من أحدث المقالات المضافة في القسم.

رانيه علي سراج الدين.
عدد المشاركات : 29
1441/01/01 (06:01 صباحاً).
عدد المشاهدات :: ﴿﴿3202﴾﴾

زارني الموت يومًا.
قبل أسبوع فقط شعرت بألم شديد في جزء من جسدي ...
استمر الألم ليومين مما جعلني احمل نفسي إلى عيادة معروفة
دخلت على الطبيبة، رحبت بي واستمعت لي
وأنا أتحدث إليها استوقفتني تعابير وجهها التي بدا عليها القلق
طلبت مني أن أقوم ببعض التحاليل وقالت لي احتمالٌ انك مصابة بكذا وكذا ..
بعد ظهور نتائج التحاليل بساعة قامت من مقعدها على الفور بمجرد نظرة خاطفة منها على الورق
سحبتني لغرفة الأشعة
وأخبرتني بعدما نظرت إلي ووضعت يدها على فمها بأني أعاني حالة نادرة وخطيرة
ثم نظرت إلى الشاشة وقالت : ولديك عدة أورام وأكياس مقلقة
لا اعلم لما لم أتوتر ولم اصب بالخوف وقتها !
عدنا إلى غرفتها وكتبت لي ورقة تحويل إلى المستشفى لإجراء عملية في اسرع وقت
أخبرتني أنه أن ازداد الألم معي فعلي أن اذهب إلى المستشفى فورًا
أو أعود إليها صباحًا لتطمئن على حالتي
عدت إلى المنزل وبدأت اقرأ عما كانت تتحدث عنه ووجدت أن الأمر خطيرٌ فعلًا كما قالت
بل ما جعلني أخاف اكثر أني وجدت هذه الحالة نهايتها 90% هي الوفاة
حقيقة هذا كان في الماضي
أما الآن ومع تطور الطب فلا خوف ولكن نظراتها وحديثها معي اقلقاني
...
أتعلمون ؟!
رأيت الموت أمامي في يوم واحد
بل رأيت أطياف الراحلين تمر أمامي
وكأنها كانت تهمس للساعات أن تسابق بعضها بعضًا لتأخذني
كانت تلك اللحظات ثقيلة متخمة بكل ما مضى
كنت أتساءل ماذا فعلت في حياتي ؟
هل أنا مستعدة لضمة القبر وسؤال الملكين لي !
هل فعلت من الطاعات ما سيجعل قبري روضة من رياض الجنة !
تنهدت وشعرت بالارتياح قليلا حينما تذكرت شيئًا
أنا لم أتسبب بالأذية لأحد ولم أتحدث عن أحد بسوء
لكن مهلاً أنا في الحقيقة لا أتواصل مع أحد
هل هذا يعني أني سأموت ولن يذكرني أحد !
لقد اكتفيت بأهلي وانشغلت بتطوير نفسي دائماً وسعيت للمثالية ولم اركز في تكوين أي علاقة
كنت أطن أن هذا سيجعلني سعيدة بعيدة عن أي لقاءات وأحاديث لا معنى لها
لكني الآن أدركت أني كنت بحاجة لأشخاص صادقين قريبين مني يذكرونني إذا ما غبت عنهم
بدأت انظر إلى وجوه من حولي وأودعهم بنظراتي
كنت افكر كثيرًا
افكر في كل شيء
لم يسعني الوقت لكل هذا
لقد أرهقت نفسي وأردت أن ارتاح
لكن هل ستكون هذه آخر راحة لي ولن استيقظ بعدها !
لا علي أن أقوم لأصلي واستغفر واستغل ما تبقى لي من عمر
ازداد الألم عندي ليلًا .. كان ازدياده نفسيًا على الأغلب
لكني كنت كمن يتشبث ببقايا روحه ويصرخ بداخله صرخات خوفٍ لا ألم
حملت نفسي مرة أخرى وعدت إليها صباحًا لتخبرني انه لا جديد سوى أن الأورام تضاعفت
كانت قلقة جدا وخائفة .. ظهرت كل هذه المشاعر على محياها
طلبت تحويلي بسرعة على المستشفى للتنويم وإجراء اللازم
لكني وبفضل الله تجاهلت ما قالت وخرجت من عندها إلى عيادة أخرى، لم اخبرهم عما قيل لي
وبعد الكشف أخبرتني الطبيبة بأني لا أعاني من شيء
هل أنتي واثقة !
أرجوكِ تأكدي
أخبرتها بما حصل معي
فعملت لي الأشعة ولم يظهر أي شيء
ثم طلبت مني أن أريها صور الأشعة والتحاليل التي أجرتها لي الطبيبة السابقة
أتعلمون أين كانت المصيبة ؟
نظرت الطبيبة إلى كل الأوراق وسألتني أين الذي تحدثت عنه !
إنها نفس النتائج التي ظهرت لنا وأنتي لا تعانين من شيء !
لحظة سكون ..

امتزجت مشاعر الفرحة والغضب معًا في ذاك الوقت لكني التزمت الصمت
خرجت من عندها احمد الله وعهدت ربي أن أتصدق بمبلغ من المال وأن تتغير حياتي
كان يومًا بألف يوم
شعرت أني نضجت في يومٍ واحد

لكن لا يزال يتكرر علي نفس السؤال من حينها
ماذا لو مت اليوم ؟

أصوات الراحلين تتردد على مسامعنا
وفي كل يوم نقرأ أسماءا تسارعت أرواحها لترحل عن أجساد من أحببنا فتصبح مساكن خاوية وجثث هامدة لا حول لها ولا قوة

تلك الأجساد كانت تنبض بالحياة
كان لها أمل بالحياة
تلك الأجساد كانت مثلي ومثلك في يوم من الأيام
ولكل جسد قصته
لكن أرواحها انتزعت من غير سابق إنذار
فالموت لا يأتي بموعد لنستعد له
وكلنا في النهاية راحلون إلى القبر
هناك حيث لا أهل ولا مال ولا ولد ولا أسم فيه ينفعنا
بل الدنيا بأكملها تصبح خلفنا
ليس لنا مسكن سوا ما بين ضمة الترابِ والكفنِ

■ فماذا اعددنا لما بعد الرحيل ؟
خذ القناعة من دنياك وارض بها=لو لم يكن فيها إلا راحة البدن
يا نفس كفّي عن العصيان واكتسبي=فضلاً جميلاً لعل الله يرحمني
يا نفس ويحك توبي واعملي حسناً=عسى تجازين بعد الموت بالحسن

■ دعاء :
"اللهم يا مثبّت القلوب ثبّت قلوبنا على دينك، واجعل لنا في قبورنا صلاة ونورا، واجعل قبورنا رياضاً من رياض الجنَة، ولا تجعلها حفر من حفر النّار، وارحمنا برحمتك الواسعة التي وسعت كل شيء".
|| رانيه علي سراج الدين : عضو منهل الثقافة التربوية.