بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : أ. د. عبدالله سالم بافرج.
إجمالي القراءات : ﴿10056﴾.
عدد المشــاركات : ﴿8﴾.

الدعاء : الفضل ــ الآداب ــ موانع الإجابة ــ الوعد بالإجابة.
■ أمر الله تعالى بالدعاء, وحض عليه, وسماه عبادة, ووعد بأن يستجيب للسائل فقال تعالى : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (سورة البقرة : آية 186).
بدئت الآية بالاستفهام للتشويق إلى ما يرد بعده من الجواب, والمعنى وإذا سألك يا محمد عبادي عني أين أنا ؟ فإني قريب منهم أسمع دعاءهم، وأجيب دعوة الداعي منهم, فهو تعالى الرقيب، الشهيد، المطلع على السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو قريب أيضاً من داعيه بالإجابة, والله تعالى لا يخيب دعاء داع، ولا يشغله عنه شيء، (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء) (سورة إبراهيم : آية 39), وعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِىٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِى مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْراً". رواه أبو داود, وقال الألباني : صحيح.
وقال تعالى : (فَإِنِّي قَرِيبٌ) ولم يقل : فقل لهم إني قريب؛ لأن الله تعالى تولى جوابهم عن سؤالهم بنفسه, إذ حذف في اللفظ ما يدل على وساطة النبي صلى الله عليه وسلم, تنبيهاً على شدة قرب العبد من ربه في مقام الدعاء؛ ولهذا قال : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ)، وفي هذا ترغيب في الدعاء، وأنه لا يضيع لديه تعالى، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يدَعَو بِدَعْوَةٍ ليس فِيهَا إِثْمٌ ولا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَها لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يصرف عَنْهُ مِنَ السوء مَثَلَهَا"، قَالُوا : إِذاً نُكْثِرُ ؟ قَالَ : "اللَّهُ أَكْثَرُ". رواه الإمام أحمد وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده جيد.

■ وهناك آداب للدعاء ينبغي للداعي أن يراعيها فمنها :
الإخلاص في الدعاء, والتوبة والرجوع إلى الله تعالى، واستقبال القبلة, و الدعاء على حال طهارة, وافتتاح الدعاء بالثناء على الله عز وجل وحمده, والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه و سلم، ورفع اليدين حال الدعاء, والتضرع والخشوع والتذلل, والرغبة والرهبة، والتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، والإلحاح, واختيار جوامع الدعاء, وتحري الأوقات الفاضلة كوقت السحر، وآخر ساعة من يوم الجمعة، ووقت نزول المطر، وبين الأذان والإقامة, وتحري الأماكن الفاضلة كالصفا والمروة, وعرفة, والمشعر الحرام, وعند الجمرتين الصغرى والوسطى دون الكبرى؛ عند أداء المناسك؛ وذلك لأن هذه المواضع قد شرفها الله تعالى, وتعبدنا بتعظيمها, وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد في الدعاء في هذه الأماكن.

■ موانع إجابة الدعاء :
ويجتنب موانع إجابة الدعاء كالاعتداء في الدعاء كسؤال الله عز وجل ما لا يجوز سؤاله, أو أن يدعو بإثم, أو محرم, أو الدعاء على النفس بالموت و نحوه, ويجتنب استعجال الإجابة؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : "لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ, أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ, مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ". قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الاِسْتِعْجَالُ ؟ قَالَ : "يَقُولُ : قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِى؛ فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ". رواه البخاري ومسلم, وهذا لفظ مسلم رخمه الله. ويجتنب رفع الصوت حال الدعاء, وأكل المال الحرام, ويجتنب عدم العزم في الدعاء كأن يقول: اللهم اغفر لي إن شئت؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلاَ يَقُلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ, وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ, وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ". رواه البخاري ومسلم, وهذا لفظ مسلم رحمه الله.

■ الوعد بالإجابة :
فمن أتى بأسباب إجابة الدعاء, ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء؛ فإن الله قد وعده بالإجابة، (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ), ثم قال تعالى: (فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، أي: يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة، ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة.