من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : خالد محسن الجابري.
إجمالي القراءات : ﴿5418﴾.
عدد المشــاركات : ﴿21﴾.

المعلمون : هل تعادل حقوقهم واجباتهم ؟
لا يستطيع أحد أن ينكر الدَّوْر الريادي الكبير الذي يقوم به المعلم في سبيل تنمية وازدهار المجتمع، فهو القائد الحقيقي لمسيرة الأمة الحضارية، لذا فقد منحته الأمم المتقدمة تربوياً حقه، فأولته عنايتها، وجعلته يحتل المكانة الاجتماعية العظمى التي تليق به، ويسرت له أسباب العيش الكريم التي تمكنه من القيام بواجبه الضخم على أتم وجه.
ويهمنا هنا في هذا المقام، أن نلم بالعوامل التي تحقق للمعلم ذاته وسعادته، وتجعل منه إنساناً منتمياً مخلصاً وخلاقاً ومبدعاً، وهذه العوامل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالظروف التي تحيط به في المدرسة وفي البيت، فإن إدراك المعلم لحقوقه التي يجب أن يتمتع بها وحصوله على هذه الحقوق أمر له تأثيره الكبير في رفع روحه المعنوية، وتفجير طاقته الكامنة، وبالتالي تمكينه من القيام بالواجبات المنوطة به خير قيام.
وأول هذه الحقوق : أن تكون الأعباء الملقاة على عاتق المعلم معقولة ومحتملة، فكلما كان عدد طلاب الصف قليلاً، كلما كانت الفائدة المرجوة لهم أكثر، وكلما كان عدد الحصص الموكلة إليه أقل، كلما كان إنتاجه أفضل.
فإذا علمنا أن عدد طلاب الصف الواحد في معظم المدارس الحكومية يربو على الخمسة وثلاثين، وأن نصاب المعلم يربو على العشرين في معظم الأحيان، يضاف إلى ذلك مئات الكراسات التي يطالب المعلمون بتصحيحها أسبوعياً، فإننا سندرك حتماً السبب الحقيقي الذي يكمن وراء التخلف الدراسي الذي يعاني منه كثير من طلابنا في مراحلهم التعليمية المختلفة، على الرغم من وجود نخبة من المعلمين المؤثرين يتفاعلون معهم.
وأما الحق الثاني المشروع للمعلم فهو توفير كل الوسائل والتجهيزات المعينة التي قد يحتاج إليها أثناء تأديته لعمله، كالكتب المقررة، والأبنية المدرسية المناسبة، والمختبرات العلمية، ومختلف وسائل الاتصال، وغير ذلك من الأمور التي يمكن أن تخدم البرنامج التربوي المعد للنهوض بالنشء.
وينبغي كذلك أن نحقق للمعلم كيانه، فنهبه الحق في النقاش الديمقراطي ونشجعه على إبداء رأيه حتى ولو كان هذا الرأي مخالفاً لآراء من هم أعلى منه مرتبة تنظيمية في الإدارتين المدرسية والتعليمية.
ومن واجبه علينا كذلك، أن نتجنب قدر الإمكان توجيه اللوم ورسائل لفت النظر إليه، لأن كثرة الانتقادات تجعل مفعولها عكسياً، وتكون سبباً مباشراً في إحباطه بدلاً من تقويمه.
ومن جانب آخر فإن تنمية المعلم أكاديمياً ومهنياً تجعله أكثر اقتناعاً بدوره، وهنا يبرز دور الإشراف التربوي الذي لم يوجد أصلاً إلا لتحسين التعليم ورفع كفاءة المعلمين.
كذلك فإن إشراك المعلم في وضع المناهج المدرسية يولد لديه الرغبة والحماس لتحقيق الأهداف التعليمية المرسومة التي شارك هو في تحديدها.
أما الموضوع الأكثر أهمية الذي يلعب دوراً مهماً في زيادة عطاء المعلم، والذي لم يلق الاهتمام الكافي به حتى الآن، فهو موضوع الإجازات الدراسية، وذلك لأن المعلم يختلف عن غيره من عباد الله العاملين في الدوائر الرسمية والمؤسسات الخاصة إذ أن عمله قائم على التفاعل المستمر بينه وبين طلابه، الأمر الذي يحدث لديه توتراً متزايداً خلال العام الدراسي، هذا التوتر ينبغي إزالته، وإلا فإن عطاء المعلم لن يكون متزناً ولا خصباً في السنوات اللاحقة، لذلك فهو بحاجة لإجازة صيفية كافية لإزالة توتره وتعديل مزاجه.
وتقديراً للدور المقدس والعظيم الذي يقوم به المعلم، فإنه ينبغي أن نتوخى الدقة التامة أثناء تعاملنا معه فنجنبه كل ما من شأنه أن يمس خاطره أو يعكر صفوه، وفي هذا الصدد يجب أن يحاط المعلم بحصانة قانونية فلا يحاكم أمام المحاكم المدنية التي تحاكم عامة الناس، بل تشكل الوزارة محكمة خاصة للنظر فيما يرتكبه المعلمون من أخطاء ومخالفات قانونية، بعيداً عن تدخل رجال الشرطة والقضاء، هذا بالإضافة إلى الحصانة اللازمة ضد وسائل الإعلام المختلفة وخاصة الصحافة.

■ أما أهم الواجبات التي يجب أن يلتزم بها المعلمون فهي :
1ـ العناية بالطلاب، وهذه من أعظم واجبات المعلمين، لأن الطلاب هم أمل الغد ورجال المستقبل الذين تقوم نهضة الوطن وعزته على أكتافهم، والمعلم هو الأمين عليهم، المكلف برعايتهم، وتنشئتهم تنشئة سليمة، وتتم العناية بهم من خلال :
أ ـ تدريبهم على الأسلوب التعاوني في الحياة، وترغيبهم في البحث عن الحقيقة أينما كانت وبأسلوب علمي.
ب ـ التعرف على حاجات الطلاب في المدرسة والبيت والمجتمع والعمل على إشباعها.
ج ـ تبصير الطلاب بمسؤولياتهم تجاه مجتمعهم وأمتهم وعالمهم الذي يحيون فيه.
د ـ تنمية اتجاهاتهم نحو القيم وترغيبهم في الأخلاق الحميدة، وتنفيرهم من الخصال الذميمة.

2ـ لا يقتصر دور المعلم على ما يقوم به تجاه طلابه وإنما يتعدى ذلك للمساهمة الجادة في المجتمع من خلال النشاطات التي تقوم بها المدرسة لخدمة البيئة المحلية، وعليه أن يكون على اتصال دائم بأولياء الأمور ليبحث معهم القضايا التربوية التي تتعلق بمستقبل أبنائهم.

3ـ وفيما يتعلق بواجبات المعلم تجاه زملائه فإن من الواجب عليه :
أ ـ أن يتقبل برحابة صدر كل ما يوكل إليه من أعمال أساسية أو إضافية.
ب ـ أن يحترم وجهات نظر زملائه حتى وإن كانت مخالفة لرأيه.
ج ـ أن يعاون زملائه في تحقيق أهدافهم.
د ـ أن يكون قدوة لزملائه في تأديته لعمله وفي حضوره وانصرافه.
هـ ـ أن يثق بزملائه وبإدارته المدرسية والتعليمية، وأن تكون اتصالاته بالمسؤولين وفق التسلسل الرسمي المتعارف عليه.
و ـ أن يشارك في اجتماعات المعلمين بإيجابية.
ز ـ أن يحرص على عدم التدخل في خصوصيات زملائه.
ح ـ أن يتجنب الاشتراك في التكتلات ومراكز القوى التي تشكلها بعض ذوي النفوس المريضة في المدرسة.

4ـ وأما عن واجبات المعلم تجاه عمله فيمكن تلخيصها فيما يلي :
أ ـ أن يكرس كل وقته للتربية والتعليم، وأن يمتنع عن مزاولة أي عمل آخر مهما كانت الظروف والأسباب، لأن من شأن ذلك أن يشغله عن تأدية رسالته على الوجه الأكمل.
ب ـ أن يخصص جزءاً من وقته خارج المدرسة لرفع كفايته ولزيادة نموه المهني وعليه أن يتخطى حدود الخبرة بمادته العلمية إلى مجالات أخرى تتعلق بإعداد الطالب إعداداً يتناول كافة الجوانب المكونة لشخصيته، فهو بالإضافة إلى خبرته في مادته التي تخصص بها خبير بمختلف أنماط التفاعل مع طلابه حسبما تقتضيه مستويات نموهم المتفاوتة.
ج ـ على المعلم أن يهتم بالآراء والقضايا التربوية الحديثة، وأن يعمل على تنويع ثقافته بكل الوسائل المتاحة، لأن طبيعة عمله تقتضي ذلك، فهو يتعامل مع طلاب يشكل سلوكهم أساساً بفعل معطيات ثقافية غير مدرسية اكتسبوها من البيئة، وبعض أنماط هذا السلوك فاسدة، وغير مرغوب فيها، ويقتضي تغييرها أوتعديلها، وحتى ينجح المعلم في مهنته هذه، لابد أن يكون متنوع الثقافة وغزيرها، وذلك لكي يتمكن من طرح البدائل المناسبة الصالحة.

نخلص مما سبق إلى أن دور المعلم حساس وخطير في المجتمع، وأنه هو الذي ينهض بالأمة أو يهوي بها، وأن العناية الفائقة به تمكنه من القيام بدوره خير قيام، ونحن عندما ننهض به إنما ننهض بالأمة، وعندما نقصر بحقه إنما نقصر بتربية أبنائنا فإن من أبرز الحقائق الشورية التي لا يجب إغفالها هي عدم الفصل بين حقوق المعلمين وواجباتهم.