من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : عمر عبدالله مغربي.
إجمالي القراءات : ﴿5488﴾.
عدد المشــاركات : ﴿27﴾.

في الثقافة التطبيقية : الجدول الدوري الحديث.
■ قصة الجدول الدوري قصة مشوقة ومثيرة تتضح فيها كيف تتطور المفاهيم العلمية من أفكار بسيطة وقد تكون ساذجة ومضحكة في بعض الأحيان إلى أن تصبح أنموذجاً علمياً يفتخر كل من ساهم في إنجازه، ومن هذه المفاهيم العلمية التي تطورت عبر التاريخ جدولنا الدوري الحديث والذي بدأت فكرته بمحاولة بسيطة قام بها كيميائي لترتيب العناصر في جدول معين ثم تطور هذا التصنيف حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن.
يبدو أنه لم يكن هناك حاجة في القديم لترتيب العناصر وتصنيفها في جدول خاص، لسببٍ بسيط وهو أن عدد هذه العناصر لم يكن يتجاوز عدد أصابع اليدين، ولكن بتطور علم الكيمياء واكتشاف المزيد من العناصر بات من الضروري تصنيف هذه العناصر وجدولتها لتيسير دراستها وتسهيل التعامل معها.
ولعله من أولى المحاولات التي تمت لغرض تصنيف العناصر وترتيبها في جداول خاصة محاولة تصنيف العناصر إلى مجموعتين وهما الفلزات واللافلزات، فقد لوحظ أن هناك مجموعة من العناصر تتميز بالخصائص التالية :
♦ مواد صلبة ذات مظهر براق.
♦ قابلة للسحب على شكل أسلاك والطرق على شكل صفائح.
♦ موصلة جيدة للحرارة والكهرباء.
♦ ذات درجة غليان وانصهار مرتفعة في الغالب.
أطلق على هذه العناصر الفلزات (مثل : الحديد، الذهب، الصوديوم) كما أطلق على العناصر التي تتصف بعكس هذه الخواص باللافلزات (مثل : الهيدروجين، الكربون، الكبريت).
كانت البداية مع دوبرينر Johann Dobereiner الكيميائي الألماني (1780 - 1849) والذي لاحظ أن هناك تشابهاً وتدرجاً في خواص العناصر الثلاث بحيث أن للعنصر الثاني خواص فيزيائية وكيميائية متوسطة بين خواص العنصرين الأول والثالث : Ca Sr Ba <==== 40 88 137.
كما لاحظ أن الوزن الذري للعنصر الأوسط يساوي متوسط الوزن الذري للعنصرين الأول والثالث (40 137) ÷ 2 = 88 .. ظنها في البداية صدفة طريفة ولكن سرعان ما اكتشف أن هذه القاعدة تنطبق على ثلاثيات أخرى من العناصر مثل ثلاثية : Li Na K <==== 7 23 39 وثلاثية Cl Br I <==== 35 80 127. وهنا نشر دوبرينر ملاحظته هذه واطلق عليها التصنيف الثلاثي ودونت في التاريخ كأول محاولة علمية لتصنيف العناصر المكتشفة.
وفي محاولة تالية قام John Newlands وهو كيميائي انجليزي (1837-1898) بترتيب العناصر حسب ازدياد الوزن الذري في شكل مجموعات تتكون كل مجموعة من ثمان عناصر، فلاحظ أن الخواص المتشابهة للعناصر تتكرر دورياً وبانتظام بشكلٍ يشبه تدرج السلم الموسيقي، فكانت محاولة يطلق عليها ثمانيات نيولاندز (Law of Octaves).
وفي عام 1869 للميلاد ظهر عالم روسي يدعى مندليف (Dimitri Mendeleev) وقام بترتيب العناصر المكتشفة في عصره (وعددها 63 عنصر تقريباً) حسب ازدياد الوزن الذري أيضاً (atomic weights) فلاحظ تكرار الخواص المتشابهة للعناصر دورياً وبانتظام.
وفي نفس العام تقريباً توصل ماير (Lothar Meyer) من ألمانيا لنفس الجدول تقريباً.
والحقيقة أن هذا الجدول ارتبط باسم مندليف لأنه استطاع تحديد خواص بعض العناصر غير المكتشفة في عصرة فقد استطاع تحديد خواص عنصر الجرمانيوم قبل اكتشافه وقد سماه بشبيه السليكون.
♦ أما بالنسبة لعيوب هذا الجدول فهناك في الحقيقة عيبين رئيسين :
● الأول : اليود والتيلوريوم لم يوضعا في أماكنهما المناسبة حسب ازدياد الوزن الذري.
● الثاني : لم يجدا أماكن مناسبة في الجدول للعناصر الأرضية النادرة.
وبعد ذلك ظهر موزلي (Henry Moseley) في (1887-1915) للميلاد ولأول مرة قام بترتيب العناصر حسب ازدياد العدد الذري atomic number. فلاحظ تكرار الخواص المتشابهة للعناصر دورياً وبانتظام فكان هذا الترتيب في الحقيقة أساس الجدول الدوري الحديث.

■ الجدول الدوري الحديث للعناصر :
● تم الاعتماد لترتيب العناصر في الجدول الدوري الحديث على الأسس التالية :
1- رتبت العناصر حسب ازدياد العدد الذري.
2- صفت العناصر في سطور أفقية (دورات) تبعاً لعدد مستويات الطاقة الإلكترونية فيها المشغولة بالإلكترونات (فعناصر الدورة الأولى تشغل إلكتروناتها مستوى واحد من الطاقة وعناصر الدورة الثانية مستويين .. وهكذا).
3- وضعت العناصر في أعمدة رأسية (مجموعات) تبعاً لعدد الإلكترونات الموجودة في مستوى الطاقة الأخير (إلكترونات التكافؤ).
وبهذا نلاحظ أن الجدول الدوري بشكلِ عام يتألف من سبع دورات (عدد مستويات الطاقة الإلكترونية المعروفة) وثمان مجموعات رئيسية رمز لها بالحرف (أ) وثمان مجموعات فرعية رمز لها بالحرف (ب) (لاحظ أن العدد ثمانية هو العدد الذي يشكل التركيب المستقر لذرات العناصر).
■ مناطق الجدول الدوري الحديث :
● أولاً : المنطقة اليسرى.
وتحوي عناصر المجموعتين الرئيسيتين (1أ و 2أ) والمعروفة باسم الفلزات القلوية والفلزات القلوية الأرضية على الترتيب، وتشغل إلكترونات التكافؤ في ذرات هذه العناصر المجال الكروي S.
● ثانياً : المنطقة اليمنى.
وتحوي بقية العناصر في المجموعات الرئيسية (3،4،5،6،7،صفر الرئيسية) وتتميز عناصر هذه المنطقة بملء المجالين (S , P) في مستوى التكافؤ، وهذه المنطقة تحوى جميع اللافلزات وأشباه الفلزات وبقية الفلزات، كما تضم جميع الهالوجينات (عناصر المجموعة 7أ) والغازات النادرة أو الخاملة (عناصر المجموعة صفر). وتعرف عناصر هاتين المنطقتين (اليسرى واليمنى) بالعناصر التمثيلية وكذلك تعرف بالعناصر غير الانتقالية.
● ثالثاً : المنطقة الوسطى.
وتحوي جميع العناصر في المجموعات الفرعية (ب) وتتألف من ثلاثين عنصراً جميعها من الفلزات في ثلاث متسلسلات تضم كل متسلسلة عشرة عناصر، وتتميز عناصر هذه المنطقة بوجود إلكترونات التكافؤ في المجالين (S , d) في مستوى التكافؤ، وتعرف عناصر هذه المنطقة بالعناصر الانتقالية غير التمثيلية.
● رابعاً : المنطقة السفلى.
وتتألف من سلسلتين كل سلسلة تضم أربعة عشر عنصراً سلسلة اللانثانيدات والتي تأتي بعد عنصر اللانثانوم وتبدأ بالسيريوم وسلسلة الاكتينيدات وتأتي بعد عنصر الاكتينيوم وتبدأ بعنصر الثوريوم، تتميز عناصر هذه المنطقة بملء المجال من نوع f في مستوى التكافؤ، وتعرف عناصر هذه المنطقة بالعناصر الانتقالية الداخلية.