من أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : زهير محمد مليباري.
إجمالي القراءات : ﴿5172﴾.
عدد المشــاركات : ﴿15﴾.

الجمال الفني.
■ لا شك أن هناك حاسة في باطن النفس تفطن للجمال وتحسه وتستجيب له، ولكنها لا تحسب ولا تقدر، وإنما تدركه بالفطرة السليمة عن طريق الروح في إدراك الجـمال لا على طريقة الذهن ومقاييسه الحسابية وأبعاده المادية. وقد يتدخل الذهن في تقدير الجمال، واضعاً شروطه ومقاييسه عليه، ولكنه ليس هو الذي يقدره في الحقيقة، فهو حين يقوم بوضع الشروط والمقاييس يستخدمها في الحقيقة من الفطرة الطليقة التي تدرك الجمال لأول وهلة دون تفكير.
فالفطرة هي الموكلة بالجمال لا الذهن، فمن العسير أن نضع للجمال القواعد الحاسمة ونرسم له الحدود القاطعة، كالقضايا الذهنية الفاصلة أو الفلسفية الخالصة، وحين يتعرض الذهن للجمال، فهو كما قلنا يستمد مقاييسه من الفطرة السليمة، فلا تجيء هذه المقاييس من الذهن خالصة، ولا قاطعة حاسمة كالحقائق الرياضية أو التجارب العلمية، ويمكن مع ذلك أن نصدر أحكاماً شاملة، ونضع قواعد عامة، تيسر لنا الحكم في قضايا الجمال، وإن كانت لا تكفي وحدها للحكم على كل حالة مفردة، حيث لابد من استخدام الفطرة التي تتذوق الجمال ولا بديل لنا من استخدام ترجمة الذهن وبعض المقاييس لنفهم أوصاف الجمال. ويبقى أن نسأل أنفسنا ما إذا كان الموضوع المباشر والأساسي لعلم الجمال هو جمال الفن أو جمال الطبيعة ؟
إن الالتباس بين هذين النوعين من الجمال وهم من الأوهام الأكثر انتشاراً، والأكثر ضرراً، فنحن نقدر لوحة فنية، بثراء ألوانها وتوازن نسبها وتركيبة عناصرها، ونضارة أدائها وجمال موضوعها، فنحن نقدرها بكل هـذه الأشياء مجتمعة لا بشيء أو شيئين منها. فأغلب المتلقين يطلب أن يجد في العمل الفني متنفساً له، أو نفس الأشياء التي يعجب بها ويحب مشاهدتها في الطبيعة كمثل أعلى يتطلع إليه على الدوام، فهي لا ترضى أن يكون لديها نوعين من الإعجاب لنوعين من القيم لا يوجد بينهما قياس مشترك عام، هذه اليقينية العامة يعتمد عليها كثير من أصحاب الرجوع إلى الطبيعة كفيصل لأحكامهم الجمالية، يقول ديلاكروا (الطبيعة الفنانة هي أمامنا كأنها عمل فني)، وفي الحقيقة هناك جمالين في الطبيعة جمال الطبيعة الخام وجمال الطبيعة النموذجي المنمق، وكليهما له قيمة متفاوتة نحس بها ونتذوقها.
ونستعجب حينما نعرف أن الجمال ليس ضرورة من ضروريات الحياة كالهواء والماء والطعام وإنما هو عنصر زائد عن الضرورة يأتي بعد إشباع الغرائز الحيوانية في الإنسان، وهو مع ذلك ما يميز الإنسان من الحيوان لأنه يدرك بالحواس ويترجم بالعقل وتميل له الأحاسيس والعواطف فتخرج عن طريق إفرازات فكرية برؤية فنية تصوغها يد الفنان المعجب بها يحولها إلى علاقات وعناصر جمالية تطرب المشاعر وتدغدغ الأحاسيس وتخاطب الوجدان.
ويمكن القول أيضاَ بأن المهن الحرفية كالنجارة والحدادة وغيرها من الحرف اليدوية، صناعة وليست فناً، فالجمال ليس عنصراً أساسياً في بنائها، وإنما المنفعة هي الأساس فيها، وهي من باب تلبية الضروريات وليست الكماليات، فالحرف والصناعات ليست فنوناً وإنما هي صناعات وحرف قد توصف بالدقة والمهارة والإتقان، ولكن نسبتها إلى الفن غير صحيحة، وذلك لفقدان العناصر الأساسية في فنيتها وهو قصد الجمال فقط.
فالفن يكون فناً إذا كان جميلاً، وإلا فهو حرفة أو صنعة لا يتعداها إلى غير ذلك، فكل فن هو فن جميل وإطلاق هذه الكلمة على غير هذا هو من باب التوسع المجازي وعلى هذا نقول : فن القول، فن جميل لأنّ الجمال مقصود فيه، والجمال فيه من باب التحسينات، والرسم والنحت والموسيقى فن لأنّ الجمال أساسي فيها، وإمكانية إيجاد الإبداع والتجديد من أساسياتها، وهما من باب الكماليات وليس الضروريات.
أما تصنيف الفنون الجميلة، أمر لا يغير من طبيعتها، ولا يؤثر في عددها لأن الجمال يدرك عن طريق الحواس، لا عن طريق القواعد والقوانين المادية يقول الأمام الغزالي : (لكل حاسة إدراك لنوع من المدركات، فلذّة العين في الإبصار وإدراك المبصرات الجميلة والصور المليحة، ولذّة الأذن في النغمات الطبيعية الموزونة)، فالجمال قيمة فطر الناس عليها وأحسّوا بها قبل أن يقننوها ويأطروها بمقاييس وحسابات ونظريات مادية.