من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : طارق يسن الطاهر.
إجمالي القراءات : ﴿3564﴾.
عدد المشــاركات : ﴿78﴾.

علم الفلك : في الرد على من خصص المطر بالعذاب.
■ كثرت الرسائل التي تتحدث عن كون المطر يدل على العذاب فقط، وقال أصحابها : لا ينبغي أن نقول : اللهم اجعلها أمطار خير وبركة.
■ أقول -مستعينا بالله- في الرد على هذا الزعم :
● المطر هو الماء النازل من السحاب، مَطَرَت، وأمطرت السماء: نزل مطرها، أغاثهم بالمطر، أي أرسله عليهم. (المعجم الوسيط ط 4 ص 665).
● مرادفات المطر كثيرة منها الغيث والصيّب والحَيَا والجَوْد ...
● وله درجات :
• الرش : أول المطر
• الهتان والطل : المطر الخفيف
• الوابل والغدق : المطر الغزير "فإن لم يصبها وابل فطل" (البقرة : 265).

من المرادفات السابقة، يتبين لنا أن الغيث هو المطر، لكن : لماذا ظن بعض الناس أن الغيث للخير، والمطر للعذاب ؟
ربما لارتباط الغيث بالغوث، وهو النجدة والإنقاذ جرده الناس للخير فقط، وظنوا أن المطر للشر والعذاب؛ لوروده في كثير من الآيات بهذا المعنى :
• "وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين" (الأعراف : 84).
• "ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء" (الفرقان : 40).
وغيرها من الآيات.

● وبعض الآيات ورد فيها بصيغة الفعل :
• "... وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود" (هود : 82).
• "... فأمطر علينا حجارة من السماء..." (الأنفال : 32).
وغيرها كثير.

● ولكن الأمر يحتاج إلى بيان بعض الخفايا التي قد لا تتضح من الوهلة الأولى؛ لذا وجب الانتباه لما يلي :
1- الترادف كثير في اللغة، واستخدام القرآن لمفردة واحدة لا يعني إلغاء بقية المرادفات لها في المعنى نفسه. والمقياس هو السياق، والضابط هو الموضع الذي استخدمت فيه الكلمة.
2- المتتبع لآيات القرآن يجد كلمة "مطر" لم تُخَص بالعذاب باطّراد، وإنما وردت لغير العذاب، وذلك في قول قوم هود، حينما رأوا العذاب، وظنوه سحابا يحمل لهم الماء، بدليل أن هودا –عليه السلام- قال لهم: ليس الأمر كما ظننتم من أنه سحاب ممطركم بل هو العذاب الذي استعجلتموه : "فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ" (الأحقاف : 24).
الحرف "بل" في اللغة يفيد الإضراب، أي إنكار ونفي المعنى الذي قبلها، وإثبات المعني الذي بعدها، ولا يكون ذلك إلا بين متعارضَيْن. "عارض ممطرنا"، يتعارض في المعنى مع "ريح فيها عذاب"، معناها أنهم ظنوا أن السحاب مطر أي خير لهم.

كذلك في السنة، فقد ورد في أحاديث كثيرة بيان أن المطر ليس للعذاب، ومن ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه : (أَصَابَنَا وَنَحْنُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مَطَرٌ، قالَ: فَحَسَرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثَوْبَهُ، حتَّى أَصَابَهُ مِنَ المَطَرِ، فَقُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، لِمَ صَنَعْتَ هذا؟ قالَ: لأنَّهُ حَديثُ عَهْدٍ برَبِّهِ تَعَالَى).
السؤال : إن كان المطر شرا وعذابا، فهل سيتعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
كما روي عنه أيضا :" فإني طفتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مطرٍ فلما فرغنا من طوافِنا قال لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ائْتَنِفوا العملَ فقد غُفِرَ لكم"
كذلك ورد في حديث آخر عن زيد بن خالد رضي الله عنه : "صَلَّى بنا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ صَلاةَ الصُّبْحِ بالحُدَيْبِيَةِ في إثْرِ السَّماءِ كانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أقْبَلَ علَى النَّاسِ فقالَ: هلْ تَدْرُونَ ماذا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: قالَ: أصْبَحَ مِن عِبادِي مُؤْمِنٌ بي وكافِرٌ، فأمَّا مَن قالَ: مُطِرْنا بفَضْلِ اللهِ ورَحْمَتِهِ فَذلكَ مُؤْمِنٌ بي كافِرٌ بالكَوْكَبِ، وأَمَّا مَن قالَ: مُطِرْنا بنَوْءِ كَذا وكَذا فَذلكَ كافِرٌ بي مُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ" (صحيح مسلم).

● مما سبق يتضح أن المطر هو الغيث، ويستخدمان بجميع المرادفات بمعنى الماء النازل من السحاب، ولا مجال لمنع استخدام أي منها، وتخصيص غيرها، فالمطر ليس للعذاب فقط.

● وبعد عرض آيات من القرآن الكريم، ونصوص من الحديث الشريف، وتحرير الكلمة في اللغة، لا مجال لإنكار كون المطر للرحمة أيضا، ولا مجال لتخصيص المطر بالشر، ولا حَجر على من يقول: اللهم اجعلها أمطار خير وبركة ؛ فالعبرة بتأثير ذلك الماء النازل من السماء؛ فإن أحدث ضررا، ففيه شر وعذاب، وإن أحدث نفعا، ففيه خير ورحمة، سميته مطرا أم غيثا أم غير ذلك، ولكن السنة – عند نزول المطر- هي قول : اللهم صيّبا نافعا.