من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

كالنسيم هم ﴿2342﴾.
العبط ﴿8261﴾.
ارحم روحك ﴿2258﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : خالد محسن الجابري.
إجمالي القراءات : ﴿4686﴾.
عدد المشــاركات : ﴿21﴾.

اضربني ولا تصرخ في وجهي.
لو فكرت يوماً في أن تستعمل السلم ـ بدلاً من المصعد ـ للصعود إلى شقتك، فسوف تسمع صراخاً ينبعث من معظم الشقق. وإذا سألت أحد الصارخين : لماذا تفعل ذلك ؟ سيجيبك على الفور : "إنني أؤدب ابني وأربيه" ولم يعرف هذا المسكين أن الصراخ يعد أسوأ طرق التعامل مع الأطفال لأن آثاره السلبية ربما تكون أكثر من آثار الضرب، الأمر الذي يجعل كثيراً من الأطفال قد يلجأ إلى أن يرفع شعار "اضربني ولا تصرخ في وجهي".

■ والقصة التالية تزيد الأمر وضوحاً :
فقد فوجئت إحدى الأمهات بابنها يتكلم مع مذيعة بقناة تلفازية تزور المدرسة وتسأل عن السلوكيات السلبية لدى الأمهات، ففوجئت بابنها يقول بأن أمه تضربه وتحرمه من المصروف الأسبوعي ومن نزهة آخر الأسبوع والأم تسمع الكلام وهي مصدومة بكذب ابنها وادعائه عليها فهي لم تضربه أبداً ولم تحرمه من شيء ولما عاد الابن من المدرسة وجد الأم له بالمرصاد تسأله : متى ضربتك ؟ متى حرمتك ؟ وأجاب الطفل بكل هدوء وثقة : يا أمي كان علي أن أقول هذا كله عنك لئلا أخبرهم إنك تصرخين بوجهي، وهكذا بكل براءة اعتقد الطفل أنه يحمي صورة أمه، وهو يخفي صراخها، وهو بهذا عبر عن حقيقة فطرية إنسانية، وهي أن أصعب شيء على نفس الإنسان هو أن يهان بالصراخ".
إن الصراخ يعد عقاباً فاشلاً لأنه يشيع في البيت مناخاً متوتراً يمس كل من يعيشون فيه، والبيت الذي تعلو فيه الأصوات هو مناخ مناسب لإنتاج أفراد مرضى بأمراض نفسية كالقلق والاكتئاب، فالطفل الذي نصرخ دائماً في وجهه، ونؤنبه باستمرار، سيشعر بأنه فرد غير مقبول، والجميع يبغضونه ولا يرتاحون لتصرفاته، هذا إضافة إلى كون الصراخ يحدث ما يسمى بالرابط السلبي لدى الطفل، والذي يدوم مع الطفل طيلة حياته، ومهما كبر فإن أي رفع للصوت أمامه يرجع لديه تلك المشاعر السلبية التي استشعرها وهو طفل صغير ضعيف، ومن سلبيات الصراخ الدائم في وجوه الأبناء أن الأطفال الذين يتعرضون لصراخ الأهل في وجوههم يبدؤون في ممارسته تجاه الأطفال الأصغر منهم في العائلة والمدرسة، وأحياناً يصبح السلوك موجوداً حتى في وجه الكبار، فترى البنت تصرخ في وجه أمها، أو الولد يصرخ في وجه والده، وهنا يصبح من العبث أن نقول لهم : إن هذا الفعل معيب لأننا نمارسه معهم يومياً.

■ وهذه بعض النصائح العملية التي تساعدنا بمشيئة الله تعالى على أن نقلل من صراخنا في وجوه أبنائنا وبناتنا :
1ـ تذكر دائما وصية لقمان الحكيم لابنه أن يخفض صوته ولا يرفعه فيما لا فائدة فيه، لأن أقبح الأصوات وأكثرها شراً هي أصوات الحمير، ولو كان رفع الصوت خيراً ما جعله الله تعالى للحمير.
2ـ حدد الأولويات التربوية، فيجب على المربي أن يحدد الأهم تربوياً فالأقل أهمية بالنسبة لأبنائه وتلامذته، فليس كل طلب تطلبه الأم من أطفالها يستحق الجدال والمناقشة، فلا يستحق موضوع بسيط مثل اختيار نوع الطعام بدلاً من آخر أو رفض طبق معين أو الإصرار على ارتداء زي معين من جانب الطفل يثير الثورة والغضب، ويمكن للأم أن تعد قائمتين : الأولى بالأسس التربوية التي لا تقبل المناقشة والتفاوض، والثانية ببعض الأسس القابلة للتفاوض والتعديل والتكيف.
3ـ الانسحاب أو التزام الصمت : عند تفجر الموقف بين الأم وأبنائها فإنها تفقد تحكمها في أعصابها، وهذا بدوره يثير لدى الأبناء إحساساً بالخوف والقلق، لأن شكل الأم يتغير وتعبيرات وجهها تصبح أكثر قسوة، والإنسان عندما يفقد السيطرة على نفسه يتفوه بكلمات جارحة ويرتكب أفعالاً يندم عليها بعد ذلك، لذلك يجب على المربي أن ينسحب من ساحة المواجهة عندما يبدأ دماغه في الغليان ويوشك غضبه أن ينفجر، ويكفي أن يقول لمن أخطأ : "من شدة غضبي منك الآن لا أريد مواجهتك وأنا في هذه الحالة" وهنا سيشعر الطفل بتأنيب الضمير وتشعر بعض الأمهات بالقلق خوفاً من أن يعتقد أبناؤها أن صمتها أو انسحابها يعني الاستسلام ولكن هذا الاحتمال ضعيف جداً، فأغلبية الأبناء سوف يدركون أنهم تمادوا في الخطأ فيتراجعون ويعتذرون وتمر إن شاء الله العاصفة بسلام.
4ـ انظر إلى ابنك طويلاً حين يكون نائماً، وتأمل في براءته وضعفه، وخاطب نفسك : هل يستحق هذا المسكين أن أضربه أو اصرخ فيه، وحين يريد الغضب أن يثور في نفسك على ابنك عندما يرتكب ما يغضبك تذكر صورته وهو نائم ضعيف لا حول له ولا قوة، وملامح البراءة مرسومة على وجهه، وحاول أن تثبت هذه الصورة في مخيلتك، فإن هذا يساعدك كثيراً على كبح جماح غضبك.
5ـ الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم بصورة مستمرة وأنت تشاهد من ابنك ما يثير فيك الغضب، سواء أقام بكسر الأشياء في البيت أم بضرب أخته أو أخيه الصغير أم بالصراخ، ردد الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان وأنت تتوجه إليه لتمنعه من فعله الخاطئ أو إصلاح ما أفسده، وعليك أن تخاطبه عندما يخطئ بالدعاء له.
◄ كيف نعالج أخطاء أبنائنا ــ عبدالله محمد عبدالمعطي (بتصرف).