في الثقافة الفلسفية : الورقة الخضراء

بسم الله الرحمن الرحيم
د. أحمد محمد أبو عوض

اسمُ الكاتب : د. أحمد محمد أبو عوض.
إجمالي القراءات : ﴿2288﴾.
عدد المشــاركات : ﴿726﴾.

◄ في الثقافة الفلسفية : الورقة الخضراء.
■ قالت بنت إن لي أختا مريضة مقعدة على كرسي متحرك، ولم تقدر أو حتى تستطيع أن تمشي بالشارع مثل أفراد كل البيت عندنا من أخوة وأخوات، ريثما أنهم يتحدثون عن وصف رحلة ما أو المشاركة بحفلة ما أو حتى فرحة أطفال الجيران بالحيِّ نفسه، وخاصة الذهاب إلى ملاهي ومنتزهات هذه المدينة. وحيث أنها كانت تحاول أن تعوض ذلك بالنظر كل صباح من نافذة غرفة النوم المشتركة بيننا إلى أوراق شجرة التوت الخضراء اليانعة تسر الناظرين فعلا، بل أنه ثبت من ناحية نفسية أن النظر إلى اللون الأخضر عامة يسبب السرور والفأل الحسن، حيث أن الله تعالى قد وصف أهل الجنة بأنهم بملابس خضر على سرر متقابلين.
ولكن طبعا يعلم ويعرف الجميع أن شجر التوت ومعظم الأشجار والنباتات تسقط أوراقها في فصل الخريف كل عام. فكانت كلما قرب فصل الخريف تصبح أختي المقعدة في حالة نفسية سيئة، لأنها تفسر ذلك المنظر بشجرة جرداء كأنها على موعد من قرب الموت لنفسها قبل تلك الشجرة الجرداء من كل لون وجمال وزينة مثل حالها وكل سطح الأرض عامة في فصل الربيع، وخاصة كل الأشجار والنباتات كافة.
وفعلا في بداية دخول فصل الخريف وقرب فصل الشتاء أصبح ورق كل الأشجار في حديقة بيتنا يتساقط ورقة فورقة ثم إذا هبت الرياح تتساقط معا مئات بل حتى آلاف أوراق كل الأشجار تحتها بل أنها تكون خفيفة وتنقلها الرياح إلى شوارع المدينة المعبدة بالزفت والأسفلت الأسود كما هو معروف بكل مدن وقرى العالم كافة.
ولكن كيف يمكن أن أرى أختي تموت نفسيا بسبب سقوط هذه الأوراق الخضراء اليانعة الجميلة ولونها أصلا نعمة من الله تعالى، لأنه علميا معلوم أن كل الأشجار تتنفس وتتغذى وتعيش من أوراقها بل إن علماء النبات يقولون بأن ورقة الشجرة هو (مطبخ الشجرة كلها)، فإذا لم تتم عملية الضغط الاسموزي (ارتفاع الماء من الجذور إلى الساق والفروع والأوراق) فإن الشجرة سوف تموت لا محالة،
وحيث إنها شخصيا أختي وشقيقة روحي وعمري فأردت أن أساعدها سرا بالعلاج النفسي وأن الشفاء هو من الله تعالى، فقمت بغرس ورقة خضراء صناعية من البلاستيك بنفس حجم ورقة التوت بمسمار ثابت صغير خلال نومها العميق ليلا على غصن واحد فقط من الشجرة، فكانت أختي تنظر لها بكل تفاؤل وتتعجب بكل غرابة كيف بقيت هذه الورقة وحدها على هذه الشجرة الجرداء؟
فقلت لها : إن الله تعالى على كل شيئ قدير، فهو تعالى قادر أن يشفيك على الحركة والقيام بالرحلات معنا بخارج البيت إلى كل منتزه وحفلة فرح لكل الأصدقاء.
فلما سمعت هذا الكلام من قلبي فانهمرت عيونها بالدموع وقالت يا رب العالمين، حقق دعاء أختي وشقيقة روحي لي الآن عاجلا غير آجل.
فأنا قلت : آمين يا رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
وحيث أن الله تعالى قريب سميع الدعاء، وهو رب القلوب فعلا، فقد رأيتها تنفض أقدامها بكل قوة كأن بها تيارًا كهربائيًّا صاعقًا وارتكزت على نفس كرسي المقعدين لها ووقفت كالنخلة الباسقة في السماء وهي تبكي في حضني. وتقول الحمد لله على كل حال فعلا. وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. سبحانك يا كريم يا قادر.
فقلت الحمد لله رب العالمين فعلا إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
هل رأيت إنني أختك من دمك ولحمك بل كنت أنا المريضة نفسيا المقعدة بهذا الكرسي ولست أنت.
فالآن هيا نرى معا هذه الورقة الخضراء اليانعة الوحيدة، فنزلنا أمام أهلي معا وهم في قمة الغرابة من شفاء ارجلها، فقلت لهم إنه الله تعالى فقط. فسكتوا جميعا وأخذوا يبكون من الفرح ويحمدون الله تعالى على قدرته وإجابة كل دعاء كل المؤمنين الصادقين قولا وعملا.
وعندما وصلنا جميعا إلى الشجرة ومسكت الورقة بيدها نفسها، قلت لهم جميعا : هل استحق أن اكون طبيبة نفسية فعلا؟
فقام الجميع بحضني وتقبيلي والبكاء مع قول الحمد لله على كل حال فعلا.
■ المواد المنشورة في مَنْهَل تعبر عن رأي كاتبها. ويحق للقارئ الاستفادة من محتوياته في الاستخدام الشخصي مع ذكر المصدر. مُعظَم المقالات أعيد ترتيب نشرها ليتوافق مع الفهرسة الزمنية للقسم.
Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.