
د. محمد علي المسعري
عدد المشاركات : ﴿33﴾
التسلسل الزمني : 1436/06/01 (06:01 صباحاً)
عدد القراءات : ﴿5156﴾
شيء من جور الزمن.
◄ ملتصق بالبسيطة، يمتطي الهشيم، الهتافات تعصف بكل شيء حتى ما يمتطيه، وهو ساكن لا حراك.
لا يدور في رأسه إلا عينان غائرتان محلقتان في أشلاء الماضي، بصيرته ترمي بسهامها إلى مهد الحاضر.
كان شاباً فتياً صحيح الجسم قوي البنية، مكتمل الرجولة، ذا رأي سديد، وعقل رشيد، رمقته بعينيها، وصوبت إليه سهاماً من كنانتها، فرنا إليها رنو الطفل الرضيع إلى أمه فخاللها وخادنته، وتعاهدا على إقامة الحدود.
كانت تمتلك الدنيا بأسرها، فوضعتها تحت طائل يده، وأصبح يرفل في الدمقس ويفترش الحرير، ولا حد لطلبه، فكل طلباته مجابة دون سؤال، أو تبرير.
رأى نفسه وتعالى، فأنفت، وأعرضت، وأصبحت الأَلِفة صَلِفَة، والتبسم تكشيراً، المخادنة مخاتلة فسحبت بسط الحرير من تحت قدمه، فسقط في غياهب يرى أولها، ولا يعرف آخرها، ولا يدرك كنهها.
التصق بالبسيطة كما تلتصق القبُّرة عندما يؤخذ بيضها، أو وليدها، والتحف النسيم بحره وقره، جواده الهشيم، وغذاؤه النسيم لا يملك من الحطام شيئاً، بل يسرق اللقمة من ثغر ذبابة.
تتلقفه الهتافات، وتعصف به الهنات، ولا يجد ما يمتطيه سوى ذكرى جميلة يعيش على أنقاضها "الله يسقي أيام زمان".
جواده الأمل، أمله ساكن، فسكن بسكونه دون حراك لا يلوي على ذرة طموح، سوى فكرة من خيال جموح.
تكهَّف وجهه، وغارت عيناه، وذبلت تفاحة خده، وضَمُزَ فكه حتى أصبح يقرض خده إن مضغ شيئاً من قوت.
حلقت عيناه الغائرتان في جبين الماضي، وحاكمته محاكمة القاضي، وحكمت عليه بالتغاضي، فالحاضر أفضل من الماضي.
فلم يرحم الماضي، بل مزق ذاكرته إرباً، ونفسه أشلاءً، ووزعت في دياجير الظلام، ومنع الكلام ولم يقبل السلام.
تبصر في الكون الفسيح نثر كنانته التي خبأها في كوة المستحيل، وجمع عيدانها فإذا الأرضة عاثت بها من طول الزمن إلا سهماً واحداً، تذوقه فإذا به مرارة شديدة، فصمم أن يرمي به الزمن الذي وأد شبابه في مهده، فكانت الرمية التي شكَّت حبة قلبه ونفذت إلى سويدائه، فخر صريعاً، وكانت نشوة النصر، التي جعلته يسير منتشياً الكل يحييه، ويخطب وده، بل يعطيه بنضرة إلى ميسرة حتى استطاع أن يعيد مجداً فيه قد رفل، ويسطع نجمه بعد أن أفل.
|| د. محمد علي المسعري : عضو منهل الثقافة التربوية.
◄ ملتصق بالبسيطة، يمتطي الهشيم، الهتافات تعصف بكل شيء حتى ما يمتطيه، وهو ساكن لا حراك.
لا يدور في رأسه إلا عينان غائرتان محلقتان في أشلاء الماضي، بصيرته ترمي بسهامها إلى مهد الحاضر.
كان شاباً فتياً صحيح الجسم قوي البنية، مكتمل الرجولة، ذا رأي سديد، وعقل رشيد، رمقته بعينيها، وصوبت إليه سهاماً من كنانتها، فرنا إليها رنو الطفل الرضيع إلى أمه فخاللها وخادنته، وتعاهدا على إقامة الحدود.
كانت تمتلك الدنيا بأسرها، فوضعتها تحت طائل يده، وأصبح يرفل في الدمقس ويفترش الحرير، ولا حد لطلبه، فكل طلباته مجابة دون سؤال، أو تبرير.
رأى نفسه وتعالى، فأنفت، وأعرضت، وأصبحت الأَلِفة صَلِفَة، والتبسم تكشيراً، المخادنة مخاتلة فسحبت بسط الحرير من تحت قدمه، فسقط في غياهب يرى أولها، ولا يعرف آخرها، ولا يدرك كنهها.
التصق بالبسيطة كما تلتصق القبُّرة عندما يؤخذ بيضها، أو وليدها، والتحف النسيم بحره وقره، جواده الهشيم، وغذاؤه النسيم لا يملك من الحطام شيئاً، بل يسرق اللقمة من ثغر ذبابة.
تتلقفه الهتافات، وتعصف به الهنات، ولا يجد ما يمتطيه سوى ذكرى جميلة يعيش على أنقاضها "الله يسقي أيام زمان".
جواده الأمل، أمله ساكن، فسكن بسكونه دون حراك لا يلوي على ذرة طموح، سوى فكرة من خيال جموح.
تكهَّف وجهه، وغارت عيناه، وذبلت تفاحة خده، وضَمُزَ فكه حتى أصبح يقرض خده إن مضغ شيئاً من قوت.
حلقت عيناه الغائرتان في جبين الماضي، وحاكمته محاكمة القاضي، وحكمت عليه بالتغاضي، فالحاضر أفضل من الماضي.
فلم يرحم الماضي، بل مزق ذاكرته إرباً، ونفسه أشلاءً، ووزعت في دياجير الظلام، ومنع الكلام ولم يقبل السلام.
تبصر في الكون الفسيح نثر كنانته التي خبأها في كوة المستحيل، وجمع عيدانها فإذا الأرضة عاثت بها من طول الزمن إلا سهماً واحداً، تذوقه فإذا به مرارة شديدة، فصمم أن يرمي به الزمن الذي وأد شبابه في مهده، فكانت الرمية التي شكَّت حبة قلبه ونفذت إلى سويدائه، فخر صريعاً، وكانت نشوة النصر، التي جعلته يسير منتشياً الكل يحييه، ويخطب وده، بل يعطيه بنضرة إلى ميسرة حتى استطاع أن يعيد مجداً فيه قد رفل، ويسطع نجمه بعد أن أفل.
|| د. محمد علي المسعري : عضو منهل الثقافة التربوية.