من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

النادرون ﴿3283﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : عماري جمال الدين.
إجمالي القراءات : ﴿5352﴾.
عدد المشــاركات : ﴿19﴾.

واتبع هواه .. في التربية الإيمانية.
■ مقدمة :
من أعظم ما يبتلى به العبد في حياته الدنيا فتن الشهوات والشبهات، قال تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ {14} قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (آل عمران : 14 ـ 15) في هذه الآية العظيمة مقارنة لطيفة بين متاع زائل وبين نعيم دائم، بين دنيا فانية وأخرى باقية .. إنه امتحان معلومة مواده، محددة نتائجه سلفاً، والأمر لا يحتاج إلى كثير تفكير فأي عاقل سليم الفطرة لابد أن يختار الخبار الثاني، لأن النتيجة هي : جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها، وأزواج مطهرة ورضوان من الله، أفهذا خير أم متاع زائل وشهوة عابرة ونشوة زائلة ؟ ورغم أن المسألة بهذا الوضوح يفشل الكثير في هذا الامتحان، فما السر في ذلك يا ترى ؟

1) تعريف الهوى :
هو ميل النفس إلى الشهوة، والانقياد لها فيما تدعو إليه من معاصي الله عز وجل. مع العلم أن انقياد الإنسان واتباعه للشهوة يجعله في مصاف الحيوانات، ويجلب له الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة.

2) الوحي يحذر من اتباع الهوى :
قال تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (الكهف : 28).
قال تعالى : (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الأعراف : 176).
قال تعالى : (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) (ص : 26).
قال تعالى : (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (القصص : 50).
قال تعالى : (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) (الروم : 29).
قال تعالى : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ) (محمد : 16).
قال تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (الجاثية : 23).
وقد ثبت في الحديث الصحيح عن حذيفة ابن اليمان -رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه) (رواه مسلم المصر صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم : 2960).

3) من أقوال العظماء :
قال معاوية رضي الله عنه المروءة ترك الشهوات وعصيان الهوى.
قال ابن القيم : مخالفة الهوى تورث العبد قوة في بدنه وقلبه ولسانه.
قال الشاعر الحكيم :
إياك من فرط الهوى • • • فالعشق أقوى من صرع
قرأت تاريخ الهوى • • • فكان أقصى من صفـــــع
واسمع دواء أحمدا • • • ألزم حدودا وامتنــــــــــع


4) نافذة عن واقعنا اليوم :
إنك حين ترصد حركة الكثير من الناس اليوم، وخاصة الشباب منهم، في عالمنا العربي والإسلامي، وتتأمل في أحاديثهم ولباسهم وسلوكهم، في أفراحهم وأعراسهم، في اهتماماتهم وطموحاتهم، كيف يفكرون، وكيف يقيمون ؟ تجد الكثير منهم - إلا ما رحم ربك وقليل ما هم - منغمساً في شهوات الدنيا ولذائذها، يعب منها عبا، يأكل ملء بطنه، وينام ملء جفنيه، ويضحك ملء شدقيه .. مستغرقاً كل جهده ووقته وماله في تحصيل ما أمكن من متع الجسد، وتلبية حظوظ النفس وشهواتها الخفية .. كما تدرك أن اهتمام الناس الأكبر يتمحور حول الماديات والأشكال والمظاهر، ولا يتجاوزها إلى ما هو أهم، ألهاهم التكاثر، وشغلهم التفاخر، وبهرتهم الدنيا بمفاتنها وزخارفها الزائلة، وكإني بمنطق الجاهلية الأولى وشعارها المعروف "اليوم خمر وغداً أمر" قد عاد بقوة إلى دنيا الناس اليوم، كما قال الشاعر :
إنما الدنيا غلام وطعام ومدام • • • فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام
أولست ترى معي أخي الكريم العدد الهائل من المتابعين لبعض القنوات الفضائية التي لا هم لها إلا التفنن في إثارة الغرائز الجنسية، والزج بعواطف الشباب ومشاعرهم في متاهات الضياع والانحراف، وكذلك عدد المدمنين على المواقع المشبوهة والاتصالات المريبة عبر فضاءات الإنترنت. أين الحجاب ذو المواصفات الشرعية ؟ أين الحياء عند فتياننا وفتياتنا ؟ وقد أصبح البعض منهم لا يتورع أن يقلد أهل الكتاب في أعياد الميلاد، وفي بعض الطقوس والعادات الغريبة عن عاداتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة، إن الابتعاد عن قيمنا الأصيلة، وعن تعاليم ديننا الحنيف، والارتماء في أحضان (حضارة) الغرب لن تورثنا إلا شقاء وتعاسة وهماً وغماً.

5) الجاحظ يشير إلى الداء :
"إذا تمكنت الشهوة من الإنسان وملكته وانقاد لها، كان كالبهائم أشبه منه بالناس، لأن أغراضه ومطلوباته وهمته تصير أبداً مصروفة إلى الشهوات واللذات فقط، وهذه هي عادة البهائم، ومن يكون بهذه الصفة يقل حياؤه، ويكثر خرقه، ويستوحش من أهل الفضل، ويبغض أهل العلم، ويود أصحاب الفجور، ويستحب الفواحش، ويسر بمعاشرة السخفاء، ويطغى عليه الهزل وكثرة اللهو، وقد يصير من هذه الحالة إلى ارتكاب الفجور، وارتكاب الفواحش، والتعرض للمحظورات، وربما دعته محبة اللذات إلى اكتساب الأموال من أقبح وجوهها، وربما حملته على الغضب والتلصص والخيانة وأخذ ما ليس له بحق، ومن تنتهي به شهواته إلى هذا الحد، فهو أسوأ الناس حالاً، ويصبح من الأشرار الذين يخاف خبثهم، ويصير واجباً على متولي السياسات تقويمهم وتأديبهم، وإبعادهم ونفيهم، حتى لا يختلطوا بالناس، فإن اختلاط من هذه صفته بالناس مضرة لهم، وبخاصة الأحداث منهم، لأن الحدث (صغير السن) سريع الانطباع، ونفسه مجبولة على الميل إلى الشهوات، فإذا شاهد غيره مرتكباً لها، مستحسناً للانهماك فيها، مال هو أيضاً إلى الاقتداء به" (تهذيب الأخلاق للجاحظ).

6) ابن القيم يصف الدواء :
يقول : "الفتن نوعان فتنة الشبهات وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات، وقد يجتمعان للعبد، وقد يتفرد بإحداهما، ففتنة الشبهات من ضعف البصيرة وقلة العلم، فهي من عمى في البصيرة وفساد في الإرادة. فتنة الشبهات تدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر، ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين، قال تعالى : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة : 24) فدل على أن بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين .. وجاء في الحديث المرسل أن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات، فبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة، وبكمال البصيرة واليقين، تدفع فتنة الشبهة".

7) الحاجة الملحة لقراءة موروثنا الثقافي :
عبارات موجزة مختصرة دقيقة هادفة، تستحق منا أن نقرأها وأن نعيد قراءتها مرات ومرات، تأمل معي جيداً لم يكتفي صاحبها بمجرد الإشارة للداء والمرض، بل يصف الدواء الشافي الكافي بإذن الله تعالى، وهو بذلك يحيلنا إلى منهج التربية الإيمانية الأصيل الذي يقنع ويبصر العقل البشري بما ينفعه، ويروض النفس البشرية، ويدعوها إلى تبني والتزام القيم الصحيحة، وضرورة الاستقامة على الطريق المستقيم لتجني ثمرة ذلك فتهنأ وتسعد في الدارين، إنه لا يكفي أن تعرف وتؤمن بالحق، بل لابد أن تلتزم وتتفاعل وتطبق الأوامر والنواهي.
قال تعالى : (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)) (العصر : آية 1,2,3) فالعلم يهتف بالعمل، فإن وجده وإلا ارتحل.
قال الحسن البصري : "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن هو ما وقر في القلب وصدقه بالعمل" ومشكلتنا اليوم بصراحة ليست في النصوص بقدر ماهي في تطبيق هذه النصوص، فالإشكال ليس على مستوى القناعات بقدر ما هو على مستوى الإرادات والالتزام والتطبيق، وقديماً قال أحد الصالحين : "إنه لا يخاف عليك التباس الطريق، ولكن يخاف عليك غلبة الهوى".

8) العلاج :
في قوله تعالى : (فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)) (النازعات : 37 إلى 41) صدق الله العظيم.