من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

مثلث الكوتش ﴿4494﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : فريق منهل «3».
إجمالي القراءات : ﴿7668﴾.
عدد المشــاركات : ﴿39﴾.

إيجابية المسلم : (العقيدة الصحيحة ــ التفكير السليم "الإيجابي" ــ القرارات السليمة ــ القيم والأخلاق).
■ معنى الإيجابية :
في اللغة الإيجاب من "أوجبه إيجاباً أي لزم وألزمه" (لسان العرب)، وفي مختار الصحاح بمعنى : وَجَبَ الشيء يجِب وُجُوبَا لزِم واسْتَوْجَبَهُ استحقه. وفي الحكم الفقهي (الإيجاب والقبول) يترتب عليه عند القبول اللزوم والوجوب, وعند الأصوليين يأتي الواجب في الأحكام الخمسة وَهِيَ : الْوُجُوب وَالنَّدْبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ, ويأتي في أقسام العزيمة؛ فريضة وواجب وسنة ونفل. وهو في الشرع اسم لما لزمنا بدليل فيه شبه مثل تعيين الفاتحة (أنظر: أصول البزدوي).
والذي يهمنا هو المفهوم المعاصر للإيجابية, والذي يقصد به إلزام المرء على نفسه ما ليس بواجب ابتداءً، بما يحمله من همة وعزيمة عالية اتجاه معالي الأمور ومكارم الأخلاق.
من هذا المنطلق, يتسع استخدم لفظ الإيجابية في الوقت الحاضر, وبالأخص في مركز التنمية البشرية والتدريب وغيرها على نمطية من السلوك الإنتاجي والناجح, في الغالب بُنيت على استقراء هذه النمطية من تجارب حقيقية, ويقعد لهذا المصطلح وفق هذا المنظور النفعي, والنفعية للآخرين, والتعاون, والمبادرة والإنجاز وغيرها من أنماط السلوك الخير الذي يطلق على صاحبة بالإيجابي, وهذا من الأمور التي لا يختلف عليها أحد, ولكن غالبا وفق هذا الاتجاه تستثنى المسائل الاعتقادية, من قضية الإيجابية, بحيث يكون المعيار الوحيد هو النفع, وتقديم الأفضل للذات والغير, هكذا يتبادر للذهن, ونحن هنا في هذا الصدد نحب أن نربط الإيجابية, وخاصة إيجابية الفرد المسلم, من خلال المفهوم المتوافق مع متطلبات المنظور الإسلامي الذي يشمل أمور غير الأمور التي ذكرت, تدخل فيها مسائل الاعتقاد, والفكر, وبما أوجبه الشرع على المسلم وأما ندبه إليه, وما حرمه عليه, وما كرهه الشرع, بحيث تقترب الإيجابية في مفهومها من الصلاح والإصلاح والفلاح والإحسان, وبهذا يمكن أن نعرف الإيجابية بـمعنى : الإيجابية حالة يتصف بها الفرد المسلم في جميع أحواله الاعتقادية, والتعبدية, والفكرية, والأخلاقية والسلوكية تتفق مع المبادئ العليا للإسلام. والتوافق مع المبادئ العليا نعني بها السعي نحو الكمال, ودرجة الإحسان, والتي هي مطلب وغاية كل مسلم, وجاءت النصوص تحث على ذلك مثل : قوله تعالى: ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفضْلُ الْكَبِيرُ) (فاطر ـ 32). وقول النبي عليه الصلاة والسلام : "إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها "(البخاري) وحديث : "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" (الترمذي). وحديث ابن مسعود الذي خرجاه في "الصحيحين" من أحسن في الإسلام لم يؤأخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر". وإحسان الإسلام يفسر : هو بلوغ الكمال, باجتناب المحرمات والمكروهات وفعل الواجبات والمستحبات.

من خلال هذا المنظور نسعى إلى ربط هذا المفهوم العصري الذي يرتبط في غالب بالسلوك فقط, بكل مكونات الفرد المسلم من اعتقاد وسلوك وفكر, حتى لا يحدث الخصام النكد عند تنزيل هذا الوصف على الواقع الميداني, على الفرد المسلم بتركيز على السلوك فقط وتجاهل مسائل مهمة في الفكر والاعتقاد.

وبعد تجليت هذا الإشكال من ناحية التنظير نوضح هنا وفق هذا المنظور إلى الأسس التي يمكن نرد إليها الإيجابية بمفهومها الصحيح وهي :
■ إيجابية العقيدة الصحيحة الصافية الخالية من الشوائب والاعتقادات الفاسدة :
تركز على العمل والإنتاج, وعلى التواكل على الله وحده. العقيدة الصافية جعلت الأوائل يخوضون البحار والأمواج بخيولهم ليحققوا أهدافهم, العقيدة الصحيحة الصافية جعلت الأوائل يواجهون, أعتى الجيوش عددًا وعتادًا, ولم يلتفتوا إلى قبر أو ضريح, أو رمز, لينصرهم أو ليكون سببًا لنصرهم, بل تعلقت قلوبهم بربهم, وتوكلوا عليه, ثم على سلاحهم وتكتيكهم ودهائهم الحربي.
العقيدة الصافية, أخرجت أمة لعالم الوجود فريدة من نوعها لم يحاكيها أنموذج سابق في غاياتها وأهدافها وعملها وتضحياتها, أمة تعلقت ببارئها ولم تتعلق بالأشخاص والرموز, تعلقت بأهدافها وغاياتها, التي خطها لها نبيها, وبعد موته عليه الصلاة والسلام, لم يثبت أنهم ذهبوا إلى قبره عليه الصلاة والسلام يلتمسون منه القوة والاستعانة, ولم يثب أن أحد منهم حاول رسم صورة لهذا النبي العظيم الذي كان سبب خروجهم من الظلمات إلى النور, وقيادة البشرية, لأن قلوبهم معلقة برب الرموز وليس بالرموز.
العقيدة الصافية أخرجت أمة فريدة, وأفراد فريدون, القلوب والمهج متعلقة به سبحانه, حتى تناست الذات والذوات, عقيدة جعلت عبدالله بن عتيك يصرخ : "قتل الله أبا رافع". ولم يقل قتلت أبا رافع, وهو الذي نفذ العملية, هكذا تُنسى الذات في جنب الذات العليا, والغاية الكبرى, فارتفع قدرها وشأنها.
عقيدة صافية شهد بها الأعداء الذين درسوا أسباب انتشار الإسلام في أصقاع الأرض بهذه السرعة, وما أحدثه الإسلام من فتوحات وتغيير في العالم, كان السبب الرئيس هو عقيدة الفرد المسلم بكل مكوناتها, في الإيمان بالله والتوكل عليه وحده, وفي القضاء والقدر, وما حصل للمسلمين من انتكاسة كان سببه الفهم الخاطئ والمغلوط لعقيدة القضاء والقدر التي أصبحت بالنسبة للبعض مُتَّكَأً لتبرري سلبيتهم وتقاعسهم في عالم الأفكار والأشياء, وبسببهم خف وهج إيجابية الإسلام. إنها العقيدة يا سادة ! فلما ضربت العقيدة في مقتل, ضربت إيجابية هذه الأمة في عالم التأثير.
هناك أخطاء ومفاهيم كثيرة مغلوطة في هذا الجانب منها : أخطاء تتعلق بمفهوم ((لا إله إلا الله)). أخطاء تتعلق بمفهوم العبادة. أخطاء تتعلق بمفهوم الولاء والبراء. أخطاء تتعلق بمفهوم التوسط في الدين, حتى أصبح التفريط اعتدالا والالتزام تشددًا, والتشبه بالكفار _ دون ضابط _ عصرية ومدنية, وأصبح السحر والشعوذة والكهنة طبًا تهفو إليه قلوب كثير من المسلمين. والاستعانة بغير الله توحيدا, وغيرها كثير من الأمر التي تضرب إيجابيه العقيدة في قلب المسلم, الذي أصبح عاجزا, لا يستطيع حل مشاكل عصره, صار أكثر وهنًا وخوفًا وتشتتًا, أصبح ينتظر الخوارق التي ستأتي لتحل مشاكلة, هذا العجز والوهن ما تغلغل إلى قلب المسلم إلا عندما ضربت العقيدة الفعالة في قلبه ووهنت.

■ إيجابية التفكير الإيجابي :
الذي يركز على الطموحات لا على النزوات, فإن الطموحات لا تبنى إلا على أفكار إيجابية وعظيمة, فإن الطائرات العظيمة الضخمة لا تقلع إلا من مدارج عظيمة وضخمة وطويلة, فكلما أرتقت الأفكار على الشهوات والنزوات وسيطرت عليها, كان الشخص يسير في طريق النجاح والسؤدد, فكلما علت النزوات والشهوات انحط المرء إلى حضيض الحيوانية وسيطرة الغريزة (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا). التفكير المآلي الاستشرافي هو في الحقيقة الذي يميز الإنسان عن الحيوان, فالإنسان يحمل آمال وطموحات ولا يمكن الوصول إليها إذا كان تفكيره بهيمي غرائزي.
يجب الاهتمام بالفكر, لأنه هو جوهر السلوك, فأي تصرف أو سلوك مبدأه في الأصل فكرة, وأصل الخير والشر من قبل الفكر, فالفكرة تولد الإرادة, والإرادة تولد العزم, والعزم يولد الفعل والسلوك والتصرف. وهكذا يظهر السلوك السيئ والسلوك الخير حسب الفكرة, فإذا سما فكر الفرد المسلم سما سلوكه وتصرفه وخلقه, ويقول ابن القيم رحمه الله : "أنفع الفكر ــ الفكر في مصالح المعاد وفي طريق اجتلابها, وفي دفع مفاسد المعاد, وفي طرق اجتنابها, فهذه أربعة أفكار هي أجلّ الأفكار, ويليها أربعة : فكر في مصالح الدنيا, وطرق تحصيلها, وفكر في مفاسد الدنيا وطرق الاحتراز منها".. أهـ.
التفكير الإيجابي يركز على التأثير في عالم الأفكار والأشياء والمشاعر والأخلاق والإنجاز, ومن أبرز سمات التفكير الإيجابي التغيير والتغير, لا إيجابية إلا بإحداث تغيير في عالم الأفكار والأشياء والعلاقات والعادات, من خلاله يكتسب المرء الإيجابي أفكارًا وعلاقات وعادات إيجابية, ويتخلص من أفكار وعلاقات وعادات سلبية أخرى, ومن أعظم العادات السلبية التي يتعود المرء عليها البطالة وضياع الوقت والأوقات في أمور تافهة, لا تقدمه على مستوى الوعي, ولا على مستوى التأثير في عالم الأفكار والأخلاق والإنجاز والعبادة والقربى.

■ إيجابية القرارات السليمة :
فقد سمى أينشتاين الجنون هو تكرر فعل الشيء نفسه وانتظار نتيجة مخالفة, وهذا يعني أن الإنسان يتعلم من أخطائه. وإن كنا نسلم بصدق هذه العبارة ولكن ليس على الإطلاق. إذا الإيجابي هو ليس الذي يرفع هذا الشعار, الإيجابية تعني أن ترفع شعار الخطأ الصفري. ولأننا بشر نخطئ, لكن لا نبرر تكرار الخطأ, لا يبرر كثرت الأخطاء بالنسبة للإيجابي, لا يبرر الأخطاء الكارثية التي تنسف القواعد والأصول, وتنسف الآمال والطموحات, الإيجابي هو الذي يجتهد في تخفيض معدل الخطأ إلى صفر, معدل القرارات الخاطئة يكون صفرًا, أو يكاد أن يكون صفرًا, إلى متى ستظل تتعلم من أخطائك ؟

■ إيجابية القيم والأخلاق :
قضية الأخلاق والقيم تتمحور بشكلها الإيجابي في قضيتين أساسيتين هما : التطبيق العملي, حتى تصير بالنسبة للإيجابي شعاره ودثاره, فهو يبحث عن الأخلاق السامية والفضيلة, ثم يعمل بها, ولا يكفي هذا. فلا بد من القضية الثانية, وهي الالتزام الصارم بها. والمرونة شيء منطقي ومطلوب في إطار الثوابت والمتغيرات, ولأن الالتزام يعني الثبات أمام المتغيرات والسيول الجارفة, فمن السهل أن تصطفي لك مجموعة من القيم والأخلاق النبيلة ثم تعمل بها, ولكن ليس من السهل أن تثبت على هذه القيم والخلاق, حينما تهب رياح الزوابع والقلاقل والضغوط الاجتماعية والمعيشية في دنيا الجنون والشهوات والشبهات والمتغيرات المتسارعة التي تعمل على تحويل الإنسان إلى مجرد حيوان يلهث أما وراء حاجاته الضرورية, أو وراء شهواته ومستلذاته.

● فما هو العلاج المعين في مواجهة ذلك ؟
العلاج المعين في مواجهة ذلك هو الإيجابية, التي يجب أن يتحلى بها المرء, وهي سلسلة مترابطة تبذأ من العقيدة الصافية, ثم التفكير الإيجابي والسليم ثم القرارات السليمة والتزام العادات الإيجابية والقيم والأخلاق الإيجابية, فإذا ترابط البنيان وتشابك من الأساس إلى الأعلى, فإن كل ما يصدر من هذا البنيان فلا يمكن أن يشد عن القاعدة, أما إذا حدث خلل في إحدى القواعد فإنها بدون شكل ستؤثر في جميع القواعد. فإذا كان الخلل مثلا في العقيدة أو الأفكار والتصورات, أو القرارات, فإن النتائج ستكون غير مرغوب فيها كما هو مشاهد عند كثير من المسلمين في الأخلاق والتصرفات وغيرها.

image ﴿﴿الأعضاء ذوي المشاركة الواحدة : د. سالم أحمد باوادي﴾﴾.