من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : خالد صابر خان.
إجمالي القراءات : ﴿4099﴾.
عدد المشــاركات : ﴿122﴾.

من المواد التي أقوم بتدريسها في الجامعة مادة علم النفس الحضاري، وهو فرع من علم النفس يدرس العلاقة بين النفسية وحضارة الشخص، ومن الجوانب التي درسها علماء هذا المجال الفروق بين الحضارات في تربية الأطفال، وأتطرق هنا إلى بعض هذه الفروق وأهميتها.
في الدول الغربية عموماً وفي كثير من الدول الأخرى يقوم الوالدان بتصميم غرفة في المنزل مخصصة للطفل ويجعلونه ينام فيها منذ الولادة تقريباً، ولا يحبون أن ينام معهم الطفل أو المولود الجديد في نفس الغرفة حفاظاً على خصوصيتهم وراحتهم ومحاولة لتدريب المولود الجديد على "الاستقلالية" وحرصاً على أن لا يصاب المولود بأذى أن حصل ونام معهم في نفس السرير و "انقلب" عليه أحد الوالدين أثناء النوم دون علم منه، وهذا الوضع من تخصيص غرفة للطفل لا يحدث إلا في الدول الغنية أو التي يملك سكانها وسعة في المنازل حتى يمكنهم تخصيص غرف للأطفال، فكلنا يعلم، على الأقل من الأفلام، أنه في بعض الدول وبين الطبقات الفقيرة تطر عائلة كاملة مكونة من أب وأم وأبناء وبنات وحتى جد وجدة من النوم في غرفة واحدة وربما تستخدم بعض الستائر القماشية للفصل بين النائمين في حالة الحاجة للخصوصية، وأنا لا اتحدت عن اقليه من البشر ولكن الكثير يعيشون كذلك في الهند والصين وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض الدول العربية وغيرها من المناطق، فتخصيص غرف للأطفال هو رفاهية يحصل عليها فقط قلة من الناس.
كما أن فكرة عزل الطفل في غرفة لوحده لها سلبياتها، الكبار يجدون صعوبة في النوم وحدهم فما بالك بالصغار الذين هم في حاجة للرعاية والعناية وخيالهم خصب، الطفل في بداية سنوات عمره في حاجة للتعلم كيف يمكنه أن يعتمد على الآخرين ومن خلال ذلك ينمو عنده الإحساس بالانتماء والأمان والثقة بأن الناس يفهمونه وأنه يمكنه طلب احتياجاته من الناس وسوف يحصل عليها، نعم، الطفل لا بد أن يتعلم الاعتماد قبل أن نعلمه الاستقلالية، إذا أشبعت حاجة الطفل للاعتماد عندها ينمو ويستقل، كل شيئ له وقته، وهناك مرحلة لتعلم الاعتماد في أول خمس سنوات ومرحلة لتعلم الاستقلالية عندما يبدأ الذهاب إلى الروضة والمدرسة، لا داعي للاستعجال.
تواجد الطفل في غرفة لوحده منذ الولادة يجعله يتعود على أن لا يحصل على ما يريد إلا إذا بكى، فالوالدان لا يأتون إليه إلا إذا بكى وسمعوا بكائه، ولكن أن تواجد الطفل معهم في الغرفة فأن الوالدان يكونان على تواصل معه دون الحاجة للبكاء، عندها يتعلم الطفل أنه لا داعي أن يكون في ازمة حتى يحصل على انتباه الناس وعلى احتياجاته، بالطبع تواجد الطفل في الليل في غرفة الوالدين قد يكون مزعجاً كما أنه يحرم الوالدين من الخصوصية المطلوبة في الحياة الزوجية، فكثير من الأزواج يشتكون من إصرار أولادهم على النوم معهم في نفس السرير وكثير من العلاقات الزوجية فسدت وانتهت بالطلاق نتيجة مثل هذه المشكلة على المدى الطويل، فقد يستخدم أحد الزوجين ذلك حجة لتجنب المعاشرة الزوجية أو للانتقام من الزوج أو الزوجة نتيجة غضب ما، فالطفل عنده احتياجات والزوجة والزوج عندهم احتياجات ولا بد من ترتيب الأمور بشكل يكفل إشباع احتياجات الجميع.
ومن الفروق الحضارية الطريقة التي يحمل فيها الطفل عندما يكون خارج المنزل، فمثلاً في الدول الغربية يوضع الطفل في عربة الأطفال وهو في نفس اتجاه من يدفع العربة أن كان الوالد أو الوالدة، بمعنى أن الطفل لا يرى من يدفعه أو يتحدث إليه كثيراً، ويكون الهدف هو أن يكون الطفل مربوطاً في كرسي العربة حتى لا يجري بعيداً ويعرض نفسه للخطر، وفيه راحة للوالدين وللطفل، ولكن هنا أيضاً مشكلة، الطفل قد يجلس في هذه العربة لساعات أحياناً وذلك مضراً بصحته ونموه حيث أنه يحتاج للعب والحركة والمشي حتى تنمو عظامه وعضلاته، وقد ينام في هذه الكرسي من الإحساس بالملل حيث لا أحد يكلمه أو يلعب معه أو يشرح له ما يحدث، بعض الأهالي يجعلون الطفل يمشي بجانبهم ويمسكون يده، وهذا يتطلب تفاهم بين الأهل والطفل على أن لا يترك يدهم ولا يجري بعيداً ويضيع أو يعرض نفسه للخطر، الأطفال يحبون المشي والإمساك "بأصبع" الأب أو الأم وهم يمشون، وعادة ما يشعرون بالسعادة في ذلك، ولكن هذه مسؤولية ولا بد للأهل أن يرتبوا أن يكون دائماً هناك شخص يراقب الطفل ويراعيه في كل لحظة حتى لا يضيع أو يعرض نفسه للخطر.
بعض الأهالي يربطون أطفالهم بحبال أو حزام طرفه في ايديهم، وهذا لا ينصح به لأنه فيه معاملة شبيهة بمعاملة بعض الحيوانات المنزلية.
وبعض الأهالي يضعون الطفل في كرسي أو قماش على هيئة كرسي محمول عل الظهر أو على صدر الأب أو الأم، وهذا يكون مع الأطفال الصغار جداً ومنتشر في أوروبا وأفريقيا أكثر من المناطق الأخرى .
وبعض الأهالي يتركون أولادهم مع المربيات وحتى أن خرجوا من المنزل تمشي الأم أو الأب بعيداً والطفل مع المربية، بالطبع الأم تحتاج إلى مساعدة في مسؤولية الأولاد ولكن من المهم أن يكون هناك علاقة بين الطفل والأم والأب تحتوي على لعب وتمشية معاً ومحادثة، من المشاكل التي يعاني منها بعض المجتمعات عدم احترام المرأة والجرائم ضد المرأة، واحد العوامل في ذلك هو أن الولد الصغير ينشأ على يد مربية "تخدمه" ويعلم أنها تفعل ذلك في أحيان كثيرة لاستلام المرتب أخر الشهر وأنها قد تهان وتطرد وتستبدل بغيرها، الطفل لو كانت الأم تقوم بتربيته لوجد أن لها سلطة عليه ولها احترامها في الدين والتقاليد ولعلم أنها تربيه حباً فيه وليس للمال، الولد لا بد أن ينشأ على احترام المرأة وتقديرها وهذا يحدث عندما يشعر بالاحترام للنساء في حياته منذ الصغر ولا يرى إهانة لهم أو اعتداء عليهم، ولكن تركه مع المربيات لا يولد لديه إلا مشاعر غير محمودة، هناك بالطبع مربيات يحبون الأطفال ويحسنون إليهم ولكن لا يقارن ذلك بما لو قامت الأم بهذا العمل بشكل أساسي وكانت المربية مساعدة في الموضوع، وكما ذكرنا في مقال آخر، فإن علاقة الأم بالأولاد والبنات تساعد على نقل تعاليم الدين والتقاليد إلى الأطفال ومن ثمة تجهيزهم للعيش في المجتمع، وهذا لا يحدث من خلال المربيات اللاتي يأتين من حضارات أخرى.
وهناك أهالي يستخدمون الضرب والشتم كأسلوب للتعامل مع الأولاد، وهناك أهالي يستخدمون الحوار والإقناع والتعليم، وهناك فروق حضارية في هذا الأمر، فمثلاً في أمريكا يميل الأمريكيون من أصل أفريقي إلى استخدام العنف مع أولادهم حتى في الأماكن العامة بينما يميل الأمريكيون من أصل أوربي إلى استخدام الحوار والإقناع، ويقول بعض الأمريكيين الأفريقيين أن ذلك هو أسلوب حضارتهم، ولكن كل الدلائل والدراسات تقول أن استخدام العنف مع الأولاد والبنات له أضرار كبيرة، هناك تغيرات تحدث في المخ نتيجة العنف المتكرر وينتج عن هذه التغيرات أعراض نفسية في المستقبل، وكل الأديان تدعو للرحمة والرأفة بالصغار.
◄ د. ماجد عبدالعزيز عشي.