من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : عماري جمال الدين.
إجمالي القراءات : ﴿5385﴾.
عدد المشــاركات : ﴿19﴾.

النفس الإنسانية مد وجزر.
■ هكذا هي طبيعة النفس البشرية كما خلقها الله عز وجل، صاعدة وهابطة، خيرة وشريرة، مؤمنة وكافرة. لديها قابلية للانزلاق نحو البربرية والتوحش والتشبه بالحيوانية، والهبوط إلى أسفل سافلين، كما ذكر القرآن الكريم : (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) (التين : 5) وقوله تعالى : (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (يوسف : 53) وقوله تعالى : (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) (النساء : 28) وقوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران : 14) وغيرها من الآيات التي تشير إلى بذرة الشر في الإنسان (إن في داخل كل منا وحشاً كامناً يتلمظ، وينتظر الفرصة المناسبة للانقضاض، وقد استهدفت الشرائع والرسالات السماوية حماية الإنسان من شرور نفسه، ومساعدته على السيطرة عليها) (بناء الأجيال - عبدالكريم بكار) إنه مخلوق يشتمل على نقطة ضعف هي حب الشهوات ونسيان العهد وتنكب طريق الهدى والكفر بآيات الله، والاستغراق في أنانية وحمق وغرور قاتل، وجهل فاضح بأمر الله، وما التطاحن والصراعات، والحروب والمآسي التي تتخبط فيها كثير من الشعوب قديماً وحديثاً إلا نتيجة للأحقاد والعداوات والنوايا الخبيثة التي يستبطنها الطاغية بين جوانحه، وصدق الله العظيم وهو الأعلم بخبايا النفوس وخفاياها حين قال : (قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) (عبس : 17) وقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران : 118).
ولديه قابلية للارتقاء والسمو والتشبه بالملائكية، قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) (الشمس : 9) وقال تعالى : (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) (الفرقان : 63) وقال تعالى : (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران : 134) وفي فطرته أنه يستطيع التوجه إلى الله، والاستمداد من هداه (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة : 38) وفيه القدرة على الارتفاع إلى أقصى مدى، وفي الحديث الشريف (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه إلا غشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وحفت بهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) صحيح مسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن أستعاذني لأعيذنه) رواه البخاري، وكثير ممن أنعم الله عليهم، من النبئين والصديقين والشهداء والصالحين، ومن سار سيرهم واقتفى أثرهم، الذين التزموا نهجه القويم، واتبعوا سنة نبيه الكريم، فهداهم إلى سراطه المستقيم، فعاشوا الحياة الطيبة الكريمة، فعلوا الخير، وعمروا الأرض، وسعوا في إصلاحها، أفادوا البشرية بما حباهم الله به من فضل، تركوا بصماتهم تشهد عليهم، ومضوا في طريقهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، أولئك هم الأكياس الفطناء السعداء.

هكذا هو الإنسان مخلوق بطبيعة مزدوجة، فيه القدرة على الارتقاء إلى أقصى المدى، والقدرة على الهبوط إلى الحضيض الأسفل (فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ۝ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ۝ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ ۝ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ) (النازعات : 37، 38، 39، 40، 41) والذي يتحدث عن النفس الإنسانية في القرآن الكريم هو خالقها العليم بأسرارها وخفاياها (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق : 16) وقوله تعالى : (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك : 14) والإنسان ليس ملكاً منزهاً عن الأخطاء، ولا حيواناً محكوم بضروراته، وسبيل الانعتاق من قيود المادة وثقلها والخلود إلى الأرض، والتحليق والسمو بالروح نحو الآفاق، لا يتم إلا بتجديد الإيمان والاجتهاد في الطاعات، وترك المنهيات، والمبادرة إلى العمل الصالح ولذلك عرفوا الإيمان بقولهم : (هو إقرار بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي).