
اسمُ الكاتب : د. عمر حسين الجفري.
عدد المشاهدات : ﴿5362﴾.
عدد المشـاركات : ﴿24﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم
أحوالنا في رمضان : (تساؤلات ــ نصائح).
◄ ما إن يهلّ علينا شهر رمضان الفضيل إلا ويستقبله المسلمون بالتهاني والتبريكات فرحة بطلّته السعيدة وأيامه المشرقة ولياليه ولحظاته المباركة، فالكل يسارع في الاستعداد له بتهيئة المساجد والمصلّيات وتوفير المواد الغذائيّة الرمضانيّة أو التجهيز للأثاث المنزلي وإحضار لوازم العيد، ولكنّنا نتساءل حيال ذلك : ما هي العادات والممارسات الخاطئة والمشاهدة في هذا الشهر المبارك ؟ وكيف تكون أحوال الناس ومعاملاتهم فيه ؟ وما أثر الصيام على سلوكهم ؟ ولعلّنا نقف على حدود هذه التساؤلات ومحاولة مناقشتها من واقع حياتنا اليوميّة في أيام شهر الخير والرحمة.
نرى هناك العديد من العادات الحسنة المرتبطة بشهر رمضان، كصلة الأرحام والتواصل وتبادل الزيارات والهمّة العالية في العبادة من صلوات وتلاوة القرآن واعتكاف وصدقات وأعمال خير وبرّ وغير ذلك ممّا اعتاده الناس في رمضان إلا أنّه من المؤسف عدم الاستمرار على هذا الخير والعمل الطيّب، فسرعان ما يتخلّى الكثير منهم عن تلك الأعمال بعد رمضان.
وقد أصبح بعض الناس ينظرون إلى شهر الصيام كأحد العادات الاجتماعيّة التي تعوّدوا استقباله وإحياءه كل سنة، دون أن يتأمّلوا في مقاصده وأبعاده، ولم يتفكّروا في أسراره وإدراك معناه ومفهومه الحقيقي حتى غاب تأثيره في حياتهم وواقعهم وفي حالهم مع ربهم عزّ وجلّ، فهناك أناس يستاؤون ويتبرّمون إذا دخل عليهم رمضان ويعتبرونه ضيفاً ثقيلاً ويتمنّون مروره ورحيله سريعاً؛ لأنّهم يرون أنّه حرمهم من شهواتهم وملذّاتهم وأنّ الصيام يسبِّب لهم التعب والعطش والجوع، ويقلِّل من جهدهم وعطائهم في أعمالهم فتراهم في قلقٍ واضطرابٍ، وصدورهم حرجة ضيّقة، ووجوههم عابسة مكفهرّة وقد لا يصومونه إلا مجاراة للناس، وخشية الفضيحة والعار، بينما كثير من الناس يعدّون رمضان للأكل والشرب فتراهم يتسابقون في الأسواق والمتاجر ويتزاحمون على شراء السلع والمشتريات والمأكولات، فغدت بيوتنا في حالة استنفار وطوارئ لإعداد أنواع الحلويات المختلفة والأطعمة المتعدِّدة والأطباق الشهيّة، والانشغال بإقامة الموائد بمختلف أشكالها وأنواعها وأصنافها ممّا لذّ وطاب، والتهافت على الأكل والشرب بشراهة مفرطة غير آبهين بالعادات الصحيّة السليمة فتتراكم الدهون وتزداد الأوزان وتنتشر الإصابة بالأمراض الخطرة في هذا الشهر دون سواه، وكأنّه قد حلّ موسم الجوع والقحط فيجعلون ليالي رمضان للمزيد من الاستهلاك والإسراف والتبذير، وهذا ممّا دفع كثير من التجّار إلى رفع الأسعار واستغلال حاجة المستهلكين الأمر الذي يكلِّف الناس مضاعفة ميزانيّة إنفاقهم في هذا الشهر حيث لا يكفيهم مرتّبهم الشهري فيلجئون إلى الاقتراض من البنوك أو البحث عن طلب سلفة من أحد معارفهم لسد عوزهم فضلاً عن مستلزمات العيد، وكأنّ رمضان شهر الإسراف وكثرة الإنفاق والاستهلاك وليس شهر الرخاء والزهد والتقشُّف وترشيد النفقات والاكتفاء بالضروريّات دون الكماليّات حتى أضحى شهر غذاء الأبدان والأجساد لا الأرواح والقلوب والنفوس.
في حين نشاهد بعض الصائمين في شوارعنا وطرقاتنا ومياديننا يغضبون لأتفه الأسباب، فيسبّون ويشتمون بأقبح الكلام فحشاً ومنكراً، ويتراشقون بالبذيء من القول الساقط، ويتشاجرون ويتخاصمون، وقد يصل الحال بينهم إلى العراك والضرب حتى تسيل الدماء وقد تُزْهَق أرواح وتصل الأمور إلى ما لا يحمد عقباه؛ فيكون حظّهم من الصيام الجوع والعطش، ويلاحظ ذلك بكثرة في الأسواق والمراكز التجاريّة وعند المطاعم في أوقات النهار قبيل المغرب، هذا من جهة ومن جهة أخرى ترتفع معدّلات حوادث السيارات بشكلٍ مفجعٍ بسبب السرعات الزائدة وقطع الإشارات الضوئيّة وبالأخص قبيل المغرب والفجر.
ومن المشهور في رمضان السهر والسمر إلى ساعات متأخِّرة من الليل بل إلى الفجر، وكثير من الناس لا ينامون إلا بعد صلاة الصبح حيث يقضون لياليهم في الأسواق التجاريّة أو المقاهي وأماكن التجمّعات ويكثر بينهم القيل والقال والغيبة والنميمة والخوض في الباطل ولعب الورق، والجلوس لساعاتٍ طويلة أمام شاشات التلفاز لمشاهدة القنوات الفضائيّة والتنقُّل بينها بحثاً عن الأفلام والتماثيل والمسلسلات أو قضاء الوقت عبر الأجهزة الإلكترونيّة (جوّالات - أيباد - آي بود - لاب توب) وقنوات التواصل الاجتماعي (وأتساب - تويتر - فيس بوك - الانستقرام - سنابشات) من خلال شبكات الإنترنت والاطلاع على المقاطع والمواقع المختلفة وليتهم يقضونها في متابعة البرامج الدينيّة في تلك القنوات والاستماع إلى دروس الوعظ والعلم وقراءة القرآن الكريم والكتب النافعة المفيدة؛ فيترتّب على ذلك النوم في النهار لساعاتٍ طويلة إلى بعد العصر وقد يمتدّ إلى قبيل المغرب ليعوّضهم سهر الليل، وذلك على حساب التفريط في ضياع صلاتي الظهر والعصر فيؤخِّرونهما عن وقتهما وقد يجمعون بينهما، والبعض الآخر لا يعرفون الصلاة إلا في رمضان، ومنهم يصلّون بعضاً من الفروض المكتوبة ويهملون الباقية وخصوصاً صلاتي الظهر والعصر، والغريب أن نشاهد امتلاء المساجد والجوامع بالمصلِّين وانكبابهم عليها في صلوات المغرب والعشاء والفجر دون الظهر والعصر؛ بل إنّهم يحرصون على أداء صلاة التراويح والوتر وهي سنّة مستحبّة ويتقاعسون عن بعض الصلوات المفروضة التي لا يقوم الدين إلا بها؛ فعجباً أمرهم ـ هداهم الله ـ وأصلح حالهم.
وممّا يؤسف أنْ نجد الكثير من الموظّفين يتأخّرون عن دوام عملهم، فتراهم في مكاتبهم متكاسلين، تظهر عليهم أمارات الخمول والإرهاق والكسل فيقلّ عطائهم وإخلاصهم في عملهم فيخلّون به ويعطّلون مصالح الناس، وقد يغلقون أبواب مكاتبهم في وجوههم ويصدّونهم بسوء تعاملهم.
ولا نريد الخوض في أولئك الذين يمارسون المحرّمات والكبائر ولا يتورَّعون في رمضان ولا يكترثون بفضل هذا الشهر وحرمته ومكانته على سائر الشهور، وقد أُنْزِل فيه القرآن، ويتجلّى الله تعالى بالغفران لعباده والعتق من النيران في كل ليلة وتفتح فيه أبواب الجنّة وتغلق أبواب النّار وتصفّد الشياطين، وفيه ليلة عظيمة هي ليلة القدر وهي تعدل ألف شهر فيما سواها، والحسنات في هذا الشهر العظيم تتضاعف، وتُمْحَى فيه السيّئات، وترتفع الدرجات، وتُفْتح أبواب السماء للتائبين والركّع السجود، وغيرها من الفضائل والنفحات التي يمتنُّ الله عزّ وجلّ بها لعباده المتّقين؛ فلماذا هذا الحرمان من كرم الله وفضله علينا؛ فإنْ لم يُغْفر للعبد في شهر الغفران والرحمات فمتى إذن؛ فهذا لعمري هو الخسران المبين والله المستعان، ولعلّنا نكتفي بما ذكرناه من مشاهد معتادة تتكرَّر في كل عام في شهر الصوم، ولا يسعنا إلا أن نقدِّم بعضاً من النصائح والتوجيهات التي نرجو أن تكون عوناً لنا ـ بمشيئة الله ـ في اغتنام أيّامه ولياليه بالعبادات والطاعات إيماناً واحتساباً، كما يلي :
1ـ طلب العون من الله عزّ وجلّ وإخلاص النيّة له تعالى والعزيمة الصادقة في البُعْد عن المعاصي واقتراف الذنوب والصبر على صيامه وقيامه رغبة في الأجر والثواب وأملاً فيما عند الله من خيرٍ عميم وفضلٍ جزيل.
2ـ كبح جماح النفس وضبطها على تحمُّل أخطاء الآخرين وعدم التعدّي والإساءة للمسلمين ومجاهدتها بالبعد عن المعاصي من غيبة ونميمة وكل قولٍ أو عملٍ يغضب الرحمن.
3ـ تعهُّد قراءة القرآن الكريم تلاوةً وتدبُّراً في كل يوم، وتختيمه كاملاً ولو مرّة واحدة على الأقل في شهر رمضان.
4ـ الإكثار من الصدقات والطاعات وأعمال الخير، وبالأخص برّ الوالدين والدعاء لهما.
5ـ المحافظة على الصلوات المفروضة في أوقاتها في المساجد وأداء صلاة التراويح والقيام والوتر وصلاة الضحى.
6ـ الحدّ من السهر ليلاً، والتزام مواعيد العمل حضوراً وانصرافاً، والقيام بالواجبات والمهام الوظيفيّة المقرّرة، وحسن التعامل مع المراجعين والصبر والحلم على أذاهم وأخطائهم وانفعالاتهم واحتساب الأجر بنيّة العبادة لله تعالى.
7ـ تقنين المصروفات الماليّة في حدود الميزانيّة المتاحة، والاتزان في شراء المواد الاستهلاكيّة الرمضانيّة وفق الحاجة بعيداً عن الإسراف، وتأمين لوازم العيد دون مبالغة أو مفاخرة.
وأوجِّه كلمة أخيرة لكل مسلمٍ أن يتّق الله تعالى في شهره المبارك، ويعدّ نفسه للقيام برحلة مجّانيّة في دورة إيمانيّة مع الله عزّ وجلّ؛ بلا قيدٍ أو شرطٍ لكل عبدٍ مسلمٍ مهما كانت ذنوبه ومعاصيه، ومدّتها شهر، ولا تتكرّر إلا مرّة واحدة في كل عام، وأجرها جنّة عرضها السماوات والأرض، ومن فاتته فقد حُرم وخَسر الخير كلّه ورغم أنفه، وقد لا يدرك الرحلة في السنة القادمة إنْ وافته المنيّة وكُتب أجله في علِّيين؛ فكم من عاصٍ مذنبٍ أدرك هذه الدورة الروحانيّة؛ فرضي الله عنه وغفر له وأعتق رقبته من أغلال الجحيم وأبدله في نهاية الدورة شهادة الاجتياز ووثيقة الفوز ومكافأة الطاعات والعبادات بالقبول وحسن الجزاء؛ فطوبى لمن وُفِّق فيها وعَرَفَ مراد ربِّه وحظي برضا خالقه ومولاه، وندعو الله تعالى أن يتقبّل منّا ومنكم صالح الأعمال في هذا الشهر المبارك، ويبلِّغنا إتمامه بالقبول، ويختم لنا ولكم ولجميع المسلمين بالخيرات، ويعيده على الأمّة الإسلاميّة وهي ترفل بثوب العزّة والكرامة والتمكين إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.
|| د. عمر حسين الجفري : عضو منهل الثقافة التربوية.
◄ ما إن يهلّ علينا شهر رمضان الفضيل إلا ويستقبله المسلمون بالتهاني والتبريكات فرحة بطلّته السعيدة وأيامه المشرقة ولياليه ولحظاته المباركة، فالكل يسارع في الاستعداد له بتهيئة المساجد والمصلّيات وتوفير المواد الغذائيّة الرمضانيّة أو التجهيز للأثاث المنزلي وإحضار لوازم العيد، ولكنّنا نتساءل حيال ذلك : ما هي العادات والممارسات الخاطئة والمشاهدة في هذا الشهر المبارك ؟ وكيف تكون أحوال الناس ومعاملاتهم فيه ؟ وما أثر الصيام على سلوكهم ؟ ولعلّنا نقف على حدود هذه التساؤلات ومحاولة مناقشتها من واقع حياتنا اليوميّة في أيام شهر الخير والرحمة.
نرى هناك العديد من العادات الحسنة المرتبطة بشهر رمضان، كصلة الأرحام والتواصل وتبادل الزيارات والهمّة العالية في العبادة من صلوات وتلاوة القرآن واعتكاف وصدقات وأعمال خير وبرّ وغير ذلك ممّا اعتاده الناس في رمضان إلا أنّه من المؤسف عدم الاستمرار على هذا الخير والعمل الطيّب، فسرعان ما يتخلّى الكثير منهم عن تلك الأعمال بعد رمضان.
وقد أصبح بعض الناس ينظرون إلى شهر الصيام كأحد العادات الاجتماعيّة التي تعوّدوا استقباله وإحياءه كل سنة، دون أن يتأمّلوا في مقاصده وأبعاده، ولم يتفكّروا في أسراره وإدراك معناه ومفهومه الحقيقي حتى غاب تأثيره في حياتهم وواقعهم وفي حالهم مع ربهم عزّ وجلّ، فهناك أناس يستاؤون ويتبرّمون إذا دخل عليهم رمضان ويعتبرونه ضيفاً ثقيلاً ويتمنّون مروره ورحيله سريعاً؛ لأنّهم يرون أنّه حرمهم من شهواتهم وملذّاتهم وأنّ الصيام يسبِّب لهم التعب والعطش والجوع، ويقلِّل من جهدهم وعطائهم في أعمالهم فتراهم في قلقٍ واضطرابٍ، وصدورهم حرجة ضيّقة، ووجوههم عابسة مكفهرّة وقد لا يصومونه إلا مجاراة للناس، وخشية الفضيحة والعار، بينما كثير من الناس يعدّون رمضان للأكل والشرب فتراهم يتسابقون في الأسواق والمتاجر ويتزاحمون على شراء السلع والمشتريات والمأكولات، فغدت بيوتنا في حالة استنفار وطوارئ لإعداد أنواع الحلويات المختلفة والأطعمة المتعدِّدة والأطباق الشهيّة، والانشغال بإقامة الموائد بمختلف أشكالها وأنواعها وأصنافها ممّا لذّ وطاب، والتهافت على الأكل والشرب بشراهة مفرطة غير آبهين بالعادات الصحيّة السليمة فتتراكم الدهون وتزداد الأوزان وتنتشر الإصابة بالأمراض الخطرة في هذا الشهر دون سواه، وكأنّه قد حلّ موسم الجوع والقحط فيجعلون ليالي رمضان للمزيد من الاستهلاك والإسراف والتبذير، وهذا ممّا دفع كثير من التجّار إلى رفع الأسعار واستغلال حاجة المستهلكين الأمر الذي يكلِّف الناس مضاعفة ميزانيّة إنفاقهم في هذا الشهر حيث لا يكفيهم مرتّبهم الشهري فيلجئون إلى الاقتراض من البنوك أو البحث عن طلب سلفة من أحد معارفهم لسد عوزهم فضلاً عن مستلزمات العيد، وكأنّ رمضان شهر الإسراف وكثرة الإنفاق والاستهلاك وليس شهر الرخاء والزهد والتقشُّف وترشيد النفقات والاكتفاء بالضروريّات دون الكماليّات حتى أضحى شهر غذاء الأبدان والأجساد لا الأرواح والقلوب والنفوس.
في حين نشاهد بعض الصائمين في شوارعنا وطرقاتنا ومياديننا يغضبون لأتفه الأسباب، فيسبّون ويشتمون بأقبح الكلام فحشاً ومنكراً، ويتراشقون بالبذيء من القول الساقط، ويتشاجرون ويتخاصمون، وقد يصل الحال بينهم إلى العراك والضرب حتى تسيل الدماء وقد تُزْهَق أرواح وتصل الأمور إلى ما لا يحمد عقباه؛ فيكون حظّهم من الصيام الجوع والعطش، ويلاحظ ذلك بكثرة في الأسواق والمراكز التجاريّة وعند المطاعم في أوقات النهار قبيل المغرب، هذا من جهة ومن جهة أخرى ترتفع معدّلات حوادث السيارات بشكلٍ مفجعٍ بسبب السرعات الزائدة وقطع الإشارات الضوئيّة وبالأخص قبيل المغرب والفجر.
ومن المشهور في رمضان السهر والسمر إلى ساعات متأخِّرة من الليل بل إلى الفجر، وكثير من الناس لا ينامون إلا بعد صلاة الصبح حيث يقضون لياليهم في الأسواق التجاريّة أو المقاهي وأماكن التجمّعات ويكثر بينهم القيل والقال والغيبة والنميمة والخوض في الباطل ولعب الورق، والجلوس لساعاتٍ طويلة أمام شاشات التلفاز لمشاهدة القنوات الفضائيّة والتنقُّل بينها بحثاً عن الأفلام والتماثيل والمسلسلات أو قضاء الوقت عبر الأجهزة الإلكترونيّة (جوّالات - أيباد - آي بود - لاب توب) وقنوات التواصل الاجتماعي (وأتساب - تويتر - فيس بوك - الانستقرام - سنابشات) من خلال شبكات الإنترنت والاطلاع على المقاطع والمواقع المختلفة وليتهم يقضونها في متابعة البرامج الدينيّة في تلك القنوات والاستماع إلى دروس الوعظ والعلم وقراءة القرآن الكريم والكتب النافعة المفيدة؛ فيترتّب على ذلك النوم في النهار لساعاتٍ طويلة إلى بعد العصر وقد يمتدّ إلى قبيل المغرب ليعوّضهم سهر الليل، وذلك على حساب التفريط في ضياع صلاتي الظهر والعصر فيؤخِّرونهما عن وقتهما وقد يجمعون بينهما، والبعض الآخر لا يعرفون الصلاة إلا في رمضان، ومنهم يصلّون بعضاً من الفروض المكتوبة ويهملون الباقية وخصوصاً صلاتي الظهر والعصر، والغريب أن نشاهد امتلاء المساجد والجوامع بالمصلِّين وانكبابهم عليها في صلوات المغرب والعشاء والفجر دون الظهر والعصر؛ بل إنّهم يحرصون على أداء صلاة التراويح والوتر وهي سنّة مستحبّة ويتقاعسون عن بعض الصلوات المفروضة التي لا يقوم الدين إلا بها؛ فعجباً أمرهم ـ هداهم الله ـ وأصلح حالهم.
وممّا يؤسف أنْ نجد الكثير من الموظّفين يتأخّرون عن دوام عملهم، فتراهم في مكاتبهم متكاسلين، تظهر عليهم أمارات الخمول والإرهاق والكسل فيقلّ عطائهم وإخلاصهم في عملهم فيخلّون به ويعطّلون مصالح الناس، وقد يغلقون أبواب مكاتبهم في وجوههم ويصدّونهم بسوء تعاملهم.
ولا نريد الخوض في أولئك الذين يمارسون المحرّمات والكبائر ولا يتورَّعون في رمضان ولا يكترثون بفضل هذا الشهر وحرمته ومكانته على سائر الشهور، وقد أُنْزِل فيه القرآن، ويتجلّى الله تعالى بالغفران لعباده والعتق من النيران في كل ليلة وتفتح فيه أبواب الجنّة وتغلق أبواب النّار وتصفّد الشياطين، وفيه ليلة عظيمة هي ليلة القدر وهي تعدل ألف شهر فيما سواها، والحسنات في هذا الشهر العظيم تتضاعف، وتُمْحَى فيه السيّئات، وترتفع الدرجات، وتُفْتح أبواب السماء للتائبين والركّع السجود، وغيرها من الفضائل والنفحات التي يمتنُّ الله عزّ وجلّ بها لعباده المتّقين؛ فلماذا هذا الحرمان من كرم الله وفضله علينا؛ فإنْ لم يُغْفر للعبد في شهر الغفران والرحمات فمتى إذن؛ فهذا لعمري هو الخسران المبين والله المستعان، ولعلّنا نكتفي بما ذكرناه من مشاهد معتادة تتكرَّر في كل عام في شهر الصوم، ولا يسعنا إلا أن نقدِّم بعضاً من النصائح والتوجيهات التي نرجو أن تكون عوناً لنا ـ بمشيئة الله ـ في اغتنام أيّامه ولياليه بالعبادات والطاعات إيماناً واحتساباً، كما يلي :
1ـ طلب العون من الله عزّ وجلّ وإخلاص النيّة له تعالى والعزيمة الصادقة في البُعْد عن المعاصي واقتراف الذنوب والصبر على صيامه وقيامه رغبة في الأجر والثواب وأملاً فيما عند الله من خيرٍ عميم وفضلٍ جزيل.
2ـ كبح جماح النفس وضبطها على تحمُّل أخطاء الآخرين وعدم التعدّي والإساءة للمسلمين ومجاهدتها بالبعد عن المعاصي من غيبة ونميمة وكل قولٍ أو عملٍ يغضب الرحمن.
3ـ تعهُّد قراءة القرآن الكريم تلاوةً وتدبُّراً في كل يوم، وتختيمه كاملاً ولو مرّة واحدة على الأقل في شهر رمضان.
4ـ الإكثار من الصدقات والطاعات وأعمال الخير، وبالأخص برّ الوالدين والدعاء لهما.
5ـ المحافظة على الصلوات المفروضة في أوقاتها في المساجد وأداء صلاة التراويح والقيام والوتر وصلاة الضحى.
6ـ الحدّ من السهر ليلاً، والتزام مواعيد العمل حضوراً وانصرافاً، والقيام بالواجبات والمهام الوظيفيّة المقرّرة، وحسن التعامل مع المراجعين والصبر والحلم على أذاهم وأخطائهم وانفعالاتهم واحتساب الأجر بنيّة العبادة لله تعالى.
7ـ تقنين المصروفات الماليّة في حدود الميزانيّة المتاحة، والاتزان في شراء المواد الاستهلاكيّة الرمضانيّة وفق الحاجة بعيداً عن الإسراف، وتأمين لوازم العيد دون مبالغة أو مفاخرة.
وأوجِّه كلمة أخيرة لكل مسلمٍ أن يتّق الله تعالى في شهره المبارك، ويعدّ نفسه للقيام برحلة مجّانيّة في دورة إيمانيّة مع الله عزّ وجلّ؛ بلا قيدٍ أو شرطٍ لكل عبدٍ مسلمٍ مهما كانت ذنوبه ومعاصيه، ومدّتها شهر، ولا تتكرّر إلا مرّة واحدة في كل عام، وأجرها جنّة عرضها السماوات والأرض، ومن فاتته فقد حُرم وخَسر الخير كلّه ورغم أنفه، وقد لا يدرك الرحلة في السنة القادمة إنْ وافته المنيّة وكُتب أجله في علِّيين؛ فكم من عاصٍ مذنبٍ أدرك هذه الدورة الروحانيّة؛ فرضي الله عنه وغفر له وأعتق رقبته من أغلال الجحيم وأبدله في نهاية الدورة شهادة الاجتياز ووثيقة الفوز ومكافأة الطاعات والعبادات بالقبول وحسن الجزاء؛ فطوبى لمن وُفِّق فيها وعَرَفَ مراد ربِّه وحظي برضا خالقه ومولاه، وندعو الله تعالى أن يتقبّل منّا ومنكم صالح الأعمال في هذا الشهر المبارك، ويبلِّغنا إتمامه بالقبول، ويختم لنا ولكم ولجميع المسلمين بالخيرات، ويعيده على الأمّة الإسلاميّة وهي ترفل بثوب العزّة والكرامة والتمكين إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.
|| د. عمر حسين الجفري : عضو منهل الثقافة التربوية.