من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. حمدادو بن عمر.
إجمالي القراءات : ﴿14238﴾.
عدد المشــاركات : ﴿6﴾.

البشير محمودي بالغرب الجزائري : شيخ.
■ من أهم هذه الخزانات بالغرب الجزائري "خزانة البشير محمودي".
تعد خزانة الشيخ البشير محمودي واحدة من تلك الخزانات التي تحوي كماّ هائلا ومعتبرا من نفائس المخطوطات وذخائر الكتب الناّدرة، وقبل عرض فهرسة مخطوطات هذه الخزانة، تجدر بنا الإشارة إلى التعريف بصاحب الخزانة ودوره في المحافظة عليها.
فنقول هو الشيخ البشير محمودي بن الحاج قدور بن البشير بن قدور بن محمودي بن المكي بن البشير بن الجيلاني بن أحمد بن عمر بن دوبة رحم الله الجميع.
ولد بقرية عمراوة (1) بنواحي حبوشة بلدية المناور في 03- 06- 1906 فحفظ القرآن الكريم منذ صغره وعمره لا يتجاوز 16 سنة ليزاول دراسته بالكتاتيب ويتلقى مبادئه الأولى في علوم القرآن على يد العلامة الشيخ سيدي أحمد بن عامر البرجي (2) مدة 05 سنوات، لينتقل بعدها إلى قرية سجرارة (3) ويدرس العلم الشرعي على يد علمائها المخاليف فيدرس الأجرومية على يد الشيخ الهاشمي بن يعقوب، ليتجه بعدها إلى منطقة ندرومة بتلمسان وبالضبط بقرية ولهاصة، كما اتصل الشيخ بمجموعة من العلماء داخل منطقته (البرج) وخارجها.
وحين حلول موعد أداء الخدمة العسكرية يتخلى الشيخ البشير محمودي عن أداء واجبه ويتأخر عنه لمدة عامين، ويتحلى ذلك من خلال قوله : (المفروض أنني من القسم 26 وتأخرت عامين لألتحق بالعسكرية الفرنسية قسم 28).
كما كان الشيخ يتميز بحافظة قوية بدليل قول شيخه قدور بلعروسي : (تعالى اقرأ عندي سنة واحدة وأسرّحك (4)) أيّ قراءة القرآن الكريم مدة سنة واحدة عند شيخه ليمنحه بذلك إجازة يعتد بها في سائر الفنون، إلى جانب ذلك فقد كان الشيخ البشير محمودي يشغل مهنة التوثيق في النّهار ومهنة النسّخ في الليل.
وأثناء أتعس مراحل الهيمنة الاستعمارية بالجزائر عان الشيخ كثيراً، وقد انعكس ذلك سلباً على الشيخ فاتهم بتحريضه للجنود على قتل البهائم وقطع الأشجار ووصل به الأمر إلى تقديم شكاية ضده تضّم 17 رسالة إلى الكولونيل "ماسو" مما أدى بالسلطات الفرنسية إلى سجنه مدة 10 سنوات، 05 سنوات منها بمنطقة بوسكي بنواحي مستغانم و05 سنوات أخرى بخلوية بنواحي معسكر، وقبل إيداعه السجن بقي بالسجن الاحتياطي مدة شهرين.
ورغم كل هذه الأساليب الوحشية فإنه لم يكن كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، فقد كان يصلي في السجن رغم ضيق مساحته ويتلو القرآن الكريم، بدليل قوله : (بينما أنا في السجن بخلوية كررّت خمسة وخمسين سلكة (5) من القرآن على رجال غريس (6) في يوم واحد) لمكانتهم العلمية فقد كانت غريس أحوازها تعرف بالراشدية وكان العلماء يحجون إليها لطلب العلم وكانت الإجازة الممنوحة من العلماء الراشدية لها صدا واسع بين الشيوخ المشارقة والمغاربة فقد كانت الراشدية بحق كعبة العلماء.
وقد كانت خزانة جده عمر بن دوبة (7)، تحتوي على 400 أو 500 مخطوط نفيس لكنّها أحرقت في عهد الاستعمار الفرنسي، ولم يسلم منها سوى 06 أو 07 مخطوطات، وبما أنّ الشيخ كان كاتباً، وناسخاً (8)، وشاعراً، إلى جانب اطلاعه الواسع وحبه للعلم والمعرفة، فإنّ ذلك دفعه إلى بذل الجهود من مال وقيام برحلات وأسفار داخل الوطن وخارجه، مكنته من تنوع إنتاجه في مختلف الفنون والعلوم والتي بلغت 73 مخطوطا حيث لم يبق منها سوى 09 أو 10 مخطوطات.
وهناك نقطة جوهرية تتمثل في نوع الخط الذي اتبعه الشيخ البشير محمودي أثناء كتاباته، وتقنياته في استعمال الألوان المناسبة، وفي الأماكن المناسبة مثل اللون الأزرق والأخضر والأحمر والبنفسجي والأسود، وللشيخ البشير محمودي 03 أنواع من الخطوط تختلف عن بعضها البعض، ولكّن ترجع في أصلها إلى الخط المغربي، فهو يتفنن في الكتابة من مخطوط لآخر.
أما عن استعماله للألوان يقول الشيخ : (كل لون له دلالة خاصة به إمّا للتزويق وإمّا لإبراز إشارة مهمّة وإمّا للتسطير وإمّا للوقوف على مسألة ما) وفي هذا كلّه يعدّ الشيخ البشير محمودي من بين النسّاخ الجزائريين القلائل وآخرهم في بلادنا، والذين يندثرون رفقة مخطوطاتهم النادرة، والتي تعكس تراثنا العربي الإسلامي، وتحفز أبنائنا وأساتذتنا للمُضّي قدما نحو نشر العلم والمعرفة وعدم كتمانها عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار).
■ تعد مهنة النسخ التي اشتهر بها المغاربة على وجه الخصوص من أصعب المهن في تاريخ النسخ المغاربي، وأفيدها من جهة أخرى وذلك بتقييد ما بقي لنا مخطوطات أجدادنا بغية التعرف عليه ثم إنّ امتهان الشيخ البشير محمودي لحرفة النسخ وتعلقه بفن الخط منذ صغره، وتشبعه بالثقافة العربية الإسلامية، لحافز كبير ودليل واضح على أنّ بلادنا تزخر بكنوز معرفية وعلمية هائلة، حفظت لنا من الضياع بفضل هؤلاء النساخ ولا زال ناقوس الخطر يحذق بنا معشر الباحثين والمؤرخين إن لم نسرع قبل فوات الأوان، ونكون بذلك قد أغلقنا نافذة من نوافذ العلم وأهملنا ذاكرة الأمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
■ الهوامش :
1) عمراوة : قرية صغيرة بنواحي بلدية البرج، تبعد عن مقر ولاية معسكر بنحو 34 أو35 كلم، سميت بهذا الاسم نسبة إلى جدهم العالم الشهير الشيخ الحاج محمد بن يمينة العمراوي، الذي شهد مبايعة الأمير عبد القادر الثانية.
2) الشيخ أحمد بن عامر البرجي : عالم جليل وعابد زاهد تولى منصب القضاء والإفتاء بقرية البرج التي هي مسقط رأسه، وعليه سميت مقبرة القرية، من حفدته العالمان الكبيران الشيخ الحاج محي الدين الواجي، والشيخ المختار الواجي. من بين مخطوطاته كتاب في قصص الأنبياء، إلى جانب كتب في التفسير والحديث .. راجع : P.Raoul. Notice Historique sur El Bordj, Journal Asiatique, Paris. 1899
3) سجرارة : قرية صغيرة بنواحي المحمدية، تبعد عن ولاية معسكر بنحو 45 كلم تقريبا، تنسب إلى جدهم سيدي محمد الملقب احمادوش، منها العالم الكبير محمد ابن حمادوش السجراري صاحب كتاب النسّب.
4) أسرّحك : من سرّح يسرّح تسريحا يقال تسرح فلان من هذا المكان إذا ذهب وخرج، والتسريح إرسالك في حاجة سراحا، وسرحت فلانا إلى موضع كذا إذا أرسلته. راجع : ابن منظور الإفريقي المصري، لسان العرب، دار صادر بيروت، ط1، 1992، ج2، ص : 479.
5) السلكة : من السلك بمعنى الخيط الذي ينظم فيه الخرز ونحوه، أو الذي يخاط به، والسلكة بمعنى الخيط. وهذا اللفظ عند معلمي الكتاتيب بمعنى قراءة القرآن الكريم مرة واحدة، أو يعني تصحيح ألواح الطلبة الذين يحفظون كتاب الله. راجع : المعجم الوسيط، معجم اللغة العربية، مصر .. ط3،1982،ج1، ص: 462.
6) سميت بغريس نسبة إلى سهول الوطن الراشدي وسمي غريسا لأنه كان مغروسا بأنواع الشجر ذوات الأثمار وكان سكانه من بني زروال ومن ساكنهم من بني توجين ومغراوة قاطنين في قرى صغيرة تزيد على المائة، ولما كان الفتح الإسلامي، ودخل المسلمون إفريقيا عمدت الكاهنة إلى إحراق الأشجار وهدم الديار ليقف تيار العرب على التوغل في البلاد" راجع : ابن بكار الهاشمي، مجموع النسب والحسب والفضائل والتاريخ والأدب في أربعة كتب، مطبعة ابن خلدون، تلمسان .. ط1961، ص : 34.
7) الشيخ عمر بن دوبة هو جد الشيخ البشير محمودي من جهة أبيه، كان متضلعا في سائر الفنون، يقول عنه حفيده البشير محمودي : "لو كان جدي عمر بن دوبة حيا لأصبحت عالما مثله بلا منازع" وهذا دليل واضح على مدى غزارة علمه.
8 ) من بين الكتب التي نسخها الشيخ البشير محمودي : كتاب عجائب الأسفار ولطائف الأخبار، والخبر المعرب عن الأمر المغرب الحال بالأندلس وثغور المغرب، لأبي راس الناصر المعسكري، دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران لمحمد بن يوسف الزياني البرجي، وكتب أخرى في مختلف الفنون والعلوم.