من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عادل عمر بصفر.
إجمالي القراءات : ﴿6314﴾.
عدد المشــاركات : ﴿43﴾.

وقفات إيمانية مع بداية العام الدراسي الجديد «2».
■ أيها المؤمنون :
بمشيئة الله تعالى ــ غداً تفتح المدارس والمعاهد والكليات والجامعات أبوابها، تستقبل عشراتِ الألوف من الطلاب والطالبات، فنسأل الله تعالى أن يجعله عاماً دراسياً موفقاً، يزخرُ بالعلم النافع والعلم الصالح والخير والبركة والسداد والرشاد على الطلاب والطالبات والمعلمين والمعلمات والمجتمع بأسْره، ولنا مع هذا الخطب الجلل وقفات :
● الوقفة الأولى : معاشر الطلاب.
هذا عامٌ جديدٌ من الجِدّ أقبل عليكم، فأحسنوا استقباله بالعزم الأكيد، والهمة العالية، والاستثمار الأمثل للوقت، والنية الصالحة الصادقة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع).
معاشر الطلاب : طلب العلم أفضل من نوافل العبادات، لأن نفعه متعدٍ، فبالعلم ترفع الجهل عن نفسك وعن الآخرين، وطلب العلم عبادة جليلة تتقربون بها إلى ربكم، بل هو فرضٌ على كل مسلم، ألم يقل رسولنا صلى الله عليه وسلم : (طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم).
فصححوا نياتكم، واستثمروا أوقاتكم، واستعينوا بالله تعالى، واحتسبوا عند ربكم كل ما تبذلونه في سبيل طلب العلم من جهد ووقت ومال. وربكم جواد كريم يوفق ويعين ويؤجر ويثيب، فطلبوا من الله العون والتوفيق، وليكن لسان حالكم ومقالكم : (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود : 88).
معاشر الطلاب : طلب العلم فضله عظيم، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر : 9) لا يستويان أبداً؛ حتى في الحيوان لا يستوي المعلَّم وغير المعلَّم، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل الكلاب نجسة، ومعروف أنه إذا ولغ الكلب في إناء أحدنا فإنه يغسله سبعاً إحداهن بالتراب، وما ذلك إلا لنجاسته؛ لكن هذا الحكم وهو النجاسة في لعابه وريقه إذا كان غير معلم، أما لو كان معلَّماً كان كما قال الله تبارك وتعالى : (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) (المائدة : 4) فإذا كان العلم النافع يحول الحيوان النجس إلى حيوان تؤكل فريسته التي يصطادها، فبدلاً من أن نغسله سبعاً أولاهن بالتراب, فإننا نأكله هنيئاً مريئاً، فما بالكم بالعلم ! كيف يغير في ابن آدم الذي هو أكرم ما خلق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) (الإسراء : 70) أكرم ما خلق الله هو هذا الإنسان, وكرمه وشرفه بالعلم.
معاشر الطلاب : لا تصاحبوا الأشرار، لا تصاحبوا الأراذل، لا تصاحبوا تاركي الصلاة، لا تصاحبوا الفساق الذين يصدونكم عن كل ما فيه صلاحكم وفلاحكم ونجاحكم، لا تصاحب الذين يسهرون إلى ساعة متأخرة من الليل على ما لا يرضي الله.
معاشر الطلاب احذروا : جليس السوء !
فجليس السوء يؤذيك ويضرك في دنياك وأخراك.
جليس السوء يعلمك كل خَصلة ذميمة.
جليس السوء يؤخر مستواك الدراسي ويكون سبباً رئيساً في تأخر حياتكم العلمية والعملية.
جليس السوء يسوءه أن تنجح في دراستك.
رفيق السوء يزعجه جداً أن يراك متفوقاً وهو فاشل في حياته الدراسية، احذر أن تماشي رفيق سوء.
احذر أن تجلس مع جليس سوء، احذر نافخَ الكير فَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً، وابحث عن حامل المسك فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، ابحث عن من هو أفضل منك ديناً وعلماً وخلقاً وأدباً وقارنه، ابحث عن الصالحين المحافظين على الصلاة ورافقهم، ابحث عن الأخيار وجالسهم، ابحث عن المتفوقين في دراستهم وزاملهم، تكن مثلهم بإذن الله.

● أما الوقفة الثانية : معاشر المعلمين.
يا من ولّاكم الله أمانة تعليم أبناء المسلمين، مجتمعكم المسلم وضع في أعناكم أمانة عظيمة، هي أمانة تربية وتعليم فلذات أكبادهم ! فعملكم أيها المعلمون عمل جليل وعظيم وخطير لما له من أثر أكيد على صياغة العقول، وبناء الأفكار، وتوجيه الميول، وتشكيل الشخصيات، وصدق شوقي حين قال :
قمْ للمعلمِ وفِّهِ التبجـيلا = كاد المعلمُ أن يكونَ رســولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي =يبني وينشئ أنفساً وعقولا
سبحــانَكَ اللّهمَّ خيرَ معلمٍ =عَّلمتَ بالقلمِ القرونَ الأولى
أخرجتَ هذا العقلَ من ظلماتِهِ =وهديتَهُ النورَ المبينَ سبـيلا
وطبْعَـتهُ بيد المعلمِ تارةً =صدئَ الحديدِ وتــارةً مصقولا
وإِذا المعلمُ لم يكن عدلاً مشى =روحُ العدالةِ في الشبابِ ضئيلا
وإِذا المعلمُ ساءَ لحظَ بصيرةٍ =جاءتْ على يدهِ البصائرُ حُولا
وإِذا أتى الإِرشادُ من سببِ الهوى =ومن الغُرورِ فسِّمه التضليلا
فالجيل رهن أيديكم، وديعة بأيديكم، أنتم القدوة لأبنائنا وسعدهم وشقاؤهم بعد مشيئة الله في أيديكم، فيالها من أمانة عظيمة، وياله من شرفٍ وأجر كبير لمن اتقى الله وجدَّ واجتهد وأدى الواجب، وياله من إثم ووزر لمن فرّط وقصّر وأفسد وخرّب.
معاشر المعلمين المخلصين : هنيئاً لكم العلم والفضل والشرف والأجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر).
معاشر المعلمين : خذوا بأيدي طلاب العلم إلى النجاح والفلاح، فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم.
معاشر المعلمين : بعض المعلمين يستقبلون طلابهم في الحصة الأولى بسؤالهم : أين سافرتم في الصيف ؟ ولهذا السؤال آثار سلبية على الطلاب والطالبات، فيتفاخر ويتباهى المسافرون ويتعزز في عقولهم ذاك الصنيع ذو الآثار الخطيرة والذي لم يسافر منهم فهو أمام خيارين : إما الكذب، أوالانكسار فيبدأ الحسد بين الطلاب وتبدأ الغيرة، ويألب الطالب على أسرته التي لم تسافر به.
معاشر المعلمين : اللقاء الأول بالطلاب في غاية الأهمية، تعوّل عليه سياسة التعامل بين المعلم وطلابه، سلهم : كم كتاباً قرأت ؟ كم مرة ختمت فيها القرآن ؟ كم دورة هادفة حضرت ؟ تعرّف على الطلاب وعرفهم ببعضهم، وارسم لهم قوانينك الصفية، وأبرز لهم جوانبَ من المقرر الدراسي الذي سيدرسونه طيلة العام، أول حصة وأول محاضرة تعني الانطباع الأول الذي يصعب تغييره لاحقاً.
والمعلم الأب لا يضجر من استقبال الطلاب ! لا تعتبر حفل استقبال الطلاب واجباً إدارياً مفروضاً بل اعتبره جزءً من رسالتك كمعلم وأمامك أيها الغالي الكريم النبيل المؤتمن متسع من الوقت لتبدع فيه ومجتمعكم يا معاشر المعلمين ينتظر منكم الكثير (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) (آل عمران : 79)، كونوا عند حسن الظن بكم، وفقكم الله وأعانكم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (الأحزاب : 72).

● الوقفة الثالثة : معكم معاشر الآباء.
تذكروا أنكم مسؤولون عن هؤلاء الأبناء ليس فقط من أجل نجاحهم في دراستهم، بل أنت مسؤول حتى عن نجاحهم في الآخرة، فقد َقُالُ صلى الله عليه وسلم : (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) واعلم أن الفوز الحقيقي الذي تبحث عنه لابنك هو فوز الآخرة، فاحرص عليه.
يا معاشر الآباء : رفقًا بالأبناء، ها هي دراستهم قد أقبلت فخذوهم بالعطف والحنان واشملوهم بالمودة والإحسان، وأعينوهم وأحسنوا إليهم، وقوموا بواجبهم عليكم، علموهم وأرشدوهم واشحذوا هممهم.
يا معاشر الآباء : مسؤولية الآباء عظيمة، فترك الأبناء في الشوارع يهيمون على وجوههم في وقت السحر له عواقب وخيمة ! وإن لشياطين الإنس في هذا الزمان انتشارًا طوال ساعات الليل، يحاولون جر الشباب وفلذات الأكباد إلى أوضار الانحراف والفساد، عبر مغرِيات وملهيات لا يحصرها حاصر، مما يوجب اليقظة والحيطة، فكونوا على حذر، وكفوا أولادكم عن الضياع، فإنهم أغمارٌ أغرارٌ لا حنكة لهم ولا تجربة، وإياكم والإهمال، فإن نتائجه ضُر وثمره مُر وعاقبته خُسر ومغبته نُكر.
وإن من الآفات التي اُبتلي بها كثير من المسلمين في الإجازة الصيفية أنهم غيروا نظام يومهم، فهم يسهرون طويلاً، وينامون في نهارهم طويلاً وقد ينامون عن بعض الصلوات كصلاة الفجر والظهر فحان الأوان لتعديل النوم (إِنَّ هَـذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيلاً) (المزمل : 19).

image وقفات إيمانية مع بداية العام الدراسي الجديد «1».
image وقفات إيمانية مع بداية العام الدراسي الجديد «2».