من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : أسامة صلاح قراعة.
إجمالي القراءات : ﴿11780﴾.
عدد المشــاركات : ﴿10﴾.

رؤية نقدية لاستخدام مصطلح الإستراتيجية.
■ مرجعية الرؤية النقدية :
1. مفهوم : الإستراتيجية.
اختلف في مفهوم كلمة الإستراتيجية عبر التاريخ وفقا لتطور التقنية العسكرية في كل العصور كما أنها تختلف باختلاف المدارس الفكرية والسياسية، ولهذا يصعب تعريف شامل ومانع لهذه الكلمة.

2. معايير مصطلح الإستراتيجية :
من التقديم السابق والموضوع المشار إليه سابقاً، نري أن مصطلح إستراتيجية ارتبط بالمجال العسكري ارتباطاً وثيقاً لا يمكن فصله، كما وان استخدام هذا المصطلح في المجال العسكري ارتبط بمعايير أساسية نحاول استعراضها فيما يلي :
أ) مستوي التخطيط والأهداف :
من الناحية العسكرية ينقسم التخطيط إلى (تخطيط إستراتيجي) يقوم بتحديد أهداف تسمي (الغايات) أو أهداف عليا بعيدة المدي أو اعلي مستويات الأهداف، وهو مستوي أهداف (القيادة العامة بجميع افرعها وتشكيلاتها) ويطلق عليها الأهداف الإستراتيجية وبناء عليه يتم تخصيص المهام للجيوش الميدانية والتشكيلات لتحقيق هذه الأهداف، ومن ثم ينتقل التخطيط إلي مستوي (التخطيط التعبوي) والذي يحدد بدوره أهداف لتحقيق مهمته وتتصف بأنها أهداف متوسطة المدي أو الأهداف الفرعية أو أهداف التشكيلات والجيوش الميدانية والمناطق ويطلق عليها (الأهداف التعبوية) والتي تترجم بدورها إلي مهام تكلف بها الوحدات الميداني، ومن ثم ينتقل مستوي التخطيط إلي (التخطيط التكتيكي) يقوم بتحديد (أهداف تكتيكية) وهي أهداف مباشرة أو أهداف صغري أو أهداف قريبة أو أهداف خاصة بالوحدات الميدانية ومن ثم تحول تلك الأهداف إلي مهام تكلف بها كل وحدة صغري علي حدة وفي الغالب تحول هذه الأهداف إلي مستوي رابع علي مستوي الفرد والقائد علي الأرض وهو ما يسمي (الهدف المباشر) أو (الهدف المرئي) والذي يصدر به أمر القتال من القائد إلي المقاتل علي الأرض.
وإذا تأملنا هذا التقسيم سنجد أن تسلسل الخطط وتدرجها يتم من أعلي المستوي الإداري أو القيادي إلي أسفله كما وأن هناك فصل بين المستويات يكون ضروري ومحسوم لما له من مميزات تفويض السلطة وتخصيص المهام وتوفير الأعباء الذهنية والتركيز في إنجاز وتحقيق المهام وتوفير قنوات الاتصال والسيطرة حتي تتحول الخطة الإستراتيجية إلي أمر قتال من قائد إلي جندي (يكفي تدريبه علي تقنيات القتال المختلفة)، وعلي هذا يجب أن يحتفظ المستوي التخطيطي (الإستراتيجي) بموقعه في قمة الهرم القيادي أو الإداري وإلا تحول إلي مستوي آخر، تعبوي أو تكتيكي أو أوامر ميدانية مباشرة .. وهنا في هذه الحالة لا يصح أن يُطلق عليه مصطلح (إستراتيجي)، وهذا ما لم يحدث في العلوم العسكرية حتي الآن وهي المصدر الرئيسي لاستخدامات هذا المصطلح.

ب) وجود تهديدات :
يرتبط مصطلح إستراتيجية بوجوب وجود تهديدات ما، فالاستخدام العسكري أو العلوم العسكرية لا تستخدم إلا في حالة واحدة فقط وهي وجود تهديدات تجبر المجتمعات علي تكوين الجيوش واستخدام تلك العلوم. والدليل علي ذلك أن أي تنظيمات أخري غير عسكرية لا تستخدم هذا المصطلح للتخطيط لأعمالها إلا إنها تستخدم مصطلحات أخرى مثل، المنهج أو التخطيط الإداري إذا ما كان هناك هدف أو مجموعة أهداف تريد تحقيقها، وهنا لا توجد تهديدات ومعوقات مباشرة تمنع تحقيق هذا الهدف، وتكون خطة المنظمة عبارة عن منهج ثابت ومباشر في سبيل تحقيق هذا الهدف، فالمنهج أو الخطة الإدارية ما هي إلا خطوات وخطط ثابتة في سبيل تحقيق هدف محدد، وأيضاً يُمكن تقسيمه إلي مستويات تخطيطية عليا أو عامة، ومستوي متوسط أو برامج أو إداري، ومستوي تنفيذي، لا حاجة لها لتكوين إستراتيجية ومناورات.

ج) المستوي الإداري :
حيث يلتصق وقد ينحصر استخدامات مصطلح (إستراتيجية) في كل ما يعده أو يخططه أو يتداوله المستوي القيادي أو الإداري الأعلى في أي منظمة بشرط أن تكون هي المسؤولة عن تحديد وتحقيق غايات المنظمة، وهو المعروف بالمستوي الإستراتيجي والذي يشترك فيه فريق عمل مكون من جميع قادة ألأفرع والتخصصات والأنشطة بصرف النظر عن حجمها ودورها في التنظيم.

د) تخصيص المهام وتحديد المسؤوليات والمراحل :
فالتخطيط لتحقيق هدف مباشر يتم تحقيقها بواسطة نفس المستوي المخطط لا يتصف بالإستراتيجية، ولذا فالخطة الإستراتيجية يجب أن ينتج عنها تقسيم للأهداف وتخصيص للمهام وتوزيع للأدوار للمستويات المتوسطة والدنيا، وتبعاً لهذه المهام تعد تلك المستويات خطط جديدة ومنفصلة لتحقيقها والتي بمجموع نجاحها يتحقق الهدف الإستراتيجي، وإن لم تتواجد تلك الخطط الدنيا فلا مجال لوصف الخطة بالإستراتيجية لفقدها عنصر تقسيم الأدوار والتعاون وبالتالي فقد القدرة علي المناورة.
ومن هذه المعايير نلاحظ أن مصطلح (الإستراتيجية) لا يفضل استخدامه إلا إذا ارتبط بخطة يضعها أعلي مستوي إداري في الهيكل التنظيمي للمنظمة وبشرط ارتباط الخطة المباشر بتحقيق غايات أو أهداف عامة رئيسية للمنظمة وبشرط وجود تهديدات خارجية أو قوة تنافسية مما يستوجب معها استخدام أساليب المناورة أو الاعتماد علي تحليل سوآت للفرص والتهديدات كما هو في علوم الإدارة.
وبناءً علي هذه المعايير سابقة الذكر فلا يصح استخدام مصطلح (الإستراتيجية) مع أي موضوع لا تتوافر فيه تلك المعايير سواء علي المستوي العسكري أو الإداري أو العلمي.
وبناءً علي ما تقدم نجد أن هناك خللاً كبيراً في استخدام هذا المصطلح في عالمنا العربي، له مدلولات غير مرغوبة كالظهور والخداع والتعظيم إذا ما أضفنا كلمة (إستراتيجية) لأي حديث بما يوحي به اللفظ من قدرة علي التفكير وأهمية الهدف وأولويته ورفعة مستوي المتحدث، وكذا إجبار الطرف الأخر علي الخضوع والاستسلام كون هناك تهديدات لا تحتمل الجدال.
كثيرا ما نستخدم مصطلح إستراتيجية في حياتنا العامة وحتي العلمية نقلاً عن الغرب دون مراعاة لمدلول هذا المصطلح ورغم أن عندنا في اللغة العربية مصطلحات تؤدي نفس الغرض وأقرب للفهم والاستيعاب، وهذا الاستخدام الخاطئ لمصطلح (الإستراتيجية) يفقده معناه ومدلوله، وكذا يخلط بين مجالات الاستخدام الأمثل له، فعلي سبيل المثال بالنسبة للشأن التعليمي أو التربوي، عندما تضع وزارة التعليم (خطة إستراتيجية جديدة للتعليم) تشارك فيها أفرع وإدارات وتخصصات عديدة (تعليمية أبنية صحة أمن شؤن اجتماعية) تخرج هذه الخطة بتخصيص مهام لكل إدارة وتخصص، وتبعاً لذلك لابد لكل إدارة أن تضع خططها المنفصلة لتحقيق هذه المهام كمستوي تخطيطي تالي. وهكذا حتى المستوي التنفيذي (المعلم) الذي تخصص له مهام مباشرة (لتحقيقها يلزمه اكتساب خبرات تقنية ومهارات خاصة) وليس وضع خطط مشتركة، وهنا يكون دور وفكر المعلم ليس بالإستراتيجي وإنما هو دور و فكر تطبيقي باستخدام طرق ووسائل تقنية مختلفة، له حق الاختيار فيما بينها.
لكن هذا الاختيار (ممنهج) وليس له تهديدات، وليس له أهداف بعيدة المدي فأهداف المواقف التعليمية هي أهداف سلوكية مباشرة، وأيضاً المعلم لا يقوم بتخصيص مهام لمن هو أقل، وأخيراً فأهداف الدرس أو المقرر هي خبرات سلوكية مشاهدة وليست هدف إستراتيجي في حد ذاتها، لأن الهدف التعليمي الإستراتيجي الواحد (بناء الذات) (المشاركة الاجتماعية) (المهارة العلمية الأساسية) يتم تحقيقه بواسطة أكثر من موضوع وأكثر من درس وأكثر من مادة علمية، تشترك جميعاً وتتعاون لتحقيق هذا الهدف. وعلي هذا إذا تم إلصاق مصطلح (إستراتيجية) بالطرق والوسائل التعليمية كما هو منتشر في الأوساط العلمية والأكاديمية (نقلاً عن الغرب) كـ (إستراتيجية التدريس - إستراتيجية التعليم - إستراتيجية التقويم - إستراتيجية المعلم - إستراتيجية إعداد تحضير الدرس - إستراتيجية التعليم عن بعد - إستراتيجية الحوار البناء) والنزول بتلك المستويات إلي المستوي التقني أو التنفيذي (الجندي في الميدان) نكون في هذه الحالة استخدمنا مصطلح اجنبي غربي غير محدد المعني رغم وجود ما يحل محلة ويكون أكثر أثراً وتعبيراً عن المعني المقصود مثل طريقة كذا أو منهج كذا أو خطة كذا أو سياسة كذا أو مبادئ كذا، (فلو تخيلنا قائداً ميدانياً يضع هدف إستراتيجياً في يد جندي أو حتي مجموعة من الضباط لتحقيقه فتلك كارثة عسكرية).
وعلي ما يبدوا أنه في الغرب كما هو عندنا، هناك ما يطلق عليهم علماء وخبراء ومثقفون وهناك ما هم من نوع الأرزقية، الذين يضيفون إلي كتاباتهم رونق وبريق دعائي وتسويقي باستخدامهم للألفاظ والمصطلحات غير المتداولة أو ذات القيم الحسية واللفظية الكبيرة والتي تشد المستهلك السوقي وتزيد من المبيعات، ويبدو أنه للأسف أيضاً اعتدنا في العالم العربي علي استيراد كل ما هو أجنبي واستخدامه علي أنه قانون لا يجوز نقده أو مخالفته، وبالتالي استوردنا هذا المفهوم الخاطئ لمصطلح إستراتيجية كما هو، كما يبدو أيضاً أن علماؤنا في الإدارة والعلوم الاجتماعية والإنسانية احبوا، الرنين الصوتي لمصطلح (إستراتيجية) حتي ادخلوها علي أغلب معالجاتهم للموضوعات المختلفة، حتي أصبحنا اليوم نسمع استخدامه حتي داخل الأسرة في المنزل فيما يسمي بـ (إستراتيجية الزواج السعيد) و (إستراتيجية رقابة الأبناء).
بالطبع ليس هناك خطأ أو ما يمنع من تطور معني الكلمة بمرور الزمن، وحتي بدون تطور لمعني الكلمة ليس هناك ما يمنع من استخدامها في أبسط معناها وهو (خطة - أسلوب) كلغة عامية، إلا أننا عندما نقحم هذا المصطلح في المجالات العلمية وخاصة التعليم والتدريس يجب أن نراعي تداعيات هذا الاستخدام وتبعاته فعلي سبيل المثال :
أننا نحير ونربك (المعلمين المدرسين) عند تأهيلهم لممارسة وظائفهم وأدوارهم بمحاولة إدراج مصطلح إستراتيجية في أغلب الموضوعات المقدمة لهم، دون داعي لذلك (طبعاً من وجهة نظري)، كما وأن تداعيات هذا الاستخدام ونقده ينبع من عدم قدرة (المعلمين المدرسين المتلقيين) من إعادة ترتيب وتصنيف الذاكرة واستخدام عقولهم ومنطقهم، الاستخدام الأمثل لاكتساب الخبرات الجديدة أو حتي تأكيدها كما هو مطلوب من دورات الإعداد أو التأهيل.

فيجب أن نتذكر أن العقل البشري يقوم بتخزين خبراته الجديدة بالذاكرة بشكل مترابط مع الخبرات السابقة، في تسلسل شبكيو منطقي، يكون أكثر وضوحاً، كلما كانت الخبرة الجديدة بسيطة وذات مدلول مدرك من قبل، ومتعارف عليها ومباشرة الارتباط بخبرة أخري، أو معلومات وبيانات أخري مخزنة بالذاكرة، وفي حالة ما إذا استخدمنا الشرح والتدريب علي موضوعات ما، وقدمناه بألفاظ غير ذات مدلول مدرك، تكون النتيجة الطبيعية أن تفتح الذاكرة صفحة جديدة منفصلة لهذا اللفظ الجديد، حتي يدخل حيز الإدراك والربط بخبرات سابقة، وبذلك يقوم العقل بفصل وتوزع متن الموضوع علي الذاكرة في أماكن متفرقة، قد تكون عشوائية في حالة ضيق الوقت، وقد يصعب استدعاءه مرة أخري، كما وإن استدعاء تلك الخبرة مرة أخري يستلزم مجهوداً أكبر من الطبيعي أو المعتاد عليه ويحتاج منطق وإعمال عقلي يختلف من فرد إلى آخر، وقد يؤدي إلي الارتباك والتخبط وفصل الخبرة الجديدة كلياً عن ما يماثلها من خبرات سابقة، (خبرات سابقة كان يجب أن ترتبط بالخبرة الجديدة برابط مباشر لتقويته، كما هو مستهدف من التدريب).
فإذا كان المعلم معتاداً علي (مصطلح وطريقة ومنهج وخطة وإدارة وبرنامج وأسلوب ونموذج) فلماذا نستخدم مصطلح إستراتيجية علي مستوي المعلم (مستوي تنفيذي تقني) ؟
وإذا كان للمعلم إستراتيجية للتعليم وليس أسلوب للتعليم أو طريقة للتعليم فماهو مسمي مستوي مدير الإدارة التعليمية ؟ وماهو مستوي تخطيط الوزارة ؟ الوزارة لها رؤية ورسالة وتحاليل لنقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات فهل يقوم المعلم أو مدير المدرسة أو المشرف بمثل تلك المهام ؟
الجدير بالذكر أن مصطلح الإستراتيجية يشمل كل ما دونه من مستويات ومسؤول عنها بل ويجب اعتبار أن كل تقنية بسيطة في النظام الإداري ما هي إلا وسيلة وأداة لتحقيق الخطة الإستراتيجية إلا أنها تابعة يمكن تجاوزها وليست مستقلة، قد تتغير وتتبدل الوسيلة إلا أن الخطة الإستراتيجية وأهدافها ثابتة.
لا اعترض علي استخدام مثل تلك المصطلحات في غير أماكنها أو حتي اختراع مصطلحات جديدة طالما لها فائدة وعائد ومدلول يسهل التعامل معه من خلال ذاكرة المواطن العربي، التي لم تعد تستوعب عمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة البسيطة واعتمدت إستراتيجية التسهيل باستخدام الآله الحاسبة ابتداءً من المرحلة الابتدائية.

● أخيراً :
أرجو أن اكون قد وفقت في طرح نقدي المتواضع لظاهر التوسع في استخدام مصطلح الإستراتيجية، والذي أراه من وجهة نظري الفردية غير مبرر، وإن كان غير مخل فهو كما يقال علم لا ينفع وجهل لا يضر. فإن أصبت فبتوفيق من الله تعالي وإن أخطأت فيكون رد المتخصصين هو مرجعيتي في هذا الشأن من خلال منهلنا الثقافي التربوي.
وفقنا الله جميعاً لما يحب ويرضي.