من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عمر حسين الجفري.
إجمالي القراءات : ﴿6426﴾.
عدد المشــاركات : ﴿23﴾.

الفجوة بين المشرف التربوي والمعلم : من صنعها ؟
■ يُعد المشرف التربوي أحد عناصر المنظومة التربوية والتعليمية وبه يعوَّل عليه رفع مستوى أداء المعلم بشكل خاص والنهوض بمستوى أداء المدرسة بشكل عام. عندما طرأ إلى ذهني هذا الموضوع ترددت كثيراً في طرحه، ولكن ما دعاني إلى الإقدام على الكتابة حوله هو كثرة ما نسمع من زملاء يعملون في الميدان ومنذ فترة من الزمن وذلك عند الحديث عن زيارة المشرف التربوي للمدرسة فكنت دائماً أوجه لهم سؤالاً مقصوداً مفاده : هل المشرف الزائر للمدرسة يعد ضيفاً خفيفاً أم ثقيلاً على قلوب منسوبيها ؟ فتأتيني الإجابة سريعة بلا تردد أنه ضيفاً ثقيلاً في كثير من الأحيان وربما غير مرغوب فيه ولا مرحَّب به ويتوقف غالباً على تخصصه من حيث عمله كمشرف مادة أو في مجال آخر من مجالات وأقسام الإدارة، ثم اطلب رأيهم فيما إذا كان هناك فجوة حقيقية بين المشرف والمعلم، ومن المتسبب فيها ؟ ولماذا وجدت هذه الهوة بين قطبي العملية التعليمية ؟ وما أثر ذلك على الطالب المحور الرئيس في هذه العملية ؟ هذه التساؤلات وغيرها أشغلت بالي وحركت مشاعري وأخذت أفكر فيها كوني أحد أولئك التربويين المعنيين بهذه القضية التي لا يمكن أن تترك دون بحث أسبابها ومصادرها ومعرفة أبعادها وإيجاد الحلول المناسبة لها.

من المعلوم أن دور المشرف التربوي في المدرسة ذو أهمية بالغة في متابعة سير العمل بها والاطلاع على مستوى ألإنجاز والأداء وهو يمثل الخبير التربوي الذي يوجِّه ويصحِّح مسار العمل نحو الهدف المنشود. وحتى يكون الإشراف التربوي هو المظلة التي ينضوي تحتها البيئة المدرسية ومكوناتها من معلمين وإداريين وطلاب وبرامج ومناهج وغيرها، ويقع على عاتقها التطوير المهني للعاملين سعياً في تحقيق أهداف المدرسة بجودة عالية لابد من إعادة النظر في آلية العمل الإشرافي داخل المدرسة من خلال ما يوجَّه لها من انتقادات وملاحظات أدت إلى إحداث فجوة قد تتسع وتضيق على اختلاف حجم المواقف بين المعلم والمشرف التربوي، فعند زيارة المشرف للمعلم في المدرسة يدوِّن له العديد من الملاحظات وربما بعضاً منها لا يستدعي ذكرها كونها بسيطة ولا تؤثر في أداء الدرس ولو اكتفى بالإشارة إليها لكان أجدى كما أنه لا يقتنع في تبرير ما يقدَّم له في بعض ما سطَّره من ملاحظات على المعلم، وأحياناً لا يوفَّق المشرف في أسلوب وطريقة نقده وربما يستخدم كلمات جارحة لا يراعي فيها مشاعره ولا يسعفه ذكائه في طرح نقد بناء هادف أضف إلى ذلك عند فتح باب الحوار والنقاش في المواقف الصفية أو بعض المفاهيم العلمية أو الجوانب التربوية فإن كثيراً من المشرفين يصرّون على آرائهم ويطالبوا الالتزام بها وقد تكون تلك التعليمات التي يدلوا بها مثالية تفوق إمكانات البيئة التعليمية المتاحة ولا يطرحون مشاريع تطويرية حقيقية تسهم في رفع مستوى التنمية المهنية لدى المعلمين أو برنامجاً عملياً يساعدهم على تطبيقه في البيئة الصفية بما يتناسب والواقع الحالي كما أنهم لا يتقبلوا آراء مخالفيهم وقد تكون وجهات النظر المخالفة لهم مأخذاً عليهم يحاسبوا عليها في تقرير الأداء الوظيفي هذا ناهيك عن تعامل بعض المشرفين بتعالي وفوقية ونظرتهم أن المعلمين أقل شأناً وعلماً وفهماً منهم، ولا يرغب كثير من المعلمين الإفصاح لدى المشرفين عما يعانوه من ضغوطات في العمل أو صعوبات في التدريس مع الطلاب داخل الصف وخارجه أو توتر العلاقات مع الإدارة وذلك خوفاً من اعتبارها نقاط ضعف ومثالب أو نواقص يمكن اصطيادها ضدهم ومحاسبتهم عليها أو أنهم عند إخبارهم ما يتعرضون له سواءً مع زملائهم في العمل أو من مديريهم بتكليفهم بعض المهام التي ترهقهم وتزيد من أعبائهم فإنهم لا يحسنون التصرف وليس لديهم المقدرة في معالجة الموقف أو السيطرة عليه كما ينبغي ويضعوهم في مواقف محرجة مع مديريهم قد تنشأ بينهم خلافات لا تحمد عقباها فيما بعد.

وبناءً على ما تقدم ذكره مما يقع فيه كثير من المشرفين التربويين عند زياراتهم المدرسية وما يلاحظ عليهم من قصور في تعاملهم مع المعلمين والتي تدور رحاها إجمالاً في ضعف بناء العلاقات الإنسانية، ولعل هذا ما صنع الفجوة بينهم وبين المعلمين، ويعد الاهتمام بالعلاقات الإنسانية من أهم عوامل نجاح المشرف التربوي.
والميدان التربوي هو الساحة التي تنفذ بها جميع برامج ومشاريع واستراتيجيات الوزارة وتتم فيها العملية التعليمية وتؤدى فيها الأدوار الحقيقية لتعليم وتعلم الطلبة، ومن هنا يتطلب وجود مقوِّم فعلي لتحديد مدى تقدم مستوى أداء وعمل الميدان طبقاً لمعايير علمية معدة مسبقاً، والذي يكلَّف بهذا الدور وهذه المهمة هو ذاك المشرف والخبير التربوي. وكما يعاني المعلم من مصاعب وضغوطات في مجال عمله فإن المشرف كذلك لديه الكثير من المعاناة من حيث زيادة عدد المعلمين عن النصاب المقرر للمشرف ومتابعة البرامج والمشاريع التطويرية في المدرسة وكثرة المشاركات واللجان وإعداد التقارير الدورية والمهام الإدارية وإقامة البرامج التدريبية وحل المشكلات الواردة من الميدان إلى غير ذلك من الأعمال والأعباء المنوطة به.

وفي ضوء ما استعرضناه سابقاً فإننا نرجح أن المتسبب في إيجاد هذه الفجوة هو المشرف التربوي مع العلم أنه لا يمكن تعميم تلك الانتقادات الموجهة للمشرف التربوي على كافة المشرفين فمنهم منارات مضيئة أينما تضعها تجدها شمساً مشرقة ساطعة لها أثرها في الميدان ولديها القدرة على إحداث نقلة نوعية تنعكس إيجاباً على العاملين في المدرسة، وما ذكر من ملاحظات قد تعني فئة من المشرفين وإن قلَّت نسبتها فإنه بلا شك ستترك أثراً واضحاً وتصوراً مشاعاً في الميدان يتجاوز مداها الوسط التربوي. وما يقال عن المعلمين والمشرفين ينطبق كذلك على الجانب النسائي (المعلمات والمشرفات) وربما بصورة أكثر شدة وحدة.

● ونود أن نقدم بعضاً من التوجيهات والتوصيات المقترحة التي نأمل أن تقلل من حدة موجة الانتقادات وردم الفجوة وتكون عوناً للزملاء قادة العمل التربوي والمسئولين والمشرفين التربويين في أداء مهمتهم ورسالتهم :
1ـ اهتمام المشرف التربوي بجانب العلاقات الإنسانية مع المعلمين والهيئة الإدارية في المدرسة من خلال الاحترام والتقدير وحسن التعامل والتواضع ولين الجانب والتحلي بالآداب الحميدة والخلق الرفيع والتزام مبادئ القيم الإسلامية قولاً وعملاً متمثلاً القدوة الحسنة في سائر أحواله وتعزيز العلاقة الأخوية الإيجابية بينه وبين الأسرة المدرسية ،وإشعار منسوبي المدرسة أنه زميل لهم دوره مكملاً لعملهم في تحقيق الهدف وتحسين الأداء وهو شريك لهم في تنفيذ المهمة وإيصال الرسالة التربوية والتعليمية والتواصل والاتصال المستمر معهم.
2ـ تغيير مفهوم الأسلوب التفتيشي وتصيد الأخطاء إلى الأسلوب الإشرافي القائم على الارتقاء بالمعلم ومساعدته وإبراز الجوانب الإيجابية لديه ومراعاة حساسية الموقف عند توجيه النقد وإبداء الملاحظات من خلال اختيار كلمات أو رسائل أو إشارات مناسبة وعبارات ونصائح صادقة تصل إلى صاحبها وتقع في نفسه فيعي مقصودها وألا تتجاوز توجيهات المشرف حدود الأنظمة والقرارات الرسمية وإنما تسير على اتساق معها، ومراعاة الفروقات بين المعلمين في إمكاناتهم وطاقاتهم وقدراتهم وظروفهم.
3ـ إتاحة الفرصة لفتح باب الحوار المنظَّم مع المعلمين في طرح مرئياتهم ومقترحاتهم وتقبلها والتشاور معهم في إمكانية بحث الحلول المناسبة لتخطي أي عقبات أو صعوبات تواجههم، والمبادرة في تنفيذ الدروس النموذجية وورش العمل واللقاءات، ومساندتهم في تلبية حقوقهم المكفولة ومشاركتهم بالمطالبة بها والتضامن معهم والوقوف بجانبهم لكل ما يعترضهم في أداء رسالتهم التربوية.
4ـ الدعم والتشجيع المستمر للجهود المبذولة في الميدان وتقديرها ورفع معنويات الكفاءات المتميزة والإشادة بها وتكريمها بما تستحق، وعدم التقليل والانتقاص من أي أعمال اجتهادية مبذولة قد تكون مجانبة للمسار السليم أو بعيدة عن تحقيق الهدف المطلوب، وإنما يقدَّر ما بذل فيها من جهد ووقت وإنجاز وتقديم يد العون والمساعدة في إعادة تصحيح وتعديل المسار نحو الهدف المنشود وإيقاظ شعلة الحماس والإبداع بما لديهم من قدرات وإمكانات وطاقات والعمل على توظيفها، وتزويدهم بما يحتاجونه من خبرات أو معلومات وتوجيهات تصب في مصلحة تطوير الجهود.
5ـ رفع الكفاءة المهنية للمشرفين التربويين من خلال إلحاقهم بالدورات والبرامج التدريبية في مجال بناء العلاقات الإنسانية وإدارة فرق العمل والقيادة ومهارات الاتصال والتواصل.
6ـ إعداد مذكرة توضيحية (دليل) لتقنين عمل المشرف التربوي من حيث تحديد نصاب معين من المعلمين والمدارس، وتوصيف واضح للمهام الإدارية والفنية والتربوية والتعليمية التي يكلف بها المشرفون على اختلاف تخصصاتهم ومجالاتهم.
7ـ إنهاء تكليف المشرفين التربويين الذين أمضوا ثلاثة أعوام دون تقديم مشروعاً تطويرياً أو مشاركة في دراسة أو بحث أو ورقة عمل أو إنتاج منجزاً يسهم في تحسين الأداء، وكبديل لهم يتم استقطاب معلمين من الميدان ذوي كفاءات متميزة لديهم مساهمات إبداعية وإنجازات بارزة في مجال العمل المدرسي ومشهود لهم بحسن السيرة والقدوة الحسنة ويتسموا بروح القيادة عن طريق إصدار قرارات تكليف لهم من صاحب الصلاحية للاستفادة من خبراتهم ونتاجهم وعطائهم.

● أخي المشرف التربوي :
أنت قائد التحوُّل ورائد العملية التعليمية وأنت من يؤمَّل بك تغيير دفة التعليم لمواكبة التطورات المعاصرة بأحدث أساليب التدريس واستراتيجياته في تحقيق أهداف المنهج المطور استجابة لرؤى وتوجهات الوزارة واستشعاراً بالمسؤولية والأمانة الملقاة على عاتقك كونك حامل لواء العلم والمعرفة وراعي التخطيط والتقييم لمخرجات الميدان وقائد الإصلاح لأمة تنتظر دورها للمنافسة في شتى مجالات الحياة وفي مختلف المحافل والمناسبات الدولية. أعانك الله لأداء رسالتك وسدد خطاك إلى طريق الخير والفلاح.
والله من وراء القصد.