أحدث المقالات المضافة إلى القسم.

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمُ الكاتب : عثمان أيت مهدي.
إجمالي القراءات : ﴿5353﴾.
عدد المشــاركات : ﴿33﴾.

الحاسوب وبيداغوجيا الفارقية.
تبدو البيداغوجيا الفارقية من الناحية النظرية جميلة ورائعة، لكن كلما اقتربنا منها أكثر محاولين تطبيقها على الميدان كلما ازدادت ضبابيتها وصعب على المسؤولين والمربين تجسيدها.
فلا يعقل أن يخصص درس لكل تلميذ، كما لا يعقل أن تصنف المجموعات الطلابية حسب مستواها وإمكانياتها. وبالتالي تصبح بيداغوجيا الفارقية فكرة براقة تسبي الناظرين، لكن لا أحد يقوى على الاقتراب منها.
إلا أن التقدم الحاصل في ميدان البرمجيات يشجع المربين على الاستفادة من هذه البيداغوجية تنظيرا وممارسة، بدءا من عملية التعليم العامة وانتهاء بمعالجة النقائص التي يعاني منها الطالب، بإعطائه دروسا خاصة ومتنوعة تناسب إمكاناته وتراعي خصوصياته من الناحية العلمية والاجتماعية والثقافية والنفسية.
وسعيا إلى اعتبار الحاسوب وسيلة فعالة للتدريس المبرمج، ورغبة في الاستفادة من خدماته المتنوعة، تعمل بيداغوجيا الفارقية إلى إحلال هذا الجهاز محل المدرس أو المربي لأنه أكثر تكيفا لمتطلبات المتعلم، فهو يقوم بوظيفة التدريب والممارسة بإعطاء المتعلم سلسلة متدرجة من التمارين والأنشطة المتنوعة.
كذلك من إيجابيات التعليم بالحاسوب في حال الفروق الفردية هي المرونة في استعمال هذه الأداة، فالحاسوب ليس مجرد وسيلة تعليمية شأنها شأن وسيلة تعليمية أخرى كالكتاب أو الصورة أو الفيلم الوثائقي. وإنما هو وسيط يتكون من عدة وسائط مجتمعة، تمكنه من القيام بوظائف عديدة في آن واحد، مما يوفر للمتعلم بيئة تعليمية بنظام اتصال ذي وظيفتين هما :
1. وظيفة التدريس الخصوصية :
يبرمج فيها الحاسوب لتدريس موضوع ما من خلال سلسلة من الأطر التي يتم تجهيزها بعناية، حيث تقدم المعلومات والأفكار مجزأة إلى سلسلة من الخطوات الصغيرة، وبعدها تقدم كل خطوة على شاشة الحاسوب تطلب من المتعلم الإجابة، إن كانت إجابة المتعلم صحيحة انتقل المتعلم إلى نقطة تعليمية ثانية، وإلا يعود المتعلم إلى مراجعة النقطة التعليمية الأولى، أو يزود الحاسوب ببرنامج يحتوي على إجابات صحيحة تقدم للمتعلم بغية تصحيح أخطائه.
كما يمكن التصرف في تسلسل الدروس بما يتماشى مع حاجات الطالب التعليمية الفردية، وبذلك يستطيع كل طالب التقدم في تعلمه بشكل مستقل عن غيره من الطلاب، وأن يتعلم وفق ما يناسب قدراته واهتماماته ومستوى تحصيله.

2. وظيفة تقييمية :
يمكن للحاسوب أن يؤدي وظيفة تقييمية، فيوجه الطالب إلى نقطة البداية المناسبة له وذلك طبقا لنتائج الاختبارات التشخيصية التي تقدم في مستهل السلسلة التعليمية، من جهة أخرى يستطيع المدرس أن يتابع تقدم كل طالب على حدة، أو يكشف عن الصعوبات المشتركة التي تصادفها مجموعة من الطلبة، وذلك على ضوء نتائج الاختبارات التشخيصية.
إنّ البرنامج الإلكتروني الذي يشتغل على وحدة تعليمية معينة وفق منهجية واضحة المعالم ومعلومات دقيقة ومضبوطة هو أشبه ما يكون بالمدرس الخصوصي للطالب، لكونه يتيح له إمكانية دعم المهارات التي يجد فيها بعض الطلاب صعوبات، من جهة أخرى يتيح له كذلك إمكانية إدخال مادة أو نشاط إضافي للوفاء بحاجات كل طالب على حدة.
على الرغم من أن هذه الوظائف تدور في نطاق الوظائف التعليمية التقليدية، إلا أن الجديد يتمثل في تقديمها للطالب بطريقة التدريس الذاتي دون مدرس، كذلك يتيح البرنامج في حال تغيب الطالب لسبب من الأسباب الفرصة لمراجعة أو تعويض ما فاته من دروس. أو يزود الطالب بدروس إضافية أو بديلة لدعم الموضوع الذي يقدمه المدرس.

● بالإضافة إلى ما تقدم، يمكن للحاسوب في حال بيداغوجيا الفوارق أن يقدم الخدمات التالية :
1- يقدم المعلومات في أي وقت دون أن يتطرق إليه التعب والإجهاد أو الملل.
2- يستطيع توصيل المعلومات من مركزها الرئيسي إلى مسافات طويلة.
3- يسد النقص في حال عدم وجود مدرسين أكفاء.
4- يساعد الطالب على اجتياز بعض الصعوبات التي قد تحول دون مواصلته للدراسة.

● هذه أمثلة توضيحية لبعض التمرينات التي تقدم بواسطة الحاسوب :
على سبيل المثال يمكن من نفس التمرين أن نقترح أسئلة مختلفة ومتدرجة من حيث الصعوبة مستويات مختلفة.
• مثال ذلك التمرين التالي المناسب لأقسام السنة الرابعة ابتدائي ـ نريد طلاء حائط طوله 5.50م وعرضه 4.50م :
1. احسب مساحة الحائط.
وجدنا أن طلاء واحدا للحائط لا يبرز جماله، لذلك رغبنا في طلاء ثان.
2. ما هي مساحة الطلاء ؟
إذا كان اللتر الواحد من الطلاء يملأ مساحة 5 أمتار مربع.
3. ما هو عدد اللترات من الطلاء الواجب استعماله ؟
يباع اللتر الواحد من الطلاء بـ 200 دج و5 لترات بـ 950 دج.
4. كيف تختار ثمن الطلاء باعتماد طريقة الأقل تكلفة ؟
5. ما هو ثمن الطلاء الضروري للحائط ؟
قد يكون السؤال الأول من التمرين في متناول جميع التلاميذ من نفس المستوى، وقد يكون أسهل بكثير مما نتصوره عند بعضهم من الممتازين، لذلك نتدرج في الأسئلة بشكل تصاعدي من الأسهل إلى الأصعب، ثم نطالب هؤلاء التلاميذ بالإجابة عن السؤال الثاني ثم الثالث. لتكون الإجابات حسب مستويات التلاميذ العقلية.
كذلك يمكن تبسيط العملية أكثر للتلاميذ الأكثر ضعفا، من خلال تجنب الأرقام ذات الفواصل، كأن تكون المعطيات على الشكل التالي : الطول 5م العرض 4م.

• مثال آخر في الإملاء :
يسجل النص على شريط سمعي، أو على الحاسوب بتؤدة وتأن حتى يتمكن التلميذ من استيعاب الكلمات وإعادة كتابتها، ثم يطلب منه إعادة النص بعد سماعه إما على الكراس أو على الحاسوب من خلال صفحة من صفحات الورد Word.
إذا كان الورد قد زود ببرنامج تصحيح الأخطاء الإملائية والنحوية وبقاموس متعدد اللغات فإن التلميذ سيتعرف على أخطائه بمجرد كتابتها، وشرح الكلمات التي تبدو صعبة. وإلا يزود الحاسوب ببرنامج التصحيح الإملائي والنحوي ليتمكن التلميذ من تصحيح أخطائه بنفسه.

• البحث الموجه في الرياضيات :
طريقة أخرى للتصحيح الذاتي بواسطة الحاسوب، عندما يحتار التلميذ من أين يبدأ تمرينه وكيف يقيم الحسابات ؟ نأخذ التمرين التالي لأقسام السنة الرابعة ابتدائي.
نريد غرس أشجار مثمرة في حقل مستطيل الشكل 72م طولا و24م عرضا تكون المسافة بين الشجرة والأخرى 3م وتغرس على طول الحقل في 8 صفوف.
يكلف ثمن غرس شجرة في الحقل 320 دج. ما هو ثمن غرس جميع الأشجار في الحقل ؟
طريقة البحث : سيكتشف التلميذ أن نص التمرين يحتوي على بعض الفخاخ التي يجب التنبه لها، مثل المعطيات الأولى التي توحي بالبحث عن مساحة الحقل أو محيطه، وهي عملية غير مطلوبة تماما أو البحث عن المسافات الفاصلة بين الأشجار.
يقدم نص للتلميذ، يحتوي على أخطاء كثيرة. ثم يطلب منه تصحيح الأخطاء مباشرة على الحاسوب، وبعده يقارن التلميذ النص الأصلي الخالي من الأخطاء والنص الثاني المقدم للتصحيح.
تقدم للتلميذ كلمات غير مرتبة ويطلب منه ترتيبها ليستقيم معناها مثل : (مختالا الربيع ضاحكا أقبل) ثم الانتقال من ترتيب الكلمات إلى ترتيب الجمل ليستقيم معنى الفقرة.

هذه نماذج قليلة لما يمكن أن يقدمه الحاسوب للمتعلم، وما أكثر النماذج والبرمجيات التي توضع خصيصا لمعالجة أو دعم مستوى الكثير من المتعلمين الذين يعانون من بطء أو تأخر أو صعوبة التعليم.
أصبحت بيداغوجيا الفارقية ممكنة بتطور البرمجيات وظهور التعليم الإلكتروني، وأصبح ما كان مستحيلا بتوفير مدرس لكل تلميذ حقيقة ملموسة وذلك بتوفير حاسوب لكل تلميذ ينهل من علمه ويستفيد من فيضه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
■ المراجع :
1. Anny Versini Jean-Marc Versini Ordinateur et pédagogie différenciée. Nathan pédagogie. 2001.
2. Halina Przesmycki. Pédagogie différenciée. Hachette éducation 1997.
3. الكمبيوتر والعملية التعليمية . د. مجدي عزيز إبراهيم . مكتبة الأنجلو المصرية 1998.