حمزة عبدالرحيم سي فضيل.
عدد المشاركات : 11
1436/03/01 (06:01 صباحاً).
عدد المشاهدات : ﴿﴿3230﴾﴾
هل يتفق الخيال مع التاريخ ؟
◄ وفق هذِهِ المقولة يُمكن للدارس أن يستنبط استحالة الربط بين المفهومين، فهما ضدان لا يجتمعان على الأقل في فن التاريخ، إذ لا يعقل أن تنسج مخيلة مجتمع ما أحاجي وترهات وأساطير، وفق النمط البيئي والفكري والمعاشي الذي يحياه، ثم ما إن يلبث هذا المجتمع يرويها ويتداولها نقلاً ورواية وإضافة، إلى أن تتكرر فتتقرر، ومع مرور الزمن تصبح من أخبار الماضين وأحوال الأمم السابقين يرجع إليها من يرجع استناداً وتوثيقاً لتسمى آنذاك تاريخاً.
لكن هنالك فريقاً جمع بينهما استثناءا في حالات محددة كتلك التي تتعلق بالفنون الشعبية ومنها فن المغازي، وهو مجال شاسع وواسع اهتم به المختصون في الموروث المحلي وتشترك فيه غالباً جميع الدول العربية والإسلامية، ففي الجزائر مثلاً تكتسح حكايات المغازي جميع البيوت والقرى بشكل رهيب، لتأثرهم بالإسلام وحبهم في النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وصحابته وآل بيته رضوان الله عليهم أجمعين، فالمغازي إنما هي مأخوذة عن مرجعية تاريخية ولا جدال في ذلك، وتتناول في مجملها الغزوات والفتوحات الإسلامية التي تزعمها وقادها أبطال الإسلام أمثال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه والزبير بن العوام وخالد بن الوليد وغيرهم من المجاهدين الفاتحين رضوان الله عليهم أجمعين، فهؤلاء يفتخر بهم كل مؤمن مسلم، لتصير سيرهم وبطولاتهم على كل لسان، مما جعلهم محل التأسي والاقتداء، فصار المقاوم والمجاهد الجزائري يتشبع بها قدر الإمكان لشحن هممه، وتقوية عقيدته وتصغير عدوه مهما بلغت قوته، إلا أن عنصر الخيال قد وضع وغرس في المغازي لطبيعة المعتقدات التي كانت تسود المجتمع الجزائري ولا تزال، فلربما تجد من يعتقد بقوة سيدنا علي الخارقة لدرجة حصده رؤوس ألفين من الأعداء والمشركين بسيف واحد وضربة واحدة، وهو ما لا يمكن لعقل تصديقه ولا لفكر استيعابه، كلما في الأمر أن عادة الناس من العوام جرت على تفخيم ما يعظمون واحتقار وتقزيم ما يستصغرون، إذ جبلت القلوب على حب من يحسن إليها وبغض من يسيء إليها.
ويحسن التنبيه إلى : أن بعض الخوارق قد حدثت فعلاً لكننا نصنفها ضمن خانة المعجزات كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من إمداد الله عز وجل لعباده بآلاف من الملائكة عوناً وسندا، ومن ذلك قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال : 17) أضف إلى ذلك ما ورد عن الصحابة من أن المسلمين في غزوة بدر الكبرى كانوا يشهدون بذلك، حتى أن رؤوس المشركين كانت تتطاير قبل أن تصل سيوف المسلمين من الصحابة إليها، واقرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك، ولكن لا ينبغي تعميم هذا لأنه من الشاذ الذي لا يقاس عليه، فنحن بحكم عقيدتنا نسلم بالمعجزة والإرهاص والكرامة وحتى الاستدراج والإملاء، إما ماعدا ذلك فهو مبالغة وغلو ينطويا تحت عوالم العاطفة والخيال، فانظر إلى زعمهم أن مردة الجن والشياطين كانوا احد الأطراف في الفتوحات الإسلامية.
ومن هنا يتضح لنا جلياً : ما المقصود بالعبارة التي صدرنا بها أولاً فحقاً أدب المغازي بناء تاريخي في ثوب خيالي، إذ القصة واقعة والشخوص والأماكن والمعالم محددة اسماً وعدداً وكيفاً، والزمن مؤرخ أيضاً، لكن البناء القصصي عمه الخيال في بعض تفاصيله فأصبح هذا النوع من الحكايات لا يسمو أن يكون نصاً تاريخياً خالصاً.
|| حمزة عبدالرحيم سي فضيل : عضو منهل الثقافة التربوية.
عدد المشاهدات : ﴿﴿3230﴾﴾
هل يتفق الخيال مع التاريخ ؟
◄ وفق هذِهِ المقولة يُمكن للدارس أن يستنبط استحالة الربط بين المفهومين، فهما ضدان لا يجتمعان على الأقل في فن التاريخ، إذ لا يعقل أن تنسج مخيلة مجتمع ما أحاجي وترهات وأساطير، وفق النمط البيئي والفكري والمعاشي الذي يحياه، ثم ما إن يلبث هذا المجتمع يرويها ويتداولها نقلاً ورواية وإضافة، إلى أن تتكرر فتتقرر، ومع مرور الزمن تصبح من أخبار الماضين وأحوال الأمم السابقين يرجع إليها من يرجع استناداً وتوثيقاً لتسمى آنذاك تاريخاً.
لكن هنالك فريقاً جمع بينهما استثناءا في حالات محددة كتلك التي تتعلق بالفنون الشعبية ومنها فن المغازي، وهو مجال شاسع وواسع اهتم به المختصون في الموروث المحلي وتشترك فيه غالباً جميع الدول العربية والإسلامية، ففي الجزائر مثلاً تكتسح حكايات المغازي جميع البيوت والقرى بشكل رهيب، لتأثرهم بالإسلام وحبهم في النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وصحابته وآل بيته رضوان الله عليهم أجمعين، فالمغازي إنما هي مأخوذة عن مرجعية تاريخية ولا جدال في ذلك، وتتناول في مجملها الغزوات والفتوحات الإسلامية التي تزعمها وقادها أبطال الإسلام أمثال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه والزبير بن العوام وخالد بن الوليد وغيرهم من المجاهدين الفاتحين رضوان الله عليهم أجمعين، فهؤلاء يفتخر بهم كل مؤمن مسلم، لتصير سيرهم وبطولاتهم على كل لسان، مما جعلهم محل التأسي والاقتداء، فصار المقاوم والمجاهد الجزائري يتشبع بها قدر الإمكان لشحن هممه، وتقوية عقيدته وتصغير عدوه مهما بلغت قوته، إلا أن عنصر الخيال قد وضع وغرس في المغازي لطبيعة المعتقدات التي كانت تسود المجتمع الجزائري ولا تزال، فلربما تجد من يعتقد بقوة سيدنا علي الخارقة لدرجة حصده رؤوس ألفين من الأعداء والمشركين بسيف واحد وضربة واحدة، وهو ما لا يمكن لعقل تصديقه ولا لفكر استيعابه، كلما في الأمر أن عادة الناس من العوام جرت على تفخيم ما يعظمون واحتقار وتقزيم ما يستصغرون، إذ جبلت القلوب على حب من يحسن إليها وبغض من يسيء إليها.
ويحسن التنبيه إلى : أن بعض الخوارق قد حدثت فعلاً لكننا نصنفها ضمن خانة المعجزات كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من إمداد الله عز وجل لعباده بآلاف من الملائكة عوناً وسندا، ومن ذلك قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال : 17) أضف إلى ذلك ما ورد عن الصحابة من أن المسلمين في غزوة بدر الكبرى كانوا يشهدون بذلك، حتى أن رؤوس المشركين كانت تتطاير قبل أن تصل سيوف المسلمين من الصحابة إليها، واقرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك، ولكن لا ينبغي تعميم هذا لأنه من الشاذ الذي لا يقاس عليه، فنحن بحكم عقيدتنا نسلم بالمعجزة والإرهاص والكرامة وحتى الاستدراج والإملاء، إما ماعدا ذلك فهو مبالغة وغلو ينطويا تحت عوالم العاطفة والخيال، فانظر إلى زعمهم أن مردة الجن والشياطين كانوا احد الأطراف في الفتوحات الإسلامية.
ومن هنا يتضح لنا جلياً : ما المقصود بالعبارة التي صدرنا بها أولاً فحقاً أدب المغازي بناء تاريخي في ثوب خيالي، إذ القصة واقعة والشخوص والأماكن والمعالم محددة اسماً وعدداً وكيفاً، والزمن مؤرخ أيضاً، لكن البناء القصصي عمه الخيال في بعض تفاصيله فأصبح هذا النوع من الحكايات لا يسمو أن يكون نصاً تاريخياً خالصاً.
|| حمزة عبدالرحيم سي فضيل : عضو منهل الثقافة التربوية.
◄ وفق هذِهِ المقولة يُمكن للدارس أن يستنبط استحالة الربط بين المفهومين، فهما ضدان لا يجتمعان على الأقل في فن التاريخ، إذ لا يعقل أن تنسج مخيلة مجتمع ما أحاجي وترهات وأساطير، وفق النمط البيئي والفكري والمعاشي الذي يحياه، ثم ما إن يلبث هذا المجتمع يرويها ويتداولها نقلاً ورواية وإضافة، إلى أن تتكرر فتتقرر، ومع مرور الزمن تصبح من أخبار الماضين وأحوال الأمم السابقين يرجع إليها من يرجع استناداً وتوثيقاً لتسمى آنذاك تاريخاً.
لكن هنالك فريقاً جمع بينهما استثناءا في حالات محددة كتلك التي تتعلق بالفنون الشعبية ومنها فن المغازي، وهو مجال شاسع وواسع اهتم به المختصون في الموروث المحلي وتشترك فيه غالباً جميع الدول العربية والإسلامية، ففي الجزائر مثلاً تكتسح حكايات المغازي جميع البيوت والقرى بشكل رهيب، لتأثرهم بالإسلام وحبهم في النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وصحابته وآل بيته رضوان الله عليهم أجمعين، فالمغازي إنما هي مأخوذة عن مرجعية تاريخية ولا جدال في ذلك، وتتناول في مجملها الغزوات والفتوحات الإسلامية التي تزعمها وقادها أبطال الإسلام أمثال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه والزبير بن العوام وخالد بن الوليد وغيرهم من المجاهدين الفاتحين رضوان الله عليهم أجمعين، فهؤلاء يفتخر بهم كل مؤمن مسلم، لتصير سيرهم وبطولاتهم على كل لسان، مما جعلهم محل التأسي والاقتداء، فصار المقاوم والمجاهد الجزائري يتشبع بها قدر الإمكان لشحن هممه، وتقوية عقيدته وتصغير عدوه مهما بلغت قوته، إلا أن عنصر الخيال قد وضع وغرس في المغازي لطبيعة المعتقدات التي كانت تسود المجتمع الجزائري ولا تزال، فلربما تجد من يعتقد بقوة سيدنا علي الخارقة لدرجة حصده رؤوس ألفين من الأعداء والمشركين بسيف واحد وضربة واحدة، وهو ما لا يمكن لعقل تصديقه ولا لفكر استيعابه، كلما في الأمر أن عادة الناس من العوام جرت على تفخيم ما يعظمون واحتقار وتقزيم ما يستصغرون، إذ جبلت القلوب على حب من يحسن إليها وبغض من يسيء إليها.
ويحسن التنبيه إلى : أن بعض الخوارق قد حدثت فعلاً لكننا نصنفها ضمن خانة المعجزات كما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من إمداد الله عز وجل لعباده بآلاف من الملائكة عوناً وسندا، ومن ذلك قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال : 17) أضف إلى ذلك ما ورد عن الصحابة من أن المسلمين في غزوة بدر الكبرى كانوا يشهدون بذلك، حتى أن رؤوس المشركين كانت تتطاير قبل أن تصل سيوف المسلمين من الصحابة إليها، واقرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك، ولكن لا ينبغي تعميم هذا لأنه من الشاذ الذي لا يقاس عليه، فنحن بحكم عقيدتنا نسلم بالمعجزة والإرهاص والكرامة وحتى الاستدراج والإملاء، إما ماعدا ذلك فهو مبالغة وغلو ينطويا تحت عوالم العاطفة والخيال، فانظر إلى زعمهم أن مردة الجن والشياطين كانوا احد الأطراف في الفتوحات الإسلامية.
ومن هنا يتضح لنا جلياً : ما المقصود بالعبارة التي صدرنا بها أولاً فحقاً أدب المغازي بناء تاريخي في ثوب خيالي، إذ القصة واقعة والشخوص والأماكن والمعالم محددة اسماً وعدداً وكيفاً، والزمن مؤرخ أيضاً، لكن البناء القصصي عمه الخيال في بعض تفاصيله فأصبح هذا النوع من الحكايات لا يسمو أن يكون نصاً تاريخياً خالصاً.
|| حمزة عبدالرحيم سي فضيل : عضو منهل الثقافة التربوية.