
د. عمر حسين الجفري
عدد المشاركات : ﴿24﴾
التسلسل الزمني : 1438/03/01 (06:01 صباحاً)
عدد القراءات : ﴿22323﴾
هل محضّر المختبر المدرسي خارج المنظومة التعليمية ؟
◄ نعني في مقالنا هذا محضر المختبر في المدرسة والذي يعد من شاغلي الوظائف التعليمية وهو الشخص المسؤول عن المختبر المدرسي فنياً وإدارياً، ويؤدي دوراً بارزاً في العملية التعليمية من خلال مساعدة معلمي العلوم على أداء دورهم العملي بشكل جيد، وذلك عن طريق الإعداد والتنفيذ للعروض والتجارب العملية، وتوفير جميع الظروف والإمكانات المناسبة لاستخدام المختبر وتفعيله. وسنسلِّط الضوء على هذا العضو في الجسد التعليمي حيث المسمّى الوظيفي له معلِّماً وإن لم يمارس العمل التدريسي فلذلك نطرح عدة تساؤلات لمعرفة حقيقة دوره وجهده من خلال كشف اللثام عن واقع حاله، ما المهام التي يقوم بها محضِّر المختبر في المدرسة ؟ وما مستوى تأهيله العلمي ؟ وهل وضعه الحالي يواكب متطلّبات وتطوّرات مناهج العلوم الحديثة ؟ وما مدى رضاه الوظيفي ؟ وهل تتاح له الفرص للتحسين والترقّي لمناصب أعلى ممّا هو عليه ؟ وهل يمكن مواصلة تعليمه وتحقيق طموحه للحصول على درجة البكالوريوس أو الماجستير والدكتوراه ؟
يبدو أنّ هذه الفئة من محضِّري المختبرات الذين يعملون في الميدان التربوي بعيدة على دفة التغيير التي اجتاحت المجتمع التعليمي ولا تحظى بالاهتمام الذي يجعلها فئة منتجة مبدعة لأن نطاقها أصبح محدوداً بجلب الأدوات وتحضير المواد والجرد وتدوين السجلات وإجراء بعض التجارب البسيطة ولعلّ دوره ينحصر في تجهيز تجارب المختبر والاكتفاء بالجلوس والفراغ وتمضية وقت الدوام المدرسي فقطار التطوير تجاوزهم وتركهم في محطة انتظار الفرج.
لقد تم تعيينهم على المستوى الأول على اعتبار أنّ مؤهلهم العلمي هو برنامج في المختبرات لمدة عام دراسي فمنهم من فُرِّغ للحصول على درجة الدبلوم في المجال نفسه وعُيِّنوا على المستوى الثاني في حين أنّهم يستحقون المستوى الثالث وهذه من المعاناة التي واجهت هذه الفئة وقد طالبوا كثيراً بالتحسين الذي تكفّل به النظام ولكن قوبلت مطالباتهم إما بالرفض أو التهميش.
عادة يقوم محضِّر المختبر في المدرسة بدور المراسل لإيصال الخطابات والتعاميم الرسمية والمعاملات الإدارية وإنجاز بعض الأعمال في الشئون المكتبية كعمل الموظّف الإداري والمشاركة في بعض المهام الإشرافية والأنشطة الطلابية وحصص الانتظار وأعمال الاختبارات واللجان إلى غير ذلك مما يكلَّف به من مدير المدرسة من أعمال ليست من صميم عمله هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد أنّ وزارة التربية والتعليم أحدثت نقلة نوعية علمية كبيرة في مناهج العلوم مواكِبةً لمتطلّبات الزمن المعاصر اليوم من ثورة معلوماتية شاملة واللحاق بركب التطورات العالمية، وقد زوِّد معلمو العلوم بالدورات والاحتياجات التدريبية اللازمة لتهيئتهم لتدريس مواد العلوم بجميع فروعها (أحياء - كيمياء - فيزياء - علوم أرض)، ولكن للأسف لم تشمل التنمية المهنية التطوّرية محضِّر المختبر وبقي ثابتاً في مكانه بعيداً عن الحراك العلمي والتقني الشامل عدا بعض الدورات البسيطة التي تقيمها إدارة التجهيزات المدرسية في حين هذه المناهج المطوّرة تقتضي أن يكون دور المحضِّر متفاعلاً نشطاً لديه القدرة على تنفيذ استراتيجيات تدريس لإجراء التجارب العملية والتشريحات العلمية اللازمة وتحضير نماذج للكائنات الحية التي تتوافق وسياسة تعليم محتوى المقرَّر وجلب كل ما هو جديد ومفيد تدعو الطالب للبحث والسؤال والتفكير والإبداع وصقل مواهبه وإذا انتقلنا إلى معمل المرحلة الثانوية تكون الحاجة ماسّة للتعرُّف على علوم الفلك والفضاء والطبيعة والبحار التي تساعد الطالب على تنمية قدراته واتساع دائرة فكره وترسيخ فهم معالم الكون ومعرفة قدرة الله تعالى في خلقه ممّا يزيد من حماسه وحبِّه للعلم والمعرفة، وأن يكون لدى المحضِّر القدرة على فنّ التعامل والتواصل والتخاطب مع الطلاب وتحضير المركّبات الكيميائية ومستلزماتها الأساسية وإنتاج الوسائل التعليمية المناسبة للدروس اليومية، والعمل على توظيف وتفعيل المختبر المدرسي في الأنشطة اللا صفيّة وإعداد النشرات والمطويّات وإقامة المعارض العلمية.
إنّ شاغلي الوظائف التعليمية تتاح لهم الفرص في مواقع متنوِّعة ومجالات عدة وتولِّي مراكز قيادية وإدارية مختلفة فيمكن للمعلِّم الترشيح للعمل الإداري داخل المدرسة إمّا أمين مركز مصادر تعلُّم أو مرشد طلابي أو رائد نشاط وإمّا وكيل أو مدير مدرسة وكذلك الترشيح للعمل الإشرافي في الإدارة التعليمية كأن يكون مشرفاً تربوياً وقد يصل إلى مدير إدارة أو مساعد مدير تعليم وقد يصبح مديراً عاماً وهكذا يتدرّج في السلّم التعليمي؛ في حين يُمَكَّّن من مواصلة دراساته العليا (ماجستير - دكتوراه) إمّا بالابتعاث الداخلي أو الخارجي والإيفاد للتدريس خارج المملكة والانتدابات إلى غير ذلك من المزايا والفرص المتاحة؛ بينما محضِّر المختبر فدونه خرط القتاد ولا شيء له من ذلك فهو يُعيَّن محضِّر ويبقى محضِّر إلى أن يحين موعد تقاعده وهو محضِّر دون أي اعتبار لتطلُّعاته المرغوبة وآماله وطموحاته المنشودة، وإنّي أتساءل : أليس من حقِّه أن يترقّى ويبحث عن تحقيق ذاته وتحسين مستواه كأي موظّف آخر ؟ أليس من حقِّه استكمال دراساته كغيره من منسوبي التعليم ؟ أليست له أحلام مستقبلية كغيره من البشر ؟ أليس من حقِّه أن يجد مجالاً آخر يكتسب منه مزيداً من الخبرات الإدارية والمعارف العلمية ؟ لا شك أنّ ذلك سيولِّد لديه شعوراً بالألم ونوعاً من الحرمان وإحساساً بالظلم وشيئاً من الإحباط الأمر الذي يقلِّل من حماسه وعطائه ويؤدي إلى عدم فعالية دوره وتحجيم إمكاناته وقدراته ومواهبه ممّا يجعله عنصراً غير هام من عناصر المنظومة التعليمية.
وهناك بعضاً من محضِّري المختبرات الذين ضحّوا من وقتهم وجهدهم وراحتهم رغم الصعوبات التي تعصف بهم إلا أنّهم استطاعوا بعد توفيق الله أن يحصلوا على درجة البكالوريوس وقد التحقوا بمرحلة الماجستير ولديهم العزيمة والإصرار على مواصلة المشوار التعليمي وتحقيق الأمل ومع ذلك لا زالوا على المستوى الأول ولم تفلح محاولاتهم في تحسين مستوياتهم الوظيفية بحجة التعميم الوزاري الصادر الذي يقتضي منع مواصلة الدراسة وعدم الموافقة على تحسين مستوى الذين حصلوا على مؤهل جامعي بعد عام 1427هـ، والغريب في الأمر الذي يدعو للحيرة أنّ هناك فئةً منهم حصلوا على موافقات غير مشروطة لإكمال دراستهم الجامعية بعد صدور التعميم السابق ولم يحسّنوا على المستوى المستحق لهم؛ فلماذا إذن يتم إصدار الموافقة على الدراسة أصلاً إذا كان يُرْفَض تحسين المستوى الوظيفي لهم ؟ وهنا نتساءل بتعجّب : هل يعني هذا التأريخ هو حجر عثرة أمام مواصلة دراساتهم وتطوير أنفسهم ؟ ولماذا تحديد هذا التأريخ ؟ وما المانع أن يكمل المحضِّر دراسته قبل أو بعد هذا التأريخ ؟ أليس هذا من أبسط حقوقه ؟ ولا يمكن أن يتناسب ذلك مع سياسات الوزارة التطويرية التي تشهدها في السنوات الأخيرة وقد أضحت الحاجة ماسة إلى مواكبة عجلة التنمية المعاصرة التي تستوجب تطوير المحضِّر عن طريق استكمال تعليمه الجامعي، ولكن هل يعقل أن يكون عذر الوزارة هو خوفها من تسرُّب المحضِّرين الذين نالوا شهادات جامعية إلى مجالاتٍ وتخصصاتٍ أخرى ؟ بطبيعة الحال هذا متوقّع في ظل الوضع الحالي وهذا من حقِّهم ولهم مطلق الحريّة أن يختاروا ما يناسب مؤهلاتهم ويبحثون عمّا يحقِّق طموحاتهم وأحلامهم.
لذا كان لزاماً على أصحاب القرار وذوي الشأن في وزارة التربية والتعليم والجهات الأخرى ذات العلاقة المسارعة في بحث واستقصاء أوضاع هذه الفئة من شاغلي الوظائف التعليمية وإيجاد الحلول الناجعة التي تجعلهم يؤدون أدوارهم الوظيفية بجدية فائقة وكفاءة عالية من خلال تحقيق رغباتهم وتلبية احتياجاتهم وذلك طمعاً في شحذ هممهم واستنهاض إمكاناتهم واستغلال طاقاتهم وحشد جهودهم ورغبة في بناء هيكلاً تعليمياً متكاملاً ومتوازناً وعادلاً بين جميع أعضاءه لتحقيق أهداف التربية السامية.
■ ولعلّنا نضع بعضاً من التوصيات المقترحة التي نرجو أن تجد آذاناً صاغية لمراعاتها كما يلي :
1ـ المسارعة في تعديل وضع محضِّري ومحضِّرات المختبرات المدرسية الذين حصلوا على دبلوم المختبرات من كليات المعلِّمين من المستوى الثاني إلى المستوى الثالث المستحق لهم نظاماً، وكذلك الذين نالوا شهادات جامعية (بكالوريوس) يتم تعيينهم على المستوى الخامس للتربوي والرابع لغير التربوي، والمستوى السادس لحملة الماجستير.
2ـ إتاحة الفرصة للمحضِّرين والمحضِّرات باستكمال درجة البكالوريوس في المختبرات وفتح المجال للراغبين في مواصلة دراساتهم العليا أسوة بزملائهم معلِّمي ومعلِّمات المواد.
3ـ المسارعة في تعيين الخرِّيجين والخرِّيجات من محضِّري ومحضِّرات المختبرات المدرسية والاستفادة منهم في تغطية العجز في المدارس وبالأخص في المرحلة الابتدائية وإحلالهم بديلاً عن المحضِّرين والمحضِّرات الذين يتم تفريغهم لمواصلة دراساتهم.
4ـ تكوين لجنة من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ووزارة الخدمة المدنية والجهات الأخرى ذات العلاقة تقوم بدراسة وإعداد برنامج بكالوريوس في المختبرات المدرسية في الجامعات وإقرار مسمّى (معلِّم مختبر) بدلاً من مسمّى (محضِّر مختبر) ويُعيّن الخرِّيج بالمستوى الخامس حيث تسند له مهام ووظائف أخرى تناسب المرحلة التطورية الشاملة وتتماشى مع التغيُّرات الحضارية في مناهج العلوم ويكون شريكاً لمعلِّم العلوم ويُكلَّف بتدريس حصص تختص بالجانب التطبيقي (العملي) للتجارب المعملية والقيام بمهمّة الريادة الصحية والأمن والسلامة إلى غير ذلك من أعمال تتطلّبها طبيعة المادة الدراسية وتحقِّق أهدافها المنشودة، كما تتاح له فرص العمل كمعلِّم المواد تماماً سواءً داخل المدرسة (مرشد طلابي - أمين مركز مصادر - رائد نشاط) أو إشرافية في الإدارة التعليمية.
5ـ إعادة تهيئة المعامل المدرسية كبيئة تعليمية متاحة ومجهّزة بالأدوات والمواد المخبرية والوسائل والأجهزة التقنية الحديثة والأثاث المناسب وجميع الاحتياجات اللازمة طبقاً لأفضل المواصفات الفنية والقياسية؛ فكما يستلزم تطوير المحضِّر لابد أن يتبعه بالتأكيد تطويراً في دور المعمل ليصبح معمل الفيزياء نواةً حقيقية للمهندس الوطني المأمول، ومعمل الكيمياء موئلاً لمهندسي وفنيي المصانع البتروكيميائية والطبية والعديد من المجالات العلمية الأخرى، ومعمل الأحياء مناراً للطبيب سواءً كان في الطب البشري أو البيطري لكي يجد الطلاب في هذه المعامل الدعم والتوجيه السليم لإشباع وتنمية مواهبهم وميولهم.
6ـ رفع مستوى الوعي المهني لمحضِّري ومحضِّرات المختبرات من خلال إلحاقهم بالبرامج والدورات التدريبية وفقاً للاحتياجات المطلوبة في تنفيذ المشاريع الوزارية التطويرية للمناهج الحديثة.
7ـ تمكين ودعم محضِّري ومحضِّرات المختبرات مادياً ومعنوياً من الحضور والمشاركة في ورش العمل والمسابقات والندوات واللقاءات والمؤتمرات الداخلية والخارجية في مجال المختبرات والعلوم، والمنافسة على جائزة التميُّز للمعلِّمين والمعلِّمات، وذلك تحفيزاً لهم على العطاء والإنتاج وبذل المزيد من الجهد والإنجاز والإبداع.
■ أخي محضِّر المختبر :
اعلم أنّك معلِّمٌ وصاحبُ رسالةٍ ساميةٍ ولك دورٌ فاعلٌ وأنت تربويٌ ضمن الحلقة التعليمية وعنصرٌ هامٌ تؤثر في البيئة المدرسية وتتأثر بها وتحمل على عاتقك أمانة عظيمة؛ لذا أوصيك بتقوى الله تعالى والإخلاص في أداء الواجب المكلَّف به والصبر والاحتساب على ما قُدِّر لك وأن تسعى جاهداً في تحقيق الغاية المرجوّة التي تسهم في بناء الوطن ونهضته فأنت وحدك بعطائك وحماسك من يستطيع أن يفرض حضوره ودوره ويثبت كفاءته ومقدرته من خلال بيتك المهني ذلك المكان الذي تُنْسَب له ويكون شاهداً لك أو عليك فإمّا أن تجعله مخزناً لحفظ الأدوات والمواد ومستودعاً لتكديس مختلف أصناف الأثاث ما صلح منه وما لم يصلح، وإمّا أن تجعله مختبراً حقيقياً وحقلاً فاعلاً لإجراء التجارب يستقي منه الطلاب العلم والمعرفة وميداناً لصناعة النماذج والمجسّمات العلمية والوسائل التعليمية وإنتاج الدوائر الكهربائية والإلكترونيات وبعض المواد الغذائية وغيرها من المشاريع الإبداعية كي يغدو رافداً ومحضناً خصباً لإكساب الطلاب مهارات التفكير المنطقي والتفكير الاستدلالي والتجريب العملي والتدريب النوعي والتطبيق الفعلي للقوانين والنظريات وتقدير النتائج للوصول إلى اكتشاف الحقائق والمفاهيم العلميّة ممّا ينعكس أثره إيجاباً على الطالب فيثمر مُخْرَجاً تعليمياً راقياً ذي جودة عالية يعود نفعاً على المجتمع بالخير والصلاح تجني منه الأمة جيلاً حضارياً واعداً يبني مجداً تليداً تزخر بهم أوطانهم ومجتمعاتهم حينها تشعر بمعنى السعادة وتفوز برضا الرحمن ويبقى الأمل بالله تعالى شمساً لا تغيب فيعوِّضك المولى الكريم الخير الوفير في بركة المال وصلاح الحال وقبول الأعمال وراحة البال.
هذا والله من وراء القصد.
|| د. عمر حسين الجفري : عضو منهل الثقافة التربوية.
◄ نعني في مقالنا هذا محضر المختبر في المدرسة والذي يعد من شاغلي الوظائف التعليمية وهو الشخص المسؤول عن المختبر المدرسي فنياً وإدارياً، ويؤدي دوراً بارزاً في العملية التعليمية من خلال مساعدة معلمي العلوم على أداء دورهم العملي بشكل جيد، وذلك عن طريق الإعداد والتنفيذ للعروض والتجارب العملية، وتوفير جميع الظروف والإمكانات المناسبة لاستخدام المختبر وتفعيله. وسنسلِّط الضوء على هذا العضو في الجسد التعليمي حيث المسمّى الوظيفي له معلِّماً وإن لم يمارس العمل التدريسي فلذلك نطرح عدة تساؤلات لمعرفة حقيقة دوره وجهده من خلال كشف اللثام عن واقع حاله، ما المهام التي يقوم بها محضِّر المختبر في المدرسة ؟ وما مستوى تأهيله العلمي ؟ وهل وضعه الحالي يواكب متطلّبات وتطوّرات مناهج العلوم الحديثة ؟ وما مدى رضاه الوظيفي ؟ وهل تتاح له الفرص للتحسين والترقّي لمناصب أعلى ممّا هو عليه ؟ وهل يمكن مواصلة تعليمه وتحقيق طموحه للحصول على درجة البكالوريوس أو الماجستير والدكتوراه ؟
يبدو أنّ هذه الفئة من محضِّري المختبرات الذين يعملون في الميدان التربوي بعيدة على دفة التغيير التي اجتاحت المجتمع التعليمي ولا تحظى بالاهتمام الذي يجعلها فئة منتجة مبدعة لأن نطاقها أصبح محدوداً بجلب الأدوات وتحضير المواد والجرد وتدوين السجلات وإجراء بعض التجارب البسيطة ولعلّ دوره ينحصر في تجهيز تجارب المختبر والاكتفاء بالجلوس والفراغ وتمضية وقت الدوام المدرسي فقطار التطوير تجاوزهم وتركهم في محطة انتظار الفرج.
لقد تم تعيينهم على المستوى الأول على اعتبار أنّ مؤهلهم العلمي هو برنامج في المختبرات لمدة عام دراسي فمنهم من فُرِّغ للحصول على درجة الدبلوم في المجال نفسه وعُيِّنوا على المستوى الثاني في حين أنّهم يستحقون المستوى الثالث وهذه من المعاناة التي واجهت هذه الفئة وقد طالبوا كثيراً بالتحسين الذي تكفّل به النظام ولكن قوبلت مطالباتهم إما بالرفض أو التهميش.
عادة يقوم محضِّر المختبر في المدرسة بدور المراسل لإيصال الخطابات والتعاميم الرسمية والمعاملات الإدارية وإنجاز بعض الأعمال في الشئون المكتبية كعمل الموظّف الإداري والمشاركة في بعض المهام الإشرافية والأنشطة الطلابية وحصص الانتظار وأعمال الاختبارات واللجان إلى غير ذلك مما يكلَّف به من مدير المدرسة من أعمال ليست من صميم عمله هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد أنّ وزارة التربية والتعليم أحدثت نقلة نوعية علمية كبيرة في مناهج العلوم مواكِبةً لمتطلّبات الزمن المعاصر اليوم من ثورة معلوماتية شاملة واللحاق بركب التطورات العالمية، وقد زوِّد معلمو العلوم بالدورات والاحتياجات التدريبية اللازمة لتهيئتهم لتدريس مواد العلوم بجميع فروعها (أحياء - كيمياء - فيزياء - علوم أرض)، ولكن للأسف لم تشمل التنمية المهنية التطوّرية محضِّر المختبر وبقي ثابتاً في مكانه بعيداً عن الحراك العلمي والتقني الشامل عدا بعض الدورات البسيطة التي تقيمها إدارة التجهيزات المدرسية في حين هذه المناهج المطوّرة تقتضي أن يكون دور المحضِّر متفاعلاً نشطاً لديه القدرة على تنفيذ استراتيجيات تدريس لإجراء التجارب العملية والتشريحات العلمية اللازمة وتحضير نماذج للكائنات الحية التي تتوافق وسياسة تعليم محتوى المقرَّر وجلب كل ما هو جديد ومفيد تدعو الطالب للبحث والسؤال والتفكير والإبداع وصقل مواهبه وإذا انتقلنا إلى معمل المرحلة الثانوية تكون الحاجة ماسّة للتعرُّف على علوم الفلك والفضاء والطبيعة والبحار التي تساعد الطالب على تنمية قدراته واتساع دائرة فكره وترسيخ فهم معالم الكون ومعرفة قدرة الله تعالى في خلقه ممّا يزيد من حماسه وحبِّه للعلم والمعرفة، وأن يكون لدى المحضِّر القدرة على فنّ التعامل والتواصل والتخاطب مع الطلاب وتحضير المركّبات الكيميائية ومستلزماتها الأساسية وإنتاج الوسائل التعليمية المناسبة للدروس اليومية، والعمل على توظيف وتفعيل المختبر المدرسي في الأنشطة اللا صفيّة وإعداد النشرات والمطويّات وإقامة المعارض العلمية.
إنّ شاغلي الوظائف التعليمية تتاح لهم الفرص في مواقع متنوِّعة ومجالات عدة وتولِّي مراكز قيادية وإدارية مختلفة فيمكن للمعلِّم الترشيح للعمل الإداري داخل المدرسة إمّا أمين مركز مصادر تعلُّم أو مرشد طلابي أو رائد نشاط وإمّا وكيل أو مدير مدرسة وكذلك الترشيح للعمل الإشرافي في الإدارة التعليمية كأن يكون مشرفاً تربوياً وقد يصل إلى مدير إدارة أو مساعد مدير تعليم وقد يصبح مديراً عاماً وهكذا يتدرّج في السلّم التعليمي؛ في حين يُمَكَّّن من مواصلة دراساته العليا (ماجستير - دكتوراه) إمّا بالابتعاث الداخلي أو الخارجي والإيفاد للتدريس خارج المملكة والانتدابات إلى غير ذلك من المزايا والفرص المتاحة؛ بينما محضِّر المختبر فدونه خرط القتاد ولا شيء له من ذلك فهو يُعيَّن محضِّر ويبقى محضِّر إلى أن يحين موعد تقاعده وهو محضِّر دون أي اعتبار لتطلُّعاته المرغوبة وآماله وطموحاته المنشودة، وإنّي أتساءل : أليس من حقِّه أن يترقّى ويبحث عن تحقيق ذاته وتحسين مستواه كأي موظّف آخر ؟ أليس من حقِّه استكمال دراساته كغيره من منسوبي التعليم ؟ أليست له أحلام مستقبلية كغيره من البشر ؟ أليس من حقِّه أن يجد مجالاً آخر يكتسب منه مزيداً من الخبرات الإدارية والمعارف العلمية ؟ لا شك أنّ ذلك سيولِّد لديه شعوراً بالألم ونوعاً من الحرمان وإحساساً بالظلم وشيئاً من الإحباط الأمر الذي يقلِّل من حماسه وعطائه ويؤدي إلى عدم فعالية دوره وتحجيم إمكاناته وقدراته ومواهبه ممّا يجعله عنصراً غير هام من عناصر المنظومة التعليمية.
وهناك بعضاً من محضِّري المختبرات الذين ضحّوا من وقتهم وجهدهم وراحتهم رغم الصعوبات التي تعصف بهم إلا أنّهم استطاعوا بعد توفيق الله أن يحصلوا على درجة البكالوريوس وقد التحقوا بمرحلة الماجستير ولديهم العزيمة والإصرار على مواصلة المشوار التعليمي وتحقيق الأمل ومع ذلك لا زالوا على المستوى الأول ولم تفلح محاولاتهم في تحسين مستوياتهم الوظيفية بحجة التعميم الوزاري الصادر الذي يقتضي منع مواصلة الدراسة وعدم الموافقة على تحسين مستوى الذين حصلوا على مؤهل جامعي بعد عام 1427هـ، والغريب في الأمر الذي يدعو للحيرة أنّ هناك فئةً منهم حصلوا على موافقات غير مشروطة لإكمال دراستهم الجامعية بعد صدور التعميم السابق ولم يحسّنوا على المستوى المستحق لهم؛ فلماذا إذن يتم إصدار الموافقة على الدراسة أصلاً إذا كان يُرْفَض تحسين المستوى الوظيفي لهم ؟ وهنا نتساءل بتعجّب : هل يعني هذا التأريخ هو حجر عثرة أمام مواصلة دراساتهم وتطوير أنفسهم ؟ ولماذا تحديد هذا التأريخ ؟ وما المانع أن يكمل المحضِّر دراسته قبل أو بعد هذا التأريخ ؟ أليس هذا من أبسط حقوقه ؟ ولا يمكن أن يتناسب ذلك مع سياسات الوزارة التطويرية التي تشهدها في السنوات الأخيرة وقد أضحت الحاجة ماسة إلى مواكبة عجلة التنمية المعاصرة التي تستوجب تطوير المحضِّر عن طريق استكمال تعليمه الجامعي، ولكن هل يعقل أن يكون عذر الوزارة هو خوفها من تسرُّب المحضِّرين الذين نالوا شهادات جامعية إلى مجالاتٍ وتخصصاتٍ أخرى ؟ بطبيعة الحال هذا متوقّع في ظل الوضع الحالي وهذا من حقِّهم ولهم مطلق الحريّة أن يختاروا ما يناسب مؤهلاتهم ويبحثون عمّا يحقِّق طموحاتهم وأحلامهم.
لذا كان لزاماً على أصحاب القرار وذوي الشأن في وزارة التربية والتعليم والجهات الأخرى ذات العلاقة المسارعة في بحث واستقصاء أوضاع هذه الفئة من شاغلي الوظائف التعليمية وإيجاد الحلول الناجعة التي تجعلهم يؤدون أدوارهم الوظيفية بجدية فائقة وكفاءة عالية من خلال تحقيق رغباتهم وتلبية احتياجاتهم وذلك طمعاً في شحذ هممهم واستنهاض إمكاناتهم واستغلال طاقاتهم وحشد جهودهم ورغبة في بناء هيكلاً تعليمياً متكاملاً ومتوازناً وعادلاً بين جميع أعضاءه لتحقيق أهداف التربية السامية.
■ ولعلّنا نضع بعضاً من التوصيات المقترحة التي نرجو أن تجد آذاناً صاغية لمراعاتها كما يلي :
1ـ المسارعة في تعديل وضع محضِّري ومحضِّرات المختبرات المدرسية الذين حصلوا على دبلوم المختبرات من كليات المعلِّمين من المستوى الثاني إلى المستوى الثالث المستحق لهم نظاماً، وكذلك الذين نالوا شهادات جامعية (بكالوريوس) يتم تعيينهم على المستوى الخامس للتربوي والرابع لغير التربوي، والمستوى السادس لحملة الماجستير.
2ـ إتاحة الفرصة للمحضِّرين والمحضِّرات باستكمال درجة البكالوريوس في المختبرات وفتح المجال للراغبين في مواصلة دراساتهم العليا أسوة بزملائهم معلِّمي ومعلِّمات المواد.
3ـ المسارعة في تعيين الخرِّيجين والخرِّيجات من محضِّري ومحضِّرات المختبرات المدرسية والاستفادة منهم في تغطية العجز في المدارس وبالأخص في المرحلة الابتدائية وإحلالهم بديلاً عن المحضِّرين والمحضِّرات الذين يتم تفريغهم لمواصلة دراساتهم.
4ـ تكوين لجنة من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ووزارة الخدمة المدنية والجهات الأخرى ذات العلاقة تقوم بدراسة وإعداد برنامج بكالوريوس في المختبرات المدرسية في الجامعات وإقرار مسمّى (معلِّم مختبر) بدلاً من مسمّى (محضِّر مختبر) ويُعيّن الخرِّيج بالمستوى الخامس حيث تسند له مهام ووظائف أخرى تناسب المرحلة التطورية الشاملة وتتماشى مع التغيُّرات الحضارية في مناهج العلوم ويكون شريكاً لمعلِّم العلوم ويُكلَّف بتدريس حصص تختص بالجانب التطبيقي (العملي) للتجارب المعملية والقيام بمهمّة الريادة الصحية والأمن والسلامة إلى غير ذلك من أعمال تتطلّبها طبيعة المادة الدراسية وتحقِّق أهدافها المنشودة، كما تتاح له فرص العمل كمعلِّم المواد تماماً سواءً داخل المدرسة (مرشد طلابي - أمين مركز مصادر - رائد نشاط) أو إشرافية في الإدارة التعليمية.
5ـ إعادة تهيئة المعامل المدرسية كبيئة تعليمية متاحة ومجهّزة بالأدوات والمواد المخبرية والوسائل والأجهزة التقنية الحديثة والأثاث المناسب وجميع الاحتياجات اللازمة طبقاً لأفضل المواصفات الفنية والقياسية؛ فكما يستلزم تطوير المحضِّر لابد أن يتبعه بالتأكيد تطويراً في دور المعمل ليصبح معمل الفيزياء نواةً حقيقية للمهندس الوطني المأمول، ومعمل الكيمياء موئلاً لمهندسي وفنيي المصانع البتروكيميائية والطبية والعديد من المجالات العلمية الأخرى، ومعمل الأحياء مناراً للطبيب سواءً كان في الطب البشري أو البيطري لكي يجد الطلاب في هذه المعامل الدعم والتوجيه السليم لإشباع وتنمية مواهبهم وميولهم.
6ـ رفع مستوى الوعي المهني لمحضِّري ومحضِّرات المختبرات من خلال إلحاقهم بالبرامج والدورات التدريبية وفقاً للاحتياجات المطلوبة في تنفيذ المشاريع الوزارية التطويرية للمناهج الحديثة.
7ـ تمكين ودعم محضِّري ومحضِّرات المختبرات مادياً ومعنوياً من الحضور والمشاركة في ورش العمل والمسابقات والندوات واللقاءات والمؤتمرات الداخلية والخارجية في مجال المختبرات والعلوم، والمنافسة على جائزة التميُّز للمعلِّمين والمعلِّمات، وذلك تحفيزاً لهم على العطاء والإنتاج وبذل المزيد من الجهد والإنجاز والإبداع.
■ أخي محضِّر المختبر :
اعلم أنّك معلِّمٌ وصاحبُ رسالةٍ ساميةٍ ولك دورٌ فاعلٌ وأنت تربويٌ ضمن الحلقة التعليمية وعنصرٌ هامٌ تؤثر في البيئة المدرسية وتتأثر بها وتحمل على عاتقك أمانة عظيمة؛ لذا أوصيك بتقوى الله تعالى والإخلاص في أداء الواجب المكلَّف به والصبر والاحتساب على ما قُدِّر لك وأن تسعى جاهداً في تحقيق الغاية المرجوّة التي تسهم في بناء الوطن ونهضته فأنت وحدك بعطائك وحماسك من يستطيع أن يفرض حضوره ودوره ويثبت كفاءته ومقدرته من خلال بيتك المهني ذلك المكان الذي تُنْسَب له ويكون شاهداً لك أو عليك فإمّا أن تجعله مخزناً لحفظ الأدوات والمواد ومستودعاً لتكديس مختلف أصناف الأثاث ما صلح منه وما لم يصلح، وإمّا أن تجعله مختبراً حقيقياً وحقلاً فاعلاً لإجراء التجارب يستقي منه الطلاب العلم والمعرفة وميداناً لصناعة النماذج والمجسّمات العلمية والوسائل التعليمية وإنتاج الدوائر الكهربائية والإلكترونيات وبعض المواد الغذائية وغيرها من المشاريع الإبداعية كي يغدو رافداً ومحضناً خصباً لإكساب الطلاب مهارات التفكير المنطقي والتفكير الاستدلالي والتجريب العملي والتدريب النوعي والتطبيق الفعلي للقوانين والنظريات وتقدير النتائج للوصول إلى اكتشاف الحقائق والمفاهيم العلميّة ممّا ينعكس أثره إيجاباً على الطالب فيثمر مُخْرَجاً تعليمياً راقياً ذي جودة عالية يعود نفعاً على المجتمع بالخير والصلاح تجني منه الأمة جيلاً حضارياً واعداً يبني مجداً تليداً تزخر بهم أوطانهم ومجتمعاتهم حينها تشعر بمعنى السعادة وتفوز برضا الرحمن ويبقى الأمل بالله تعالى شمساً لا تغيب فيعوِّضك المولى الكريم الخير الوفير في بركة المال وصلاح الحال وقبول الأعمال وراحة البال.
هذا والله من وراء القصد.
|| د. عمر حسين الجفري : عضو منهل الثقافة التربوية.