أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. عادل عمر بصفر.
إجمالي القراءات : ﴿8963﴾.
عدد المشــاركات : ﴿43﴾.

حضانة الأطفال في الشريعة الإسلامية.
■ عباد الله :
العشرة الزوجية ضرب خاص من المحبة في النفس، فهو الذي يسكن به الزوجان، فيكون كل منهما متمما لوجود الآخر. (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون) (النحل : 72).
وإن اختلال العشرة بين الزوجين، يذكي نار الفرقة، ويزداد الأمر عسراً في حال وجود الأبناء، فانهدام البيت بالانفصال مع وجود الأبناء مصيبة عظيمة. لأن الأبناء سيدفعون ثمن هذا الفراق غالياً، وسيكونون غرضاً لانتقام كلا الزوجين من الآخر إذا غابت التقوى عنهما أو عن أحدهما. ومن أبرز المشكلات بعد انفصال الزوجين مشكلة حضانة الأطفال الصغار، ومَنْ منهما أحق بحضانة الأطفال، فتنشأ حرب ضروس بينهما بسبب غياب تقوى الله تعالى ولو عن أحدهما.

■ إخوة الإسلام :
● الحضانة مشتقة من الحُضن، لأن المربي يضم الطفل إلى حضنه، والحاضنة هي المربية هذا معناها لغة.
● وأما معناها شرعا : فهي حفظ صغير ونحوه عما يضره، وتربيته والعمل على مصلحته.
والحكمة فيها ظاهرة، ذلك أن الصغير يحتاج إلى من يتولاه ويحافظ عليه بجلب منافعه ودفع المضار عنه وتربيته التربية السليمة.

وقد جاءت شريعتنا بتشريع الحضانة للأطفال; رحمة بهم، ورعاية لشئونهم، وإحساناً إليهم; لأنهم لو تركوا; لضاعوا وتضرروا، وتجب الحضانة للحاضنين على الترتيب المذكور في كتب الفقه : فأحق الناس بالحضانة الأم، فإذا تزوجت الأم سقط حقها فيها; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءته امرأة، فقالت : يا رسول الله ! إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينزعه مني ؟ فقال : (لأنت أحق به ما لم تنكحي). فدل الحديث على أن الأم أحق بحضانة ولدها إذا طلقها أبوه وأراد انتزاعه منها، وأنها إذا تزوجت; سقط حقها من الحضانة.
وسبب تقديم الأم في حضانة ولدها لأنها أشفق عليه وأقرب إليه، قال ابن عباس رضي الله عنه لرجل : "ريحها وفراشها وحجرها خير له منك حتى يشب ويختار لنفسه" فإن كانت المحضونة أنثى فهي للأم حتى سن التمييز ثم تتنقل إلى أبيها ما لم يكن ثمة مانع يقدح في صلاحيته للحضانة; لأن الأصل في إسناد الحضانة، النظر في مصلحة المحضون أولاً.

■ ومن موانع الحضانة :
● الرق : فلا حضانة لمن فيه رق; لأن الحضانة ولاية، والرقيق ليس من أهل الولاية، ولأنه مشغول بخدمة سيده، ومنافعه مملوكة لسيده.
● ولا حضانة لفاسق : لأنه لا يوثق به فيها، وفي بقاء المحضون عنده ضرر عليه; لأنه يسيء تربيته، وينشئه على طريقته.
● ولا حضانة لكافر على مسلم : لأنه أولى بعدم الاستحقاق من الفاسق; لأن ضرره أكثر; فإنه يفتن المحضون في دينه ويخرجه عن الإسلام بتعليمه الكفر وتربيته عليه.
● ولا حضانة لمزوجة بأجنبي من محضون : لقول النبي صلى الله عليه وسلم لوالدة الطفل : (أنت أحق به ما لم تنكحي) ولأن الزوج يملك منافعها، ويستحق منعها من الحضانة، والمراد بالأجنبي هنا من ليس من عصبات المحضون، فلو تزوجت بقريب محضونها; لم تسقط حضانتها. فإن زال أحد هذه الموانع رجع من زال عنه المانع من هؤلاء إلى حقه في الحضانة.

■ وأما تخيير الغلام بين أبويه :
فيحصل عند بلوغه السابعة من عمره، فإذا بلغ سبع سنين وهو عاقل; فإنه يخير بين أبويه، فيكون عند من اختار منهما، قضى بذلك عمر وعلي رضي الله عنهما، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت : إن زوجي يريد أن يذهب بابني. فقال : يا غلام ! هذا أبوك وهذه أمك; فخذ بيد أيهما شئت .. فأخذ بيد أمه، فانطلقت به) فدل الحديث على أن الغلام إذا استغنى بنفسه يخير بين أبويه; فإنه إذا بلغ حدا يستطيع معه أن يُعرب عن نفسه، فمال إلى أحد الأبوين; دل على أنه أرفق به وأشفق عليه، فقُدم لذلك.

■ ولا يخير إلا بشرطين :
● أحدهما : أن يكون الأبوان من أهل الحضانة.
● والثاني : أن يكون الغلام عاقلاً، فإن كان معتوهاً; بقي عند الأم; لأنها أشفق عليه وأقوم بمصالحه .
وإذا اختار الغلام العاقل أباه; صار عنده ليلاً ونهاراً; ليحفظه ويعلمه ويؤدبه، لكن لا يمنعه من زيارة أمه; لأن منعه من ذلك تنشئة له على العقوق وقطيعة الرحم، وإن اختار أمه; صار عندها ليلاً وعند أبيه نهاراً ; ليعلمه ويؤدبه، وإن لم يختر واحداً منهما; أقرع بينهما; لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر إلا بالقرعة.
والأنثى إذا بلغت سبع سنين; فإنها تكون عند أبيها إلى أن تتزوج; لأنه أحفظ لها وأحق بولايتها من غيره، ولا تمنع الأم من زيارتها طيلة تلك المدة .. فإن كان الأب عاجزاً عن حفظ البنت، أو لا يبالي بها لشغله أو قلة دينه، والأم تصلح لحفظها; فإنها تكون عند أمها.
وعلى كلا الأبوين المتناحرين على حضانة الأبناء أن يتذكرا أن هؤلاء الأبناء قد يكونون ضرراً على الأبوين. ألم تسمع قول الله تبارك وتعالى : (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا) (الكهف : 80-81) ألم تسمع قول الله تعالى : (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) (النساء : 11).

■ أخي المسلم :
لتكن جميع أعمالك وتصرفاتك وخطراتك وهواجس نفسك وفق شرع الله. ليكن تعاملك مع الله وحده. وتذكر قوله تعالى : (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) (المؤمنون : 101) لا والد ولا ولد ينفع هناك فالأنساب بينهم مقطوعة بل كل يهرب ويفر من قريبه خشية تبعات القرابة في الدنيا (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) (عبس : 34-36) (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الممتحنة : 3).
بل الأبناء فتنة على الآباء اسمع قول الله تعالى : (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التغابن : 15).
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الخير والحكمة.

■ إخوة الإسلام :
لا ريب أن الأصلح للأبناء أن يعيشوا آمنين، في كنف أبوين رحيمين، في بيت ترفرف فيه عليهما الرأفة والرحمة، ويسوده الوئام والوداد، ولن يكون هذا إلا بحياة زوجية آمنة ومستقرة، فإذا اشتعلت نار القطيعة والخلاف والفراق بين الزوجين فسيكون الأبناء هم أول من تسعّر بهم النار، فاتقوا الله عباد الله في أولادكم.
وعلى والد المحضون النفقة بالمعروف على ابنه أو ابنته طيلة فترة الحضانة لقوله تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) (البقرة : 233) فإن لم يفعل ! فهو آثم ظالم. ولا يجوز لأحد الزوجين أن يمنع المحضون من زيارة الآخر منهما ! فإن فعل ذلك فهو آثم وظالم. وعلى كلا الأبوين أن يتذكر أن ملاقٍ ربه، وسيجازيه على فعله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.