من أحدث المقالات المضافة في القسم.

د. عبدالرحمن قاسم المهدلي عدد المشاركات : ﴿29﴾ التسلسل الزمني : 1445/02/21 (11:10 صباحاً) عدد القراءات : ﴿23279﴾

مجالس رياض التائبين : المجلس السادس عشر ــ سيد الاستـغفار.
سيد الاستـغفار.
عن شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رضي الله عنه عَنْ الرسول صلى الله عليه وسلم : (سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ قَالَ : وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) (خ (6306).
تضمن سيد الاستغفار : الاعتراف من العبد بربوبية الله وإلهيته وتوحيده، والاعتراف بأنه خالقُهُ العالمُ به، إذ أنشأه نشأة تستلزم عجزه عن أداء حقه وتقصير فيه، والاعتراف بأنه عبده الذي ناصيته بيده فلا مهرب له منه، ولا ولي له سواه، ثم التزام الدخول تحت عهده - وهو أمره ونهيه - الذي عهده إليه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك بحسب استطاعتي، لا بحسب أداء حقك، فإنه غير مقدور للبشر، وإنما هو جهد المقل وقدر الطاقة.
ومع ذلك فأنا مصدق بوعدك الذي وعدته لأهل طاعتك بالثواب ولأهل معصيتك بالعقاب، فأنا مقيم على عهدك مصدق بوعدك، ثم أفزعُ إلى الاستعاذة والاعتصام بك من شر ما فرطت فيه من أمرك ونهيك؛ فإنك إن لم تُعذني من شره وإلا أحاطت بي الهلكة، فإن إضاعة حقك سبب الهلاك.
وأنا أقر لك وألتزم بنعمتك علي، وأقر وألتزم بذنبي، فمنك النعمة والإحسان والفضل، ومني الذنب والإساءة، فأسألك أن تغفر لي وتمحو ذنبي، وأن تقيني من شره، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
فلهذا كان هذا الدعاء سيد الاستغفار، وهو متضمن لمحض العبودية فأي حسنة تبقى للبصير الصادق مع مشاهدته عيوب نفسه وعمله ومِنَّة الله عليه فهذا الذي يعطيه نظرُهُ إلى نفسه ونقصِه ؟!
والعارف من صغرت حسناته في عينه وعظمت ذنوبه عنده، وكلما صغرت الحسنات في عينك، كبرت عند الله، وكلما كبرت وعظمت في قلبك، قلت وصغرت عند الله، وسيئاتك بالعكس.
ومن عرف الله وحقه وما ينبغي لعظمته من العبودية تلاشت حسناته عنده، وصغرت جداً في عينه، وعلم أنها ليست مما ينجو بها من عذابه، وأن الذي يليق بعزته ويصلح له من العبودية أمر آخر، وكلما استكثر منها، استقلها واستصغرها، لأنه كلما استكثر منها، فتحت له أبواب المعرفة بالله والقرب منه، فشاهد قلبه من عظمته سبحانه وجلاله ما يستصغر معه جميع أعماله ولو كانت أعمال الثقلين، وإذا كثرت في عينه وعظمت، دل على أنه محجوب عن الله تعالى، غير عارف به وبما ينبغي له، وبحسب هذه المعرفة ومعرفته بنفسه، يستكثر ذنوبه وتعظم في عينه (1).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : المدارج (1/ 296 و 339).


image الثقافة المجتمعية : مجالس رياض التائبين.