من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عبدالرحمن قاسم المهدلي.
إجمالي القراءات : ﴿2664﴾.
عدد المشــاركات : ﴿76﴾.

مجالس رياض التائبين : المجلس الحادي والثلاثون ــ التوبة جامعة.
■ التوبة جامعة.
كثير من الناس إنما يعرِّف التوبة بالعزم على أن لا يعاود الذنب، وبالإقلاع عنه في الحال، وبالندم عليه في الماضي وإن كان في حق آدمي : فلا بد من أمر رابع وهو التحلل منه.
وهذا الذي ذكروه بعض مسمى التوبة بل شطرها، وإلا؛ فالتوبة في كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم كما تتضمن تلك الشروط ـ تتضمن العزم على فعل المأمور والتزامه، فلا يكون بمجرد الإقلاع والعزم والندم تائبا، حتى يوجد منه العزم الجازم على فعل المأمور والإتيان به.
هذا حقيقة التوبة، وهي اسم لمجموع الأمرين، لكنها إذا قرنت بفعل المأمور، كانت عبارة عما ذكروه، فإذا أفردت تضمنت الأمرين.
وهي كلفظة "التقوى "التي تقتضى عند إفرادها فعل ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه، وتقتضى عند اقترانها بفعل المأمور الانتهاء عن المحظور.
فإن حقيقة التوبة الرجوع إلى الله بالتزام فعل ما يحب وترك ما يكره، فهي رجوع من مكروه إلى محبوب، فالرجوع إلى المحبوب جزء مسماها، والرجوع عن المكروه الجزء الآخر.
ولهذا علق سبحانه الفلاح المطلق على فعل المأمور وترك المحظور بها، فقال : (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور : 31).
فكل تائب مفلح، ولا يكون مفلحا إلا من فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه.
وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات : 11)، وتارك المأمور ظالم، كما أن فاعل المحظور ظالم، وزوال اسم الظلم عنه إنما يكون بالتوبة الجامعة للأمرين.
فالناس قسمان : تائب وظالم ليس إلا، فالتائبون هم : (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة : 112)، فحفظ حدود الله جزء التوبة، والتوبة هي مجموع هذه الأمور، وإنما سمي التائب تائباً : لرجوعه إلى أمر الله من نهيه وإلى طاعته من معصيته.
فإذاً التوبة هي حقيقة دين الإسلام والدين كله داخل في مسمى التوبة، وبهذا استحق التائب أن يكون حبيب الله، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وإنما يحب الله من فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه.
فإذا، التوبة هي الرجوع مما يكرهه الله ظاهرا وباطنا إلى ما يحبه ظاهراً وباطناً.
ويدخل في مسماها الإسلام والإيمان والإحسان، وتتناول جميع المقامات، ولهذا كانت غاية كل مؤمن، وبداية الأمر وخاتمته، وهي الغاية التي وجد لأجلها الخلق والأمر، والتوحيد جزء منها بل هو جزؤها الأعظم الذي عليه بناؤها.
وأكثر الناس لا يعرفون قدر التوبة ولا حقيقتها، فضلا عن القيام بها علماً وعملاً وحالاً. ولم يجعل الله تعالى محبته للتوابين إلا وهم خواص الخلق لديه، ولولا أن التوبة اسم جامع لشرائع الإسلام، وحقائق الإيمان لم يكن الرب تعالى يفرح بتوبة عبده ذلك الفرح العظيم (1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : المدارج (1/381 - 383).


image في المشاركاتِ المُتتابِعة : مجالس رياض التائبين