د. محمد الصفى بن عبدالقادر.
عدد المشاركات : 63
1441/04/01 (06:01 صباحاً).
عدد المشاهدات : ﴿﴿4288﴾﴾
الفنانة التشكيلية المغربية : رباب هرباس ــ أعمال تنتشي بوهج الألوان وعيون تتطلع للعالمية.
◄ انطلاقتها كانت موهبة، وحب للرسم منذ الصغر، من خلال نقل كل ما تراه على الورق، بتشجيع من والدها الذي يعد مبدعا هو الآخر، لتمتلك بعد ذلك موهبة فنية إبداعية متميزة وفريدة، عملت على تطويرها، واضعة لها قواعد وأسس خاصة بها على مستوى الموضوع والألوان، جسدتها لوحاتها الفنية المتميزة في عدد من المعارض والتي جذبت أنظار عشاق الفن التشكيلي من فنانين ونقاد، إنها الفنانة التشكيلية رباب هرباس، ابنة مدينة آزمور من مواليد سنة 1994، كانت تتطلع منذ طفولتها لدراسة الفنون التشكيلية، لكن لم تسنح لها الفرصة لدراسة هذا التخصص رغم التحاقها بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء سنة 2013 بل درست الهندسة الداخلية، دراسة لم تمنعها من النهل من معين الفنون التشكيلية، من خلال الاطلاع على كافة المدارس الفنية بمساعدة بعض الأساتذة، لتجد نفسها في الأخير منساقة للمدرسة السريالية ومنها للتكعيبية، لتأثرها الكبير بمدرسة الفنان بابلورويز بيكاسو، وهنا توقفت لخلق أسلوب خاص بها متجليا في الدمج بين المدرستين السريالية والتكعيبية، مكنها من الظفر بالجائزة الثانية ضمن الملتقى الجهوي للفنانين الشباب لجهة دكالة - عبدة في نفس سنة التحاقها بالمدرسة العليا للفنون الجميلة.
رباب هرباس عاشقة للحياة بكل عناصرها وكائناتها، لذا لا عجب ولا غرابة أن تأتى لوحاتها عامرة بما لذ وطاب للعين والإحساس والخيال، مستخدمة ألوانا من عمق الطبيعة، هذه الأخيرة التي تبقى متنفسها ومنبع أفكارها ومشتل موادها المستعملة، فهي بهذا كما تقول "ولدت من أجل الفن وبه تمكنت من بناء شخصيتها". يتميز أسلوبها بالغموض أحيانا وبالسحر والخيال الدافق تارة أخرى، مع بريق ووهج الألوان على القماش الأسود (Velours) وهي خاصية استطاعت من خلالها رباب تحويل الحزن الجاثم على الأسود لفرحة وبهجة بألوانها وأشكالها المضيئة، كما استطاعت أن تبرز اللون الأسود من خلال الأسود نفسه في تناغم تام بين الضوء والظل، متحدية لغة الأسود وباقي الألوان المضيئة بعد دراستها لتقنية تناسق الألوان المستخرجة من عمق الطبيعة، لتخلق بذلك صلة القربى بينها وبين المتلقي من خلال خلق توازن بصري بين عناصر العمل الفني المتمثلة من خلال الألوان والأشكال والخامات، مكونة أعمالا لها شخصية متكاملة تجمع بين قوة التركيب والشكل وتنوع المواضيع والخامات المعتمدة، يقول عنها الفنان التشكيلي مصطفى غماني "الفنانة رباب، فنانة خلوقة، طموحة تهتم في مواضيعها بقضايا المرأة بصفة خاصة من خلال حضورها كتيمة لها دلالاتها والمجتمع بصفة عامة، لا تنتظر إعانة من أي أحد، حيث أنها تعتمد على نفسها من خلال البحث والتجريب، تبدع وتبتكر مقتنعة بأفكارها، تعتبر رباب من التلاميذ الذين أخذوا شيئا من مدرسة الفنان غماني مصطفى، فوظفوه أحسن توظيف واجتهدوا فكان لهم التميز بخلق أسلوب خاص بهم، عموما فهي تسير بخطى ثابتة، وأتنبأ لها بمستقبل زاهر في حقل التشكيل بالمغرب".
وبقراءة عيون متفحصة عابرة في أعمال الفنانة التشكيلية رباب هرباس، يمكننا أن نلاحظ أن أعمالها تحمل في طياتها تنوعا لا حدود له وحلما منحها سعة و ثراء في أفق التعبير وإيصال ما يختلج أحاسيسها ودواخلها كفنانة رقيقة ورهيفة الحس، فمنذ معرضها الأول سنة 2001 وهي ابنة السبع سنوات بإحدى المؤسسات التعليمية، أعلنت تواجدها، ليتوالى هذا التواجد بعد سنوات من التجربة والدراسة بمعارض فردية وجماعية داخل المغرب وخارجه، بكل من الجديدة والدار البيضاء والرباط ودكار وفرنسا وإسبانيا، شاقة طريقها نحو العالمية بتشجيع من نخبة من الفنانين التشكيليين على المستوى الوطني كعبد الرحمان رحول ومصطفى غماني وعبدالهادي بن بلة وعبدالله الشيخ وسعيد كيحيا و... إنها ترسم تفاصيل الأشياء كما حلمت بها بعيدا عن النقل السطحي في محاولة منها للبحث والتجريب في عوالم اللون والشكل، فهي تحاول أن تقول كل ما بداخلها دفعة واحدة لكنها تعود لتجدد المغامرة حين تنتهي من مرحلة إلى أخرى، يختلف فيها اختيارها للألوان بحسب إحساسها بموضوع اللوحة، فلكل لون معنى خاص في نفسها، خصوصا الأسود، فيما باقي الألوان يغلب عليها التمازج بتقنية تبرز من خلالها اللوحة في شكل متألق وجذاب.
من أهم المواضيع التي اشتغلت عليها "رباب" بكل جرأة، (المرأة الإفريقية) التي اعتمدتها قضيتها تتعامل معها كجدلية تقف بين التقليدي والعصري وبين التحرر والانفتاح والهوية الثابتة، إلى جانب كونها الأم المكافحة و المتحدية لظروف الحياة والفقر، فكانت مصدر إلهامها من خلال لون بشرتها وزيها وزينتها ورشاقتها، كعناصر وظفتهم وفق تقنية جمعت بين اللون والضوء والظل على قماش اسود، ألوان مضيئة تدخل البهجة إلى النفس وتبعد مرارة الواقع، فالجمال الأخاذ السامي في لوحاتها، وتنويعات الألوان في صياغتها يأخذك إلى سبر أغوار المرأة الإفريقية والإحساس بكينونتها التي لم تفتقد رغم قسوة الحياة، محولة معها تلك المرأة الإفريقية لحالات ووضعيات مختلفة دون تحديد الجزء العلوي من الجسد "الرأس" وهي رمزية لربما دالة على أن "الجسد واحد والاختلاف حاصل". كما اشتغلت على موضوع (الأسود والأبيض) كتيمة ترمي من ورائها الفنانة أن هذان اللونان قد طغيا على حياة أغلب الناس لدرجة لا وجود للون ثالث في حياتهم، إذ أنهم يحكمون دائما على الأشياء إما بالسيئة أو الجيدة وبالتالي فأصحاب هذه النظرة هم دائما في حالة ترقب و توجس، سعادتهم استثنائية دائما، ومن هنا كانت لوحات "رباب" محاولة الخروج عن هذا التوجس من خلال بسط مجموعة من الألوان الزاهية و الدافئة وفق تشكلات ضوئية تتقاسم مساحات الأبيض والأسود، كسمفونية بنوتات متموجة تبعث على السعادة والتفاؤل. فيما ركزت في موضوع (السيد الفنان) على مؤشرات إيحائية ذات دلالات تبرز حالات الإنسان وصراعاته في الحياة لفرض كينونته بأي أسلوب أو طريقة، أعمال أجادت في تركيب نسيجها اللوني والضوئي بعين الخبيرة في مواد الصباغة، رغم أن خامتها المفضلة كما تقول هي الصباغة الزيتية لأنها علمتها الصبر من خلال تكرار المحاولات، إلى أن أصبحت طيعة بين يدها وهي تدغدغ فضاءات لوحاتها.
تقول رباب "إن مسالك النجاح وطرقه كثيرة، فإذا سعيت لبعضها فلا تكتف بما وصلت إليه، بل اسع إلى أن تسلك مسالك أخرى، بأن تبحث بنفسك عنها لبلوغ النجاح، وأن تنقب عن دروب جديدة لم يسبقك إليها أحد، حتى تكون ناجحا ومبدعا." وبهذا فقد تمكنت رباب من بناء عالمها الفنِي المتميز والخاص من خلال ازدواجيتها للسريالية والتكعيبية بشكل مغاير، استطاعت خلق روح أخرى للوحة ولمدلول العمل الفني، كما استطاعت أن تضيف بصمة تشكيلية بميسم متميز، وظفت فيه لمسات لونية وضوئية فريدة لخدمة مواضيعها، شكلا ومضمونا، إن عوالم الفنانة رباب هرباس اقل ما يقال عنها أنها عوالم ساحرة وجذابة تغري عين المتلقي للسفر معها وفق قراءات تأويلية تهيم فيها المخيلة ويحلو السفر عبر أغوارها.
|| د. محمد الصفى بن عبدالقادر : عضو منهل الثقافة التربوية.
عدد المشاهدات : ﴿﴿4288﴾﴾
الفنانة التشكيلية المغربية : رباب هرباس ــ أعمال تنتشي بوهج الألوان وعيون تتطلع للعالمية.
◄ انطلاقتها كانت موهبة، وحب للرسم منذ الصغر، من خلال نقل كل ما تراه على الورق، بتشجيع من والدها الذي يعد مبدعا هو الآخر، لتمتلك بعد ذلك موهبة فنية إبداعية متميزة وفريدة، عملت على تطويرها، واضعة لها قواعد وأسس خاصة بها على مستوى الموضوع والألوان، جسدتها لوحاتها الفنية المتميزة في عدد من المعارض والتي جذبت أنظار عشاق الفن التشكيلي من فنانين ونقاد، إنها الفنانة التشكيلية رباب هرباس، ابنة مدينة آزمور من مواليد سنة 1994، كانت تتطلع منذ طفولتها لدراسة الفنون التشكيلية، لكن لم تسنح لها الفرصة لدراسة هذا التخصص رغم التحاقها بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء سنة 2013 بل درست الهندسة الداخلية، دراسة لم تمنعها من النهل من معين الفنون التشكيلية، من خلال الاطلاع على كافة المدارس الفنية بمساعدة بعض الأساتذة، لتجد نفسها في الأخير منساقة للمدرسة السريالية ومنها للتكعيبية، لتأثرها الكبير بمدرسة الفنان بابلورويز بيكاسو، وهنا توقفت لخلق أسلوب خاص بها متجليا في الدمج بين المدرستين السريالية والتكعيبية، مكنها من الظفر بالجائزة الثانية ضمن الملتقى الجهوي للفنانين الشباب لجهة دكالة - عبدة في نفس سنة التحاقها بالمدرسة العليا للفنون الجميلة.
رباب هرباس عاشقة للحياة بكل عناصرها وكائناتها، لذا لا عجب ولا غرابة أن تأتى لوحاتها عامرة بما لذ وطاب للعين والإحساس والخيال، مستخدمة ألوانا من عمق الطبيعة، هذه الأخيرة التي تبقى متنفسها ومنبع أفكارها ومشتل موادها المستعملة، فهي بهذا كما تقول "ولدت من أجل الفن وبه تمكنت من بناء شخصيتها". يتميز أسلوبها بالغموض أحيانا وبالسحر والخيال الدافق تارة أخرى، مع بريق ووهج الألوان على القماش الأسود (Velours) وهي خاصية استطاعت من خلالها رباب تحويل الحزن الجاثم على الأسود لفرحة وبهجة بألوانها وأشكالها المضيئة، كما استطاعت أن تبرز اللون الأسود من خلال الأسود نفسه في تناغم تام بين الضوء والظل، متحدية لغة الأسود وباقي الألوان المضيئة بعد دراستها لتقنية تناسق الألوان المستخرجة من عمق الطبيعة، لتخلق بذلك صلة القربى بينها وبين المتلقي من خلال خلق توازن بصري بين عناصر العمل الفني المتمثلة من خلال الألوان والأشكال والخامات، مكونة أعمالا لها شخصية متكاملة تجمع بين قوة التركيب والشكل وتنوع المواضيع والخامات المعتمدة، يقول عنها الفنان التشكيلي مصطفى غماني "الفنانة رباب، فنانة خلوقة، طموحة تهتم في مواضيعها بقضايا المرأة بصفة خاصة من خلال حضورها كتيمة لها دلالاتها والمجتمع بصفة عامة، لا تنتظر إعانة من أي أحد، حيث أنها تعتمد على نفسها من خلال البحث والتجريب، تبدع وتبتكر مقتنعة بأفكارها، تعتبر رباب من التلاميذ الذين أخذوا شيئا من مدرسة الفنان غماني مصطفى، فوظفوه أحسن توظيف واجتهدوا فكان لهم التميز بخلق أسلوب خاص بهم، عموما فهي تسير بخطى ثابتة، وأتنبأ لها بمستقبل زاهر في حقل التشكيل بالمغرب".
وبقراءة عيون متفحصة عابرة في أعمال الفنانة التشكيلية رباب هرباس، يمكننا أن نلاحظ أن أعمالها تحمل في طياتها تنوعا لا حدود له وحلما منحها سعة و ثراء في أفق التعبير وإيصال ما يختلج أحاسيسها ودواخلها كفنانة رقيقة ورهيفة الحس، فمنذ معرضها الأول سنة 2001 وهي ابنة السبع سنوات بإحدى المؤسسات التعليمية، أعلنت تواجدها، ليتوالى هذا التواجد بعد سنوات من التجربة والدراسة بمعارض فردية وجماعية داخل المغرب وخارجه، بكل من الجديدة والدار البيضاء والرباط ودكار وفرنسا وإسبانيا، شاقة طريقها نحو العالمية بتشجيع من نخبة من الفنانين التشكيليين على المستوى الوطني كعبد الرحمان رحول ومصطفى غماني وعبدالهادي بن بلة وعبدالله الشيخ وسعيد كيحيا و... إنها ترسم تفاصيل الأشياء كما حلمت بها بعيدا عن النقل السطحي في محاولة منها للبحث والتجريب في عوالم اللون والشكل، فهي تحاول أن تقول كل ما بداخلها دفعة واحدة لكنها تعود لتجدد المغامرة حين تنتهي من مرحلة إلى أخرى، يختلف فيها اختيارها للألوان بحسب إحساسها بموضوع اللوحة، فلكل لون معنى خاص في نفسها، خصوصا الأسود، فيما باقي الألوان يغلب عليها التمازج بتقنية تبرز من خلالها اللوحة في شكل متألق وجذاب.
من أهم المواضيع التي اشتغلت عليها "رباب" بكل جرأة، (المرأة الإفريقية) التي اعتمدتها قضيتها تتعامل معها كجدلية تقف بين التقليدي والعصري وبين التحرر والانفتاح والهوية الثابتة، إلى جانب كونها الأم المكافحة و المتحدية لظروف الحياة والفقر، فكانت مصدر إلهامها من خلال لون بشرتها وزيها وزينتها ورشاقتها، كعناصر وظفتهم وفق تقنية جمعت بين اللون والضوء والظل على قماش اسود، ألوان مضيئة تدخل البهجة إلى النفس وتبعد مرارة الواقع، فالجمال الأخاذ السامي في لوحاتها، وتنويعات الألوان في صياغتها يأخذك إلى سبر أغوار المرأة الإفريقية والإحساس بكينونتها التي لم تفتقد رغم قسوة الحياة، محولة معها تلك المرأة الإفريقية لحالات ووضعيات مختلفة دون تحديد الجزء العلوي من الجسد "الرأس" وهي رمزية لربما دالة على أن "الجسد واحد والاختلاف حاصل". كما اشتغلت على موضوع (الأسود والأبيض) كتيمة ترمي من ورائها الفنانة أن هذان اللونان قد طغيا على حياة أغلب الناس لدرجة لا وجود للون ثالث في حياتهم، إذ أنهم يحكمون دائما على الأشياء إما بالسيئة أو الجيدة وبالتالي فأصحاب هذه النظرة هم دائما في حالة ترقب و توجس، سعادتهم استثنائية دائما، ومن هنا كانت لوحات "رباب" محاولة الخروج عن هذا التوجس من خلال بسط مجموعة من الألوان الزاهية و الدافئة وفق تشكلات ضوئية تتقاسم مساحات الأبيض والأسود، كسمفونية بنوتات متموجة تبعث على السعادة والتفاؤل. فيما ركزت في موضوع (السيد الفنان) على مؤشرات إيحائية ذات دلالات تبرز حالات الإنسان وصراعاته في الحياة لفرض كينونته بأي أسلوب أو طريقة، أعمال أجادت في تركيب نسيجها اللوني والضوئي بعين الخبيرة في مواد الصباغة، رغم أن خامتها المفضلة كما تقول هي الصباغة الزيتية لأنها علمتها الصبر من خلال تكرار المحاولات، إلى أن أصبحت طيعة بين يدها وهي تدغدغ فضاءات لوحاتها.
تقول رباب "إن مسالك النجاح وطرقه كثيرة، فإذا سعيت لبعضها فلا تكتف بما وصلت إليه، بل اسع إلى أن تسلك مسالك أخرى، بأن تبحث بنفسك عنها لبلوغ النجاح، وأن تنقب عن دروب جديدة لم يسبقك إليها أحد، حتى تكون ناجحا ومبدعا." وبهذا فقد تمكنت رباب من بناء عالمها الفنِي المتميز والخاص من خلال ازدواجيتها للسريالية والتكعيبية بشكل مغاير، استطاعت خلق روح أخرى للوحة ولمدلول العمل الفني، كما استطاعت أن تضيف بصمة تشكيلية بميسم متميز، وظفت فيه لمسات لونية وضوئية فريدة لخدمة مواضيعها، شكلا ومضمونا، إن عوالم الفنانة رباب هرباس اقل ما يقال عنها أنها عوالم ساحرة وجذابة تغري عين المتلقي للسفر معها وفق قراءات تأويلية تهيم فيها المخيلة ويحلو السفر عبر أغوارها.
|| د. محمد الصفى بن عبدالقادر : عضو منهل الثقافة التربوية.
◄ انطلاقتها كانت موهبة، وحب للرسم منذ الصغر، من خلال نقل كل ما تراه على الورق، بتشجيع من والدها الذي يعد مبدعا هو الآخر، لتمتلك بعد ذلك موهبة فنية إبداعية متميزة وفريدة، عملت على تطويرها، واضعة لها قواعد وأسس خاصة بها على مستوى الموضوع والألوان، جسدتها لوحاتها الفنية المتميزة في عدد من المعارض والتي جذبت أنظار عشاق الفن التشكيلي من فنانين ونقاد، إنها الفنانة التشكيلية رباب هرباس، ابنة مدينة آزمور من مواليد سنة 1994، كانت تتطلع منذ طفولتها لدراسة الفنون التشكيلية، لكن لم تسنح لها الفرصة لدراسة هذا التخصص رغم التحاقها بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء سنة 2013 بل درست الهندسة الداخلية، دراسة لم تمنعها من النهل من معين الفنون التشكيلية، من خلال الاطلاع على كافة المدارس الفنية بمساعدة بعض الأساتذة، لتجد نفسها في الأخير منساقة للمدرسة السريالية ومنها للتكعيبية، لتأثرها الكبير بمدرسة الفنان بابلورويز بيكاسو، وهنا توقفت لخلق أسلوب خاص بها متجليا في الدمج بين المدرستين السريالية والتكعيبية، مكنها من الظفر بالجائزة الثانية ضمن الملتقى الجهوي للفنانين الشباب لجهة دكالة - عبدة في نفس سنة التحاقها بالمدرسة العليا للفنون الجميلة.
رباب هرباس عاشقة للحياة بكل عناصرها وكائناتها، لذا لا عجب ولا غرابة أن تأتى لوحاتها عامرة بما لذ وطاب للعين والإحساس والخيال، مستخدمة ألوانا من عمق الطبيعة، هذه الأخيرة التي تبقى متنفسها ومنبع أفكارها ومشتل موادها المستعملة، فهي بهذا كما تقول "ولدت من أجل الفن وبه تمكنت من بناء شخصيتها". يتميز أسلوبها بالغموض أحيانا وبالسحر والخيال الدافق تارة أخرى، مع بريق ووهج الألوان على القماش الأسود (Velours) وهي خاصية استطاعت من خلالها رباب تحويل الحزن الجاثم على الأسود لفرحة وبهجة بألوانها وأشكالها المضيئة، كما استطاعت أن تبرز اللون الأسود من خلال الأسود نفسه في تناغم تام بين الضوء والظل، متحدية لغة الأسود وباقي الألوان المضيئة بعد دراستها لتقنية تناسق الألوان المستخرجة من عمق الطبيعة، لتخلق بذلك صلة القربى بينها وبين المتلقي من خلال خلق توازن بصري بين عناصر العمل الفني المتمثلة من خلال الألوان والأشكال والخامات، مكونة أعمالا لها شخصية متكاملة تجمع بين قوة التركيب والشكل وتنوع المواضيع والخامات المعتمدة، يقول عنها الفنان التشكيلي مصطفى غماني "الفنانة رباب، فنانة خلوقة، طموحة تهتم في مواضيعها بقضايا المرأة بصفة خاصة من خلال حضورها كتيمة لها دلالاتها والمجتمع بصفة عامة، لا تنتظر إعانة من أي أحد، حيث أنها تعتمد على نفسها من خلال البحث والتجريب، تبدع وتبتكر مقتنعة بأفكارها، تعتبر رباب من التلاميذ الذين أخذوا شيئا من مدرسة الفنان غماني مصطفى، فوظفوه أحسن توظيف واجتهدوا فكان لهم التميز بخلق أسلوب خاص بهم، عموما فهي تسير بخطى ثابتة، وأتنبأ لها بمستقبل زاهر في حقل التشكيل بالمغرب".
وبقراءة عيون متفحصة عابرة في أعمال الفنانة التشكيلية رباب هرباس، يمكننا أن نلاحظ أن أعمالها تحمل في طياتها تنوعا لا حدود له وحلما منحها سعة و ثراء في أفق التعبير وإيصال ما يختلج أحاسيسها ودواخلها كفنانة رقيقة ورهيفة الحس، فمنذ معرضها الأول سنة 2001 وهي ابنة السبع سنوات بإحدى المؤسسات التعليمية، أعلنت تواجدها، ليتوالى هذا التواجد بعد سنوات من التجربة والدراسة بمعارض فردية وجماعية داخل المغرب وخارجه، بكل من الجديدة والدار البيضاء والرباط ودكار وفرنسا وإسبانيا، شاقة طريقها نحو العالمية بتشجيع من نخبة من الفنانين التشكيليين على المستوى الوطني كعبد الرحمان رحول ومصطفى غماني وعبدالهادي بن بلة وعبدالله الشيخ وسعيد كيحيا و... إنها ترسم تفاصيل الأشياء كما حلمت بها بعيدا عن النقل السطحي في محاولة منها للبحث والتجريب في عوالم اللون والشكل، فهي تحاول أن تقول كل ما بداخلها دفعة واحدة لكنها تعود لتجدد المغامرة حين تنتهي من مرحلة إلى أخرى، يختلف فيها اختيارها للألوان بحسب إحساسها بموضوع اللوحة، فلكل لون معنى خاص في نفسها، خصوصا الأسود، فيما باقي الألوان يغلب عليها التمازج بتقنية تبرز من خلالها اللوحة في شكل متألق وجذاب.
من أهم المواضيع التي اشتغلت عليها "رباب" بكل جرأة، (المرأة الإفريقية) التي اعتمدتها قضيتها تتعامل معها كجدلية تقف بين التقليدي والعصري وبين التحرر والانفتاح والهوية الثابتة، إلى جانب كونها الأم المكافحة و المتحدية لظروف الحياة والفقر، فكانت مصدر إلهامها من خلال لون بشرتها وزيها وزينتها ورشاقتها، كعناصر وظفتهم وفق تقنية جمعت بين اللون والضوء والظل على قماش اسود، ألوان مضيئة تدخل البهجة إلى النفس وتبعد مرارة الواقع، فالجمال الأخاذ السامي في لوحاتها، وتنويعات الألوان في صياغتها يأخذك إلى سبر أغوار المرأة الإفريقية والإحساس بكينونتها التي لم تفتقد رغم قسوة الحياة، محولة معها تلك المرأة الإفريقية لحالات ووضعيات مختلفة دون تحديد الجزء العلوي من الجسد "الرأس" وهي رمزية لربما دالة على أن "الجسد واحد والاختلاف حاصل". كما اشتغلت على موضوع (الأسود والأبيض) كتيمة ترمي من ورائها الفنانة أن هذان اللونان قد طغيا على حياة أغلب الناس لدرجة لا وجود للون ثالث في حياتهم، إذ أنهم يحكمون دائما على الأشياء إما بالسيئة أو الجيدة وبالتالي فأصحاب هذه النظرة هم دائما في حالة ترقب و توجس، سعادتهم استثنائية دائما، ومن هنا كانت لوحات "رباب" محاولة الخروج عن هذا التوجس من خلال بسط مجموعة من الألوان الزاهية و الدافئة وفق تشكلات ضوئية تتقاسم مساحات الأبيض والأسود، كسمفونية بنوتات متموجة تبعث على السعادة والتفاؤل. فيما ركزت في موضوع (السيد الفنان) على مؤشرات إيحائية ذات دلالات تبرز حالات الإنسان وصراعاته في الحياة لفرض كينونته بأي أسلوب أو طريقة، أعمال أجادت في تركيب نسيجها اللوني والضوئي بعين الخبيرة في مواد الصباغة، رغم أن خامتها المفضلة كما تقول هي الصباغة الزيتية لأنها علمتها الصبر من خلال تكرار المحاولات، إلى أن أصبحت طيعة بين يدها وهي تدغدغ فضاءات لوحاتها.
تقول رباب "إن مسالك النجاح وطرقه كثيرة، فإذا سعيت لبعضها فلا تكتف بما وصلت إليه، بل اسع إلى أن تسلك مسالك أخرى، بأن تبحث بنفسك عنها لبلوغ النجاح، وأن تنقب عن دروب جديدة لم يسبقك إليها أحد، حتى تكون ناجحا ومبدعا." وبهذا فقد تمكنت رباب من بناء عالمها الفنِي المتميز والخاص من خلال ازدواجيتها للسريالية والتكعيبية بشكل مغاير، استطاعت خلق روح أخرى للوحة ولمدلول العمل الفني، كما استطاعت أن تضيف بصمة تشكيلية بميسم متميز، وظفت فيه لمسات لونية وضوئية فريدة لخدمة مواضيعها، شكلا ومضمونا، إن عوالم الفنانة رباب هرباس اقل ما يقال عنها أنها عوالم ساحرة وجذابة تغري عين المتلقي للسفر معها وفق قراءات تأويلية تهيم فيها المخيلة ويحلو السفر عبر أغوارها.
|| د. محمد الصفى بن عبدالقادر : عضو منهل الثقافة التربوية.