من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عبدالرحمن قاسم المهدلي.
إجمالي القراءات : ﴿2425﴾.
عدد المشــاركات : ﴿53﴾.

الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم : ما هو اللمم ؟
■ روي عن جماعة من السلف : أنه الإلمام بالذنب مرة، ثم لا يعود إليه، وإن كان كبيرا، قال البغوي : هذا قول أبي هريرة رضي الله عنه ومجاهد والحسن ورواية عطاء عن ابن عباس.
وقال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه : اللمم ما دون الشرك.
قال السدي : قال أبو صالح : سئلت عن قول الله عز وجل : فقلت : هو الرجل يلم بالذنب ثم لا يعاوده، فذكرت ذلك لابن عباس رضي الله عنه، فقال : لقد أعانك عليها ملك كريم.
والجمهور : على أن اللمم ما دون الكبائر، وهو أصح الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنه، كما في صحيح البخاري (6343) من حديث طاووس عنه رضي الله عنه قال : ما رأيت أشبه باللمم مما قال أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة : فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تَمَنَّى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) ورواه مسلم (2657) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه : (والعينان زناهما : النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش والرجل زناها الخُطَى) (م (2657)).
وقال الكلبي : اللمم على وجهين : كل ذنب لم يذكر الله عليه حدا في الدنيا، ولا عذابا في الآخرة، فذلك الذي تكفره الصلوات الخمس، ما لم يبلغ الكبائر، والفواحش.
والوجه الآخر : هو الذنب العظيم يلم به المسلم المرة بعد المرة، فيتوب منه.
وقال سعيد بن المسيب : هو ما ألم بالقلب، أي : ما خطر عليه.
قال الحسين بن الفضل : اللمم النظر من غير تعمد، فهو مغفور.
فإن أعاد النظر فليس بلمم، وهو ذنب.وقد روى عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما) (●).
وذهبت طائفة ثالثة إلى أن اللمم : ما فعلوه في الجاهلية قبل إسلامهم، فالله لا يؤاخذهم به.
وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين : أنتم بالأمس كنتم تعملون معنا ! فأنزل الله هذه الآية، وهذا قول زيد بن ثابت وزيد بن أسلم.

والصحيح : قول الجمهور : أن اللمم صغائر الذنوب، كالنظرة، والغمزة، ونحو ذلك، هذا قول جمهور الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم، وهو قول أبي هريرة و عبد الله بن مسعود، وابن عباس رضي الله عنهم، ومسروق، والشعبي.
ولا ينافى هذا قول أبي هريرة، وابن عباس في الرواية الأخرى : إنه يلم بالكبيرة ثم لا يعود إليها، فإن اللمم إما أنه يتناول هذا وهذا ويكون على وجهين، كما قال الكلبي، أو أن أبا هريرة، وابن عباس ألحقا من ارتكب الكبيرة مرة واحدة ولم يصر عليها، بل حصلت منه فلتة في عمره باللمم، ورأيا أنها إنما تتغلظ وتكبر وتعظم في حق من تكررت منه مرارا عديدة. وهذا من فقه الصحابة رضي الله عنهم وغور علومهم.
ولا ريب أن الله يسامح عبده المرة والمرتين والثلاث، وإنما يخاف العنت على من اتخذ الذنب عادته وتكرر منه مرارا كثيرة، وفي ذلك آثار سلفية، والاعتبار بالواقع يدل على هذا، ويذكر عن علي رضي الله عنه : أنه دفع إليه سارق فأمر بقطع يده فقال : يا أمير المؤمنين ! والله، ما سرقت غير هذه المرة، فقال : كذبت، فلما قطعت يده، قال : أصدقني كم لك بهذه مرة ؟ فقال : كذا وكذا مرة، فقال : صدقت، إن الله لا يؤاخذ بأول ذنب.
أو كما قال فأول ذنب إن لم يكن هو اللمم، فهو من جنسه، ونظيره فالقولان عن أبي هريرة وابن عباس متفقان غير مختلفين، والله أعلم.
(●) : رواه الترمذي (5/ 396) وقال : حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث زكريا بن إسحاق، ورواه غيره وقال الألباني في المشكاة (ح 2349) : صحيح.