من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

مثلث الكوتش ﴿4494﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. محمد الصفى بن عبدالقادر.
إجمالي القراءات : ﴿3361﴾.
عدد المشــاركات : ﴿65﴾.

في الثقافة الوظيفية : الخدمة المنزلية وظيفة من لا وظيفة لها.
■ الخدمة في البيوت مهنة من لا حرفة لها.
يوميتي أقتات منها أنا وزوجي العاطل وأبنائي الثلاث - نتعرض في العديد من الأحيان لتحرشات جنسية داخل البيوت من قبل عزاب وأحيانا متزوجين بالقرب من مارشي النوار بالجديدة ومنذ الساعات الأولى من الصباح تجدهن جاثمات على الأرصفة أو متكئات على أحد الأسوار المقابلة للسوق يثرثرن كثيرا وينتظرن أكثر لعل زبونة أو زبونا يقصدهن ليتدافعن نحوه بكل قوة من أجل الفوز برضاها أو رضاه ولتكون المحظوظة هي التي تحظى بشرف الخدمة في البيت الذي ستتوجه إليه، بغض النظر عن مكان تواجده أو مهنة صاحبه أو أي شيء آخر سوى من تحديد الثمن لا غير، تختلف تخصصاتهن حسب السن والقدرة، بعضهن يجدن "التخمال" وأخريات التصبين وأخريات ليست لديهن أية شروط همهن الحصول على لقمة عيش بأي ثمن يجدن كل شيء.
اقتربت من إحداهن لم تكن شابة بل بلغت من السن عتيا من خلال قسمات وجهها وتجاعيده التي تخفي مرارة الحياة التي عايشتها، بجلبابها الفضفاض المتدلي، فاعتقدت أني زبون قد وقع اختياره عليها رأفة بها وبسنها، فسألتها عن العمل الذي تتقنه فأجابت "كل ما ترغب فيه، واخا كبيرة أوليدي راني حادكة" ولما سألتها عن أجرتها لم تمانع في أي مبلغ بقولها "لي جات من عندك خير ألف ولا 800 ريال لبغيتي أوليدي" فتركتها بدعوى أني مجرد مبعوث أسأل عن الأثمنة وسأعود، فطلبت مني ألا أبدلها فتركتها تعقد آمالها على أي مبلغ المهم ألا يضيع يومها بدون فائدة، وبينما كنت أولي وجهتي لوسط المدينة استوقفتني أخرى يبدو على محياها أنها شابة طالبة مني أن بإمكانها أن تقوم بخدمتي خصوصا التصبين والتجفاف بثمن مناسب وبأنها لمدة يومين لم يحالفها الحظ في أية خدمة لإعالة أبنائها، فأدركت من حديثها أنها مطلقة بابنين وتقاوم تحديات الزمن من أجل توفير العيش لهما رفقة والدتها بشرف عوض اللجوء إلى ما أصبح يطلق عليه بتجارة اللحوم البيضاء، فأخبرتها أنني لست في حاجة لذلك مانحا إياها عشرة دراهم من باب الرأفة وانسحبت. وضعية سيدات أخرجتهن ظروف الحياة القاسية للبحث عن قوتهن وقوت أولادهن وعائلاتهن بعدما عجزن عن إيجاد عمل قار بالمعامل والمصانع منهن كبيرات السن اللائي تخلى عنهن أولادهن بعد أن ارتبطوا بزوجاتهم أو بوظائفهم كما حال "أمي غنو" التي تنكر لها ابنها الوحيد الذي يشتغل كطبيب، ومطلقات وأرامل ومتزوجات أحيانا كحالة فاطمة التي تتنقل يوميا من آزمور للجديدة للالتحاق بطوابير هؤلاء السيدات، أم لأربعة أبناء أصغرهم بالمستوى الخامس وزوج كسيح بفعل المرض، فرغم ما تحصل عليه من دريهمات فهي تسد به مصروف البيت إلى حين أن ينعم الله عليها بما هو أفضل وتحكي في نبرة حزينة أنها تتعرض في بعض الأحيان لمضايقات وتحرشات في بعض الشقق والمنازل من قبل عزاب ومتزوجين يكترون شققا خلسة عن زوجاتهن لممارسة الدعارة لأن هذه الحرفة ولجتها بعض الفتيات اللواتي يمتهن الدعارة فيون لهن الأجر مضاعف مما حول هذه المهنة إلى وصمة عار على جبين ممارساتها "فحوتة واحدة كتخنز شواري". وإذا كانت معاملة هذه الفئة تكون في أغلب الأحيان دون المستوى من قبل أرباب البيوت، فإن هناك أناس يقدرون هذه الفئة البشرية التي قست عليها ظروف الحياة وجعلتها تمتهن هذه المهنة لكسب القوت بشر، حيث نجد أن المرأة منهن تستضيف الخادمة منهن وبعد إنهاء عملها الذي طلب منها تمدها ببعض من الطعام والملابس لأطفالها ولنفسها وفي حالات أخرى يتم ربط علاقة من نوع خاص تتحول إلى صداقة وبالتالي تصبح نلك الخادمة المؤقتة هي المفضلة لصاحبة البيت تستدعيها كلما رغبت في ذلك فتصبح لها أجندة مضبوطة المواعيد حسب اليوم والساعة كما أن التكنولوجيا الحديثة سهلت عملية الاتصال من خلال الهاتف النقال كما أكدت على ذلك زينب معربة أن لها زبائن دائمين يكفي أن يتصلوا بها غبر الهاتف لتتوجه إليه سيما أنها تجيد كل الأعمال المنزلية والعجين وصنع الحلويات مضيفة أنها كانت تدرس لكنها غادرت نتيجة وضعها الاجتماعي السيئ فعملت كخادمة دائمة فتعرضت للإهانة الشديدة ففضلت العمل على هذا النمط لأنه أفضل لها من ناحية الوقت وكذا الأجرة والمعاملة حيث تصل أجرتها في اليوم إلى 100 درهم وبعض من الطعام والألبسة.
وإذا كان هذا حال صاحبات الخدمة بالبيوت وموقفهن من هذه المهنة التي يعتبرنها رغم ما ينتابها من شقاء ومخاطر أنها أسهل من العمل طوال اليوم تحت أشعة الشمس أو الأمطار ك "موقفية" في الحقول تمارس عليهن شتى أنواع التنكيل والاستغلال البدني والنفسي والجنسي، فربات البيوت لهن أيضا موقفهن من هؤلاء الخادمات كما تقول فوزية أستاذة "بحكم عملي أحتاج لمن يساعدني في تنظيم شؤون البيت مرة كل أسبوع أو خلال بعض المناسبات المفاجئة، لكنني بصراحة لا أتعامل مع هذه الفئة من نساء الموقف لأنني لا أثق فيهن ولا يمكنني أن أدخل امرأة لا أعرفها – فالوقت صعابت وتخلطات الأمور ما بقات ثيقة - لما سمعت عنهن من ممارسات كما أن من بينهن من تسرق كل ما وجدته أمامها، فأنا لدي امرأة واحدة أتعامل معها لسنوات وأعرفها حق المعرفة لكونها كانت جارتي فيما مضى وأعرف وضعها الاجتماعي، أما خديجة مستخدمة في القطاع الخاص فقد كانت معاكسة لوقف فوزية لأنها تفضل هذا النوع من النساء على أساس أنها تحدد شروطا لمن ستقوم بهذه الخدمة كالنظافة والمحافظة على البيت و أدواته وتفضل أن تصطحب معها كل مرة واحدة حتى لا تتعود على ما بالمنزل وتصبح إذاعة متنقلة لأخبارها.
أما عن حياتهن في بيوتهن ما بعد هذا العمل الذي لا ترحم معه عيون البشر فيكاد يون طبيعيا لدى البعض منهن خصوصا إذا كانت الحالة الاجتماعية جد متدهورة، تشتغل الأم بمفردها أمام غياب الزوج عنها كما هو شأن (للازهور) التي تحمل معها في غالب الأحيان بعضا من الأكل الذي تسلمه لها ربات البيوت فتجمع حولها بناتها الثلاث الكبرى وقد بلغت سن الرابعة عشرة في حين الصغرى لم تتجاوز بعد الثامنة، لأسألهن عن الدراسة ولا شيء إلا عن كيف مر اليوم هل لم تقع صراعات مع الجيران سيما أنهن يكترين بيتا مع الجيران. حياة جد قاسية ورغم ذلك تقول للا زهور أن بناتها يحققن نتائج إيجابية ولم ترسب فيهن واحدة، عكس فطومة التي لا يقبل أولادها ما تحمله لهم من أكل بل حتى أنهم يرفضون أن تشتغل أمهم لدى الناس ربما لأنهم أصبحوا كبار نوعا ما ويرقون لما هو أحسن لكن من أين لي ذلك كما تقول وأبوهم رجل مقعد فقد شغله لسنوات ومتطلبات الحياة كثيرة معاناة بين الشغل في البيوت وداخل بيتها ورغم ذلك تكابد مصرة على البقاء وتوفير ما أمكن لهم مع أنه تخاف أن يتحول أبناؤها لما لا ترغب فيه يوما سيما أن اثنان منهم قد تركوا الدراسة وتوجهوا لبيع الدطاي والبلاستيك حتى أنها تشك في أحدهم أنه يتناول المخدرات.
لتبقى مهنة الخدمة بالبيوت من المهن التي تلجأ إليها النساء اللواتي لا حرفة لهن مع أنها عرفت تطورا خلال السنوات الأخيرة بفضل مجموعة من الآلات الكهربائية التي سهلت نوعا ما من مهمتهن ومن العبء الذي كن يتلقينه في هذه المهنة حيث أن المرأة منهن أصبحت تعتمد على هذه الآلات سواء في التصبين أو التجفيف أو الكنس أو غيرها ومع ذلك ارتفعت سومة واجبهن اليومي خصوصا في بعض المناسبات كاقتراب موعد الأعياد الدينية نظرا للقلة التي أصبحت تميزهن وكذا لاجتياح هذه المهنة من قبل فتيات ما زلن صغيرات السن لا يتجاوزن سن العشرين أغلبهن قادمات من الأسيجة المحيطة بالمدينة.

واقع فرضته عدة إكراهات وظروف اجتماعية واقتصادية ليبقى رغم ذلك عمل شريف على المجتمع تقديره واحترام صاحباته عوض التجريح بهن ومسهن في أعراضهن وشرفهن ومحاولة النيل منهن وهن الغارقات في هموم الدنيا ومشاكلها التي لا حصر لها، فرأفة بهن وآتوهن أجورهن قبل أن يجحف عرقهن كما يقول سيد الأمة محمد رسول الله.