يكون أحدنا كذلك، قطعة في عجلة أو عوداً ضمن تيار جارف !
وتمضي الأيام بل السنوات وهو يدور ضمن عجلة كبيرة كقطعة صغيرة يؤدي ربما دوراً صغيراً لكنه لا يملك أية خيارات ولا يملك أن يسهم في تغيير مسار العجلة أو تدفق التيار, ولا يملك أن ينفك للبحث على الأقل عن عجلة أفضل أو تيار أنفع، ولا يملك أن يبحث عن دور أفضل له ضمن مكونات عجلته الكبيرة ليعدل من سيرها أو يغير من الطريق الذي اختارته, أو يجنبها الكثير من الحفر والعوائق, أو يبعدها عن الرمال والمهالك، وكلما أراد أن ينتبه شغله دوران العجلة وكثرة ارتطاماتها وكونه أحد أجزائها عن التفكير ! ولن يتوقف حتى يسقط رغماً عنه أو تتهالك العجلة فيفنى معها دون أثر.
يمكنك أن تضع نفسك وفق هذا المثل في أية عجلة أنت ضمنها تدور، ومع تعدد العجلات والتيارات في حياتنا فإننا وللأسف الكبير كثيراً ما عشنا سنوات طويلة بلا رؤية أو هدف, وبلا تحكم معقول في أقل الأمور خصوصية إلا من وفقه الله وقليل ما هم !
تتعدد المؤثرات التي تحرمنا من التفكير أو تمنعنا من اتخاذ القرار المناسب بعد تفكير سرقناه على حين غرة أثناء الدوران والانجراف, وتختلف هذه المؤثرات والموانع قوة وضعفاً, وقرباً وبعداً, لكنها تجتمع في تعطيلنا، أحد أهم وأكثر هذه المؤثرات سطوة وشراسة هي نفوسنا وما تألف !
ولعمر الحق كم كان إلف الأشياء مفسدا للقلوب ومضيعاً للعقول, ألم تكن هذه العقبة الكئود هي سبب ضلال الأمم وردهم للرسالات والرسل وأنهم هكذا ألفوا صنيع الآباء والأجداد.
إن النفس الراكنة إلى إلف الأشياء والعادات والصنائع هي نفس آسنة, وكأن الماء الذي خلق منه الإنسان يثبت هذه القاعدة فيخبرك أنه إذا توقف أسن وفسد ! ولا يمكن لعاقل أن يجادل فيفترض أن الثبات على الحق والخير يندرج ضمن هذا فإن ثبات سيل الوادي في مجراه وطريقه لا يعني توقفه وأسونه, كما إن وقوفه عن الجريان يفسده ويخبث مادته.
ويشترك مع ذلك المؤثر آخر لا يقل عنه شراسة ونيلاً, بل إنه ربما فاقه عند الذين استطاعوا تجاوز نفوسهم وما تألف فهم بلغوا من القوة مرحلة كبيرة إلا أن المؤثر الثاني نجح في إعاقتهم عن رفع أقدامهم لاتخاذ خطوة عملية واحدة في طريق التحرر والتغير. إن ذلك يكمن فيمن حولك من مجتمعك القريب, الذي يتكون من الأهل والأصحاب والزملاء, فكم يكون هذا سداً منيعاً وحاجزاً صامتاً أو متحدثاً بصوت مسموع يقف أمام كثير من القرارات التي يرى العقلاء أنها يجب أن تتم على الصعيد الخاص أو العام.
ومع أن هذا يعتبر مؤثرا سلبياً إلا أنه في حالات الموفقين يمكن أن يكون معيناً بعد الله ومثبتاً كحال رسولنا صلى الله عليه وسلم مع أمنا خديجة, فلم أقرأ أو أسمع في التاريخ عن امرأة ثابتة مثبتة صامدة داعمة موفقة, كانت ركناً شديداً يأوي إليه الحبيب في الملمات, كتلك الطيبة الطاهرة رضي الله عنها وأرضاها.
لكنّ القاعدة النبوية في الأبناء والذرية وأنهم يبخلّون ويجبنّون قاعدة قوية لا يمكن تجاوزها, وكم كان هؤلاء في الصفوف الخلفية من أهم الموانع والمؤثرات لقرارات تاريخية كان يمكنها أن تغير وجه التاريخ وأن تدخل أصحابها مع أوسع أبوابه وأبقاها, لكنهم اختاروا أن يكونوا لأجل من حولهم قطعة ضمن عجلة وعوداً في تيار فماتوا ودفنوا وتم نسيانهم.

لم أرد لهذا المقال أن يطول وإلا فإن مادته وموضوعه غني بالشواهد والثابت من الأدلة, والمقال لا يحتمل سوق كل ذلك, ويكفي من القلادة في هذا الباب ما أحاط بالعنق.
أما المؤثر الثالث على المرء في أن يختار طريقه أو أن يبقى ضمن عجلة أو تيار فهو المكاسب الشخصية وحظوظ النفس القريبة وإيثار الكسل والراحة والدعة, وهو مرتبط كثيراً بالأول والثاني, فإنهم ما تمسكوا بما ألفوا والله وفاء وحمية للقديم, ولا براً بالآباء والأجداد, ولكنّ ذلك كان تصويراً وهمياً للحقيقة الكامنة خلف البطون الممتلئة والجنوب اللينة والظهور الناعمة، ولذلك فإن أكثر المقاومين لتغيير الرسالات هم من المترفين الذين كثيراً ما وقفوا سداً كريهاً أمام دعوات المرسلين, وأنفوا أن يقفوا سواء مع الجائعين، ولا يمكن للمرء أن يتقدم خطوة صحيحة واحدة في طريق أبيض إن كان يرمق بطرف عينه مكاسبه وحظوظ نفسه قبل الحق والخير.
والمؤثر والمانع الرابع هو الخوف والتردد, وهذا لا ينفك عن النفس البشرية أبداً, ولكنّ نفوس المتوكلين المؤمنين تمنعه وترفعه, ونفوس المترددين والخائفين تقربه وتسمعه, ولا يزال المرء يفكر ويطيل التفكير في العواقب ويسمح للشيطان وأتباعه أن يضعوا أمامه العراقيل ويجعلوا قراره وإن كان في شراء عنزة أو بيع تيس كرمي الكرة الأرضية بمفاعل نووي.
وإني لأعجب ويطول عجبي من قوم لا يكاد أحدهم يصنع لنفسه أمراً واحداً خارج حدود عجلته الصدئة أعواماً طويلة, ولا يملك أن يبحث في الجوار عن نافذة يمكنها أن تمنحه هواء جديداً وشمساً مشرقة !
إن حديثي لا يعني طيفاً واحداً, ولا عجلة بعينها, ولا تياراً محدداً, ولا واقعاً مقصوداً, ولا مثالاً مرصوداً, ولا زمناً موجوداً, ولا جيلاً مشهوداً, لكنه يصلح للأب مع أبنائه وفي منزله وأثناء تربيته لفلذات أكباده ضمن تيار وعجلة عامة وكبيرة, ويصلح للمرأة بين مثيلاتها وفي مجتمعها وأثناء تعاملها مع المتغيرات, ويصلح للموظف في وظيفته, وللإعلامي في إعلامه, وتوقفه عن أن يكون قطعة ضمن عجلة الثورات والصيحات, وللشاب بين أقرانه, وللحاكم بين أعوانه, وللمحكوم بين إخوانه, ولنا جميعاً.
|| عبدالله علي الخريف : عضو منهل الثقافة التربوية.