أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. أحمد محمد أبو عوض.
إجمالي القراءات : ﴿4064﴾.
عدد المشــاركات : ﴿722﴾.

لا عبثية في مخلوقات الله «1».
■ الحمد لله القائل : (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ۝ فتعالى الله الملك الحق لا إله إلاَّ هو رب العرش الكريم) (المؤمنون : 115-116).
فتعالى الله جلت قدرته وتعالت أسماؤه لم يخلق شيئاً بالكون عبثا مهما صغر حجمه أو ضعفت قوته : (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ) (البقرة : 26).
وعندما نحتقر البعوضة لصغرها وضعف قوتها المباشرة، فكثير من الناس لا يعلمون أو يعرفون من الناحية العلمية أن البعوضة من أقوى جند الله تعالى، ولمعرفة تفاصيل تشريحها الفسيولوجي : أنها تعتبر من أخطر الحشرات الناقلة لأخطر الأمراض المعدية - حيث يحارب الله بها أعداء دينه الحنيف مهما كان انتماء أصلهم وفصلهم وجنسياتهم وأماكن وجودهم وبلادهم. فعلى سبيل المثال الموجز فقط، فقد كان دخول بعوضة واحدة صغيرة جداً في أنف النمرود الذي حارب دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام ونقرها في دماغ رأسه حتى لا يهدأ عن الصراخ إلا بعد أن يضرب بالنعال على رأسه، ولا ننس أن نتذكر هو الذي رد على سيدنا إبراهيم - عليه السلام - عندما قال له : من ربك ؟ فقال ربي الله .. فقال النمرود الكافر : وماذا يعمل أو يفعل ربك ؟ فقال : ربي يحيي ويميت ؟ فقال النمرود أنا أحييي وأميت (أنظر إلى منتهى الغرور والعناد والصلف والكفر فقد ساوى نفسه ومعادلاً بقوته قوة الله تعالى) فقد أمر بإحضار اثنين من المساجين في زنازين قصره فعفى عن واحد - معتبراً أنه أحياه بالأيام القادمة في حياته - ثم أمر بقتل الآخر وقال أنا أحييت الأول وأمت الآخر، فإذا ربك ليس رباً قوياً وقوتي أنا مثل قوته !
إلاَّ الإلهام الإلهي كان جاهزاً من الله تعالى والوحي إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام فقال فوراً وتواً : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب ! فبهت الذي كفر. فعلم أنه عاجز عن ذلك ولكنه لم يستطع أن يقابل سيدنا إبراهيم الحجة بالحجة بالمرات القادمة، لأن عجز الملوك فضيحة أمام عند الحاشية المقربة والبطانة الخاصة. فكيف لو كان التحدي بين الطرفين - أو قل شد الحبل - أمام جميع شعب مملكة النمرود (جنوب العراق) فقد أسرَّ هذا الحقد الأسود الدفين في قلبه لعله أن يظفر بهذا الفتى - إبراهيم - في مناسبة أخرى عامة بحضور أكبر عدد من أفراد الشعب. حتى جاء يوم عيدهم وخرجوا عن بكرة أبيهم صغاراً وكباراً حتى والد إبراهيم آزر .. ولم يبق إلا إبراهيم وحده مع الله تعالى فقام بفأسه بعد انصرافهم وحطمهم إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون بالسؤال عن الفاعل، حتى عادوا من يوم عيدهم وفرحهم وزينتهم، وكانت المفاجأة الكبرى التي أخرجت صواب العاقل عن لبه وفهم ما قد عاش عليه طيلة أيام حياته السابقة منذ أن بزغ وجهه وصرخ صرخة الولادة وقت خروجه من بطن أمه ! وأخذ بعضهم ينظر إلى وجه الآخر مستغرباً وألف علامة سؤال على لسانه : من فعل هذا بآلهتنا ؟ وعندما تحققوا أن إبراهيم هو من فعل ذلك بأصنامهم حقدوا جميعاً - وموافقة لرغبة ملكهم الكافر لأنهم الحاشية المقربة والبطانة الخاصة الذين يشبعون والناس جياع ويستغنون والناس فقراء (وهذا دأب كل حاشية مقربة في الحياة الدنيا بجميع الدول عامة) فقرروا أن يحرقوا هذا الفتى - المارق عن ملتهم بالنار التي كانت ألسنة لهبها تشوي وتحرق الطير في السماء والمرأة تنذر النذر بأنها ستأتي بحطب زيادة عن المكلفة بإحضاره من أجل زيادة التنكيل بهذا الفتى - إبراهيم - حتى جاء اليوم الموعود الذي القي فيه إبراهيم بالمنجنيق بالنار - من شدة حرارتها وقوة لهيبها - وإبراهيم يقول : حسبي الله ونعم الوكيل - فقط لا غير - فقد انجآه من هذه النار ولم تحرق إلا الحبال التي ربطوه بها، وقد سلط الله على أنف النمرود أضعف خلقه (البعوضة فقط لا غير).

■ وقد كان الله تعالى أن يغير ويبطل نواميس الكون بعدة استثناءات ملكوتية ومراسيم الآهية خاصة ومنها :
1- عدم تمكين كفار مملكة النمرود من القبض عليه بتاتاً بأية صورة يريدها الله تعالى.
2- يمكن أن ينزل المطر من السماء فوراً على النار فتطفأ .. فسوف يطرون إلى الانتظار إلى أيام وأيام أو سنوات وسنوات أو أن يحاولوا حرقه في مكان مغلق لا تصل إليه أمطار السماء.
3- يمكن الله تعالى أن يخرجه سراً من هذه المملكة وينجو بنفسه وأهله من نمردة النمرود.
4- احتمال معجز عظيم آخر من الله تعالى أن يطمس على عيونهم - كما فعل لاحقاً بأقوام آخرين (وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ 66 وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلَا يَرْجِعُونَ) (يس : 65 ـ 67) أو أن يجعل له (طاقية الخفاء) كما يقولون فهو يراهم وهم لا يرونه.
5- لقد أراد الله أن يظهر المعجزة الكبرى - لهذا النمرود المعذب بالبعوضة فقط وبقية مخلوقات الكون إلى يوم القيامة وحتى منهم الملائكة - أن الله إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون - فقد أراد الله تعالى في ثانية واحدة من الزمن أن يخرق الناموس الطبيعي الذي خلقه بأن النار تحرق كل شيء (إلا ما أراد الله أن لا تحرقه : قلنا يا نار كوني برداً وسلاما على إبراهيم) نعم النار اللاهبة التي كانت تشوي الطير بالسماء لا تحرق الفتى إبراهيم وهو بداخلها ؟ فقال تعالى فـ (قلنا) نحن أي أنا الله وحدي وليس غيري .. يا نار : حيث أنه خاطبها بصيغة المستمع العاقل حيث أنها يجب أن تستجيب لأوامر الله ربها - وأن لم تستجب فسوف يحرقها بنار مخلوقة فوراً أقوى منها. فكيف يعصي من يخاف - كوني برداً : لهباً بارداً ليست فيه أية حرارة ولفترة مؤقتة وليست جميع نار الدنيا وإلا لذهب الانتفاع المراد من خلق النار وحرارتها للمخلوقات وخاصة الإنسان، وسلاماً ليس به أي شيء يضر من شدة البرد القارس، ويخاطب الله النار أن يكون هذا الاختراق لهذا الناموس والقانون الإلهي طيلة حياة وأيام هذا الكون فقط لإبراهيم لا غير.
عفوا - عزيزي القارئ - ليس الهدف سرد قصة إبراهيم عليه السلام - ولكن بيان كيف يجب عدم الاستهانة أو التفكير بعبثية شيء خلقه الله تعالى بهذا الكون إلى يوم القيامة.

ومن صور التوازن البيئي على سطح الكرة الأرضية - يقول العلماء بالهند - في بعض السنوات لاحظ المواطنون الهنود - كثرة الفئران والجرذان تخرج من المزارع إلى الأزقة في القرى الزراعية حتى كاد أن يعم بينهم مرض الطاعون المتوقع بسبب عدوى الفئران خاصة له، فأمر حكام المجالس المحلية والبلديات والحكام الإداريون لتلك القرى بأن يعطلوا دوام الدوائر الحكومية والأعمال الرسمية لعدة أيام لشن حملة شعبية عامة من الصغار والكبار والذكور والإناث بقتل جميع الفئران والجرذان من ازقة وشوارع بيوت تلك القرى تماماً - فما أن نجحت الحملة المضادة ضد الفئران - حتى أنهم تفاجئوا بخروج الأفاعي والثعابين تدخل إلى نفس القرى تبحث عن أرزاقها من الفئران والجرذان التي انقطعت عنها - فما أن تراجعت الجهات الحكومية الهندية عن قرارها بملاحقة الفئران بالمزارع والحقول الزراعية - وترك جميع مخلوقات الله تعيش على أرزاق الله - لأن الله سبحانه وتعالى لم يخلق شيئاً عبثاً - وأنه سبحانه وتعالى قد سن ونظم قانون (التوازن البيئي) في هذا الكون، قال تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (يس : 40).
ومن مخلوقات الله الكثيرة التي نستفيد منها - بالعين فقط كالنجوم والكواكب البعيدة الأخرى ومنها ما هو بالعين والرائحة فقط - ما يسمى بتفاح المجانين، تفاح المجانين - جربوح - الجُنين - الباذتجان البري - هذه نبتة كانت في ماض ليس بالبعيد جداً من أشهر نباتات فلسطين في الماضي لكن قليلين من يتذكرونها هذه الأيام. بل إننا كنا ونحن صغار نغني لها دون أن نعرفها : لاعبونا ع التفاح وع اللفاح يا قلايد يا ملاح وفي الماضي الأبعد كان تفاح المجانين نبتة ذات مزايا سحرية وطبية يعتد بها.
وقد دعيت باسم تفاح المجانين بسبب وجود مادة مخدرة فيها تؤدي إلى الهلوسة إذا ما أكلها الإنسان، لذا فثمرتها للشم لا للأكل، رائحتها غريبة وجميلة، وتفاح المجانين هو (اللفّاح) ذاته وبعضهم يدعوه باسم (يبروح) يقول لسان العرب عنه : (واللفَّاح نبات يَقْطِينِي أَصفر شبيه بالباذنجانِ طيب الرائحة وقال الجوهري : اللُّفَّاح هذا الذي يُشَمّ شبيه بالباذنجانِ إِذا اصفر).
أما عن مزاياه الطبية فيقول ابن البيطار : (الإنسان، على ما زعموا، إذا أكله أو شربه أسبت - نام نوماً طويلاً - ويبقى في سباته على الحال التي كان عليها قبل أن يأكله نحو ثلاث ساعات أو أربع ساعات، حتى لا يحس بشيء أصلاً، وقد يمتد (سباته) نصف نهار وقد يستعمل الأطباء هذا الأصل إذا أرادوا أن يقطعوا عضواً أو يكووه) ويضيف : (إذا أكل واستنشقت رائحته عرض لآكله ولمستنشقه سبات، وكذا يعرض أيضا من عصارته إذا أكثر منه السكتة) وليس صحيحاً أن من يشمه يتعرض للسبات إذ يمكن لكم ان تشموه من دون خوف فهو نبتة خلقت من أجل الشم، مثل الورد فان التفاح يشمه الإنسان ولا يأكله بتاتاً.
ولا غرابة أن نعرف بأن هناك مخلوقات وكائنات حية ومنها نباتات لها فائدة غير مباشرة للإنسان خاصة - لأنه المكرم عند الله تعالى "ولقد كرمنا بني آدم .." فمثلاً كثير من الأدوية الطبية والعلاجات الهامة تؤخذ من بعض النباتات والأعشاب التي لا يعير الإنسان لها بالا مثل : الحنظل - السنامكة - القريص - نبات الخشخاش - أو أبو النوم وهو : الأفيون (باللاتينية : Opium) هو مادة مخدرة، تستخرج من نبات الخشخاش، وتستخدم لصناعة الهيروين وطبقاً لمصادر الأمم المتحدة، تشكل أفغانستان حالياً المصدر الأول للأفيون، يطلق عليه الخشخاش أو أبو النوم عصيره به مادة الأفيون التي تسبب الإدمان وعادة يصنع الأفيون علي هيئة قوالب أو عصي أو أقماع وأجود أنواعه اليوغسلافي لأن به نسبة عالية من المورفين المسكن للآلام ويستخرج الأفيون من كبسولة النبات عن طريق تشريطها في الصباح الباكر, وهي على الشجرة لتخرج منها مادة لبنية لزجة تتجمد وتغمق في اللون. ويحتوي على مواد قلويداتية كالمورفين الكودايين والناركوتين (نوسكوبين) والبابافارين ومن المورفين يحضر الهيروين ويستخدم الأفيون في التخدير وكمسكن قوي للآلام ولاسيما في العمليات الجراحية والسرطانات ولوقف الإسهال ومادة الكودايين به توقف السعال والأفيون يسبب الهلوسة والإدمان.
يمكن لمن يريد أن يبحث عن تفاح المجانين أن يجده في التلال الفلسطينية بين شهري نيسان وأيار. فأن تأخر عن ذلك فستفوته الفرصة لأن الطيور المغرمة ببذور تفاح المجانين ستكون قد أكلتها، فهي محصنة ضد الجنون.

image لا عبثية في مخلوقات الله «1».
image لا عبثية في مخلوقات الله «2».