
اسمُ الكاتب : د. عبدالخالق سيد أحمد أبو الخير.
عدد المشاهدات : ﴿2560﴾.
عدد المشـاركات : ﴿27﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم
◄ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد ...
فمسميات يوم عرفة ويوم التمام ويوم الحج الأكبر واليوم المشهود ويوم الوتر ويوم العتق من النار وهو اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم عليه السلام ، أجمع الفقهاء على أنه إذا تعددت أسماء الشيء فإنما يدل على عظمته وشرفه ومكانته عند الله عز وجل .
وإذا ذكر عرفة سحت العيون بالدمع على مشهد الحجيج، وهم في عرفة يجأرون لله تعالى بصالح الدعوات؛ فرحا بهم، وغبطة لهم، وشوقا إلى المشاعر المقدسة، إن يوم عرفة هو يوم من أيام الأشهر المحرمة، وهو من أيام العشر المفضلة، وهو من الأيام المعلومات المذكورة في قوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) وقد أقسم الله تعالى به في كتابه الكريم مما يدل على فضله وعظمته، (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ). قال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْآيَةِ: "الشَّاهِدُ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالْمَوْعُودُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وهو يوم كمال الدين، وتمام النعمة؛ كما في حديث عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) قَالَ عُمَرُ: «قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ» رواه الشيخان، وهو كذلك يوم عيد للمسلمين؛ كما في حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وهو ركن الحج الأعظم، فمن فاته الوقوف بعرفة فاته الحج معذورا كان أم غير معذور؛ لحديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيَّ قال: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، وَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ الْحَجُّ؟ فَقَالَ: "الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ ..." رواه أحمد، وهو يوم المباهاة بأهل الموقف كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: «انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا» صححه ابن خزيمة وابن حبان.
وهو يوم العتق من النار؛ لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟"رواه مسلم، فظاهر الحديث أنه أكثر يوم في العام يعتق الله تعالى فيه خلقا من النار. والظاهر أن العتق من النار ليس خاصا بأهل عرفة، وإنما هو عام لهم ولغيرهم، وإن كان يرجى لأهل عرفة أكثر من غيرهم.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: ويوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيعتق الله تعالى من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين؛ فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم، من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده، لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة، وهو يوم الدعاء، ويوم ترطيب الألسن والقلوب بكلمة التوحيد؛ لحديث طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ بْنِ كَرِيزٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ» رواه مالك مرسلا، والظاهر أن فضل الدعاء ليس خاصا بالواقفين بعرفة فقط، وإن كان القبول منهم أرجى من غيرهم؛ لتلبسهم بالإحرام، ووجودهم في أطهر البقاع، وكذلك الدعاء بكلمة التوحيد الواردة في الحديث ليست خاصة بأهل عرفة، بل ينبغي أن يكثر من قولها أهل الأمصار في ذلك اليوم العظيم.
وكأن الإكثار من الدعاء بكلمة التوحيد في يوم عرفة هو لتأكيد الوفاء بالميثاق الذي أخذه الله تعالى على البشر قبل وجودهم على الأرض، وهو الوارد في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ – يَعْنِي: عَرَفَةَ - فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا" قَالَ: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) رواه أحمد. فناسب أن تلهج ألسنة المؤمنين بكلمة التوحيد في ذلكم اليوم العظيم، وعليه فإنه ينبغي أن يكثر المسلمون من الذكر والدعاء في يوم عرفة أينما كانوا، فجدوا -عباد الله- في الذكر والدعاء وألحوا؛ فلعل نفحات الله تعالى تصيبكم في يوم عرفة ولو لم تقفوا بها، وفضل الله تعالى يسع أهل الموسم وغيرهم، فلا يحرمن عبد نفسه خير الله تعالى وفضله في ذلكم اليوم العظيم ، وهو يوم إصغار الشيطان ودحره؛ لما يرى من تنزل رحمات الله تعالى على عباده؛ كما في حديث طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا، هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ. وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ»....رواه مالك مرسلا ، وإذا كان أهل الموسم قد ظفروا بالوقوف في عرفة ركن الحج الأعظم، فإن لأهل الأمصار صوم ذلك اليوم العظيم، وصومه يكفر سنتين كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» رواه مسلم.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومن المسلمين، وأن يكتب لنا جميعا الرحمة والمغفرة والعتق من النار، إنه سميع مجيب.
|| د. عبدالخالق سيد أحمد أبو الخير : عضو منهل الثقافة التربوية.
فمسميات يوم عرفة ويوم التمام ويوم الحج الأكبر واليوم المشهود ويوم الوتر ويوم العتق من النار وهو اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم عليه السلام ، أجمع الفقهاء على أنه إذا تعددت أسماء الشيء فإنما يدل على عظمته وشرفه ومكانته عند الله عز وجل .
إلى عرفات سنمضي غدا = وشوق بقلب المحب بدا
فهذا مقام الدعاء الذي = يُجاب فمدوا لربي اليدا
يباهي بكم ربكم فاسعدوا = وينزل يسمع كل الندا
فمنوا دموع الأسى توبة = وقولوا أتيناك يا ذا العلا
فهذا مقام الدعاء الذي = يُجاب فمدوا لربي اليدا
يباهي بكم ربكم فاسعدوا = وينزل يسمع كل الندا
فمنوا دموع الأسى توبة = وقولوا أتيناك يا ذا العلا
وإذا ذكر عرفة سحت العيون بالدمع على مشهد الحجيج، وهم في عرفة يجأرون لله تعالى بصالح الدعوات؛ فرحا بهم، وغبطة لهم، وشوقا إلى المشاعر المقدسة، إن يوم عرفة هو يوم من أيام الأشهر المحرمة، وهو من أيام العشر المفضلة، وهو من الأيام المعلومات المذكورة في قوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) وقد أقسم الله تعالى به في كتابه الكريم مما يدل على فضله وعظمته، (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ). قال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْآيَةِ: "الشَّاهِدُ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالْمَوْعُودُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وهو يوم كمال الدين، وتمام النعمة؛ كما في حديث عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: (اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) قَالَ عُمَرُ: «قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ» رواه الشيخان، وهو كذلك يوم عيد للمسلمين؛ كما في حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وهو ركن الحج الأعظم، فمن فاته الوقوف بعرفة فاته الحج معذورا كان أم غير معذور؛ لحديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيَّ قال: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، وَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ الْحَجُّ؟ فَقَالَ: "الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ ..." رواه أحمد، وهو يوم المباهاة بأهل الموقف كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: «انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا» صححه ابن خزيمة وابن حبان.
وهو يوم العتق من النار؛ لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟"رواه مسلم، فظاهر الحديث أنه أكثر يوم في العام يعتق الله تعالى فيه خلقا من النار. والظاهر أن العتق من النار ليس خاصا بأهل عرفة، وإنما هو عام لهم ولغيرهم، وإن كان يرجى لأهل عرفة أكثر من غيرهم.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: ويوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيعتق الله تعالى من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين؛ فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم، من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده، لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة، وهو يوم الدعاء، ويوم ترطيب الألسن والقلوب بكلمة التوحيد؛ لحديث طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ بْنِ كَرِيزٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ» رواه مالك مرسلا، والظاهر أن فضل الدعاء ليس خاصا بالواقفين بعرفة فقط، وإن كان القبول منهم أرجى من غيرهم؛ لتلبسهم بالإحرام، ووجودهم في أطهر البقاع، وكذلك الدعاء بكلمة التوحيد الواردة في الحديث ليست خاصة بأهل عرفة، بل ينبغي أن يكثر من قولها أهل الأمصار في ذلك اليوم العظيم.
وكأن الإكثار من الدعاء بكلمة التوحيد في يوم عرفة هو لتأكيد الوفاء بالميثاق الذي أخذه الله تعالى على البشر قبل وجودهم على الأرض، وهو الوارد في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ – يَعْنِي: عَرَفَةَ - فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا" قَالَ: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) رواه أحمد. فناسب أن تلهج ألسنة المؤمنين بكلمة التوحيد في ذلكم اليوم العظيم، وعليه فإنه ينبغي أن يكثر المسلمون من الذكر والدعاء في يوم عرفة أينما كانوا، فجدوا -عباد الله- في الذكر والدعاء وألحوا؛ فلعل نفحات الله تعالى تصيبكم في يوم عرفة ولو لم تقفوا بها، وفضل الله تعالى يسع أهل الموسم وغيرهم، فلا يحرمن عبد نفسه خير الله تعالى وفضله في ذلكم اليوم العظيم ، وهو يوم إصغار الشيطان ودحره؛ لما يرى من تنزل رحمات الله تعالى على عباده؛ كما في حديث طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا، هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ. وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ»....رواه مالك مرسلا ، وإذا كان أهل الموسم قد ظفروا بالوقوف في عرفة ركن الحج الأعظم، فإن لأهل الأمصار صوم ذلك اليوم العظيم، وصومه يكفر سنتين كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» رواه مسلم.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومن المسلمين، وأن يكتب لنا جميعا الرحمة والمغفرة والعتق من النار، إنه سميع مجيب.
|| د. عبدالخالق سيد أحمد أبو الخير : عضو منهل الثقافة التربوية.