من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : جمعان عبدالله الزهراني.
إجمالي القراءات : ﴿5223﴾.
عدد المشــاركات : ﴿20﴾.

تأملات علمية حول تشكيل العقل العربي.
■ تمهيد :
يقول تعالى : (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) (البقرة : 43) ولا تستقيم تلك الشهادة إذا كان العقل المسلم غير مؤهل للقيادة والإبداع الحضاري، ولا تستقيم تلك الشهادة والعقل المسلم مكبل ببعض القيود.

■ نماذج من هذه القيود.
نقول لا تستقيم تلك الشهادة والعقل مكبل ببعض القيود مثل : قيود التهويل أو التهوين، وقيود التعميم المفرط، وقيود التأويل الشخصي للأمور، وقيود عزل الأشياء عن سياقها، أو قيود قراءة المستقبل سلبياً، أو قيود الانهزام الداخلي وضعف الثقة بالنفس، أو قيود الاعتمادية المفرطة على الغير تكنولوجياً ومنهجياً وفكرياً، أو قيود العجز عن تقدير خير الشرين، أو قيود المبالغة في التركيز على العيوب وجلد الذات بصورة مرَضية في مقابل قيود التهوين من العيوب مع التركيز فقط على المميزات ومن ثم تضخم الشعور بالذات، أو قيود التماوت حول الآلام والمصائب، أو قيود الحزازات النفسية، أو قيود الموروثات الخاطئة، أو قيود التقديس لكل ما هو قديم في مقابل الانبهار بكل ما هو جديد، أو قيود عدم وضوح معايير التقييم للأشخاص أو الأشياء أو الموضوعات، أو قيود التسليم بكل ما يقال، أو قيود التعصب، أو قيود الارتهان الثقافي، والاستلاب الحضاري، والتقليد، والتخاذل الفكري، الانضغاط لمدح الآخرين، الجدال، وغير ذلك.

■ ماذا نريد لهذا العقل ؟
نريد لهذا العقل أن يسهم في الإنتاج والإبداع الحضاري شأنه شأن كل عقل حر يتحرك فلا تثقله القيود أوالموروثات الخاطئة، نريد له أن يتحول من رفع الشعارات إلى الإبداع واعتماد الوسائل العلمية، والانتقال من منهج الاستنباط إلى منهج الاستقراء نريد له أن يسترد عافيته ويتعافى من مرضه المزمن - بغض النظر مرحليا عن أسباب مرضه - وذلك حتى يتبوأ مكانته بين الأمم؛ ولكن ما أسهل القول إذا قورن بالعمل !

■ احتياجات لازمة.
إن إعادة تشكيل العقل العربي والمسلم ليست ترفاً حتى يزهد فيه الزاهدون، إنها المفردة التى منها نواة الانطلاق نحو صناعة المستقبل وبناء الحضارة، وهذه الرغبة هي أماني، وحتى تتحول تلك الأماني من حلم إلى واقع فإنه يلزم ما يلي :
♦ جودة التشخيص لعلل أمتنا الفكرية وأمراضها الاجتماعية والخلقية، ومن ثم تحديد أسباب هزيمتنا الفكرية وغيرها، وهى مهمة غير شاقة وبُذلت من أجلها جهود كثيرة لبعض المفكرين والمنظرين، وللمركز العالمي للفكر الإسلامي جهود طيبة ههنا سواء في المجال الاجتماعي أو الفكري أو العلمي، ولكنها نواة أكثر من كونها جهد منظم، وكذا بعض جهود الأفراد من دول عدة.
♦ ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان والحريات، فمن السفه أن نطالب بكيان علمي أو غيره دون أن يكون لدينا كيان إنساني جدير بالاحترام والتقدير ومراعاة حقوقه.
♦ إعادة دراسة الثوابت والمتغيرات في ضوء اجتهاد من يحق لهم الاجتهاد في كل التخصصات بحيث يمكن توصيلها لعموم الناس مع مراعاة الفروق الفردية طبعاً.
♦ تعديل البنية المعرفية للأمة ممثلة في أشخاصها ومؤسساتها من خلال تحليل مكونات العقل العربي والمسلم، والتعرف على مصادر روائه، وتحديد مواريثه الفكرية وغربلة تلك المواريث من خلال علمائه وقادته ومناهج التعليم ومنابر الإعلام المختلفة، وتسليط الضوء على أهمية تبني منهج الاستقراء في التعاطي مع عالم الحضارة، مع رصد للأفكار اللاعقلانية الشائعة، واستبدالها بأخرى عقلانية وفق مصادر الوحي السماوي ووفقاً لمعيار الفهم الصحيح.

■ إعادة تشكيل العقل العربي والمسلم من خلال هذه المفردات الخمسة :
1- رصد وتحليل ومن ثم معالجة المعتقدات الخاطئة الشائعة بين أفراد الأمة.
2- رصد وتحليل طرق التفكير اللاعقلانية لدى أمتنا ومن ثم استبدال ذلك بتعلم طرق تفكير فعالة وإيجابية.
3- تبني عقل يقظ استقرائي لا يعتمد على أحكام وتوقعات مسبقة.
4- تحليل ورصد التخيلات المفزعة والتي شكلت وجدان أفراد هذه الأمة. ولا يستهينن أحد بتلك المفردة فواقع أمتنا وانهزام صفنا الداخلي وانبهارنا بالغالب الغربي وضعف ثقتنا بذواتنا يرجع فى أحد أهم أسبابه إلى تلك المفردة.
5- إمداد الأمة أفراداً وجماعات بالمعلومات اللازمة للنهوض عبر المستقبل من خلال وسائط التعليم المختلفة ولا سيما ما يختص بالبحث العلمي والمعلومات لنوفر على أنفسنا من خلال العلم والتعلم كثيراً من سنوات الخبرة التي ضاعت منا في ظل هذا التيه الفكري الذي نمنا في سباته طويلاً حتى قاد ركب الحضارة قوم آخرون.
وهذه المفردات الخمسة هي التي نرجو لها تفعيلاً حتى يحدث تغير محمود في البنية المعرفية. ويبقى السؤال المعضل : كيف ؟

من المؤسف أن تكون الكيفية منوطة بالقيادة وأزمة أمتنا منذ عقود طوال في قادتها ولكن لا مناص من المحاولة ولا سيما وأن كثيراً من مفردات احتياجاتنا منوطة بمعاهد التعليم ومنابر الإعلام المختلفة والوسائط التربوية المتنوعة، وهذا أمر يمكن التعاطي معه حتى وإن ضغطت على معظم بلادنا قياداتها التي لا تحسن سوى الانصياع لضغوط الغرب. وكم نرجو أن تتسع لحل هذه الإشكالية كتابات الفاقهين من كل اتجاه.
◄ سيد يوسف.