من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

أبلة كوثر ﴿2913﴾.
بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : د. حمدادو بن عمر.
إجمالي القراءات : ﴿12373﴾.
عدد المشــاركات : ﴿6﴾.

محمد أبو عبدالله المغوفل : عالم (فن المخطوطات).
■ محمد أبو عبدالله المغوفل (828 - 923هـ / 000 - 1023م) - دفين وادي شلف - والتعريف بتأليفه : فلك الكواكب وسلم الرقيا إلى المراتب : عالم جزائري.
يدخل هذا المخطوط ضمن كتب التراجم التي تتناول موضوع التصوف وحياة المتصوفين وتعداد فضائلهم، والتي برزت خلال العهد الزياني بالجزائر ويمكن إدراجه كذلك ضمن التراجم العامة والتي نقصد بها تلك التآليف التي اشتملت على أكثر من ترجمة سواء كانت تتناول تراجم مدينة معينة أو ناحية أو عصر ما، وهي التي كتبها أصحابها هادفين إلى ترجمة شخص بعينه كترجمة صاحب كتاب متاحف الهدى في مناقب سيدي أ. محمد بن عودة للمنداسي (1).
وفي هذا الصدد يقول أبو القاسم سعد الله : (ويوجد عدد من التراجم العامة بعضها قصير لا يغطّي سوى بضع صفحات، وبعضها كبير، حتىّ إنّ تجاوز الثلاثمائة صفحة، كما أنّ بعضها أراد به أصحابه الترجمة لعلماء وصلحاء ناحية معينّة في فترة خاصة، وبعضها أرادوا له أن يغطيّ علماء وصلحاء مدينة معينة ما) (2).
غير أنّ ممّالي لا ارتياب فيه هو أنّ الهدف واحد، وهو جمع المواد الأساسية والوثائق الأمينة والضرورية التي تسهّل على المؤرخ الوصول إلى النتائج المطلوبة أثناء قيامه بعمل البحث والتنقيب، أو التحرير والترتيب لأنّ صرح الأمة يتوقف على توفي لبنات لتلك الوثائق وجمعها من مظانها، لاسيما الوثائق التاريخية منها التي لها أهمية كبرى ودور فعّال في استنباط تلك الحوادث المتسلسلة حسب الزمان والمكان .. ومعرفة رجالاتها وتاريخها، ومصدرًا مهمًا في علم التصّوف وفروعه، ومن هذه الوثائق التاريخية المهمة كتاب "فلك الكواكب" لمؤلفه محمد أبي عبدالله المغوفل.

■ التعريف بصاحب المخطوط :
سنكتفي في هذه العجالة بتلك الترجمة المخطوطة التي وضعها الشيخ المهدي البوعبدلي عند تعريفه للشيخ أبي عبدالله المغوفل حيث يقول : (هو محمد أبو عبدالله بن محمد بن واضح ابن عثمان بن محمد ابن الحاج عيسى ابن فكرون بن القاسم، ولد سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، وتوفي سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ودفن على حافة وادي شلف قرب وادي أرهيو)، قال عنه المؤرخ أبو راس الناصر المعسكري عند تعداده لعلماء مغراوة : (ومنهم الشيخ واضح بن عثمان بن محمد بن عيسى بن فكرون توفي سنة خمس وستين وثمانمائة، سماه أبوه على شيخه الشيخ واضح بن عاصم المكناسي دفين خنق أرهيو، ومنهم الشيخ أمحمد والد الشيخ أبي عبدالله الشيخ محمد صاحب القبتين بشلف، في بطائح أفرشان وكان رضي الله عنه ممن أكلته العبادة وانحلته الزهادة) وذكر العلامة المحقق الشيخ أحمد بابا التنبكتي في "ذيل الديباج" في ترجمة الشيخ واضح جد مترجمنا ما يلي : (واضح بن عثمان ابن محمد بن عيسى بن فكرون المغراوي أبو البيان الفقيه القاضي الأعدل الصالح) (2)، قال الونشريسي في وفياته بعد وصفه بما ذكر بلدينا وقريبنا توفي سنة ست وخمسين وثمانمائة) (3).
وهنا يقول الشيخ المهدي البوعبدلي : "وأظن أن ّالتاريخ الذي ذكره أحمد بابا في كتابه ذيل الديباج هو الأصحّ، إذ أنّ أجداد مترجمنا استوطنوا ونشريس ومواطنهم أحمد بن يحي الونشريسي أدرى بتراجمهم، ولربما نقل عنه أبو راس النّاصر المعسكري، ووقع له غلط في تاريخ الوفاة" (4).
وقد كان الجدُّ الأعلى السيد عثمان أي والد واضح معاصرًا للعلامة المؤرّخ الشيخ أبو عمران موسى بن عيسى المغيلي المازوني والد الشيخ يحي أبو زكرياء صاحب "الدرر المكنونة في نوازل مازونة" الذي أثبت في تأليفه القيم "ديباجة الافتخار في مناقب أولياء الله الأخيار" الذي خصّصّه لتراجم علماء وصلحاء شلف حيث قال في ترجمة الشيخ واضح اللُّنْتي دفين خنق وادي أرهيو السالف الذكر مايلي : "ومن مكاشفات سيدي واضح ما حدثني به القاضي أبو عمرو عثمان بن محمد عن ثقاة عن جده الحاج الرحال أبي مهدي عيسى بن فكرون أنه كلفه مرة أن تصنع له امرأته بنت المرابط أبي جنان برنسا" (5).
"لا تغزلوه إلاّ على طهارة ولا تنسجه إلاّ كذلك حتىّ كمل وقطّعه وأتى به إلى الشيخ فلمّا كان في الطريق أحرم بصلاة وإذا بأمير أتيا وهو يقول إليهم على برنوص الشيخ سيدي واضح تتعديتم على حمله إلى الشيخ، فلما رآه تبسّم وقال يا عيسى جعلنا لك السكين لتنزع به الشوك، فأذيت به الناس بها فازداد أبو مهدي شيخه يقيناً بما كتبه به"(6) .
وذكر العلامة الشيخ ابن القاضي في "جذوة الاقتباس" (7) في ترجمة الشيخ محمد بن علي الخروبي الطرابلسي دفين الجزائر وإمامها الشهير في بعض أسانيده أنه - أي الخروبي - كان يروي عمر أبي زيان المديوني عن أبي عبدالله محمد ابن يوسف السنوسي عن أبي اسحق ابراهيم التّازي. ويقول ابن القاضي في رواية أخرى "أخذ محمد بن علي الخروبي عم محمد بن واضح الشلفي والد سيدي أبي عبد الله صاحب شلف" من هذا يتبين لنا أن أسرة مترجمنا كانوا من أهل العلم وتوارثوا خطط القضاء.
وممّا يمكننا الإشارة إليه هو أنّ الشيخ عايش فترة تواجد العثمانيين ببلادنا، فكان الشيخ ذو مكانة عالية وذو مهابة كبيرة بين أوساط مجتمعه من الخاصة والعامة، وكان مهاب الجانب حتّى من السلطة العثمانية نظرًا لأهميته، وهو ما يشير إليه أبو القاسم سعدالله بقوله : حاول العثمانيون الاستفادة من نفوذه الروحي في أول عهدهم وتذكر المصادر أنّ ابن المغوفل قد ظهر أمره وهو ما يزال في تونس، وأنّ المشْيَخَةَ قد أُعطِيَت له هناك، ثمّ جاء منطقة الشلف ونزل بومليل حيث ظل يتعبد، ثمّ انتقل إلى ندايلة وكان لابن المغوفل ستة أولاد، اثنان منهم قد رافقا الحملة العثمانية على تلمسان" (8).
ودائما عن حياة الشيخ أبي عبدالله المغوفل الشيخ واضح يذكر المؤرخ أبو راس الناصر المعسكري في تأليفه "الحاوي لنبذ من التوحيد والتصوف والأولياء والفتاوي" (9) حيث يقول حكاية عن بعض كراماته قائلا : "حكي عن سيدي واضح أنه قال لرجل اذهب معي فمشيا لكديةٍ فقال للرجل أمعك سكين ؟ قال نعم فناوله إياها فقطع بها نباتا ورجعا فلمّا سئل الرجل سكينه وجدها رجعت ذهبا، فبهت فا أعلم أن سبب ذلك كان من النبات المقطوع بها بالأمس فعمد لجميع الحديد الذي ببيته وذهب للكدية وصار يقطع من كل نباتها حتى أعياه ذلك ثم رجع ومر على سيدي واضح فلمّا رآه تبسّم وكاشفه بالقضية، فقال : يا ولدي أين كنّا بالأمس فقال : كنا برأس هذه الكدية فقال : إنمّا كنّا بجبل قام".
وقد اعتبره أبو راس "أحد أعجوبات الدهر في علمه وورعه وكراماته، يشهد لعلمه قصيدة مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيها سبعون بيتا وليس فيها حرف يستحق النقط، بل كلّها عواطل من النقط، وكفى به حجةّ" (10) كما ذكر الصباغ القلعي عن سيدي موسى انّه سمع من سيدي واضح أنه قال : وقد قبض مع لحيته هذه اللّحية بفضل الله تنفع بعد موتها ما لا تنفع في حياتها".
من كراماته أيضاً يذكر صاحب زمزم الأخيار : "مرة استضاف الغزال المذكور (التمزغراني) كان خديماً للشيخ أحمد بن يوسف رحمه الله فاستضافه مرة في تمزغران فبسط له البسط والفُرش والوسائد وغير ذلك، فجلس الشيخ عليها مرة كونه ضيفاً عنده إلى أن ذهب ثمّ بعد مرة استضاف الغزال المذكور سيدي أبي عبدالله بن واضح نفعني الله به، ففعل له الغزال مثل ما فعل لسيدي أحمد فامتنع سيدي أبي عبد الله من الجلوس على الفرش وجلس على الأرض، فقال له الغزال لم لم تجلس عليها كما جلس سيدي أحمد بن يوسف فقال لد سيدي أبي عبدالله سيدي أحمد أُعطي له ونحن لم يعط لنا" (11).

■ الغرض من تأليفه لأرجوزة فلك الكواكب وسلم الرقيا إلى المراتب :
يمكننا أن نلحظ غرض تأليف المؤلف لكتابه من خلال قوله في الأرجوزة : وبعد في القصد بهذا الرجز تقريبه لنا بلفظ مؤجز. ظاهر اللفظ ليس بالمعقد ليحصل النّفع به للمبتدئ، فالغرض من التأليف إذن هو تقريبه للخاصة والعامة بشكل يسهل فهمه وحفظه، ذو معنى بسيط غير معقد، ذو عبارات سلسة وأفكار جزلة، سهلة المنال هذا من جاب ومن جانب آخر خصوصا عند ذكره لكلّ ترجمة هو التبرك "بمن مضى والحثّ على الانتفاع بهم وتنبيه الغافل عنهم لكي يرقى بسببهم إلى الصلاح، ومن هؤلاء علماء سكنوا البطحاء، مثل أبي عمران موسى الشاذلي، وأبي أيوب وابن أبي العافية، والسعدّي وأحمدوش.

■ التعريف بأرجوزة فلك الكواكب :
قد اشتهر مترجمنا بقصيدته في مدح النّبي صلى الله عليه وسلم، تحتوي على حوالي سبعين بيتا حروفها مهملة، كما اشتهر بمنظومة أخرى سمّاها "فلك الكواكب وسلم الرقيا إلى المراتب" أو كما يسمّيها البعض (بالفلك الكواكبي) في ذكر أولياء منطقة الشلف لأبي عبدالله المغوفل، والتي تعتبر أهم عمل تناول موضوع أخبار الأولياء والصّلحاء بعد (صلحاء الشلف) لموسى المازوني.
وهي عبارة عن رجز في تراجم صلحاء البطحاء كما أسلفنا آنفاً، وأولياء منطقة الشلف حوالي أربعة قرون، مبتدئاً بالقرن السادس ومنتهياً بالقرن التاسع، وطريقته أنّه يذكر الولي بالاسم الذي اشتهر به وإن لم يكن كذلك سمّاه بما اشتهر به من صفة أو نسبٍ حتّى يأتي من يعرفه باسمه وهي الأرجوزة التي سنحاول تسليط الضوء عليها وتحتوي هذه المنظومة على حوالي خمسين ومائتي بيت قال في مستهلها : وبعد ذا أذكر ما وعيت من الأشياخ وعنهم رويت مناقب بعض أهل الإغاثة منشأهم في القرون الثلاثة.
مشهور الاسم إن فشا سميته وغيره إلى غيري أسلمته إلى أن قال : منهم رجال سكنوا البطحاء كانوا بها بدورا أصفياء لم يعرفوا قبورهم في عصرنا ألامع التمني في أماكنا فكلهم درسوا باندراس زمانهم فهم من المناسي.
وممن مدح مترجمنا وذكر قصيدته المتقدمة الذكر في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، العلامة المجاهد الشيخ أبو زيد الحاج دفين ضواحي البطحاء قرب سيدي خطاب، وكان معاصرًا لسيدي عابد حفيد المترجم قال : على جبل الصفاح مع وريزان ووادي أرهيو وأزروثمان سلام ومن بينهم خصوصا صاحب القبتين هي له فوق فوق العلويات مقام.
ثم يذكر الناظم الظروف التي تعرف فيها بالمترجم وقصيدته فقال : وقد كنت قبل اليوم لا أعرف قدره مكانته في العلم كيف تقام تعم شهرة الآثار عمت أفقه بأنه قطب شلفها وإمام، سماعا على الإجمال غير مفصل فيا ليتني منه عنه جاء كلام ولما فتح الله في السير لابنه عليا زين العابدين الهمام.
(وعلى زين العابدين هو المعروف بسيدي عابد) تحدثنا والحديث شحه ببعضه فثار لميدان الحديث قتام، فقال للشيخ عندي قصائد فقلت له ومثله ما يقام فقم أو أقم من يأتينا بها عاجلا قبال فور للشيخ استكان قيام، فناولنيها بعد أن جاء بها قائما ولكل المفعولات تمام فلما فتحت الطرس وانحل عقده بدت لي درر في السمو فخام إلى أن قال : فجاء بها صماء لا نقط فيها بل منورة بنوره لا ترام له فيها منها شاهد ومحاهم فإنه في الثلاث حقا إمام، معان بيان مع بديع جزاه ربه الأوفى والخطوب جسام واسكنه الفردوس منزلة العلى بدار السلام فيها معه تدام.
تكلم المغوفل عن أخبار هؤلاء الأولياء وعن مناقبهم، وسميّ بعضهم بأهل الغوث وآخرين بالبدور، كما تحدث عن خصائص المريدين والأولياء ودرجات كل منهم وسلوكهم نحو الآخرين وذكر أنّ الغرض من ذكرهم كما أسلفنا هو التبرك بهم لينبه الغافل ويتوب المذنب ومن هؤلاء الشيوخ رجال سكنوا قرية البطحاء لكنّ قبورهم قد درست باندراسهم إلاّ ما ندري كالشيخ أبي عمران موسى الشاذلي الذي أفاق وسكن قرية أخرى، وهو من علماء الظاهر والباطن، ومن أشراف هوارة ومنهم أيضا أبو أيوب والبزاغتني وراشد وعبدالجليل المسيلي، وابن أبي العافية والسعدي صاحب الكرامات التي أخاف بها الأمير لولا أنّ قد طلب العفو منه وأرسل إليه الهدية فعفا عنه ورضي، ومنهم أحمدوش الملقب بالأحمد الزاهد الذي كان يتقن تجويد القرآن الكريم، والذي أصبح معلما للصبيان بأجرة مع لذيذ الطعام.
بالإضافة إلى صلحاء البطحاء ذكر نفراً ممن سكنوا غرب وشرق وجنوب القلعة ودافعوا عن البلاد وحرصوها ضد ظلم الحكّام، ولكن انعكس الأمر بسوء الحال فذلّ العزيز وفقر الغني، فإلى أين المصير ؟ فلعلّ الفرج سيكون واليسر بعد العسر يستبين.
وذكر المغوفل بعد ذلك شيوخ شيوخه وخصّ بالذكر علي الجوثي الذي قال أنّ الأرض قد ازيّنت به وأنّه حمل لواء العلم وكان يجمع بين السنّة والتصّوف وكان يجيد الحديث والتفسير والمنطق والأدب "فالزمان لا يأتي بمثله" (12).
والجلّيُ أنّ ابن المغوفل كان بسيط المعرفة وأنّه سجل في هذه الأرجوزة ما وسعته ذاكرته أو أخبره به الناس ووجده في بعض المصادر عن حياة صلحاء الشلف، رغم حشوه بكرامات الصالحين، ولكنّ عمله على كلّ حال يعكس روح وبضاعة العصر.
وكما ذكرنا آنفا أنّ الشيخ المغوفل عاش في بداية العهد العثماني، ورجزه قصير وبسيط، ومن سوء حظّه أنّ أحداً لم يعمد إلى شرحه وتوضيح التراجم التي لمّح غليها أو اختصرها، وبذلك ظلّ محتوى الرجز غامضا، فكثير من الأسماء التي وردت فيه غير معروفة إلاّ للنّاظم.
كما اشتهر المغوفل بقرض الشعر الذي تناول فيه حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ورغم شهرة هذه القصيدة وأهميتها وشيوع الشروح في ذلك العصر فإننا لا نعرف أنّ أحداً قد تناولها بالشرح.
إنّ رمزية هؤلاء العلماء الأفذاذ والأولياء الصلحاء، أضفى الجزائر جوا روحانيا مشرقا بنفحاته الربانية العبقة، ذلكم أنّ شخصية مثل شخصية الشيخ أبي عبدالله المغوفل وغيره من علماء وصلحاء هذا الوطن، ظلّ منارة إشعاع للثقافة العربية الإسلامية عبر العصور بفضل هؤلاء العلماء الأعلام والصلحاء الأخيار ومدوناتهم استطعنا أن نتحرى سجلات لا تعد ولا تحصى من الحوادث التاريخية المهمة التي سهى المؤرخون عن تبيانها إمّا سهوًا أو عمداً.
ومن بين العلماء الربانيين الذين كانت لهم صولة وجولة عبر مختلف جهات هذا القطر كتابة عن علماء وصلحاء عايشوا فترة العهد العثماني الشيخ أبي عبدالله المغوفل الذي رسخّ علوم الحقيقة والشريعة في داخل بطحائه وخارجها. وممّا لا عجب فيه ولا غرابة هو أنّ المغرب الأوسط ظلّ خلال فترات وحقبات متتالية محافظا على هويته وشخصيته من خلال هؤلاء العلماء الأعلام والصلحاء الأخيار ومدوناتهم، وهذا إن دلّ على شيء فإنمّا يدلّ على مدى تشبّع علمائنا وأوليائنا بعلم الحقيقة والشريعة شرعة ومنهاجاً.
فتاريخ المغرب الأوسط لاسيما الناحية الغربية منه يؤكّد أنّ العلاقة وطيدة بين العلماء والأولياء وبين المتصوفة والفقهاء، والتي تقوم أساساً على إتباع الشريعة والسّنة المحمدية، والتربية الروحية والتزكية النفسية مما جعلهم يحظون المكانة المرموقة والمعطاة لهم وتلكم سطور خاطفة عن حياة الشيخ أبي عبدالله المغوفل وكتابه فلك الكواكب الذي حوى في طياته وثناياه علماء وصلحاء هم شموع مضيئة على درب التقوى والصلاح والهداية الربانية إلى كلّ خير وفلاح، التي تبقى وفية لتراثها الروحي الحضاري فهي إذن رسالة حضارية سامية تعمل على ترسيخ الروابط الروحية بين هؤلاء الأعلام لجيل الغد.
ولن يتحقق ذلك إلاّ بتفعيل قيمنا الإسلامية الحضارية المثلى في مجال خدمة التراث العربي تراث أجدادنا وموروثنا الثقافي الأصيل الذي يعكس هويتنا وشخصية بلدنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
■ الهوامش :
1) صاحب هذا الكتاب هو الشيخ سيدي أحمد بن المبارك السجلماسي، يقع هذا المخطوط في 14 ورقة، لناسخه الشيخ محمودي البشير رحمه الله، أحد نسّاخ المخطوطات ببلادنا لاسيما الناحية الغربية منها نسخه يوم السابع من سبتمبر من عام 1989م الموافق للسابع من صفر من عام 1410هـ. المخطوط بخزانة الشيخ البشير محمودي، البرج، معسكر.
2) أبو القاسم سعدالله، تاريخ الجزائر الثقافي من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر الهجري. الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر ط1981.
3) الشيخ المهدي البوعبدلي، محمد أبو عبدالله المغوفل دفين وادي الشلف، رسالة مخطوطة، خزانة الشيخ المهدي البوعبدلي بطيوة ـ وهران ـ الورقة : 2.
4) المصدر نفسه، الورقة : 2.
5) المصدر نفسه، الورقات : 2 - 3.
6) أبو عبدالله المغوفل، فلك الكواكب، نسخة المكتبة الوطنية الجزائرية، رقم : 2259 الورقة : 07.
7) الشيخ أبو عمران موسى بن عيسى المغيلي المازوني، ديباجة الافتخار في مناقب أولياء الله الأخيار، خزانة الشيخ المهدي البوعبدلي بطيوة ـ وهران ـ الورقة : 12.
8) ابن القاضي، جذوة الاقتباس، نقلا عن رسالة مخطوطة للشيخ المهدي البوعبدلي، الورقة : 3.
9) أبو القاسم سعد الله، المرجع السابق، ص : 123.
10) أبو راس الناصر المعسكري، عجائب الأسفار ولطائف الأخبار، مخطوط خاص الورقة : 26.
11) أبو راس الناصر المعسكري، الحاوي لنبذ من التوحيد والتصوف والأولياء والفتاوي، مخطوط خاص الورقة : 45 راجع : أبو راس الناصر المعسكري، الخبر المعرب عن الأمر المغرب الحال بالأندلس وثغور المغرب، مخطوط خاص، الورقة : 4.
12) أبو عبدالله محمد بن محمد بن أحمد بن علي الصبّاغ القلعي، بستان الأزهار في مناقب زمزم الأخيار، مخطوط خاص الورقة : 6.
13) أبو عبدالله المغوفل، فلك الكواكب، نسخة الشيخ البشير محمودي / ونسخة الشيخ أبي عبدالله شراك.