أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : طارق فايز العجاوي.
إجمالي القراءات : ﴿5608﴾.
عدد المشــاركات : ﴿35﴾.

نعم رسالة الإسلام هي الأساس الصحيح للفكر العربي.
■ بثقة نقولها لم يدعُون غير ذلك مدعمتا بالدلائل الممكنة والمتاحة فهي المرجع والمستند لمن كان مع هذا الرأي أو ضده، ولبيان ذلك لابد من التعريج وبعجالة على تلك الحقبة الممتدة منذ أن ظهر العرب على وجه البسيطة إلى هجرة نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام سنة 622 والتي عرفت بالحقبة الجاهلية لنتعرف على مكتسبات العرب الفكرية إذا صح التعبير خلال هذه الفترة مع التسليم بقلة الوثائق والمصادر التي تطلعنا على أحوالهم وسيد هذه المصادر وعلى رأسها على الإطلاق هو القرآن الكريم ومن ثم التوراة وما جاء من روايات على لسان كتاب التاريخ الإسلامي ومن أشعار الجاهليين ثم ما رواه كتاب الرومان واليونان والاكتشافات الأثرية في بلاد اليمن من نقوش وكتابات حميرية وخطوط أشورية .. الخ.
فخلال هذه الفترة كان للعرب صلات مع الأمم الأخرى بحكم توسط هذه البلاد بين أمم العالم فهي صلة الوصل بين الشرق والغرب ـ الهند والحوض المتوسط ـ فهي المعبر للقوافل التي تمر عبر الجزيرة العربية من شتى أطرافها، فنجد عرب الجنوب وبتجارتهم مع الهند ومصر ودول بحر الروم أسسوا لهم مستعمرات في شمال الجزيرة على طول معبر القوافل والتي أصبحت فيما بعد النواة لدويلات مثل عرب تدمر وأنباط البتراء وغساسنة بصرة ولخميي الحيرة وكان منهم آل يثرب وآل كندا في الحجاز ونجد.
وعلى هذا يمكن إرجاع أهم عوامل اتصال العرب بالأمم الأخرى إلى الموقع الجغرافي التجاري المميز والممتاز ـ ففي العصر الحديث كان هذا الموقع مطمع لكل مستعمر غاز ـ والذي جعلها ممر ومعبر لكافة النشاطات التجارية وبسبب مجاورتهم لمناذرة الحيرة وغساسنة الشام ومن اهم أسباب اتصالهم بالأمم الأخرى أيضاً إقامتهم للمواسم وأسواق التي كانت تؤمها بقية الأجناس الأخرى ـ هنود، فرس، رومان. ـ عداك عن تشكل حواضن للأمم الأخرى داخل الحمى العربين (جاليات) ولا ننسى أيضاً قيام أفراد وجماعات من العرب برحلات هدفها إما التجارة أو طلب العلم فكل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى اكتساب العرب بعض المعارف ونشأ لديهم تيارات فكرية مختلفة، إذن حتمية هذا التماوج والاختلاط مع الشعوب الأخرى لا بد أن يأتي بالمحصلة بنتائج نجملها بالتالي :
1- العقائد والتي اخبرنا عنها القرآن الكريم ـ وهذه من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم ـ وديانات العرب في الجاهلية اليهودية والنصرانية والوثنية.
2- أما معارف العرب في المجال الطبيعي والفلكي فكانت صلتهم بالكلدانيين وصابئة وقد عرف عن هؤلاء الإلمام بعلوم الفلك والتنجيم وعلم الأنواء وعرفوا السيارات السبعة وعرفوا أيضاً أبراج الشمس ومنازل القمر وقسموا السنة إلى اثني عشر شهراً قمرياً وكان الشهر عندهم مقسوماً إلى أسابيع وأيام الأسبوع عندهم : اوهد (الأحد)، اهون (الاثنين)، جبار (الثلاثاء)، دبار (الأربعاء)، مؤنس (الخميس)، عروية (الجمعة)، شيار (السبت).
3- أما معارفهم في المجال الطبي فكان اعتمادهم على الأعشاب فقد عرفوا فوائدها وخصائصها ثم اعتمدوا الكي والفصد وعلى الرقي والتمائم والعزائم ومن أطبائهم المشهورين (لقمان الحكيم وابن حذيم والحرث بن كلدة).
4- والعرب قبل الإسلام سادت لديهم معتقدات وأساطير تتعلق بالجن والغيلان والسعالى والقرناء والتوابع وما نبع عنه من صلات الجن بالكهان والسحر .. الخ.
5- أما حصيلة الفكر الجاهلي والذي نقل إلينا عبر الأمثال والحكم والشعر الزهدي والديني سنوردها، أما ما جاء في المواعظ والخطب فلا يمكن الاعتماد عليه لافتقاره إلى المستند الدقيق.
6- أما الحكم والأمثال فالعرب شديدو الميل إلى ضرب الأمثال واعتماد الحكمة ليصح كلامهم ويتزن ويقوى ولقد وصلنا منها الكثير وأيضاً حكمهم فقد قال عامر بن الظرب حكيم العرب للملك الغسانى حينما خافه على نفسه وأراد أن ينجو منه : (أن لي كنز علم وأن الذي أعجبك من علمي إنما هو من ذلك الكنز احتذى عليه وقد خلفته خلفي فإن صار في أيدي قومى علم كلهم مثل علمي فأذن لي حتى ارجع إلى بلادي فاتيك به) أما الحكمة فنجد اشهر حكماء العرب في الجاهلية لقمان الذي راح مضرب المثل في الحكمة والتوحيد وله كتاب باسمه يدعى مجلة لقمان وكان له اتباع وقد قيل عنه أول من سن رجم الزوجة الخائنة.
7- أما بخصوص الشعر فقد كان لهم ذلك العالم الذين من خلاله يسمو بالروح فوق كل ما هو مادي، فظهر شعرهم بمختلف أغراضه ومنه شعر التدين وشعر حنفى ونذكر ونحن بهذا الصدد ما قاله زيد بن نفيل :
وأسلمت وجهى لمن أسلمت • • • له الأرض تحمل صخرا ثقالا
وأسلمت وجهى لمن أسلمت • • • له المزن تحمل عذبا زلالا
هذه هي حصيلة الفكر الجاهلي تناولناها بأمانة وباختصار وبحدود المتاح فهل يا ترى ممكن أن تشكل بمجموعها فكراً صحيحاً سليماً ؟
الحق أن العرب قبل الإسلام لم يكن لهم التفكير الفلسفي السليم والصحيح ولكن عرفوه مع بزوغ فجر الإسلام وبظهور دستور الأمة الإسلامية كتاب الله العزيز وحامل الرسالة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
على كل الأحوال فرسالة الإسلام خالدة فهي التي خلدت الإنسان ولا تنتظر من يخلدها فلو قدر وجمع ما كتبه علماء الإسلام في شتى الحقول لظهر وبجلاء عظمة ما قدموه للإنسان والإنسانية جمعاء فلم ولن تبلغه وما بلغته أي أمة على وجهه الأرض فلقد جاء على لسان احد العلماء (ولكن أثآر العرب العلمية ما تزال مهملة وقد فقد اكثرها ولو لم يترجم بعضها إلى اللاتينية ويأخذ أقطاب النهضة العلمية في أوروبا عنها المبادئ الأساسية ويأخذ عن هؤلاء من تبعهم حتى بلغ العلم ما بلغه اليوم لتأخرت النهضة العلمية في العالم قرونا عدة).
فالفكر العربي الصحيح الوليد الشرعي للرسالة الإسلامية التي جاءت عامة وشاملة فتناولت اعظم ألأمور وأدقها وجاءت للبشرية جمعاء، إذن كيف لا تكن ذات مضمون فكرى وثقافي وكيف لا تكون الأساس والمنطلق للفكر العربي الصميم بما حوت وحملت ؟
فحضارتنا إسلامية بحتة وبالتالي ما أفرزته يجب أن يكون إسلامي الهوية، وقد اعترف كتاب من الغرب بهذه الحقيقة والتي لا ينكرها احد من أمثال آدم متز وفاسيلس بارتولد وجاك ريسلروجوستاف جرون باوم وهاملتون جب .. الخ، فأسموها حضارة الإسلام لا حضارة العرب، لأن كل المنجزات تمت في ظل الإسلام.
ألا يكفي أن جل علماء الإسلام لم يكونوا من العرب بل جمعنا معهم السلام وتربوا في ظله فكانوا سادة العلم والفكر باعتراف القاصي والداني كيف لا ونحن نعلم أن رسالة الإسلام عامة وشاملة وعالمية بل كونية فقد قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات : 13).
على كل الأحوال الحضارة ربيبة العلم والعلم بنسبة لنا نحن أبناء الإسلام نسعى إليه من واقع كتابنا العزيز الذي نؤمن به (الرَّحْمَٰنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (الرحمن : 1-2-3-4) وهدي رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قائدنا وقدوتنا والحالة هذه ليس هنالك ما يدعوا لشك في أن العلم هو الدافع الوحيد للإبداع والخلق والتدبر والتفكر وكل هذه مجتمعات تنبت حضارة وتنشئ المعرفة وتكوّن الفكر السليم الصحيح.

وللفائدة نسوق ما قاله أحد العلماء الأجلاء وهو في معرض حديثه عن ذات الموضوع : (تلك سمات عامة للمجتمع العربي قبل الإسلام وهو برغم ما احتوى من قيم ومعانٍ كريمة فأن أكثر جوانبه كانت من التعفن والاهتراء بحيث لا تصلح من تلقاء نفسها لأن تطور وتخلق حضارة فال الحرب ولا السلب ولا المقامرة ولا افتقاد الأمن ولا العصبية العمياء ولا عبادة الأصنام ـ مهما رافقها من فروسية وكرم وتعشق للحرية وإباء الضيم ـ بصالحة لأن تنتج حضارة وتخلق مدنية وإنما سبيل تلك الحضارة ونبع تلك المدنية مصدر آخر هو رسالة السماء بتعاليمها السلمية التي وحدة المتفرق وعلمة الجاهل ومدّنت المتأخر وقوّمة المعوج وأمنت العدل ورقت العقل وحضت على العلم ودعت إلى مكارم الأخلاق وعبادة الواحد الخلاق) فحضارة بهذه العظمة جديرة بأن تفرز فكراً سليماً صحيحاً. فأنعم بالإسلام وأنعم برسالته الجليلة الخالدة.