من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. محمد علي المسعري.
إجمالي القراءات : ﴿3395﴾.
عدد المشــاركات : ﴿30﴾.

المقامة التربوية.
■ خرج طفلاً وكان غفلاً لا يعلم شيَّا في المهد صبيا لا يعرف مطلبه ولا يدرك مأربه بهيمي الطلب في الجد واللعب ديدنه البكاء فرحه وألمه سواء لا يفهم الطلب ولا المسبب والسبب والده في عناء سعادة أو شقاء وأمه هدها التعب من كثرة الشغب في ضحكه السعادة في صغره وكبره والولادة أما البكاء فهو عذاب في الولادة والشباب كلامه مناغاة وبعده مناجاة يقلد الألفاظ ويسمع الوعاظ.
في أسرته ربا وزاد ونما نشأ وترعرع وكبر وسطع وفكر وأبدع تربيته متراكمة وخبرته متزاحمة تعلم الكلام ونطق السلام وأمسك الأقلام كتابته شخبطة وأحلامه ملخبطة.
ملك في مملكته لا ينازع في حكمه يطلب ويطاع ويُعصى بقدر المستطاع أمره منفذ وليس لأحد منه منقذ ينادي فيلبى ويأخذ المخبى.
يسرح ويمرح يلعب ويفرح تزرع في عقله الفكرة وتصير شجرة بعد بذرة ثم زهرة وثمرة لا يؤاخذ على الهنة وليس لأحد عليه منة.
أعوامه متولية وعلومه متعالية أبوه ساس التربية صحيحة أو تعمية حتى صار ستا مستوية ليست أمتا ذهب المدرسة لينهل المعرفة والخبرة المشرِّفة.
وهنا تكون الكارثة ولما عرفه جارفة فيحدث الشقاق ويتصايح الرفاق فلم يألفوا النظام والانضباط والانتظام.
الكل واقف ينتظر وقلبه سينفطر من كلمة يصيح كأنه ذبيح وأبوه يهدهده وعقله يهدده اختلفت الأمور عن بيته والدور.
كان هذا اليوم الأول أَمْرٌ عليه يُعَوَّل وتلاه يوم ثانٍ حتى انتهى الأسبوع وكان له الخضوع وانتظم في صفه مع إخوة من سنة فكانت رحلة التعليم مع المعلم العليم والعلامة الفهيم.
أخذت به الأفكار في كل ساعة تثار أحيانا تهدد وأخرى تندد ومعلم يطالب وطالب يشاغب حصة محددة وسبورة ومنضدة ولكل طالب مقعد باسمه محدد في ظهره حقيبة كانت تسمى عيبة تسبب الإعياء وتحفظ الأشياء.
ويسكت العيال ويسرح الخيال وفكرهم يصول، وكلهم يقول : قد كنت يوما لاهيا، عن كل شيء ساهيا، واليوم أؤمر اسكت حتى أصبحت كالبسكت.
توالت الأيام ورفرفت أعلام وكلنا غلام في صفنا معلم لدرسه مصمم وكل يوم يطلب من حفظنا ما يصعب ويكثر العتاب يريدنا شباب ويبتغي مآب.
وفي فترة محددة علومها مجددة كان بها التقويم ليُعرف العليم والطالب السليم ويرسل الخطاب ويسعد الأحباب.
فانقسم الطلاب متميز ومعاب وأرسل الخطاب وطُلب الجواب تسلم الأب الاستدعاء وفتح الوعاء وكان له عناء فضاق صدر الأب لكنه يخبي وصار من أمره في حيرة ومن زملاء ابنه في غيرة.
عاتب الأب ابنه رقق له لفظه مظهرا من عطفه ما يوحي بلطفه.
قال له أي بني : ألم أعطك كل شي ؟ هل بخلت بما في يدي ؟ ألم يكن جيبك ملي ؟ إذن لماذا هذه النتيجة ؟ في السنة الأولى الجديدة.
قال له الابن : يا أبت لا تغضب ومن نتيجتي لا تعجب فلست ابنا جاحدا ولمستواي لست عامدا لكن أريد المعذرة وسماع قولي ثم المغفرة.
في بيتنا كنت الملك لا تسألني وأسألك وأعطيتني ما تملك كنت أنا الحاكم أحكم بلا محاكم ولا أجد المعاكم حتى أتيت المدرسة وبدأت الممارسة فوجدت لطبيعتي خوارق وأصبحت معارفي غوارق.
كانت طبيعتي برغبتي وصارت ضد محبتي كنت آخذ ما أشاء وأدع ما لا أشاء وصرت آخذ ما أشاء وما لا أشاء وما أكثر ما لا أشاء كثر علي السؤال ولا أعرف المآل فإذا عرفت أجبت وإن لم أعرف سكت.
لكنني يا أبت طوال هذي الفترة كان وقوفي بكثرة بسبب قصر الكرسي وكان فيه تعسي أوارتفاع المنضدة عن قامتي والمعدة.
يناظرني معلمي ويسكت وآخر يأمرني واجلس فخمس ساعات وقوف كلها قلق وخوف.
معلمي بحالتي قد يعلم ويدرك ويفهم لكن ليس لديه حيلة أو الإتيان بالبديلة.
فكرت ترك المدرسة من آلامها المتعسة لكن ذكرتك يا أبي فقلت : أنا طفل أبي ولن أجني على أبي.
لبى الأب نداء المدرسة وصافح المدير في مجلسه وانتظر المعلم ليبحث الخبر المؤلم.
في مجلس الرضا والاختيار الذي ضم الفضلاء الأخيار جلس المعلم والأب وكلهم ربٌّ يربُّ صفاتهم شرعية وعقولهم محمية من الجهل والحمية.
فتكلم الأب المعلم عن الابن المغمم فقال : ابنكم لا ينتبه للدرس كأنه في عرس مشغول عنا دائما ولا يريد لائما إن سُئل سكت وإن لم يسأل سكت لا يشارك الأخوان أو يعاون الأعوان.
الواجب عنده مؤجل وإلى الغد معطل حاولت منه السبب ليبطل عندي العجب زملاؤه في صفه الكل حافظ درسه وهو يعيش في تعاسة بدون حزم أو كياسة.
فقلت : أنت الأب ولكل شيء مذهب عسى هناك أمل ومستقبل يؤمل ويتحقق المطلوب فابننا محبوب.
همهم الأب في سره وكان في حيرة من أمره وقال : هذا المعلم داهية سيجعل حجتي واهية لكنني سأنتصر ولو جلست العصر.
قال الأب للمعلم : أنا أتيت مسلم استلهم الصواب وابتغي الجواب.
بني ثمرة قلبي وقرة لعيني أرضي له ذليلة سمائي عليه ظليلة إن سألني أعطيه وإن تركني أعطيه ريحانتي الفواحة وعيني السواحة.
ربيته أحسن تربية بادية وخافية حتى أتى للمدرسة في رحلة متعسة ومشية مهسهسة لا يعرف الحل لها في صعبها أو سهلها.
الكرسي حطم فخذه والمنضدة كسرت ظهره طوال يومه واقف يساير المواقف وإذا وصل للبيت يذهب للمبيت في فرشه ممدود على غير عهده المعهود.
عاتبته بعد الخطاب لم لا تكن كالطلاب وتحفظ الدروس وتسعد النفوس.
أخبرني مما يعاني وحطم في نفسي الأماني وهذا سبب إخفاقه من ألفه ليائه.
وأنت أيها المعلم في عزمك مصمم همك حفظ الدرس قبل دق الجرس لم تتعرف حاله ولم تجب سؤاله وما آل إليه مآله.
فانبرى المعلم للأب بقوله أنا المربي أنقي لهم الفطرة وأجعل سيرتهم عطرة أبعدهم عن الانحراف وأمنعهم من الانجراف أعدل الخطيئة المستعجلة والبطيئة لا أنزل العقاب وأفهم الخطاب وأعطيهم الجواب.
مطالب بمنهج والكل مثلي ينهج من صفه قد يحرج أو طالب قد يخرج للصف الآخر يعرج أو يبقى يهرج.
لست أنا الوحيد في المدرسة الصنديد في رفقتي عضيد ومنهم الشديد لا أحدًا يحيد طريقنا سديد.
وأنتم هنا في غفلة تعطون أنفسكم مهلة حتى يكون اليأس وفي الرأس تقع الفأس لا تعرفون درس اليوم والواجب قبل النوم ترددون "أنا مشغول"، ولست أنا المسئول هذا ابنكم أوغول تزول عنه أو تحول.
المدرسة هذي لكم ومعلمها أخ لكم ومديرها من شعبكم وكل ما فيها لكم.
حاول تزور المدرسة في كل شهر من سنة أو كل نصف سنة لتعرف حالة ابنك ويفخر بحبك وقربك عن بعدك.
ولا تكن لنا لائم تدير لنا العمائم لا كلمة لحائم أو بسمة لعالم.
نكس الأب رأسه ثم تناول فأسه وقال أيها المعلم : لا تحسب أني ظالم أو أنني لا أفهم القول عندك هين تشدد وتليِّن تفصِّل وتعيِّن وابني هنا ينتظر كأنه ينتحر من فعلكم ينشطر ومستقبله يتعثر.
أعطيتكم كالزهرة المتفتحة النضرة وصار عندك شجرة أوراقها مبعثرة في ظلها منثرة وأغصانها مكسرة.
أريده كالسدرة تنتج كل بذرة يحمل عنكم راية يوصلها للغاية ويكون خير جليس للصاحب النفيس وذكره يرفع رأسي.
بني جوهرة نقية فطرته سوية ساطعة أبية قد كان في البيت ملك لا يسأل عمن هلك حتى إلى المدرسة سلك ثم هدمتم ملكه وخرقتم طبعه وأغرقتم قاربه لم تعرفوا طبيعته أو تدركوا خصيصته ليسهل العلاج ويحصل الإنتاج.
موسى كليم الله بعلمه الإلهي لم يستطع مع الخضر من فعله أن ينتظر حتى سأل ما هذا ؟ ولم فعلت هذا ؟ ولم لم تأخذ أجر هذا ؟
والعبد كان قد اشترط ألا يُسأل عن شيء قط وموسى أبى أن يحتمل من فعله ما قد حمل وكان بينهما فراق كما بين مصر والعراق.
هذا بسبب خرق العادة تهرب منها السعادة والنوم على الوسادة.
وهل كان ابني موسى أو كنت أنت عيسى بإذن الله تحيي الموتى بوكزة من صعدة تجعله حيا بعد موتة.
هذي عقول غامضة كالعيون الغامضة لا تعرف منها النون حتى تفتح الجفون.
فحاول أن تدركها قبل أن تُغرقها بعلوم لا تعرفها ولا تلبسها سربال أو عمة وشال تكون عليها وبال.
عينه بك معقودة ونفسه بنفسك مودودة حسنه ما صنعت وقبحه ما تركت علمه ولا تجبر ولا تترك وتهجر روِّهِ من الحديث أشرفه ومن النشيد أعفه ولا تنقله إلى علم حتى يحكمه فإن ازدحام الكلام في القلب مشقة للفهم.
حول الأب شخصت الأبصار وخزرته الأنظار وبعضها قد جحظت لما رأت من علمه ولحظت.
فتقدم المدير للكرسي يدير وبدأ الكلام ليرفع الملام فقال : نحن أسرة في بيتنا أو مدرسة همنا هذا الطالب يحقق المطالب ويكون أحسن قدوة لغيره وأسوة الابن هذا ابننا هو منا ولنا وله علينا ولا لنا في سنه هذا المنى.
فيما يخص الإدارة سنوجده بجدارة وما يخص المعلم فإنه قد لَهِمَ ولقولك قد فهم.
وأنت أيها الأب لا تحرمنا من رؤيتك وعلمك ومعرفتك وكن دوما عونا لنا فالابن منك لنا ندعو له في صبحنا أن يحفظه من شر الأنا.
فأشرق وجه المرشد وقال أنا إمام المسجد : أعدل الأخلاق وأهذب الأشواق وأطرد الأفَّاق. الكل هنا ابني وللسلوك العام ابني بالصوان لا باللبن ليكون جبلا ابني.
اليوم أحسن مناظرة الكل فيها مفخرة وأطلب من الله المغفرة عما مضى دنيا وآخرة.
هذه الأسرة السعيدة في يومها هذا وليدة وفي غدها شديدة سنيها مديدة.
فإذا المعلم يرحل لرأس الأب يقبل وتماسك الاثنان كأنهما يلتقيان في ساعة من زمان.
وخطى الأب نحو المدير بيديه إليه يشير واحتضنا بعضهما وسقط العقال في وسطهما.
وأنت يا مرشدنا فالفضل منك لنا تحضنك قلوبنا.
نرجو من الله العلي أن يجعل القلب خلي من شغل هذه الدنيا الدني وأن يجعل الفردوس مسكننا والجنة الخضراء موطننا وزمرة الأنبياء والشهداء زمرتنا.
ظل الجميع واقفين يريدون شيئا ليس عارفين حتى ابتدر الأب والمعلم في لفظة واحدة لا نترك هذا اليوم يمضي بلا رسوم نريد أن نحتفل في المدرسة قبل الحفل.
غرد جرس الصرفة فانطلقوا من الغرفة صفوة من صفوة بعد أن تم الاتفاق أن يكتب هذا الوفاق ويرسل إلى المدارس وكل أب وغارس وموظف وحارس وعامل ممارس.
فالتفت إليَّ المدير بإصبعه يشير طالبا مني الاسم والوسم والرسم.
فقلت له : أنا المسعري محمد علي صاحب هذه المقامة لكي تكون علامة للتربية والتعليم يحفظها كل فهيم.