بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. محمد الصفى بن عبدالقادر.
إجمالي القراءات : ﴿5779﴾.
عدد المشــاركات : ﴿65﴾.

أنواع التأديب وآثاره في الممارسة التربوية.
■ مظاهر التأديب المدرسي متعددة بتعدد السلوكات المشينة المرتكبة، منها إجبار التلميذ على الوقوف خلف الطاولات "Le piquet" في وضعية صعبة كرفع الرجل الواحدة أو اليدين، أو الحرمان من الاستفادة من أحب فترة للتلميذ وهي فترة الاستراحة أو التربية البدنية أو أي نشاط مواز من قبيل الخرجات أو الزيارات أو التمتع بعروض لفرق بهلوانية أو ترفيهية، وقد تكون العقوبة محددة في الكتابة لمرات متكررة لفقرة أو جملة، ومن الأساتذة من يلجأ على تقزبم النقط المحصل عليها في بعض الفروض أو الاختبارات إلى جانب كل هذا فهنا اللسان السليط المعتمد على الكلمات النابية من قبيل الإهانة أو الاستهزاء بالتلميذ أمام زملائه أو كتابة كلمات قاسية وجارحة على لوح أو ورق وتثبيتها خلف ظهره والطواف به عبر أقسام المدرسة "حمار - كسول - بغل - ـ ـ" لتبقى عقوبة الضرب بأنواعها طريقة ينهجها الكثير رغم تأكيد المذكرات الوزارية على منعها والتي تكون إما بالضرب على الأرجل "فلاقة"، أو على الأيدي أو الأصابع وأحياناً عشوائية على جسم التلميذ بكامله وهي الأخطر "تكوين بواسطة العصا كان يأتي على الأخضر واليابس، فهذه الآلة الشبيهة بطاحونة عمياء لا يهمها إلا الحطب الذي يشغل محركها والضحية التي ستقدم العبرةـ العنف كان يمارس في كل مكان من الجسد، الرأس واليدين ورؤوس الأصابع والركب، وكانت الممارسة مدعمة بفكرة ترى أن الطفل سينسى والحقيقة أن الأطفال لا ينسون" (1). ليبقى اللون الأحمر للصفر على الورقة نوعا آخر "شفنجة - زيرو" كرمز قاس للعنف الرمزي الملتصق ب "المكلخ - الضبع - الحمار - السطل - ـ ـ" علامة مميزة قد لا تفارق التلميذ داخل القسم أو خارجه من طرف زملائه وقد تحوله إلى تلميذ عنيف كوسيلة للدفاع عن نفسه وكنوع من التهديد لمن يلاحقونه بهذه العبارات، ما عدا بعض الأساتذة الذين يلجؤون إلى تهديد التلاميذ بالمدير أو أستاذ آخر فاقت شهرته الآفاق في طرق الضرب.
وأمام السلوكات الأكثر عنفا من قبيل استعمال العنف بوسائل وآلات حادة أو سلاح أبيض سواء ضد تلميذ أو أحد الأطر التعليمية نتجت عنه أضرار جسيمة يمكن أن تشكل رغبا داخل المؤسسة، تلجأ الإدارة بعد اجتماع مجلس الأساتذة لاتخاذ قرارا تراه مناسبا للجرم المقترف إما بالطرد أو تغيير المؤسسة حفاظا على السير العادي للمؤسسة بناء على الفقرة الأولى من الفصل 11 من المرسوم رقم 113 . 72 . 2 بتاريخ 11 فبراير 1972 بمثابة النظام الأساسي المعدل في 2001 "يتحمل المدير المسؤولية التربوية والإدارية والمالية للمؤسسة ويسهر على سير الدراسة ويحافظ على النظام والتأديب".
لم يكن التأديب بواسطة الإكراه والعنف وسيلة تربوية ناجعة ولا هدفا لخدمة التربية لأنها حسب "جون لوك" ترمي إلى خلق داءين متناقضين، العنف مقابل المخالفة حيث أنها لا تزيد الطفل إلا تمسكا بما هو أقبح، فقد نحصل من خلال التأديب بالإكراه والعنف على الهدوء والصمت داخل القسم والاحترام المؤقت الذي يخفي وراءه العاصفة بكل ما تحمله من مكبوتات تظهر كسلوكات مشينة خارج القسم (شغب ـ عدوانية ـ تخريب ـ خربشة على الجدران والطاولات ـ سب وشتم ـ ـ ـ) كما أن مردودية عطاءه المدرسي تقل ويصبح مجرد ذات على مقعد.
وحتى نلامس أكثر آثار التأديب بالعنف على التلاميذ والتي تؤثر سلبا على أدائه الاجتماعي والسلوكي والتعليمي حيث يتحول إلى كائن لا يتفاهم، عشوائي في اتخاذ القرارات، عديم الثقة في نفسه وبالتالي انهيار الشخصية لديه.

وحسب الأخصائية النفسانية "ليلى قاسمي" (2) أن العنف ضد الأطفال قد يتجاوز الآلام والجروح إلى حد إلحاق الأضرار الجسيمة على مستوى النفسية سواء كان العنف لفظيا أو جسديا كما أنه يتسبب في انخفاض على المستوى العلمي له واضطرابات سلوكية كعدم امتثاله للأنظمة أو الأساتذة ، والجدول التالي (3) يوضح لنا هذه الآثار بطريقة أكثر تفصيلاً.
● المجال السلوكي :
عدم المبالاة - عصبية زائدة - مخاوف غير مبررة - مشاكل الانضباط - عدم القدرة على التمييز - تشتت الانتباه - الكذب - تحطيم الأثاث والممتلكات في المدرسة - عنف كلامي مبالغ فيه.

● المجال التعليمي :
هبوط في التحصيل الدراسي - تأخر عن المدرسة وغيابات متكررة - عدم المشاركة في الأنشطة المدرسية - التسرب من المدرسة بشكل دائم أو متقطع.

● المجال الاجتماعي :
انعزالية عن الناس - قطع العلاقات مع الآخرين - العدوانية اتجاه الآخرين - الخجل.

● المجال الانفعالي :
انخفاض الثقة في النفس - الاكتئاب - ردود فعل سريعة - الهجومية والدفاعية في مواقفه - توثر دائم – مازوجية اتجاه الذات - شعور بالخوف وعدم الأمان - عدم الهدوء والاستقرار النفسي.

لذا نجد "لوك" الذي يعتبر من المعارضين الأقوياء للعقاب الجسدي يقول "بعيدا عن النصح بمعاملة الأطفال بقسوة، أعتقد أن جعل التربية عملية عقاب قاس لا يمكنها أن تحقق إلا القليل من النتائج المرضية، وعلى العكس من ذلك فإنها تحدث الكثير من الضرر، فالطفل يراجع درسه ضد إرادته لأنه مرتاح من عدم ضربه، ويحرم نفسه من فاكهة يحبها جيدا لتلافي الضرب، لكن توجيه أفعاله وتصرفاته بمثل هذه الدوافع، لا يمكن أن يكرس فيه شيئا سوى مبدأ الانحلال الذي يجب علينا محاولة اقتلاعه والقضاء عليه بكل الوسائل الممكنة، إن هذا النوع من التصرف الحقير يجعل المزاج كذلك حقيرا" (4).

فالتأديب بمفهومه أداة تقويمية ينبغي التعامل معها بحرص شديد نتوخى من خلاله خلق جو الاحترام بين الأستاذ والتلميذ، حتى وإن صدر من هذا الأخير جرم أو خطأ يستحق معه نوعا تأديبيا يكون مقتنعا به في حدود عدم الإهانة أو التحقير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
■ المراجع :
1) محمد مكسي - "من جيل الفلقة إلى جيل الحوار" جريدة الاتحاد الاشتراكي (ملحق التربية) عدد 10 يونيو 1999.
2) ليلى قاسمي - أخصائية نفسانية جزائرية.
3) جواد دويك - "العنف المدرسي" مداخلة أكاديمية - شبكة المعارف / مارس 2000.
4) ج .ليف و ج . روستان - "فلسفة التربية" ص : 152 / 153.