من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. يحيى علي الزهراني.
إجمالي القراءات : ﴿6248﴾.
عدد المشــاركات : ﴿8﴾.

المخاطر التربوية للتقنيات الحديثة ووسائل التواصل وحلول مقترحة لمواجهتها.
■ من أعظم ما يُؤثّر في المرء في خلوته، ووقت فراغه اليوم- انتشار مثيرات الشهوة الخفيّة – وهي التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، وسرعة بث أفكارها، وما تدعو إليه، وتُروّج له؛ حملات يُراد منها معاقل التربية، ومواطن القوة فيها، وتستهدِف على وجه الخصوص الجيل الناشئ، وليست كلها سواء، لكن قليل الشر إذا لم يُواجه ويُحذَّر منه فقد يعظُم خطرُه، ويسود كدرُه، سيما وهي تسري لكل بيت، وتتجاوز كل عتبة، ولا يحيل بينها وبين مَن تُصيب صغْرُ سِنٍّ ولا كبرِه، ومع عِلمنا بأهمية بعض تلك التطبيقات والبرامج، وشمول نفعها، وسرعة استجابتها، وتيسيرها للصعاب، إلا أن ثمة عوامل خطورة فيها، حري بالمربين أن يفطنوا لها، ومنها:
♦ سهولة الوصول لتلك المواقع والتطبيقات، وهذا يتطلب مزيداً من الرعاية والحماية.
♦ إمكانية التخفّي، والتستّر عن الرقابة، سواء بالدخول بأسماء وهمية، أو برامج تتجاوز أنظمة الحماية.
ومِن أعظم ما ينبغي أن يُتعَهّد في النفوس معنى الإحسان، واستشعار مراقبة الله تعالى للعبد، والتوعية بمخاطرها، واستخدام أساليب الإقناع في التربية؛ حتى تكون لدى الشخص نفسه مناعة داخلية، وقناعة ذاتية تجاه هذه المخاطر؛ فتُعِينه على اجتنابها.
♦ ظهور البرامج والمواقع غير الآمِنة -تربوياً- على الأسرة والمجتمع، أو التي تستهدِف أركان الأسرة، أو ثوابت الدِّين، أو تُحرّض على التمرّد على القِيم والأخلاق.
ومما تُواجَه به استثمار أوقات الفراغ فيما ينفع، وتنظيم أوقات استخدام التقنيات، والتنويع في الأنشطة الرياضية والبدنية، وتقنين المحتوى الذي يُتاح للنشء والأولاد، ومتابعة ما يُنشَر فيه، وتثقيفهم بالمخاطر حولهم، بما يتناسب وتفكيره وإدراكهم.
♦ رفقاء ورفيقات السوء الذين يُزيّنون المعاصي، وينشرون الرذيلة، ويستدرِجون الأبرياء.
وفي المقابل، تجاهل طبيعة البشر جُنوح عن العدل، والإعانة على اختيار الرفيق الصالح، وإشراكهم في حِلق القرآن ومجالس العلم، مع المتابعة والرعاية، مما يُعين على اختيار الأفضل، والبحث عن المحاضن التربوية الآمِنة، والاستفادة منها.
♦ غياب أو ضعف رقابة الوالدين، أو الزوج، على مَن ولّاه الله أمرهم، واسترعاه عليهم. واستشعارُ الدور المنوط بالوالدين والمربين، والمسؤولية الملقاة عليهم، يُذكّر بما ينبغي عليهم تجاه المتربين والأسرة، وكذلك التربية على المراقبة الذاتية، والمحاسبة، وأن كل نفسٍ بما كسبتْ رهينة، وأن الإنسان مسؤول عما يَفعله، إذا عَلِم بالخير والشر، واتضحتْ له الطريق، وكذلك الوعظ والإرشاد، كقوله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ". رواه أحمد والشيخان.
♦ سهولة الحصول على الأجهزة، سواء الهواتف أو الأجهزة الكفية الأخرى، مع وجود بدائل متنوعة وبأسعار متفاوتة، ما ساهم في انتشارها.
وإتاحتها ورُخصها لا يعني توفيرها لهم، وإتاحة استعمالها دون تقنين، ودون رقابة وتنظيم، كما أن حِرمانهم منها بالكلية غير ممكن، أو قد لا يكون خياراً مناسبا، سيما والحاجة لها داعية، كما أن البحث عن تطبيقات آمِنة، ومحتويات ملائمة، وبرامج هادفة مما ينبغي للمربي فِعله، وإذا جعلنا هذه الأجهزة جُزءاً ثانوياً من الحلول، وجزءاً غير ذا أهمية من أساليب الترويح؛ بإيجاد بدائل تربوي تُراعي كافة خصائص النمو، وتُلبّي احتياجات الجسم وتُسهم في غذاء العقل، ورُقي الأخلاق.. فإن ذلك سيُسهِم في جعْل هذه التقنيات غير مهمة لهم، وسيُعِين في تقليل أوقات استخدامهم لها، ومن أنفع وسائل التربية المعينة على تحقيق الأهداف المرسومة استخدام أسلوب الترغيب والترهيب، والتحفيز والتكريم داخل الأسرة، واستثماره بشكل فاعل.
♦ استغلال بعض الأحوال التي يكون عليها المستهدَف وقت مشاهدتها، أو استعمالها، كأن يكون لدى هذا المرء أو المرأة خلافات أُسريّة، أو اعتلالات نفسية، مع فضولهما أو أحدهما في تجريب تلك العلاقات أو متابعة تلك البرامج والتطبيقات، وخطوات الشيطان تأمر بالفحشاء والمنكر، وتَستدرِج من حيث لا يحذَر المرء، والمَعلُول يبحث عن مواطن الدواء، لا عن الداء؛ فينتقي ويتقي.
وقد جعل الله بعد العُسر يُسرا، ومع الشدة فرجا، فلا يَستسلِم المرءُ والمرأةُ لما يَمُرّ به من أحوال وضغوطات، ولو كانت مِن أقرب الناس إليه، بل يعوذ بالله تعالى، ويلتجئ إليه، وينطرح بين يديه، يدعو ويسأل ويتحرّى ويُلِح، ويُكثِر من الطاعات، والله يُجيب مَن دعاه، وهذه البلايا فُرصة للعبد في مراجعة نفسه ومحاسبتها، فقد يكون غافلاً أو بعيداً عن الحق، أو يكون في طريق هاوية؛ فتتداركه رحمةُ الله، ولطفه.. فيظُنّ في بادئ الأمر أن ذلك محنة، ولم يشعر أنها مِنحة، ثم يبحث عن طُرق العلاج المشروعة، كالتواصل مع المختصين، والاستشاريين، واستشارة بعض الأقارب والأصدقاء مما يجمع بين العقل والحكمة، وكذلك البحث مع الطرف الآخر عن الأسباب وبحث مواطن الخلاف، والنظر في العواقب، وتقريب وجهات النظر، وأذكرُ ما حدّثني به بعضُ الزملاء، أنه حصل بينه وبين زوجه خلافٌ، امتدّ حتى تركتِ الزوجةُ البيت، وبقيتْ في بيت أهلها أشهراً، ثم دَخَل صديقُه وزجتُه بينهما، فجلس الصديقُ مع الزوج، وصديقة المرأة مع زوجته، فأصلحَا بينهما، وعادَا إلى حياتهما الزوجية، بعد أن شارَفَا على الطلاق، وحُفِظت الأسرة، وسلِم الأولاد من التشتت.
♦ وقت الفراغ، له حدّان: إما أن ينفع أو يضر، إما أن يُستثمَر أو يَستعمِر، وإيقاع المرء في مثل هذه المصائد، والاحتيال عليه بإحدى الحيل وارِدٌ جدا، مع قلة وعي بعض مستخدمي تلك التقنية وتلك البرامج.
وكما يُقال في الفراغ، يُقال في تناول التقنيات، وإن أفضل ما يُمكن تصريف نشاط الجسم فيه، وقضاء الفراغ واستثمار الوقت المتاحة فيه، هو الأنشطة التي تتطلب مجهوداً بدنيا، وحركيا، فالرياضة للبدن، مهمة كالرياضة للعقل، سيما في مرحلة الشباب، وقد يجتمع على الشاب والفتاة نشاط وصحة وفراغ، مع قلة الأصحاب الأخيار، أو عدم معرفته بهم، في مقابل إتاحة وسائل ترفيه غير مأمونة العواقب، والبحث عن وسائل تصريف تلك الطاقات، وإشغال تلك الأوقات أمر في غاية من الأهمية، ويمكن أن يكون المشي في أماكن مناسبة، وآمنة من المخاطر، مع استصحاب بعض المعينات الأخرى، كاستماع كتاب مقروء، أو برنامج، أو درس، أو دورة تدريبية، أو اصطحاب كتاب ورقي، أو محمّل على الجهاز، والقراءة فيه أثناء المشي، وكذلك مراجعة المحفوظات أثناء المشي، كالقرآن والحديث، والمنظومات العلمية، أو الأدبية، كل ذلك مما يحسُن قضاء الوقت فيه.
ومما ينبغي أن ينتبه له المؤمن والمؤمنة، اللباس أثناء المشي والخروج من المنزل، فالستر والاحتشام والحياء صفات المؤمنين والمؤمنات.
♦ الفضول والرغبة في التجربة، ومن أسباب ذلك الفراغ، والرفقة السيئة، والمشاهدات المؤثرة، كمتابعة الأفلام القبيحة، والمسلسلات الهدامة، والروايات غير الهادفة، والمواقع التي تنشر الرذيلة، وتدعو للفاحشة، وتُرغّب فيها.
♦ الأسوة السيئة، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، والتوسّع في استخدام الأجهزة المحمولة، وإتاحتها للصغار والكبار – دون تقنين ومتابعة – ازداد خطر الأسوة، مع غياب أو تغييب النماذج الحسنة، والنفس تتأثّر بمَن تُشاهِد وتسمَع له، ما لم يكن هناك مبرر لتلك المشاهدة والاستماع، ومِن مكامن الخطر أن تأثّر الشخص بمَن يشاهدهم ويستمع إليهم ربما لا يظهر في يوم وليلة، وربما كان تأثّره في أخلاقه أو سلوكياته، وهذه غالبا ما يحتاج لوقت حتى تَظهَر ثمرات تلك النماذج، فضلاً عن الخطر الأكبر لأولئك على العقيدة، والشريعة، وثوابت الدِّين؛ فيُهَوّنِون الطعنَ في الدِّين باسم الحرية، وباسم الحوار، وباسم النقاش، وباسم التساؤلات، ثم يَتعرّضون ويُعرّضون بأئمة الدِّين، حتى يصل بهم الأمر إلى الطعن في السُّنّة، والقرآن، وربما روّجُوا للمرء عبارات فضفاضة، وشعارات تنطلي على قليل العلِم والخبرة بهم، ومن قبيح أساليبهم التي يستخدمونها مع الفتيات والنساء أن أجسامهنّ مُلكٌ لهن، ولهنّ حرية التصرف فيها، كيفما شئن، وكيفما أردن، في تجرّد صريح من تعاليم الِّدين، وضرْب قاتل لمعاني الأخلاق، وتشويه ذميم للإنسانية التي كُرّمت بالدِّين والخُلق، وحُسن التربية، والبُعد عن الفواحش والآثام.
♦ الانخداع بالمظاهر، والمشاعر المزيفة، وأساليب الاستدراج التي يتّبعها بعض الأشخاص لاستدراج الضحايا، والإيقاع بهم، سواء كانوا من النساء أو الشباب، أو صغار السن، كأن يتظاهر بأنه صاحب تجارة ومال، أو معارف وجاه، أو لديه علاقات مع مسؤولين ذات ارتباط بمشكلة أو حاجة هذا الشاب، أو هذه المرأة، أو استدراجهم بالكلام المعسول، وتصنّع المشاعر والأحاسيس التي ربما افتقدها أو بعضاً منها ذلك الشاب أو المرأة؛ فتوافق فراغاً لديه، ورغبةً في تحقيق تلك الرغبات، أو توافق خلافاً بين الزوجين؛ فيسعى أحدهما للانتقام من الآخر، والتشفي منه، ولو على حساب نفسه، بتلويث عِرضه، أو إقامة علاقة محرَّمة؛ مقابلةً لفعله، وإقامته علاقات مع نساء أُخريات غير زوجته.
■ وهذه المداخل من أعظم مداخل الشيطان واتباعه في الإيقاع بالضحايا، وإقامة علاقات محرَّمة، واستدراجهم في الكلام، وإرسال الصور والمقاطع، والحصول منهم على معلومات تكون شَرَكاً لهم، فيسهُل بها إيقاعهم، وإرغاهم على الحصول على ما يُريدون منهم، وربما جرّوهم لمواقع معينة، ووثّقوا أفعالهم المشينة، وأصبحتْ وسائل تهديد بأيديهم، فالحذر أولاً وآخر، وخطأُ أحد الزوجين لا يُقابَل بخطإ مماثل، فالعاقل يتفكّر ويتدبّر، والزلة لا تعني نهاية الرحلة، فكم مِن زلة غيّرتْ حياة صاحبها للأفضل، وانتفع بها، واستقام، كما أن الاستمرار في الطريق الخاطئ ليس علاجاً، ولا خياراً صحيحاً، فالإنسان يُخطئ؛ لكن الاستمرار في الأخطاء، والتهاون بها، غير مقبول، سيما بين الشريكين، والنساء خاصة، فالمؤمن والمؤمنة يَحذَرانِ عِقاب الله أولاً، ويَخَافانِ غضبه وانتقامه، وينأيانِ بنفسيهما أن يَسِيرَا في دروب الفواحش والمنكرات، وفي جامع الترمذي وحسّنه، عن قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قال: كَانَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلَاقِ، وَالأَعْمَالِ وَالأَهْوَاءِ".