من أحدث المقالات المضافة.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. خالد محمد الصحفي.
إجمالي القراءات : ﴿5722﴾.
عدد المشــاركات : ﴿104﴾.

ما بعد سكرات الموت .. عذاب القبر أو نعيمه ؟
■ إخوتي في الله :
كثير منا يتشاءم لدى سماعه سيرة الموت ويطالب بأغلاق الموضوع فهذا الرفض دليل الثقة التامة بوجود الموت وحب النفس لمتاع الدنيا ومحاولة نسيان أنك اليوم تمشي على أقدامك وفيه الغد يحملوك فوق الأكتاف، قال الله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (العنكبوت : 57) وقوله تعالى : (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (الرحمن : 27).
عندما تأتي سكرات الموت وهي نصيب كل إنسان كما قال الله تعالى : (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (ق : 19) حتى رسول الله عليه الصلاة والسلام ففي مرض موته صلوات الله وسلامه عليه كان بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه، ويقول : (لا إله إلا الله، إن للموت سكرات) أخرجه البخاري.
وتقول عائشة - رضي الله عنها - في مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ما رأيت الوجع على أحد أشدَّ منه على رسول الله صلى الله عليه والسلام).
يتمنى الإنسان العودة إلى الدنيا فلو كان كافراً لأسلم ولو كان عاصياً لتاب، قال تعالى : (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون : 98 إلى 100).

الإيمان لا يقبل إذا حضر الموت والتوبة لا تقبل إذا غرغر العبد، قال تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (النساء : 17 - 18) وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام : (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) رواه الترمذي وابن ماجه.
وروح الكافر والفاجر تعاني من الموت أكثر مما يعاني المؤمن التقي، فقد جاء في حديث البراء بن عازب : أن روح الفاجر والكافر تفرق في جسده عندما يقول لها ملك الموت : أيتها النفس الخبيثة : اخرجي إلى سخط من الله وغضب، وأنه ينتزعها كما ينتزع السفود الكثير الشُّعَب من الصوف المبلول، فتقطع معها العروق والعصب، ووصف لنا القرآن الكريم الشدة التي يعاني منها الكفرة : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (الأنعام : 93) وقال تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (الأنعام : 93).
اما للمؤمن التقي فيفرح بلقاء ربه، فقالت عائشة أو بعض أزواجه : (إنا لنكره الموت، قال : ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بُشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله، وكره الله لقاءه) رواه البخاري.
بعد أن يموت الإنسان تبدأ المرحلة الثانية وهي القبر أول منازل الآخرة، وهي إما أن تكون روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر يبكى حتى يبل لحيته، فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا !، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : (القبر أول منازل الآخرة، فإن ينج منه فما بعده أيسرُ منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشدُّ منه. قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفظع منه) رواه أحمد والترمذي وحسنه الشيخ الألباني.
إذا أدخل العبد فيه القبر ضمه القبر ضمة تتداخل معه أضلاعه وهذه الضمة لا ينجو منها أحد سواء مسلم أو كافر لقوله رسول الله عليه الصلاة والسلام : (إن للقبر ضغطة، ولو كان أحدٌ ناجياً منها نجا منها سعد بن معاذ) رواه أحمد.
قال صلى الله عليه وسلم حينما كان في جنازة سعد : (هذا الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ) وإذا فرج عليه من ضمة القبر أقعد للسؤال، لقوله صلّى الله عليه و سلم : (حتى إذا فُرِّج عن العبد من ضمة القبر أقعد للسؤال - مؤمناً كان أم كافراً - فيسأل عن ربه ودينه والرجل الذي بعث فيهم، فأما المؤمن فيقول : ربي الله، وديني الإسلام، والرجل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينادي منادٍ من السماء، أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، وألبسوه من الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفتح له فيها مد بصره، وأما الكافر فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان : من ربك ؟ فيقول : هاه، هاه، هاه لا أدري، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه، هاه لا أدري، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بُعثَ فيكم ؟ فيقول : هاه، هاه لا أدري، فينادي منادٍ من السماء أن كذب، فافرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويُضيَّق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ثم يُوكل له أعمى أبكم، معه مطرقة من حديد لو ضُرب بها جبل لصار تراباً، فيضربه بها ضربةً يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين فيصير تراباً، ثم تعاد فيه الروح، كما روى ذلك أبو داود وصححه الشيخ الألباني.
والفتنة في القبر بالسؤال وإن كانت عامّة إلا أن الله اختصّ بعض عباده فنجاهم منها، وممّن اختصهم الله بالنجاة من هذه الفتنة الأنبياء والشهداء (فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) رواه النسائي وصححه الألباني.
وقوله عليه الصلاة والسلام : (كل ميت يُختم على عمله إلا الذي مات مرابطاً في سبيل الله فإنه يُنْمَي - أي يزيد - له عمله يوم القيامة، ويأمن من فتنة القبر) رواه الترمذي وأبو داود.
فبعد السؤال يبدأ عذاب أو نعيم القبر كل بأعماله.