◄ لماذا قال الله عز وجل عن سيدنا يوسف (هلك ولم يقل مات) في قوله تعالى: [وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ] (غافر: 34).

■ كلمة "هلك" مادة "هلك" (الهاء واللام والكاف) وردت في القرآن الكريم ثماني وستين مرة، وتستعمل على أربعة أوجه.
● الوجه الأول : هلك يعني: مات، في سورة النساء {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] (النساء: 176) يعني: مات. {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ۘ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ۚ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ] (القصص: 88) يعني: ميت، ولها نظائر كثيرة.
● الوجه الثاني : الهلاك يعني: العذاب {وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} (الكهف: 59) يعني: عذبناهم. {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} (القصص: 59) أي: معذبي أهلها.
● الوجه الثالث : هلك بمعنى ضل وضاع {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} (الحاقة: 29) يعني: ضاعت، وضلت عني حجتي.
● الوجه الرابع : الهلاك: الفساد، في البقرة {وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (البقرة: 205) يفسد الحرث والنسل. في سورة البلد {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا} (البلد: 6) يعني: أفسدت مالًا كثيرًا.

ولنختر الوجه الأول ونتأمله فكلمة هلك تأتي بمعنى الموت وتأتي أيضا بمعنى الموت المقرون بالإبادة والانتهاء، مثل ذكر الأقوام السابقة ممن اندثروا ولم نعلم شيئا من أخبارهم إلا ما ذكر في القران (بغض النظر عن كونهم مؤمنين أم كافرين).

■ بعد هذه المقدمة نقول : كان مؤمن آل فرعون يخاطب الفئة الكافرة التي لا تؤمن باليوم الآخر ولا بالرسالات ولا بالبعث.
وإن معنى هلك فيه إشارة خفيّة إلى الطمس والانتهاء وعدم الذكر وهذا ما يتمشى مع عقيدة الكافرين المخاطبين الذين لا يؤمنون بالبعث. وقد أشار القرآن إلى هذا المعنى بوضوح في قوله تعالى على لسان الكافرين: [وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ] (الجاثية: 24).
وبما أن الهلاك قد يشير إلى الإبادة وانتهاء الذكر واختفاء الأثر فإن ذلك يناسب قولهم [وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ] (غافر: 34) فتكون كلمة هلك أنسب من كلمة مات التي يمكن أن يأتي بعدها توريث نبوّة أو خلافة رسالة.
والى هذا المعنى أيضاً يشير القرآن الكريم في آية توريث الكلالة. والكلالة هو الذي ليس له ولد ولا والد أي ليس له عقب ولا وريث من عصبته.وهو في قوله تعالى: [يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] (النساء: 176).
|| عبدالله يوسف النافع : عضو منهل الثقافة التربوية.

قسم : الثقافة التطبيقية.
الثقافة التطبيقية : العلوم الشرعية.