د. عادل عمر بصفر.
عدد المشاركات : 43
1435/12/30 (06:01 صباحاً).
عدد المشاهدات :: ﴿﴿6714﴾﴾
وقفات إيمانية مع نهاية العام الهجري.
◄ إخوة الإسلام :
ونحن نودع عاماً هجرياً ونستقبل عاماً هجرياً جديداً نجد سؤالاً يطرح نفسه : ماذا قدمنا في عامٍ أدبر، وماذا أعددنا لعام أقبل ؟ فإذا أجاب كل منا على هذا السؤال استطعنا أن نحاسب أنفسنا، وإذا أجابت أمتنا على هذا السؤال استطاعت أمتنا أن ترى مكانها بين الأمم، فبهذا السؤال ماذا قدمنا في عامٍ أدبر، وماذا أعددنا لعام أقبل ؟
نعلم أن ديننا يحثنا على صيانة أوقاتنا من الضياع لأننا سوف نحاسب على أوقاتنا، فعلى العاقل أن يحاسب نفسه دائماً، والمحاسبة هي مطالعة القلب وتفكره في أعماله، وأعمال اللسان، وأعمال الجوارح فمن لم يحاسب نفسه وتركها ترتكب المعاصي فكأنما قتل نفسه قال الله تعالى : (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : ولا تقتلوا أنفسكم بارتكاب المعاصي، وفعل الآثام وأكل الأموال بالباطل لأن ذلك سيؤدي بكم إلى النار، والله تعالى لا يريد هذا لكم إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً، وقال سفيان بن عيينة رحمه الله : كان الرجل يلقى أخاه في زمن السلف الصالح فيقول له : اتق الله وإن استطعت ألا تسيء إلى من تحبه فافعل؛ فقيل لسفيان : وهل يسيء الإنسان إلى من يحبه ؟ قال : سبحان الله نفسك أحب الأشياء إليك فإذا عصيت الله فقد أسأت إليها. وقال الحسن البصري رحمه الله : لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه ماذا أردت بكلمتي ؟ ماذا أردت بشربتي ؟ والفاجر يمضي قدماً لا يحاسب نفسه. وقال بعض السلف رحمه الله : من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها، ولم يجرها إلى مكروهها فهو مغرور، ومن نظر إليها باستحسان شيء منها فقد أهلكها.
قال الحسن البصري : "لا ترى المؤمن إلا يلوم نفسه : ما أردت بأكلتي ؟ ما أردت بحديث نفسي ؟ وإن الفاجر ليمضي قدماً ما يعاتب نفسه".
إنها إذاً المحاسبة التي قال عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر)، فهل تزينا للعرض الأكبر بمحاسبة أنفسنا ؟
وانظر إلى قول المولى عز وجل : (لِّيَسْأَلَ الصَّـادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ) (الأحزاب : 8). فإذا سئل الصادقون عن صدقهم وحوسبوا عليه فما الظن بالكافرين ؟
وانظر إلى قوله تعالى : (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) (الأعراف : 6). يا لله حتى المرسلون يسألون.
إن الله عز وجل يحاسب الإنسان على كل صغيرة وكبيرة، يدون عليه كل شيء حتى إذا جاء يوم القيامة نشرت الدواوين وكشفت المخبآت، ولا تسل يوم ذاك عن حال الغافلين الذين لم يحاسبوا أنفسهم في الدنيا، لا تسل عن حالهم حين تجبههم صحائف أعمالهم، (وَوُضِعَ الْكِتَـابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ ياوَيْلَتَنَا مَا لِهَـذَا الْكِتَـابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (الكهف : 49).
نعم كل شيء مكشوف، كل شيء مسجل وقد أحصاه الله. (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَـاواتِ وَمَا فِى الأرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَـاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ) (المجادلة : 7).
كل شيء يسأل عنه الإنسان فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له : ألم نصح لك جسمك ؟ ونروك من الماء البارد) رواه الترمذي.
وحكي عن الإمام أحمد أنه كان في سكرات الموت يئن فسمع أن الأنين يكتب فسكت حتى فاضت روحه رحمه الله.
هكذا إذن يحاسب الإنسان يوم القيامة على كل صغيرة وكبيرة من أمره، على أقواله وأفعاله ونياته، وتقام عليه يومذاك الشهود وأي شيء أعظم من أن يشهد بعضك على بعضك، روى الإمام مسلم [2969] عن أنس بن مالك قال كنا عند رسول الله صلى اللهم عليه وسلم فضحك فقال : (هل تدرون مم أضحك ؟ قال : قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مخاطبة العبد ربه يقول : يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ قال : يقول : بلى، قال : فيقول : فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني، قال : فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً قال : فيختم على فيه فيقال لأركانه : انطقي، قال : فتنطق بأعماله، قال : ثم يخلى بينه وبين الكلام قال : فيقول بعداً لكنّ وسحقاً، فعنكن كنت أناضل).
فتوهم نفسك وأنت بين يدي ربك، في يدك صحيفة مخبرة بعملك لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها، وأنت تقرأ ما فيها بلسان كليل، وقلب منكسر، فكم من بلية قد كنت نسيتها ذكركها، وكم من سيئة قد كنت أخفيتها قد أظهرها وأبداها، وكم من عمل ظننت أنه سلم لك وخلص فرده عليك في ذلك الموقف وأحبطه بعد أن كان أملك فيه عظيماً، فيا حسرة قلبك، ويا أسفك على ما فرطت فيه من طاعة ربك.
■ يا أخوتاه :
هل من محاسب نفسه في دنيا ليخفف على نفسه في أخراه ؟
وحين أقف أنا مع نفسي وتقف أنت مع نفسك وتمحص أيامك السالفات في عامك الماضي فتنظر ما كان من حسن فتثبت عليه وما كان من سيء فتجتنبه، حين نفعل ذلك نكون قد خطونا الخطوة الصحيحة للإصلاح، وأخذنا بيد أنفسنا للخير والفلاح.
■ فماذا يا ترى أودعنا في عامنا الماضي ؟
هل أودعنا فيه صلاة وصياماً وذكراً ودعوة وبكاء وخشية وتوبة وصبراً على المكاره وقياماً بأمر الله ؟ أم أودعنا فيه لعباً ولهواً وقضاء للشهوات واغتراراً بمتاع الدنيا الفاني ؟
هل رآنا الله نتهجد في ظلمات الأسحار ونحني أصلابنا على القرآن الكريم، ونبلل الأرض بالدمع في خشوع ؟ أم رآنا ساهرين على مشاهدة الحرام وسماع الحرام، لا هين عما أمرنا الله به، مقبلين على ما نهانا عنه ؟
أسئلة كثيرة يجب أن نجيب عنها بصدق وصراحة وإن كانت الصراحة مرة في بعض الأحيان.
أيها الأخ ألا ترى أن انقضاء العام بهذه السرعة العجيبة مؤذن بانقضاء عمرك كله ورحيلك إلى الدار الآخرة ؟ أليس عمرك بضعة سنوات كلما انقضت سنة دنوت إلى قبرك ؟
أفلا تذكرت واعتبرت بدنو الأجل وقرب الرحيل ! كم ودعت في عامك الماضي من حبيب ؟ وكم فارقت من غال ؟ وكم حملت من جنازة إلى قبرها، ونفس تزجى لأمر ربها ؟
أما كان لك في ذلك موعظة ؟ أما تخشى اليوم الذي تكون فيه محمولاً لا حاملاً، ومغسولاً لا غاسلاً، ومدفوناً لا دافناً ؟ (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (ق : 19).
إنه الموت الذي ينتهي إليه كل حي، والذي لا يدفعه عن نفسه ولا عن غيره أحد، الموت الذي يفرق بين الأحبة ويمضي في طريقه لا يتوقف ولا يلتفت ولا يستجيب لصرخة ملهوف ولا لحسرة مفارق ولا لرغبة راغب ولا لخوف خائف.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك. اللهم اجعل حاضرنا خيراً من ماضينا، ومستقبلنا خيراً من حاضرنا، إنك خير مسؤول وأكرم مأمول.
|| د. عادل عمر بصفر : عضو منهل الثقافة التربوية.
الثقافة الزمنية : العلوم الزمنية.
الثقافة الزمنية : علم التوقيت.
■ وقفات إيمانية مع نهاية العام الهجري.
■ وقفات إيمانية مع بداية العام الهجري.
عدد المشاهدات :: ﴿﴿6714﴾﴾
وقفات إيمانية مع نهاية العام الهجري.
◄ إخوة الإسلام :
ونحن نودع عاماً هجرياً ونستقبل عاماً هجرياً جديداً نجد سؤالاً يطرح نفسه : ماذا قدمنا في عامٍ أدبر، وماذا أعددنا لعام أقبل ؟ فإذا أجاب كل منا على هذا السؤال استطعنا أن نحاسب أنفسنا، وإذا أجابت أمتنا على هذا السؤال استطاعت أمتنا أن ترى مكانها بين الأمم، فبهذا السؤال ماذا قدمنا في عامٍ أدبر، وماذا أعددنا لعام أقبل ؟
نعلم أن ديننا يحثنا على صيانة أوقاتنا من الضياع لأننا سوف نحاسب على أوقاتنا، فعلى العاقل أن يحاسب نفسه دائماً، والمحاسبة هي مطالعة القلب وتفكره في أعماله، وأعمال اللسان، وأعمال الجوارح فمن لم يحاسب نفسه وتركها ترتكب المعاصي فكأنما قتل نفسه قال الله تعالى : (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : ولا تقتلوا أنفسكم بارتكاب المعاصي، وفعل الآثام وأكل الأموال بالباطل لأن ذلك سيؤدي بكم إلى النار، والله تعالى لا يريد هذا لكم إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً، وقال سفيان بن عيينة رحمه الله : كان الرجل يلقى أخاه في زمن السلف الصالح فيقول له : اتق الله وإن استطعت ألا تسيء إلى من تحبه فافعل؛ فقيل لسفيان : وهل يسيء الإنسان إلى من يحبه ؟ قال : سبحان الله نفسك أحب الأشياء إليك فإذا عصيت الله فقد أسأت إليها. وقال الحسن البصري رحمه الله : لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه ماذا أردت بكلمتي ؟ ماذا أردت بشربتي ؟ والفاجر يمضي قدماً لا يحاسب نفسه. وقال بعض السلف رحمه الله : من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها، ولم يجرها إلى مكروهها فهو مغرور، ومن نظر إليها باستحسان شيء منها فقد أهلكها.
قال الحسن البصري : "لا ترى المؤمن إلا يلوم نفسه : ما أردت بأكلتي ؟ ما أردت بحديث نفسي ؟ وإن الفاجر ليمضي قدماً ما يعاتب نفسه".
إنها إذاً المحاسبة التي قال عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر)، فهل تزينا للعرض الأكبر بمحاسبة أنفسنا ؟
وانظر إلى قول المولى عز وجل : (لِّيَسْأَلَ الصَّـادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ) (الأحزاب : 8). فإذا سئل الصادقون عن صدقهم وحوسبوا عليه فما الظن بالكافرين ؟
وانظر إلى قوله تعالى : (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) (الأعراف : 6). يا لله حتى المرسلون يسألون.
إن الله عز وجل يحاسب الإنسان على كل صغيرة وكبيرة، يدون عليه كل شيء حتى إذا جاء يوم القيامة نشرت الدواوين وكشفت المخبآت، ولا تسل يوم ذاك عن حال الغافلين الذين لم يحاسبوا أنفسهم في الدنيا، لا تسل عن حالهم حين تجبههم صحائف أعمالهم، (وَوُضِعَ الْكِتَـابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ ياوَيْلَتَنَا مَا لِهَـذَا الْكِتَـابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (الكهف : 49).
نعم كل شيء مكشوف، كل شيء مسجل وقد أحصاه الله. (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَـاواتِ وَمَا فِى الأرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَـاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ) (المجادلة : 7).
كل شيء يسأل عنه الإنسان فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له : ألم نصح لك جسمك ؟ ونروك من الماء البارد) رواه الترمذي.
وحكي عن الإمام أحمد أنه كان في سكرات الموت يئن فسمع أن الأنين يكتب فسكت حتى فاضت روحه رحمه الله.
هكذا إذن يحاسب الإنسان يوم القيامة على كل صغيرة وكبيرة من أمره، على أقواله وأفعاله ونياته، وتقام عليه يومذاك الشهود وأي شيء أعظم من أن يشهد بعضك على بعضك، روى الإمام مسلم [2969] عن أنس بن مالك قال كنا عند رسول الله صلى اللهم عليه وسلم فضحك فقال : (هل تدرون مم أضحك ؟ قال : قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مخاطبة العبد ربه يقول : يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ قال : يقول : بلى، قال : فيقول : فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني، قال : فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً قال : فيختم على فيه فيقال لأركانه : انطقي، قال : فتنطق بأعماله، قال : ثم يخلى بينه وبين الكلام قال : فيقول بعداً لكنّ وسحقاً، فعنكن كنت أناضل).
فتوهم نفسك وأنت بين يدي ربك، في يدك صحيفة مخبرة بعملك لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها، وأنت تقرأ ما فيها بلسان كليل، وقلب منكسر، فكم من بلية قد كنت نسيتها ذكركها، وكم من سيئة قد كنت أخفيتها قد أظهرها وأبداها، وكم من عمل ظننت أنه سلم لك وخلص فرده عليك في ذلك الموقف وأحبطه بعد أن كان أملك فيه عظيماً، فيا حسرة قلبك، ويا أسفك على ما فرطت فيه من طاعة ربك.
■ يا أخوتاه :
هل من محاسب نفسه في دنيا ليخفف على نفسه في أخراه ؟
وحين أقف أنا مع نفسي وتقف أنت مع نفسك وتمحص أيامك السالفات في عامك الماضي فتنظر ما كان من حسن فتثبت عليه وما كان من سيء فتجتنبه، حين نفعل ذلك نكون قد خطونا الخطوة الصحيحة للإصلاح، وأخذنا بيد أنفسنا للخير والفلاح.
■ فماذا يا ترى أودعنا في عامنا الماضي ؟
هل أودعنا فيه صلاة وصياماً وذكراً ودعوة وبكاء وخشية وتوبة وصبراً على المكاره وقياماً بأمر الله ؟ أم أودعنا فيه لعباً ولهواً وقضاء للشهوات واغتراراً بمتاع الدنيا الفاني ؟
هل رآنا الله نتهجد في ظلمات الأسحار ونحني أصلابنا على القرآن الكريم، ونبلل الأرض بالدمع في خشوع ؟ أم رآنا ساهرين على مشاهدة الحرام وسماع الحرام، لا هين عما أمرنا الله به، مقبلين على ما نهانا عنه ؟
أسئلة كثيرة يجب أن نجيب عنها بصدق وصراحة وإن كانت الصراحة مرة في بعض الأحيان.
أيها الأخ ألا ترى أن انقضاء العام بهذه السرعة العجيبة مؤذن بانقضاء عمرك كله ورحيلك إلى الدار الآخرة ؟ أليس عمرك بضعة سنوات كلما انقضت سنة دنوت إلى قبرك ؟
أفلا تذكرت واعتبرت بدنو الأجل وقرب الرحيل ! كم ودعت في عامك الماضي من حبيب ؟ وكم فارقت من غال ؟ وكم حملت من جنازة إلى قبرها، ونفس تزجى لأمر ربها ؟
أما كان لك في ذلك موعظة ؟ أما تخشى اليوم الذي تكون فيه محمولاً لا حاملاً، ومغسولاً لا غاسلاً، ومدفوناً لا دافناً ؟ (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (ق : 19).
إنه الموت الذي ينتهي إليه كل حي، والذي لا يدفعه عن نفسه ولا عن غيره أحد، الموت الذي يفرق بين الأحبة ويمضي في طريقه لا يتوقف ولا يلتفت ولا يستجيب لصرخة ملهوف ولا لحسرة مفارق ولا لرغبة راغب ولا لخوف خائف.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك. اللهم اجعل حاضرنا خيراً من ماضينا، ومستقبلنا خيراً من حاضرنا، إنك خير مسؤول وأكرم مأمول.
|| د. عادل عمر بصفر : عضو منهل الثقافة التربوية.
الثقافة الزمنية : العلوم الزمنية.
الثقافة الزمنية : علم التوقيت.
■ وقفات إيمانية مع نهاية العام الهجري.
■ وقفات إيمانية مع بداية العام الهجري.
◄ إخوة الإسلام :
ونحن نودع عاماً هجرياً ونستقبل عاماً هجرياً جديداً نجد سؤالاً يطرح نفسه : ماذا قدمنا في عامٍ أدبر، وماذا أعددنا لعام أقبل ؟ فإذا أجاب كل منا على هذا السؤال استطعنا أن نحاسب أنفسنا، وإذا أجابت أمتنا على هذا السؤال استطاعت أمتنا أن ترى مكانها بين الأمم، فبهذا السؤال ماذا قدمنا في عامٍ أدبر، وماذا أعددنا لعام أقبل ؟
نعلم أن ديننا يحثنا على صيانة أوقاتنا من الضياع لأننا سوف نحاسب على أوقاتنا، فعلى العاقل أن يحاسب نفسه دائماً، والمحاسبة هي مطالعة القلب وتفكره في أعماله، وأعمال اللسان، وأعمال الجوارح فمن لم يحاسب نفسه وتركها ترتكب المعاصي فكأنما قتل نفسه قال الله تعالى : (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : ولا تقتلوا أنفسكم بارتكاب المعاصي، وفعل الآثام وأكل الأموال بالباطل لأن ذلك سيؤدي بكم إلى النار، والله تعالى لا يريد هذا لكم إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً، وقال سفيان بن عيينة رحمه الله : كان الرجل يلقى أخاه في زمن السلف الصالح فيقول له : اتق الله وإن استطعت ألا تسيء إلى من تحبه فافعل؛ فقيل لسفيان : وهل يسيء الإنسان إلى من يحبه ؟ قال : سبحان الله نفسك أحب الأشياء إليك فإذا عصيت الله فقد أسأت إليها. وقال الحسن البصري رحمه الله : لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه ماذا أردت بكلمتي ؟ ماذا أردت بشربتي ؟ والفاجر يمضي قدماً لا يحاسب نفسه. وقال بعض السلف رحمه الله : من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها، ولم يجرها إلى مكروهها فهو مغرور، ومن نظر إليها باستحسان شيء منها فقد أهلكها.
قال الحسن البصري : "لا ترى المؤمن إلا يلوم نفسه : ما أردت بأكلتي ؟ ما أردت بحديث نفسي ؟ وإن الفاجر ليمضي قدماً ما يعاتب نفسه".
إنها إذاً المحاسبة التي قال عنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر)، فهل تزينا للعرض الأكبر بمحاسبة أنفسنا ؟
وانظر إلى قول المولى عز وجل : (لِّيَسْأَلَ الصَّـادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ) (الأحزاب : 8). فإذا سئل الصادقون عن صدقهم وحوسبوا عليه فما الظن بالكافرين ؟
وانظر إلى قوله تعالى : (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) (الأعراف : 6). يا لله حتى المرسلون يسألون.
إن الله عز وجل يحاسب الإنسان على كل صغيرة وكبيرة، يدون عليه كل شيء حتى إذا جاء يوم القيامة نشرت الدواوين وكشفت المخبآت، ولا تسل يوم ذاك عن حال الغافلين الذين لم يحاسبوا أنفسهم في الدنيا، لا تسل عن حالهم حين تجبههم صحائف أعمالهم، (وَوُضِعَ الْكِتَـابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ ياوَيْلَتَنَا مَا لِهَـذَا الْكِتَـابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (الكهف : 49).
نعم كل شيء مكشوف، كل شيء مسجل وقد أحصاه الله. (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَـاواتِ وَمَا فِى الأرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَـاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ) (المجادلة : 7).
كل شيء يسأل عنه الإنسان فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له : ألم نصح لك جسمك ؟ ونروك من الماء البارد) رواه الترمذي.
وحكي عن الإمام أحمد أنه كان في سكرات الموت يئن فسمع أن الأنين يكتب فسكت حتى فاضت روحه رحمه الله.
هكذا إذن يحاسب الإنسان يوم القيامة على كل صغيرة وكبيرة من أمره، على أقواله وأفعاله ونياته، وتقام عليه يومذاك الشهود وأي شيء أعظم من أن يشهد بعضك على بعضك، روى الإمام مسلم [2969] عن أنس بن مالك قال كنا عند رسول الله صلى اللهم عليه وسلم فضحك فقال : (هل تدرون مم أضحك ؟ قال : قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مخاطبة العبد ربه يقول : يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ قال : يقول : بلى، قال : فيقول : فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني، قال : فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً قال : فيختم على فيه فيقال لأركانه : انطقي، قال : فتنطق بأعماله، قال : ثم يخلى بينه وبين الكلام قال : فيقول بعداً لكنّ وسحقاً، فعنكن كنت أناضل).
فتوهم نفسك وأنت بين يدي ربك، في يدك صحيفة مخبرة بعملك لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها، وأنت تقرأ ما فيها بلسان كليل، وقلب منكسر، فكم من بلية قد كنت نسيتها ذكركها، وكم من سيئة قد كنت أخفيتها قد أظهرها وأبداها، وكم من عمل ظننت أنه سلم لك وخلص فرده عليك في ذلك الموقف وأحبطه بعد أن كان أملك فيه عظيماً، فيا حسرة قلبك، ويا أسفك على ما فرطت فيه من طاعة ربك.
■ يا أخوتاه :
هل من محاسب نفسه في دنيا ليخفف على نفسه في أخراه ؟
وحين أقف أنا مع نفسي وتقف أنت مع نفسك وتمحص أيامك السالفات في عامك الماضي فتنظر ما كان من حسن فتثبت عليه وما كان من سيء فتجتنبه، حين نفعل ذلك نكون قد خطونا الخطوة الصحيحة للإصلاح، وأخذنا بيد أنفسنا للخير والفلاح.
■ فماذا يا ترى أودعنا في عامنا الماضي ؟
هل أودعنا فيه صلاة وصياماً وذكراً ودعوة وبكاء وخشية وتوبة وصبراً على المكاره وقياماً بأمر الله ؟ أم أودعنا فيه لعباً ولهواً وقضاء للشهوات واغتراراً بمتاع الدنيا الفاني ؟
هل رآنا الله نتهجد في ظلمات الأسحار ونحني أصلابنا على القرآن الكريم، ونبلل الأرض بالدمع في خشوع ؟ أم رآنا ساهرين على مشاهدة الحرام وسماع الحرام، لا هين عما أمرنا الله به، مقبلين على ما نهانا عنه ؟
أسئلة كثيرة يجب أن نجيب عنها بصدق وصراحة وإن كانت الصراحة مرة في بعض الأحيان.
أيها الأخ ألا ترى أن انقضاء العام بهذه السرعة العجيبة مؤذن بانقضاء عمرك كله ورحيلك إلى الدار الآخرة ؟ أليس عمرك بضعة سنوات كلما انقضت سنة دنوت إلى قبرك ؟
أفلا تذكرت واعتبرت بدنو الأجل وقرب الرحيل ! كم ودعت في عامك الماضي من حبيب ؟ وكم فارقت من غال ؟ وكم حملت من جنازة إلى قبرها، ونفس تزجى لأمر ربها ؟
أما كان لك في ذلك موعظة ؟ أما تخشى اليوم الذي تكون فيه محمولاً لا حاملاً، ومغسولاً لا غاسلاً، ومدفوناً لا دافناً ؟ (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (ق : 19).
إنه الموت الذي ينتهي إليه كل حي، والذي لا يدفعه عن نفسه ولا عن غيره أحد، الموت الذي يفرق بين الأحبة ويمضي في طريقه لا يتوقف ولا يلتفت ولا يستجيب لصرخة ملهوف ولا لحسرة مفارق ولا لرغبة راغب ولا لخوف خائف.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك. اللهم اجعل حاضرنا خيراً من ماضينا، ومستقبلنا خيراً من حاضرنا، إنك خير مسؤول وأكرم مأمول.
|| د. عادل عمر بصفر : عضو منهل الثقافة التربوية.


■ وقفات إيمانية مع نهاية العام الهجري.
■ وقفات إيمانية مع بداية العام الهجري.