من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. محمد عبدالله الشدوي.
إجمالي القراءات : ﴿15292﴾.
عدد المشــاركات : ﴿34﴾.

الاشتقاق : الحق أن القياس هو الذي يمثل الهيكل الذي يعتمد عليه ولذلك فإن الصلة بين الاشتقاق وبينه وثيقة لأن الاشتقاق هو : عملية استخراج لفظ من لفظ أو صيغة من أخرى، والقياس هو الأساس الذي تبنى عليه هذه العملية.
تنبه علماء العربية القدماء للاشتقاق منذ بدئوا يبحثون في اللغة وربطوا بين الألفاظ ذات الأصوات المتماثلة والمعاني المتشابهة، واتضحت لهم ناحية الأصالة والزيادة في مادة الكلمة وتأكدت ملاحظاتهم فيما بعد حين بحث المستشرقون في اللغات السامية وظهر لهم أن ألفاظها تعتمد على جذور تعتبر الأصل في كل اشتقاق وأن الجذر الثلاثي الأصول هو الأكثر شيوعًا مثل : (ضرب ــ فهم ــ كتب).
وفي القرن الرابع الهجري أصبح الاشتقاق يعني (استخراج لفظ من آخر متفق معه في المعنى والحروف الأصلية) ومن ابن جني في الخصائص (1) بدأ الاشتقاق يدخل في دائرة التقسيم الذي يتمثل فيما يأتي :
(1) الاشتقاق الكبير :
أن تأخذ أصلاً من الأصول الثلاثية فتقعد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحدًا، وتجتمع عليه التراكيب الستة، وما يتصرف من كل واحد منها عليه، وإن تباعد شيء من ذلك عنه رُدَّ بلطف الصنعة والتأويل إليه ومن أمثلته : جبر وتقليباتها (جرب بجر برج، رجب، ربج) وتفيد كلها معنى (القوة ولا شدة) وهنا رابطة منطقية بين الأصوات والمدلولات (الرمزية الصوتية عند بعض المحدثين).

(2) الاشتقاق الأكبر :
أن تتحد الكلمات في بعض الحروف وتختلف في باقيها مع اتحادها في المخرج مثال : (أزّ - هزّ ونعق - نهق والجثل - الجفل) والأجدر بهذا القسم أن يبحث عادة في وسيلة القلب والإبدال كما سيأتي توضيحه في مقال قادم.

(3) الاشتقاق الصغير :
ويسمى أحيانًا بالاشتقاق العام وهو : أن تأخذ أصلاً من الأصول، فتقرأه، فتجمع بين معانيه وإن اختلفت صيغه ومبانيه مثل : (س ل م) حيث يجتمع فيه معنى السلامة في صرفه نحو : سلم، يسلم سالم، سلمان، سلمى، السلامة، والسليم : اللديغ؛ أطلق عليه تفاؤلاً بالسلامة وليس هناك أي ارتباط عقلي منطقي بين حروف (ف - هـ - م) في كلمة (فهم) على اختلاف صيغها وبين المعنى العام الذي يستفاد من تلك الصيغ وهو الإدراك وإلا ترتب على هذا ارتباط بين حروف الفعل (أدرك) وحروف الفعل (فهم) لأن لكل منهما الدلالة نفسها، ولأنكرنا من اللغة مئات الكلمات اشتركت لفظًا واختلفت معانيها اختلافًا بينًا ولكن ما هذا الاشتقاق إلا نوع من التوسع في اللغة يساعدها على مسايرة التطور الاجتماعي.
ويمكننا الآن أن نخلص إلى أن الاشتقاق العام نوع من التوسع في اللغة تلجأ إليها المجامع اللغوية للتعبير عما قد يستحدث من معانٍ، ومذهب جمهور العلماء بصدد هذا الاشتقاق أنه لا يصح القيام به إلا حين يكون له سند من نصوص اللغة، ولما ثبت لهم أن بعض المشتقات كاسم الفاعل واسم المفعول ونحوهما قد رويت كثيرًا في أساليب العرب قالوا : إن هذا النوع من المشتقات قياسي وجوز لنا نحن المولدين أن نصوغ أمثالها إذا لم تكن قد رويت في الأساليب القديمة مثال : من الكلمات المشهورة لدينا الآن كلمة (الاحترام) إذ لا نكاد نعثر عليها في معاجمنا القديمة إلا في المصباح المنير فإذا أردنا أن نشتق منها فعلاً كان مثل (احترم) غير أننا لا ندري ما إذا كان مثل هذا الفعل متعديًا أو لازمًا ولكن جاء في كتب الحديث كلمة (محترم) على صورة اسم المفعول فعليه نستطيع أن نشتق (احترمه يحترمه) صيغًا جديدة لم ترد في المروي من أساليب العرب، لكن سيكون لاشتقاقنا أساس أو سند قوي يبرر تلك العملية الاشتقاقية، وهذا هو الاشتقاق الذي يعد محل إجماع العلماء قديمهم وحديثهم.
وقد سمع عن العرب (تمنطق وتمكحل وتمندل وتمسكن وتمذهب) على أساس توهم الأصالة في الميم، وبدا لبعض الباحثين من المحدثين أن يجعل مثل الاشتقاق قياسًا وأن يجيز بناءً عليه قول النجار (معجنت الخشب) أي : وضع عليه (المعجون) (2).
أما الاشتقاق المسمى بالاشتقاق الأكبر فالأجدر به أن يعد من الكلمات التي تطورت أصواتها والتي تبحث عادة في وسيلة القلب والإبدال وهو ما سنعرض له فيما بعد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الخصائص لابن جني : 1 / 490.
(2) مجلة مجمع اللغة العربية ـ المجلد السابع ـ ص : 363.