من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : عواض مبارك الحارثي.
إجمالي القراءات : ﴿3943﴾.
عدد المشــاركات : ﴿35﴾.

ألهمتني خطبة الجمعة اليوم هذا العنوان : الأمم بين الابتلاء والاستدراج ..
فأقول : الحمد لله رب العالمين لعل الشغل الشاغل للعالم اليوم هو الأوبئة والكوارث فخطيب الجمعة يتحدث والصحف تتحدث وجميع وسائل الإعلام تتحدث شغلها اليوم إنفلونزا الخنازير وانظم معها عندنا حمى الضنك وقبلها إنفلونزا الطيور وحمى الوادي المتصدع وزلازل هنا وهناك حتى طالت مواقع لم تكن معهودة فيها بعضها بمقدمات وأخرى تأتي بغتة كما هو سونامي وحرائق الغابات وتسرب المفاعلات النووية والمواد الكيماوية السامة.
يقول الله جل في علاه في [سورة الأنبياء : 53] (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).
إن المتدبر لهذه الآية أول ما يقف على الحقيقة الصعبة الحتمية : (كل نفس ذائقة الموت). من أجل ذلك كان لا بد أن نتأمل جوهر حياتنا ماهو هذا الجوهر.
استمع أخا الإسلام إلى قول الإمام الحسن البصري : (يقول مع كل شروق للشمس ينادي هذا اليوم : يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني وتزود مني فإني إذا ذهبت لا أعود إلى يوم القيامة).
ويقول أيضا هذا التابعي الجليل : (يا ابن آدم إنما أنت أنفاس وأيام فإذا ذهب نفسك ويومك فقد ذهب بعضك ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل).
فالحقيقة أن حياة المرء أنفاس فعش ما كتب الله لك يا ابن آدم فإنك ميت واستعد لما بعد هذه الحياة.
أما الحقيقة الثانية اعمل يا ابن آدم ما شئت فإنك ملاقية ولن تجد غير ما قدمت يقول الله تعالى : [وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ (41) وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ (42)] (النجم).
إذا تقررت هاتان الحقيقتان وجب علينا أن نتأمل رحمة الله وحكمته أما رحمة الله بالبشر فنتأملها من خلال الأعداد الغفيرة من الأنبياء والرسل عليهم السلام من لدن آدم إلى خاتمهم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.
أرسل الله الرسل رحمة للعالمين وقد قال في نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (107 : الأنبياء).
فمن رحمته أن أرسل الرسل مبشرين ومنذرين أنزل الكتب تبين للبشر المنهج الحق استمع إلى المولى الرحيم بعباده يستنكر عليهم التكذيب مع أن الاستقامة فيها خير كثير (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف : 96).
وقبل الأخذ هناك مؤشرات كجرس إنذار إذا ما زاغوا عن الطريق القويم لعلهم يرجعون للحق فتارة بالشدة وربما تابوا ويكشف الله عنهم ويبدل حالهم للأحسن فإذا ما تمادوا في غيهم فالهلاك مصيرهم قال الله تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوا وَّقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)] (الأعراف).
ومن حكمته أن جعل الجنة والنار وجعل الدنيا دار ابتلاء واختبار فمن استقام نجا ومن نسي فليتحمل تبعة تناسيه وهناك في هذا المقام أمر مهم وخطير في حياة الأمم هل تريدون معرفته يا رعاكم الله ؟
تذكروا الحال التي كان عليها قارون حين خسف الله به وبماله الأرض كيف كان ؟ كان فرحا مختالا ولك أن تستعرض مهلك الطغاة لتجد المشهد ذاته قبل الهلاك.
هل عرفتم يا أفاضل ذلك الأمر إنه الاستدراج بعد التناسي وتبلغ الأمم قمته عندما يصدق عليها قول الله سبحانه وتعالى: [وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)] (الأنعام).
هل تأملت أيه النجيب كيف تتجلى رحمة أرحم الراحمين يرسل الرسل لمن خلق فيأتي الزيغ فتأتي المؤشرات ويزداد التمادي واتبعوا الشيطان وما زين والغفلة والتناسي عباد الله تأملوا معي عتا قوم نوح وأهلكهم الله بالطوفان وعتا النمرود فأهلكه الله ببعوضة وهدم عرش بلقيس بهدهد ودمر سد مأرب بفأر وأهلك أبرهة بحجارة من سجيل ترميها طير أبابيل وما لا يدركه عقل البشر كيف تحمل الطير الصغيرة حجارة من سجيل ولا تتأثر وتقع على البشر فيهلك ؟ إن الأمر بيد الله فهو صاحب سنن هذا الكون، واليوم تنتشر فيروسات لا ترى بالعين المجردة.
يا الله ما أحقر الظالم على الله حتى حين أخذه أنظر بم أخذه اللهم لا تجعلنا أهون خلقك عندك.
الله أكبر أين نحن اليوم أظن أن البشرية تقف على مفترق طرق ما بين أمم كافرة فرحة بما عندها وأمم تمادت في المعاصي إلا ما رحم ربي.
أين هذه الأمة من سلفها رحم الله سلف هذه الأمة استمعوا يا رعاكم الله إلى ابن سيرين فعن عبيد الله بن السري قال : قال ابن سيرين إني لأعرف الذنب الذي حمل به على الدين ما هو قلت لرجل منذ أربعين سنة يا مفلس فحدثت به أبا سليمان الداراني فقال: قلت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندرى من أين نؤتى.
ومن هنا نخلص إلى أننا اليوم وقبل غد وأنا وأنت ونحن قبل هو وهم بالتوبة والعودة إلى الله والاستقامة يقول تعالى: (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا) (الجن : 16).
والاستقامة أولا على التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ولذلك جاء بعد هذه بآية واحدة فقط قوله تعالى في [سورة الجن : 18]: (وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً).
ثم علينا بعمل الطاعات مرتبين أولوياتها الواجب ثم السنن والنوافل روى الإمام البخاري في الرقائق عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ).
فهيا عباد الله، هيا يا من تريد أن تكون لله وليا ألا يسرك هذا الجزء من الحديث (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ) نعم يسرني ويسرك ورب محمد إذاً فعلينا بما بعد هذا الجزء (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ .. الخ الحديث)، عندها ابشر بحصانة ومناعة ربانية. هذا ومعذرة على الإطالة.