من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : طارق فايز العجاوي.
إجمالي القراءات : ﴿4016﴾.
عدد المشــاركات : ﴿35﴾.

فض إشكالية الخلط بين العلم والثقافة.
■ بداية اعتقد جازماً أن العلم وسيلة أما الثقافة فهي غاية وعليه فالعلم وسيلة يفترض بها أن توصل إلى غاية بقصد تحقيق التقدم لبنى البشر والرفاهية لذلك فأن الثقافة ليست وسيلة وأنما غاية بحد ذاتها على اعتبار أنها الفعالية الوحيدة التي تؤمن للعقل - الذهن - نوعاً من الصفاء والتوازن وبالتالي فهي الموكلة قطعاً بتهذيب الشخصية البشرية وهى أيضاً تسمو بها إلى أرقى درجات الرقى والكمال.
العلم هو اختصاص قي مجال محدد بينما الثقافة فهي موسوعية لا تقتصر على علم بذاته فرغم ازدياد أهمية الاختصاص في عصرنا الحالي إلا أن الثقافة سمتها الطاغية هي الموسوعية والشمولية فكما قيل عندما تعرف شيئاً عن كل شيء فأنت مثقف بينما عندما تعرف كل شيء عن شيئ فأنت عالم وشتان ما بينهما.
العلم أقل ثباتاً من الثقافة على اعتبار أن العلم ممكن أن ينسى وأيضاً ممكن أن يتغير أو يزول بينما الثقافة من صفاتها الديمومة والشمول والواضح أن كثيراً من النظريات العلمية قد تلاشت واندثرت بعد أن ثبت خطؤها كنظرية دوران الشمس حول الأرض وهذا على سبيل المثال لا الحصر أما المعطيات الثقافية فهي ثابتة باقية ما بقيت الأرض وربما تزداد أهميتها مع مرور الزمن.
المؤكد أن العلم سبق الثقافة ولكن زواله قبلها قطعاً كون الثقافة لا يمكن اكتسابها إلا بعد مرحلة أولية من التعليم ومبناها هذا الأساس الضروري من العلم لذلك هناك قاعدة سائدة عند أرباب الفكر مفادها أن الثقافة هي ما يأتي فيما بعد لذلك الفرد منا يتعلم قبل أن يتثقف وأيضاً قد ينسى ما تعلمه من معلومات ومهارات .. الخ، ولكن تحت أي ظرف لا ينسى ثقافته على اعتبار أن الثقافة هي محصلة قبل أن تكون معارف مفردة وهناك قول وأنا اقدره عند احد علماء الفلسفة وأظنه (هيريو) مفاده أن الثقافة باقية عندما ننسى كل شيء.
بقي فارق جوهري لا بد من الإشارة إليه ألا وهو أن العلم لا وطن له بينما الثقافة وطنية وهذا لا يعنى أن صفة الموسوعية للثقافة تتعارض مع كونها وطنية وعليه فالعلم لا وطن له لذا لا يصح أن نقول هذا عالم مصري أو عالم كورى .. الخ، كون العلم تراث لبنى البشر دون استثناء وعلى العكس من ذلك يجوز لنا أن نقول هذه ثقافة صينية وتلك ثقافة عربية وهذا لا يعنى أن تتأثر قومية أو شعب بثقافة شعب آخر فهذا لا يعارض المفهوم الذي أوردناه والثقافة أيضاً ممكن توريثها وهذه نقطة غاية في الأهمية فاللاحق يحافظ على ما ورثه من السابق وأنا اعتقد أن الثقافة سيفاً يذود عن التراث لذلك نجد بينهم رابط متين وعرى لا تنفصم ولا تنفصل فالإنسان ينال ثقافته الفردية من الصفر أما الأمة بمجموعها لا تبدأ ثقافتها من الصفر وأنما عند حدود درجة معينة من المخزون الثقافي - الكم التراكمي من الثقافة - التي وصل إليها الأوائل - الأجداد - من ابنا جلدتنا. قولاً واحداً إذا كان العلم نصيب الإنسانية جمعاء فالثقافة كما اشرنا أنفاً وطنية الصبغة وعليه ممكن للمؤثرات العالمية أن تحدث أثراً في الثقافة، في حين الثقافة عندما تنبثق عن أبناءها تكون قطعاً وطنية، وبناءا على ذلك لا يمنع بقية الشعوب على وجه الأرض من تذوق تلك الثقافة. ويقيني أن الثقافة لا تستحق لقب - وطنية - ألا إذا حازت لقب الأصيلة ولهذا يجب أن لا تكون دخيلة أو هجينة ولكى تستحق الثقافة لقب الأصيلة يجب أن تتسرب وتتشبع بالتراث والثابت والمثبت أن هذا التشبع - اقصد تشبعها بالتراث - لا يتعارض بالجزم مع المعاصرة والأمثلة كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، والله من وراء القصد.