د. أحمد محمد أبو عوض.
عدد المشاركات : 702
1438/07/01 (06:01 صباحاً).
عدد المشاهدات : ﴿﴿5247﴾﴾
لغة الطفل بين الاكتساب والفطرة «5».
◄ الماديون واكتساب اللغة :
يرى الماديّون أنَّ العقل هو مجرّد امتدادٍ للجسد ولا يختلف عنه إلا في صعوبة ملاحظة نشاطه من قِِبَلنا، ويرون أنَّ النشاط الإنسانيّ، ومنه النشاط اللّغويّ، هو سلسلة ماديّة من تعاقب السبب والنتيجة؛ وأنَّ الظاهرة اللغويّة يمكن دراستها مختبريّاً في نطاق التجارب العلميّة المتعلِّقة بالمُثير والاستجابة؛ وهي التجارب نفسها التي تُجرَى على الحيوانات. ولهذا فهم يفترضون أنَّ اكتساب اللغة يتمّ فقط من خلال التفاعل بين قدراتنا العقليّة ومحيطنا الاجتماعيّ.
ولعلَّ من أبرز مُمثِّلي هذا التيار عالم النفس جيروم برونر Jerome Bruner الذي لا ينكر وجود قدرة لغويّة موروثة لدى الطفل، ولكن لكي يكتسب الطفل اللغة الأمّ، فإنّه يحتاج إلى بيئة لغويّة مناسِبة. وإذا كان بالإمكان تسمية القدرة اللّغوية الموروثة بآلية اكتساب اللغة، فإنّ البيئة اللغوية اللازمة لاشتغال تلك الآلية يمكن تسميتها بـنظام إسناد أو تعضيد اكتساب اللغة. وهذا النظام يتجسّد بالعائلة التي تشجِّع الطفل على الكلام، بل تتيح له الفرص الكثيرة لاكتساب اللّغة، أثناء تغذيته أو تنظيفه أو اللعب معه، فجميع هذه الفعاليّات مصحوبة باللغة؛ وأنَّ تعلُّم اللغة يعتمد على قدرة الطفل على فهم الفعاليّات الاجتماعيّة والمشاركة فيها، وإدراكه الطريقة التي تُستعمَل فيها اللّغة. فالسلوك اللغويّ لبيئة الطفل والمحيطِين به والظروف الاجتماعيّة ذو أثر حاسم على اكتسابه اللغة، فالطفل مُشارك فاعل في اكتساب اللّغة، ولكن دور الوالديْن والمجتمع هو أساسيّ وضروريّ.
■ ومما يؤيِّد وجهة النظر هذه حالتان :
1) حالة الطفل الذي تضرَّرت أجزاء معيَّنة أو منطقة مخصوصة في مخِّه، فهو يصعب عليه جداً اكتساب اللغة.
2) حالة الطفل الذي لم ينشأ في بيئة لغويّة مناسبة، مثل الطفل الذي تربيّه الحيوانات، يصعب عليه جداً اكتساب اللغة.
■ مراحل اكتساب لغة الأمّ :
وسواء أكانت القدرة اللّغويّة الموروثة لدى الطفل أَم بيئته الاجتماعيّة اللغويّة هي التي تضطلع بالدور الأساسيّ في اكتسابه اللّغة، فإنّ الماديِّين والعقلانيِّين متفقون على أنّ اكتساب لغة الأمّ يمرّ بمراحل محدَّدة أثبتتها الملاحظة العمليّة للتطوُّر اللغويّ لدى الطفل.
ومن المراجع العربية الرئيسة التي ذكرت هذه المراحل بدقّة ووضوح كتاب "في طرائق تدريس اللّغة العربيّة" الذي لم يفقد قيمته العلميّة وجدّته المعرفية، على الرغم من مرور ربع قرن على صدوره. ونجد فيه أنّ مراحل اكتساب اللغة أربع :
1) مرحلة ما قبل الكلام، التي يُطلِق خلالها الوليد الجديد صيحات وصرخات لاإراديّة، يمكن تفسيرها بأنّها ردّ فعل غريزيّ للتعبير عن انفعالات غير سارة أو إحساسات طبيعية كالجوع، والتعب، والخوف، والألم الناتج من مثيرات خارجية كالحرارة والبرودة والضوء الشديد وغير ذلك، ويعدّ الصراخ والصياح تمريناً لجهاز التنفُّس الذي يشكِّل جزءاً من جهاز النطق لدى الطفل. وتمتدّ هذه المرحلة من الولادة حتّى الأسبوع الثالث، وأحياناً حتّى الأسبوع الثامن من عمر الوليد.
2) مرحلة المناغاة، التي يأخذ الطفل خلالها بتكرار بعض الأصوات المقطعيّة بصورة إراديّة، كما لو كان يتمرّن على أدائها وإتقانها أو يلعب بها، وهو يقوم بذلك في أوقات الراحة والرضا .. والمناغاة غريزيّة لدى الأطفال، بيد أن المُحيطِين بالطفل قد يشجِّعونه على تكرار أصوات معيَّنة مثل (با .. با ..) أو (ما .. ما ..) وتعزيزها، على حين يثبِّطون أصواتاً مقطعيّة أُخرى، وتمتدّ هذه المرحلة بصورة تقريبيّة من الشهر الثاني إلى الشهر الخامس من عمر الطفل، وتتفاوت مدّتها من طفل لآخر حسب الفروق الفردّية.
3) مرحلة المحاكاة، التي يأخذ الطفل خلالها بمحاكاة المحيطين به في إيماءاتهم وتعبير وجوههم وتعدّ الإيماءات والحركات المعبِّرة وسيلة من وسائل التواصل، وفي هذا الصدد، يرى مايكل كورباليس أنَّ الإنسان القديم بدأ بالتواصل من خلال إشارات اليديْن مع عدد محدود من الصرخات والأصوات، ثم تطوَّر التواصل لديه بنمو الأصوات وانحسار الإشارات، بحيث احتلّ الكلام اليوم الغالبية العظمى من مساحة التواصل، على حين بقيت للإشارات مساحة ضيقة فقط.
(فمثلاً اذا قال الطفل في بداية تلفظه لبعض الكلمات التي يسمعها في البيت مثل : بابا كتاب - فهذا يعني احتمال كل الإجابات التي يقصدها الطفل صحيحة 100% لأنه لم يميز استعمال أو فهم أو إدراك الفعل من الاسم من الحرف فيمكن أن يقصد :
1- هذا كتاب بابا تبعاً للتنغيم المصاحب للفظ.
2- بابا يقرأ.
3- تمزق كتاب بابا.
4- اعطني كتاب بابا.
وللمحاكاة أنواع عديدة : تلقائي، إرادي، بفهم، بدون فهم، دقيق، غير دقيق، عاجل، آجل، .. إلخ، وتتباين قدرة الأطفال على المحاكاة ونطق الكلمات الأولى طبقاً للذكاء والسن والجنس والفرص المتاحة، ووجود أطفال آخرين في العائلة، .. إلخ، وتبدأ مرحلة المحاكاة في حوالي الشهر التاسع أو العاشر من عمر الطفل.
4) مرحلة الكلام والفهم، التي يبدأ فيها الطفل بفهم معنى الألفاظ ونطقها :
ففي أواخر السنة الأولى من العمر يأخذ الطفل بنطق الكلمات المفردة.
وفي الأشهر الستة الأولى من السنة الثانية يبدأ بنطق كلمتين معاً.
وفي النصف الثاني من السنة الثانية يستطيع نطق مجموعة من الكلمات مع عناصر النحو الأولى.
وبين السنتين الثالثة والرابعة من العمر، يأخذ الطفل في تكوين الجمل.
ويتمّ اكتسابه لأقسام الكلام طبقاً للترتيب التالي : الأسماء، فالأفعال، فالأدوات. وهذه المراحل الأربع تقريبيّة من حيث مدتها وتتفاوت من طفل لآخر حسب الفروق الفرديّة، كما ذكرنا.
■ ولا شك أن هناك اعتبارات هامة في هذا الموضوع مثل :
1- اللهجات المحلية ونحو اللغة أو اللغة النحوية : فهذا الموضوع أو البحث فيه فروقات فردية متباينة جداً بين دولة ودولة أو بين مناطق متجاورة أو متباعدة في الدولة الواحدة، فما بالك بدول العالم الكثيرة ؟ فقد يتعلم الطفل لهجة محلية صعبة ولا يستطيع رجل كبير من دولة أخرى حتى محاكاتها أو تقليدها البتة.
2- الجوانب الفسيولوجية مثل : (جهاز التصويت - آلية التصويت - جهاز النطق - الأساس العصبي للكلام والسمع) حيث نلاحظ مثلاً بأن الأبكم لا يسمع، فكيف يمكن أن يحاكي كلمة لم يسمعها ؟ فهنا لغة الإشارة تفرض نفسها على كل من المتكلم - كالمعلم - أو المشاهد وهو الطالب الأبكم أو الأطرش.
علماً بأن هناك إشارات دولية خاصة يتم التعامل بها وتعلمها بين البكم من أجل استمرار حياة التواصل مع الآخرين لجميع مناحي الحياة المطلوبة من طعام وشراب - وقضاء حاجة أعزكم الله - إلى طلب الزواج والنكاح الشرعي ممن تتأثر غريزتهم الجنسية من هؤلاء الناس إلى الجنس الآخر والشعور بالفرح والبهجة مثل بقية الناس الأسوياء - داعين الله تعالى أن يلطف بهم ويرحمنا ويرحمهم برحمته الواسعة بالدنيا والأخرة.
3- في اللغة والفكر والمعنى : حيث أن الكلمات باعتبارها رموزاً وإشارات - المعنى الدلالي لدى الأطفال - العلاقة بين اللغة والفكر - بناء الجملة - دور الذاكرة في الفهم.
4- تشخيص الإدارة اللغوية : استخدام الاختبارات - استخدام تحليل الكلام المعنوي - استخدام الفروق بين الجنسين.
5- الافازيا وعيوب الكلام واللغة : أنواع عيوب الكلام (التأتأة والجلجة) أسباب عيوب الكلام.
■ الملخص العام :
تعلم الطفل اللغة : أن الطفل في الأسابيع الأولى من حياته، يستطيع أن يحدث كما بينا أصواتا بشكل آلي، لا إرادي نتيجة لبعض الدوافع الحركية (Motorimpulses) وتعتبر هذه الأشكال الصوتية الصادرة عن الطفل المادة الأولية التي ينحت منها أصوات الحروف المختلفة. ويلاحظ منذ الشهر الخامس من حياة الطفل، أن الأصوات التي كان يصدرها بصفة تلقائية تأخذ معنى آخر، إذ تبدأ تظهر بعض التأثيرات في نفس الطفل نتيجة لتكرار هذه الأصوات التي كان يصدرها دون قصد منه فالطفل عندما يصدر الصوت (دا) مثلاً - وهو صوت يصدر عنه في بادئ الأمر بشكل تلقائي لا إرادي - يشعر عند سماعه له بشيء من السرور يدفعه إلى تكرار الصوت، وهنا يرتبط سروره الحادث من اللعب بالاصوات (vocal play) بإدراكه للصوت المسبب لهذا السرور، أو بعبارة أخرى ترتبط حالة شعورية معينة عنده ببعض الأشكال الصوتية المسببة لتلك الحالة، من كتاب (Stern : Psychology pf early childhood,p.143) ويصبح الوضع الجديد لهذا النوع من ردود الأفعال، عبارة عن حلقة دائرية (circutar)، تتضمن القول والسمع، وبنفس الطريقة تتكون أشكال أخرى مماثلة من التركيبات الدائرية الشرطية (circularconditioned responses).
وعندما تتكون مجموعة من تلك التركيبات، يتخذ منها الكبار الذين حوله، موقفاً خاصاً : فرغبة منهم في تشجيعه، وتعبيراً عما يشعرون به من سرور وانشراح نجدهم يكررون ما يقوله الطفل، فيبدأ الطفل يقارن الأصوات التي يخرجها بتلك التي نطقت بها أمه أو مربيته.
وكم يكون مسرور الطفل، وكم تتضاعف سعادته عندما يدرك وجه الشبه بين ما يفوه به وما هو ينطقون به (فيشعر أنه هو وحده معلمهم وهو تلاميذه الصغار) ويحاول الطفل إذ ذاك أن يربط بين أصواته وأصواتهم .. وهنا ينتقل الطفل من التقليد الذاتي الذي يقلد فيه نفسه دون التأثر بالتجارب الخارجية عن محيطه إلى التقليد الموضوعي الذي يقلد فيه غيره (من كتاب : نظرية الجشتلط واثرها في تعليم اللغات ـ للدكتور مصطفى فهمي ـ رسالة ماجستير قدمت لكلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1942م).
وتكرار الأم كلمة معينة من مخزون الطفل نفسه مثل : (دادة - DA DAH) وتشير إلى شيء ما فأن الطفل سوف يتم الإدراك السمعي ثم الإدراك البصري ثم الإدراك اللمسي، وهنا يمكن أن يكرر الطفل الكلمة على كل شيء جديد من باب الاعتبار الشخصي له قائلاً للأهل خاصة والعالم أجمع (نحن هنا).
لغة الطفل بين الاكتساب والفطرة : كشف علمي.
|| د. أحمد محمد أبو عوض : عضو منهل الثقافة التربوية.
عدد المشاهدات : ﴿﴿5247﴾﴾
لغة الطفل بين الاكتساب والفطرة «5».
◄ الماديون واكتساب اللغة :
يرى الماديّون أنَّ العقل هو مجرّد امتدادٍ للجسد ولا يختلف عنه إلا في صعوبة ملاحظة نشاطه من قِِبَلنا، ويرون أنَّ النشاط الإنسانيّ، ومنه النشاط اللّغويّ، هو سلسلة ماديّة من تعاقب السبب والنتيجة؛ وأنَّ الظاهرة اللغويّة يمكن دراستها مختبريّاً في نطاق التجارب العلميّة المتعلِّقة بالمُثير والاستجابة؛ وهي التجارب نفسها التي تُجرَى على الحيوانات. ولهذا فهم يفترضون أنَّ اكتساب اللغة يتمّ فقط من خلال التفاعل بين قدراتنا العقليّة ومحيطنا الاجتماعيّ.
ولعلَّ من أبرز مُمثِّلي هذا التيار عالم النفس جيروم برونر Jerome Bruner الذي لا ينكر وجود قدرة لغويّة موروثة لدى الطفل، ولكن لكي يكتسب الطفل اللغة الأمّ، فإنّه يحتاج إلى بيئة لغويّة مناسِبة. وإذا كان بالإمكان تسمية القدرة اللّغوية الموروثة بآلية اكتساب اللغة، فإنّ البيئة اللغوية اللازمة لاشتغال تلك الآلية يمكن تسميتها بـنظام إسناد أو تعضيد اكتساب اللغة. وهذا النظام يتجسّد بالعائلة التي تشجِّع الطفل على الكلام، بل تتيح له الفرص الكثيرة لاكتساب اللّغة، أثناء تغذيته أو تنظيفه أو اللعب معه، فجميع هذه الفعاليّات مصحوبة باللغة؛ وأنَّ تعلُّم اللغة يعتمد على قدرة الطفل على فهم الفعاليّات الاجتماعيّة والمشاركة فيها، وإدراكه الطريقة التي تُستعمَل فيها اللّغة. فالسلوك اللغويّ لبيئة الطفل والمحيطِين به والظروف الاجتماعيّة ذو أثر حاسم على اكتسابه اللغة، فالطفل مُشارك فاعل في اكتساب اللّغة، ولكن دور الوالديْن والمجتمع هو أساسيّ وضروريّ.
■ ومما يؤيِّد وجهة النظر هذه حالتان :
1) حالة الطفل الذي تضرَّرت أجزاء معيَّنة أو منطقة مخصوصة في مخِّه، فهو يصعب عليه جداً اكتساب اللغة.
2) حالة الطفل الذي لم ينشأ في بيئة لغويّة مناسبة، مثل الطفل الذي تربيّه الحيوانات، يصعب عليه جداً اكتساب اللغة.
■ مراحل اكتساب لغة الأمّ :
وسواء أكانت القدرة اللّغويّة الموروثة لدى الطفل أَم بيئته الاجتماعيّة اللغويّة هي التي تضطلع بالدور الأساسيّ في اكتسابه اللّغة، فإنّ الماديِّين والعقلانيِّين متفقون على أنّ اكتساب لغة الأمّ يمرّ بمراحل محدَّدة أثبتتها الملاحظة العمليّة للتطوُّر اللغويّ لدى الطفل.
ومن المراجع العربية الرئيسة التي ذكرت هذه المراحل بدقّة ووضوح كتاب "في طرائق تدريس اللّغة العربيّة" الذي لم يفقد قيمته العلميّة وجدّته المعرفية، على الرغم من مرور ربع قرن على صدوره. ونجد فيه أنّ مراحل اكتساب اللغة أربع :
1) مرحلة ما قبل الكلام، التي يُطلِق خلالها الوليد الجديد صيحات وصرخات لاإراديّة، يمكن تفسيرها بأنّها ردّ فعل غريزيّ للتعبير عن انفعالات غير سارة أو إحساسات طبيعية كالجوع، والتعب، والخوف، والألم الناتج من مثيرات خارجية كالحرارة والبرودة والضوء الشديد وغير ذلك، ويعدّ الصراخ والصياح تمريناً لجهاز التنفُّس الذي يشكِّل جزءاً من جهاز النطق لدى الطفل. وتمتدّ هذه المرحلة من الولادة حتّى الأسبوع الثالث، وأحياناً حتّى الأسبوع الثامن من عمر الوليد.
2) مرحلة المناغاة، التي يأخذ الطفل خلالها بتكرار بعض الأصوات المقطعيّة بصورة إراديّة، كما لو كان يتمرّن على أدائها وإتقانها أو يلعب بها، وهو يقوم بذلك في أوقات الراحة والرضا .. والمناغاة غريزيّة لدى الأطفال، بيد أن المُحيطِين بالطفل قد يشجِّعونه على تكرار أصوات معيَّنة مثل (با .. با ..) أو (ما .. ما ..) وتعزيزها، على حين يثبِّطون أصواتاً مقطعيّة أُخرى، وتمتدّ هذه المرحلة بصورة تقريبيّة من الشهر الثاني إلى الشهر الخامس من عمر الطفل، وتتفاوت مدّتها من طفل لآخر حسب الفروق الفردّية.
3) مرحلة المحاكاة، التي يأخذ الطفل خلالها بمحاكاة المحيطين به في إيماءاتهم وتعبير وجوههم وتعدّ الإيماءات والحركات المعبِّرة وسيلة من وسائل التواصل، وفي هذا الصدد، يرى مايكل كورباليس أنَّ الإنسان القديم بدأ بالتواصل من خلال إشارات اليديْن مع عدد محدود من الصرخات والأصوات، ثم تطوَّر التواصل لديه بنمو الأصوات وانحسار الإشارات، بحيث احتلّ الكلام اليوم الغالبية العظمى من مساحة التواصل، على حين بقيت للإشارات مساحة ضيقة فقط.
(فمثلاً اذا قال الطفل في بداية تلفظه لبعض الكلمات التي يسمعها في البيت مثل : بابا كتاب - فهذا يعني احتمال كل الإجابات التي يقصدها الطفل صحيحة 100% لأنه لم يميز استعمال أو فهم أو إدراك الفعل من الاسم من الحرف فيمكن أن يقصد :
1- هذا كتاب بابا تبعاً للتنغيم المصاحب للفظ.
2- بابا يقرأ.
3- تمزق كتاب بابا.
4- اعطني كتاب بابا.
وللمحاكاة أنواع عديدة : تلقائي، إرادي، بفهم، بدون فهم، دقيق، غير دقيق، عاجل، آجل، .. إلخ، وتتباين قدرة الأطفال على المحاكاة ونطق الكلمات الأولى طبقاً للذكاء والسن والجنس والفرص المتاحة، ووجود أطفال آخرين في العائلة، .. إلخ، وتبدأ مرحلة المحاكاة في حوالي الشهر التاسع أو العاشر من عمر الطفل.
4) مرحلة الكلام والفهم، التي يبدأ فيها الطفل بفهم معنى الألفاظ ونطقها :
ففي أواخر السنة الأولى من العمر يأخذ الطفل بنطق الكلمات المفردة.
وفي الأشهر الستة الأولى من السنة الثانية يبدأ بنطق كلمتين معاً.
وفي النصف الثاني من السنة الثانية يستطيع نطق مجموعة من الكلمات مع عناصر النحو الأولى.
وبين السنتين الثالثة والرابعة من العمر، يأخذ الطفل في تكوين الجمل.
ويتمّ اكتسابه لأقسام الكلام طبقاً للترتيب التالي : الأسماء، فالأفعال، فالأدوات. وهذه المراحل الأربع تقريبيّة من حيث مدتها وتتفاوت من طفل لآخر حسب الفروق الفرديّة، كما ذكرنا.
■ ولا شك أن هناك اعتبارات هامة في هذا الموضوع مثل :
1- اللهجات المحلية ونحو اللغة أو اللغة النحوية : فهذا الموضوع أو البحث فيه فروقات فردية متباينة جداً بين دولة ودولة أو بين مناطق متجاورة أو متباعدة في الدولة الواحدة، فما بالك بدول العالم الكثيرة ؟ فقد يتعلم الطفل لهجة محلية صعبة ولا يستطيع رجل كبير من دولة أخرى حتى محاكاتها أو تقليدها البتة.
2- الجوانب الفسيولوجية مثل : (جهاز التصويت - آلية التصويت - جهاز النطق - الأساس العصبي للكلام والسمع) حيث نلاحظ مثلاً بأن الأبكم لا يسمع، فكيف يمكن أن يحاكي كلمة لم يسمعها ؟ فهنا لغة الإشارة تفرض نفسها على كل من المتكلم - كالمعلم - أو المشاهد وهو الطالب الأبكم أو الأطرش.
علماً بأن هناك إشارات دولية خاصة يتم التعامل بها وتعلمها بين البكم من أجل استمرار حياة التواصل مع الآخرين لجميع مناحي الحياة المطلوبة من طعام وشراب - وقضاء حاجة أعزكم الله - إلى طلب الزواج والنكاح الشرعي ممن تتأثر غريزتهم الجنسية من هؤلاء الناس إلى الجنس الآخر والشعور بالفرح والبهجة مثل بقية الناس الأسوياء - داعين الله تعالى أن يلطف بهم ويرحمنا ويرحمهم برحمته الواسعة بالدنيا والأخرة.
3- في اللغة والفكر والمعنى : حيث أن الكلمات باعتبارها رموزاً وإشارات - المعنى الدلالي لدى الأطفال - العلاقة بين اللغة والفكر - بناء الجملة - دور الذاكرة في الفهم.
4- تشخيص الإدارة اللغوية : استخدام الاختبارات - استخدام تحليل الكلام المعنوي - استخدام الفروق بين الجنسين.
5- الافازيا وعيوب الكلام واللغة : أنواع عيوب الكلام (التأتأة والجلجة) أسباب عيوب الكلام.
■ الملخص العام :
تعلم الطفل اللغة : أن الطفل في الأسابيع الأولى من حياته، يستطيع أن يحدث كما بينا أصواتا بشكل آلي، لا إرادي نتيجة لبعض الدوافع الحركية (Motorimpulses) وتعتبر هذه الأشكال الصوتية الصادرة عن الطفل المادة الأولية التي ينحت منها أصوات الحروف المختلفة. ويلاحظ منذ الشهر الخامس من حياة الطفل، أن الأصوات التي كان يصدرها بصفة تلقائية تأخذ معنى آخر، إذ تبدأ تظهر بعض التأثيرات في نفس الطفل نتيجة لتكرار هذه الأصوات التي كان يصدرها دون قصد منه فالطفل عندما يصدر الصوت (دا) مثلاً - وهو صوت يصدر عنه في بادئ الأمر بشكل تلقائي لا إرادي - يشعر عند سماعه له بشيء من السرور يدفعه إلى تكرار الصوت، وهنا يرتبط سروره الحادث من اللعب بالاصوات (vocal play) بإدراكه للصوت المسبب لهذا السرور، أو بعبارة أخرى ترتبط حالة شعورية معينة عنده ببعض الأشكال الصوتية المسببة لتلك الحالة، من كتاب (Stern : Psychology pf early childhood,p.143) ويصبح الوضع الجديد لهذا النوع من ردود الأفعال، عبارة عن حلقة دائرية (circutar)، تتضمن القول والسمع، وبنفس الطريقة تتكون أشكال أخرى مماثلة من التركيبات الدائرية الشرطية (circularconditioned responses).
وعندما تتكون مجموعة من تلك التركيبات، يتخذ منها الكبار الذين حوله، موقفاً خاصاً : فرغبة منهم في تشجيعه، وتعبيراً عما يشعرون به من سرور وانشراح نجدهم يكررون ما يقوله الطفل، فيبدأ الطفل يقارن الأصوات التي يخرجها بتلك التي نطقت بها أمه أو مربيته.
وكم يكون مسرور الطفل، وكم تتضاعف سعادته عندما يدرك وجه الشبه بين ما يفوه به وما هو ينطقون به (فيشعر أنه هو وحده معلمهم وهو تلاميذه الصغار) ويحاول الطفل إذ ذاك أن يربط بين أصواته وأصواتهم .. وهنا ينتقل الطفل من التقليد الذاتي الذي يقلد فيه نفسه دون التأثر بالتجارب الخارجية عن محيطه إلى التقليد الموضوعي الذي يقلد فيه غيره (من كتاب : نظرية الجشتلط واثرها في تعليم اللغات ـ للدكتور مصطفى فهمي ـ رسالة ماجستير قدمت لكلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1942م).
وتكرار الأم كلمة معينة من مخزون الطفل نفسه مثل : (دادة - DA DAH) وتشير إلى شيء ما فأن الطفل سوف يتم الإدراك السمعي ثم الإدراك البصري ثم الإدراك اللمسي، وهنا يمكن أن يكرر الطفل الكلمة على كل شيء جديد من باب الاعتبار الشخصي له قائلاً للأهل خاصة والعالم أجمع (نحن هنا).
لغة الطفل بين الاكتساب والفطرة : كشف علمي.
|| د. أحمد محمد أبو عوض : عضو منهل الثقافة التربوية.
◄ الماديون واكتساب اللغة :
يرى الماديّون أنَّ العقل هو مجرّد امتدادٍ للجسد ولا يختلف عنه إلا في صعوبة ملاحظة نشاطه من قِِبَلنا، ويرون أنَّ النشاط الإنسانيّ، ومنه النشاط اللّغويّ، هو سلسلة ماديّة من تعاقب السبب والنتيجة؛ وأنَّ الظاهرة اللغويّة يمكن دراستها مختبريّاً في نطاق التجارب العلميّة المتعلِّقة بالمُثير والاستجابة؛ وهي التجارب نفسها التي تُجرَى على الحيوانات. ولهذا فهم يفترضون أنَّ اكتساب اللغة يتمّ فقط من خلال التفاعل بين قدراتنا العقليّة ومحيطنا الاجتماعيّ.
ولعلَّ من أبرز مُمثِّلي هذا التيار عالم النفس جيروم برونر Jerome Bruner الذي لا ينكر وجود قدرة لغويّة موروثة لدى الطفل، ولكن لكي يكتسب الطفل اللغة الأمّ، فإنّه يحتاج إلى بيئة لغويّة مناسِبة. وإذا كان بالإمكان تسمية القدرة اللّغوية الموروثة بآلية اكتساب اللغة، فإنّ البيئة اللغوية اللازمة لاشتغال تلك الآلية يمكن تسميتها بـنظام إسناد أو تعضيد اكتساب اللغة. وهذا النظام يتجسّد بالعائلة التي تشجِّع الطفل على الكلام، بل تتيح له الفرص الكثيرة لاكتساب اللّغة، أثناء تغذيته أو تنظيفه أو اللعب معه، فجميع هذه الفعاليّات مصحوبة باللغة؛ وأنَّ تعلُّم اللغة يعتمد على قدرة الطفل على فهم الفعاليّات الاجتماعيّة والمشاركة فيها، وإدراكه الطريقة التي تُستعمَل فيها اللّغة. فالسلوك اللغويّ لبيئة الطفل والمحيطِين به والظروف الاجتماعيّة ذو أثر حاسم على اكتسابه اللغة، فالطفل مُشارك فاعل في اكتساب اللّغة، ولكن دور الوالديْن والمجتمع هو أساسيّ وضروريّ.
■ ومما يؤيِّد وجهة النظر هذه حالتان :
1) حالة الطفل الذي تضرَّرت أجزاء معيَّنة أو منطقة مخصوصة في مخِّه، فهو يصعب عليه جداً اكتساب اللغة.
2) حالة الطفل الذي لم ينشأ في بيئة لغويّة مناسبة، مثل الطفل الذي تربيّه الحيوانات، يصعب عليه جداً اكتساب اللغة.
■ مراحل اكتساب لغة الأمّ :
وسواء أكانت القدرة اللّغويّة الموروثة لدى الطفل أَم بيئته الاجتماعيّة اللغويّة هي التي تضطلع بالدور الأساسيّ في اكتسابه اللّغة، فإنّ الماديِّين والعقلانيِّين متفقون على أنّ اكتساب لغة الأمّ يمرّ بمراحل محدَّدة أثبتتها الملاحظة العمليّة للتطوُّر اللغويّ لدى الطفل.
ومن المراجع العربية الرئيسة التي ذكرت هذه المراحل بدقّة ووضوح كتاب "في طرائق تدريس اللّغة العربيّة" الذي لم يفقد قيمته العلميّة وجدّته المعرفية، على الرغم من مرور ربع قرن على صدوره. ونجد فيه أنّ مراحل اكتساب اللغة أربع :
1) مرحلة ما قبل الكلام، التي يُطلِق خلالها الوليد الجديد صيحات وصرخات لاإراديّة، يمكن تفسيرها بأنّها ردّ فعل غريزيّ للتعبير عن انفعالات غير سارة أو إحساسات طبيعية كالجوع، والتعب، والخوف، والألم الناتج من مثيرات خارجية كالحرارة والبرودة والضوء الشديد وغير ذلك، ويعدّ الصراخ والصياح تمريناً لجهاز التنفُّس الذي يشكِّل جزءاً من جهاز النطق لدى الطفل. وتمتدّ هذه المرحلة من الولادة حتّى الأسبوع الثالث، وأحياناً حتّى الأسبوع الثامن من عمر الوليد.
2) مرحلة المناغاة، التي يأخذ الطفل خلالها بتكرار بعض الأصوات المقطعيّة بصورة إراديّة، كما لو كان يتمرّن على أدائها وإتقانها أو يلعب بها، وهو يقوم بذلك في أوقات الراحة والرضا .. والمناغاة غريزيّة لدى الأطفال، بيد أن المُحيطِين بالطفل قد يشجِّعونه على تكرار أصوات معيَّنة مثل (با .. با ..) أو (ما .. ما ..) وتعزيزها، على حين يثبِّطون أصواتاً مقطعيّة أُخرى، وتمتدّ هذه المرحلة بصورة تقريبيّة من الشهر الثاني إلى الشهر الخامس من عمر الطفل، وتتفاوت مدّتها من طفل لآخر حسب الفروق الفردّية.
3) مرحلة المحاكاة، التي يأخذ الطفل خلالها بمحاكاة المحيطين به في إيماءاتهم وتعبير وجوههم وتعدّ الإيماءات والحركات المعبِّرة وسيلة من وسائل التواصل، وفي هذا الصدد، يرى مايكل كورباليس أنَّ الإنسان القديم بدأ بالتواصل من خلال إشارات اليديْن مع عدد محدود من الصرخات والأصوات، ثم تطوَّر التواصل لديه بنمو الأصوات وانحسار الإشارات، بحيث احتلّ الكلام اليوم الغالبية العظمى من مساحة التواصل، على حين بقيت للإشارات مساحة ضيقة فقط.
(فمثلاً اذا قال الطفل في بداية تلفظه لبعض الكلمات التي يسمعها في البيت مثل : بابا كتاب - فهذا يعني احتمال كل الإجابات التي يقصدها الطفل صحيحة 100% لأنه لم يميز استعمال أو فهم أو إدراك الفعل من الاسم من الحرف فيمكن أن يقصد :
1- هذا كتاب بابا تبعاً للتنغيم المصاحب للفظ.
2- بابا يقرأ.
3- تمزق كتاب بابا.
4- اعطني كتاب بابا.
وللمحاكاة أنواع عديدة : تلقائي، إرادي، بفهم، بدون فهم، دقيق، غير دقيق، عاجل، آجل، .. إلخ، وتتباين قدرة الأطفال على المحاكاة ونطق الكلمات الأولى طبقاً للذكاء والسن والجنس والفرص المتاحة، ووجود أطفال آخرين في العائلة، .. إلخ، وتبدأ مرحلة المحاكاة في حوالي الشهر التاسع أو العاشر من عمر الطفل.
4) مرحلة الكلام والفهم، التي يبدأ فيها الطفل بفهم معنى الألفاظ ونطقها :
ففي أواخر السنة الأولى من العمر يأخذ الطفل بنطق الكلمات المفردة.
وفي الأشهر الستة الأولى من السنة الثانية يبدأ بنطق كلمتين معاً.
وفي النصف الثاني من السنة الثانية يستطيع نطق مجموعة من الكلمات مع عناصر النحو الأولى.
وبين السنتين الثالثة والرابعة من العمر، يأخذ الطفل في تكوين الجمل.
ويتمّ اكتسابه لأقسام الكلام طبقاً للترتيب التالي : الأسماء، فالأفعال، فالأدوات. وهذه المراحل الأربع تقريبيّة من حيث مدتها وتتفاوت من طفل لآخر حسب الفروق الفرديّة، كما ذكرنا.
■ ولا شك أن هناك اعتبارات هامة في هذا الموضوع مثل :
1- اللهجات المحلية ونحو اللغة أو اللغة النحوية : فهذا الموضوع أو البحث فيه فروقات فردية متباينة جداً بين دولة ودولة أو بين مناطق متجاورة أو متباعدة في الدولة الواحدة، فما بالك بدول العالم الكثيرة ؟ فقد يتعلم الطفل لهجة محلية صعبة ولا يستطيع رجل كبير من دولة أخرى حتى محاكاتها أو تقليدها البتة.
2- الجوانب الفسيولوجية مثل : (جهاز التصويت - آلية التصويت - جهاز النطق - الأساس العصبي للكلام والسمع) حيث نلاحظ مثلاً بأن الأبكم لا يسمع، فكيف يمكن أن يحاكي كلمة لم يسمعها ؟ فهنا لغة الإشارة تفرض نفسها على كل من المتكلم - كالمعلم - أو المشاهد وهو الطالب الأبكم أو الأطرش.
علماً بأن هناك إشارات دولية خاصة يتم التعامل بها وتعلمها بين البكم من أجل استمرار حياة التواصل مع الآخرين لجميع مناحي الحياة المطلوبة من طعام وشراب - وقضاء حاجة أعزكم الله - إلى طلب الزواج والنكاح الشرعي ممن تتأثر غريزتهم الجنسية من هؤلاء الناس إلى الجنس الآخر والشعور بالفرح والبهجة مثل بقية الناس الأسوياء - داعين الله تعالى أن يلطف بهم ويرحمنا ويرحمهم برحمته الواسعة بالدنيا والأخرة.
3- في اللغة والفكر والمعنى : حيث أن الكلمات باعتبارها رموزاً وإشارات - المعنى الدلالي لدى الأطفال - العلاقة بين اللغة والفكر - بناء الجملة - دور الذاكرة في الفهم.
4- تشخيص الإدارة اللغوية : استخدام الاختبارات - استخدام تحليل الكلام المعنوي - استخدام الفروق بين الجنسين.
5- الافازيا وعيوب الكلام واللغة : أنواع عيوب الكلام (التأتأة والجلجة) أسباب عيوب الكلام.
■ الملخص العام :
تعلم الطفل اللغة : أن الطفل في الأسابيع الأولى من حياته، يستطيع أن يحدث كما بينا أصواتا بشكل آلي، لا إرادي نتيجة لبعض الدوافع الحركية (Motorimpulses) وتعتبر هذه الأشكال الصوتية الصادرة عن الطفل المادة الأولية التي ينحت منها أصوات الحروف المختلفة. ويلاحظ منذ الشهر الخامس من حياة الطفل، أن الأصوات التي كان يصدرها بصفة تلقائية تأخذ معنى آخر، إذ تبدأ تظهر بعض التأثيرات في نفس الطفل نتيجة لتكرار هذه الأصوات التي كان يصدرها دون قصد منه فالطفل عندما يصدر الصوت (دا) مثلاً - وهو صوت يصدر عنه في بادئ الأمر بشكل تلقائي لا إرادي - يشعر عند سماعه له بشيء من السرور يدفعه إلى تكرار الصوت، وهنا يرتبط سروره الحادث من اللعب بالاصوات (vocal play) بإدراكه للصوت المسبب لهذا السرور، أو بعبارة أخرى ترتبط حالة شعورية معينة عنده ببعض الأشكال الصوتية المسببة لتلك الحالة، من كتاب (Stern : Psychology pf early childhood,p.143) ويصبح الوضع الجديد لهذا النوع من ردود الأفعال، عبارة عن حلقة دائرية (circutar)، تتضمن القول والسمع، وبنفس الطريقة تتكون أشكال أخرى مماثلة من التركيبات الدائرية الشرطية (circularconditioned responses).
وعندما تتكون مجموعة من تلك التركيبات، يتخذ منها الكبار الذين حوله، موقفاً خاصاً : فرغبة منهم في تشجيعه، وتعبيراً عما يشعرون به من سرور وانشراح نجدهم يكررون ما يقوله الطفل، فيبدأ الطفل يقارن الأصوات التي يخرجها بتلك التي نطقت بها أمه أو مربيته.
وكم يكون مسرور الطفل، وكم تتضاعف سعادته عندما يدرك وجه الشبه بين ما يفوه به وما هو ينطقون به (فيشعر أنه هو وحده معلمهم وهو تلاميذه الصغار) ويحاول الطفل إذ ذاك أن يربط بين أصواته وأصواتهم .. وهنا ينتقل الطفل من التقليد الذاتي الذي يقلد فيه نفسه دون التأثر بالتجارب الخارجية عن محيطه إلى التقليد الموضوعي الذي يقلد فيه غيره (من كتاب : نظرية الجشتلط واثرها في تعليم اللغات ـ للدكتور مصطفى فهمي ـ رسالة ماجستير قدمت لكلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1942م).
وتكرار الأم كلمة معينة من مخزون الطفل نفسه مثل : (دادة - DA DAH) وتشير إلى شيء ما فأن الطفل سوف يتم الإدراك السمعي ثم الإدراك البصري ثم الإدراك اللمسي، وهنا يمكن أن يكرر الطفل الكلمة على كل شيء جديد من باب الاعتبار الشخصي له قائلاً للأهل خاصة والعالم أجمع (نحن هنا).

|| د. أحمد محمد أبو عوض : عضو منهل الثقافة التربوية.