من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

النادرون ﴿3288﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. أحمد محمد أبو عوض.
إجمالي القراءات : ﴿3753﴾.
عدد المشــاركات : ﴿723﴾.

الطرق التربوية للداعية المسلم.
■ من المعلوم أن رؤية الإنسان وكينونته وسلوكه أمور محكُومة بتنشئته وتربيته (رَبّ) الابن : وَليه وتعهده بما يغذيه وينميه ويؤدبه ويرقيه في مراتب التدين واكتساب مهاراته، وسبل دعوته - (دعا) بالشيء، دعواًً، ودعوة، ودعاء : طلب وتطلب إحضاره - لاختيار مواقفه، واستحضار أدواته في التعامل مع القضايا وتقويمها، والحكم عليها وفق دين الإسلام القويم شرائع وشعائر، عبادات ومعاملات .. إلخ.
فنحن حصاد تربيتنا، وعندما تتغير بنية التربية نتغير نحن أيضاً، ومن غير شك أيضاً أن كل أنواع التربية ونظمها ونظرياتها وفلسفاتها، تستند إلى عقائد "أيدلوجيات" وعلينا أن نرسخ ما يناسبنا وفق ديننا الحنيف كي لا يحدث ذلك "الفصام النكد".

■ وهذه العملية التربوية الدعوية الإسلامية لها خصائص وسمات، وعناصر وأطراف، وآليات ووسائل، وأهداف وغايات،فمن خصائصها أن :
● القرآن الكريم والسنة النبوية المصدر الأساس لها :
فتعّميق صلة القلوب بربها. عقيدة، وتوثيق عرى، علاقة العبد بخالقه. معرفة، وإيماناً، وحباً وطاعة، وسلوكه ومعاملته نحو نفسه وإخوانه والآخرين لن يتأتى إلا بجعل القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة (الرسول الأنموذج العملي، القدوة، كان خلقه القرآن) المصدر الأساس للتربية، فهما منهج الإصلاح والصلاح، ومحور الهداية والاهتداء للتي هي أقوم.
لقد دأب رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - في منهاجه التربوي الدعوي على ترسيخ ذلك الارتباط بالقرآن وسنته الشريفة، يقول صلى الله عليه وسلم : (لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء، فيخبروكم بحق، فتكذّبوا به، أو باطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني) [أخرجه أحمد، وابن أبي شيبة، والبزار، من حديث جابر، أن عمر، أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتاب، أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه عليه، فغضب صلى الله عليه وسلم .. الحديث]، وقال صلى الله عليه وسلم : (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة)، [أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه].
فالمصدرية الوحيدة، حينما تكون للقرآن والسنة، في المجال التربوي الدعوي، تضمن السلامة من كثير من الأمراض التربوية وعللها.

● ربانية :
تنقية وإخلاص القصد التربوي ترتكز على عملية إيقاظ الإيمان، وعلى اكتساب مستمر للخبرات الإيمانية التي تؤثر في الوجدان والسلوك، وعماد التربية الربانية هو القلب الحي الموصول بالله تبارك وتعالى، الموقن بلقائه وحسابه، الراجي رحمتَه، الخائف من عقابه .. إلخ، قال الحسن البصري، في علم الحديث : (لقد طلب أقوام هذا العلم، ما أردوا به الله وما عنده، فما زال بهم حتى أرادوا به الله وما عنده)، وقال سفيان الثوري : (كنا نطلب العلم للدنيا، فجرنا إلى الآخرة)، وعن معمر قال : (إن الرجل ليطلب العلم لغير الله، فيأبى عليه العلم، حتى يكون لله)، ولذلك فقد كان طلب الحديث عندهم، طلباً لتطبيقه أيضاً.

● شاملة متكاملة متوازنة، ومستمرة :
فالتربية الشاملة المتكاملة المتوازنة، والمستمرة نابعةٌ من تكامل منهج الإسلام في إمداد الإنسان المسلم بكل الجوانب اللازمة لاستمرار صلاح حياته، وكذلك نابعةٌ من إيماننا بشمول المنهج الإسلامي وتكامله وتوازنه، فلا يُرضى بالإسلام إلا شاملاً كاملاً، وكذلك تناسق التكوين واتزانه واستمراره .. معرفةً وتصورًا عقليًّا، وروحًا ووجدانًا قلبيًّا، وتصرفًا وسلوكًا حركيًّا.

● اعتماد منهج التكوين، دون منهج التلقين :
لم يكن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، يعتمد شيئاً غير القرآن، وسنته المطهرة، باعتبارها تفسيراً له، وكان يوجه الصحابة إلى اكتشاف قدراتهم الذاتية، ومواهبهم الفطرية، وتنميتها بالعمل قائلاً : (اعملوا فكلٌ ميسرٌ لما خُلق له)، ويقرُّ المختلفين من أصحابه، على الاجتهاد، المصيب منهم والمخطئ، على السواء كما هو معلوم في حديث بني قريظة المشهور، مربياً إياهم ومشجعاً لهم على التزام العقلية الاجتهادية المبادرة وفق شروطها، وكثيراً ما حث ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه على إثارة السؤال أولاً، حتى إذا سُئلوا، أَعَمْلُوا فِكْرَهُم، محاولين التوصل إلى الإجابة، فإما أجابوا، وإما عجزوا، ويكونون حينئذ، قد تلقوا درساً في ضرورة التفكير الشخصي، والتنشيط العقلي، في الفهم والاستنباط، ثم يقرهم على جوابهم، أو يصحح لهم بإجابته - صلى الله عليه وسلم -، ونماذج هذا الأسلوب كثيرة جداً، منها قوله - صلى الله عليه وسلم - : (أتدرون ما الغيبة)؟ وقوله أيضاً : (أتدرون مَن المُفلس)؟ .. إلخ.

● إسنادها العمل ــ الفعل التربوي ـ لمرب ذو خصائص :
1- معرفية : وتشمل خلفية المربي المهنية وخبراته التربوية السابقة وفعاليته الدعوية والتربوية، وتشمل أيضًا اتساع ثقافة المربي وتنوعها ومعرفته للمسائل التي تقع خارج إطار تخصصه خاصة في المجالات الاجتماعية والأدبية، وتشمل أيضًا المعرفة الواسعة من المربي بالمتربي كمعرفة اسمه وبعض خصائصه ودراسته وهواياته وغيرها من المعلومات المفيدة عن المتربي.
2- أسلوبية : وتشمل مهارة المربي في استخدام الأساليب المباشرة وغير المباشرة في التربية والتعليم وقدرته على استخدام المقدمات والمداخل والأساليب التمهيدية عند نقل المعلومات والخبرات للمتربي.
3- وجدانية : وتشمل بعض الصفات التي يجب أن يتحلى بها المربي ليكون قدوة ومؤثراً في المتربي، وهي الإخلاص والعدل بين المتربين، والأمانة في التعامل معهم والجود بالوقت والمال والنفس والرحمة على الناس كافة وعلى المتربين أكثر.
4- اتصالية : وتشمل ثلاث خصال وهي المرونة والتي من خلالها يستطيع المربي تقدير المواقف والتعامل معه في حدود الاستطاعة، ثم التوازن الاتصالي وعناية المربي بحسن الخطاب والحوار مع المتربي، ثم القرب من المتربين والجلوس معهم واستقبالهم.

● التعلق بمنهج وسلوكيات التربية لا بشخوصها :
إنها قلوب تعيش في الأرض، لكنها تتغذى بنور السماء، وكان حضور الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ذلك حضور المربي الذي يبين ويعمق ويربي ويصوغ نماذج حية تجسم الإسلام : (لا تُطْرُوني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله).
ما صدر من عمر بن الخطاب، - رضي الله عنه - يوم وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : (والله ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليبعثنه الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم)، فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : (أيها الحالف على رسلك !) فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله، أبو بكر، وأثنى عليه، وقال : (ألا من كان يعبد محمداً، فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت)، وقال : (إنك ميّتُُ وإنهم ميّتُون) (سورة الزمر : 30).

● اهتمامها بالقدوة، وتجسيد القيم السماوية في الفعل الإنساني للوصول للتي هي أقوم :
إنما يتحقق ذلك من خلال عزم البشر في العلم والتعلم، والتزكية والتربية، والعبادة والدعاء، والمجاهدة والاجتهاد، والصبر على البلاء، والوقاية من التدسية، واحتمال الشدائد، والثبات على الحق، والرجوع عن الباطل، وشيوع المناصحة في العلاقات الفردية، والشورى في الحكم، واعتماد الخبرة والتخصص في العلم، وممانعة الشهوات والرغائب، وعدم الخلط بين الأمنيات والإمكانيات في تحقيق الأهداف، وتنمية المهارات، وتحقيق الرؤية الإسلامية في مجالات الحياة، والدلالة بالفعل الملتزم بالشرع على واقعية القيم الإسلامية وإمكانية تجسيدها في حياة الناس، والعمل على اكتساب المهارات اللازمة لحمل هذه الأفكار، وترجمتها إلى أعمال وأفعال (راجع عمر عبيد حسنة في تقديمه لكتاب : "مهارات التربية الإسلامية" ـ العدد 106 من سلسلة كتاب الأمة الصادرة في قطر).

● التكوين المتدرج، والتخول بالموعظة :
منهج تربوي وتعليمي عام، ويطبق ـ وقتاً وعدداً ومنهاجاً وتفقهاً ودراية، وتعلماً وتعليماً .. إلخ، وفق نوعية ومراحل المدعوين، فقد سبق عن أبي وائل، شقيق بن سلمة، قال : (كان ابن مسعود - رضي الله عنه -، يذكرنا في كل خميس مرة فقال رجل : يا أبا عبدالرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، فقال : أما إنه يمنعني من ذلك، أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بها مخافة السآمة علينا).
قال عمر بن الخطاب، - رضي الله عنه - : (تفقهوا قبل أن تسودوا)، ومر علي بن أبي طالب، - رضي الله عنه - بقاص، أي واعظ، فقال له : (أتعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال : لا، قال : هلكت، وأهلكت)، وكان التعليم الذي قام به الصحابة، ذا مضمون تربوي مقصود.

● مراعاة الخصائص الذاتية (الفروق الفردية) لكل فرد محل التربية :
كان - صلى الله عليه وسلم - يراعي وينمي الخصائص الذاتية / الفردية لكل فرد من الصحابة، ولذلك كان جوابه يختلف كلما سُئل : (أي الأعمال أفضل ؟) مراعياً بذلك حال السائل وطبيعته، فيجيب مرة بقوله - صلى الله عليه وسلم - : (أفضل الأعمال، الإيمان بالله وحده، ثم الجهاد) إلى آخر الحديث، ويجيب مرة أخرى بقوله : (أفضل الأعمال، الصلاة في أول وقتها)، وكذلك : (أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سروراً ..) الحديث .. إلخ، وينظر إلى عبدالله بن عمر، فيرى فيه أهلية لصلاة الليل، فيقول فيه : (نِعم الرجل عبدالله، لو كان يصلي من الليل)، وعندما يُسلم خالد بن الوليد، وهو قائد عسكري بطبعه، فيزكي فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الموهبة، ويوجهها إلى خدمة الحق : (نِعمَ عبدُالله، خالد بن الوليد : سيف من سيوف الله)، ويقول في أبي عبيدة بن الجراح : (إن لكل أمة أميناً، وأن أميننا ـ أيتها الأمة ـ أبو عبيدة بن الجراح)، ويدعو - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس قائلاً : (اللهم علّمه الحكمة، اللهمّ علمه الكتاب)، وقال - صلى الله عليه وسلم - : (أرحم أمتي بأمتي : أبو بكر، وأشدهم في أمر الله : عُمر، وأصدقهم حياءً : عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله : أبيّ بن كعب، وأفرضهم : زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام : معاذ بن جبل، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة: أبو عبيدة بن الجراح)، إلى غير ذلك من الأحاديث التي تضع الأسس للعناية بمواهب المدعوين، وتنمية خصائصهم الذاتية، واستمرارية معايشتهم، ودوام تربيتهم، وصقلهم.

● الاستفادة من مراجع تربوية أخرى :
إن اعتماد منابع أخرى للتربية، تساعد على فهم النصوص الشرعية، وفهم النفس الإنسانية، والمجتمع الإنساني، والواقع المتطور المتجدد .. إلخ، أمر غير منكور لكن ليس باعتبارها مصادر، ولكن فقط باعتبارها مراجع، تساعد على تنزيل الحقائق الإسلامية، المستفادة من النصوص الشرعية، في النفس والمجتمع.
أما التربية الوضعية، فتعتمد الفكر البشري في تربية الأفراد، باعتباره المنبع الأول للمفاهيم التربوية، سواء كان هذا الفكر ذوقاً صوفياً أو فهماً عقلياً، وإن كان ثمة من نصوص شرعية في هذه الوساطات، فلا تبلغ المتلقي في نسقها القرآني، أو الحديثي، فالمصدرية هاهنا إذن لا تكون للنصوص الشرعية، وإنما لإفهام المربين.
أما إخضاع المتربي، لتكوين تربوي ينتظم النصوص .. قرآناً وسنة، الواردة في هذا المفهوم وحثه على مساهمته الشخصية في مدارستها، وتنبيهه إلى معانيها العميقة، وربطه مباشرة بها، من مثل قوله - تعالى - : (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أُوتُوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) (سورة الحديد : 16)، هذا فضلاً عن كون التربية المصدرية تربية شمولية، لأن الارتباط بالنصوص الشرعية لا يكون إلا كلياً، إذ بعضها يحيل على بعض، وبعضها يفسر بعضها الآخر، المصدرية لا تعني إلغاء المراجع، التي هي فهوم الناس للتدين، تصوراً وممارسة، ولكنها تعني الإبقاء عليها، في سياقها، المرجعي؛ حتى لا تكون لها أبداً السلطة المصدرية، ذات الطبيعة المطلقة، والتعبدية بمعناها المحض، بل تبقى باعتبارها مراجع، تتضمن تجارب دعوية، تفيد كأدوات إجرائية، لحسن الاستفادة من القرآن والسنة باعتبارهما مصدرين تربويين خاصة.

■ صفوة القول :
هذه إطلالة سريعة على بعض خصائص التربية الدعوية. إن ثمة علوما تُدرس، وأبحاثاً تُجرى، ودورات تُعقد، ونظريات تُنشر، وشركات تُنفذ، ومُعدات تُنجز، وميزانيات تُخصص، ومنح داخلية وخارجية تُرصد لضمان تفعيل وتطوير المناهج التربوية، وتعظيم كفاءتها في المنظومة التربوية والتعليمية، لكن ينبغي أن يكون كل هذا وذاك وفق كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، يقول ربنا جل شأنه : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (سورة الشورى : 52)، وصل اللهم وسلم على معلم الناس الهدى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
◄ بتصرف يسير. فريد الأنصاري ــ التوحيد والوساطة في التربية الدعوية (جزأين)، سلسة كتاب الأمة العددين، 47، 48، (جمادي الأولى، والآخرة 1416هـ) قطر.